تويت
«تفجيرات 9/11 عمل فني عظيم»
حسين صالح
كارل هاينز ستوكهاوزن كان موسيقارا مبدعا ومجددا. وكان صريحا أيضا. عندما قامت مجموعة محمد عطا بمهاجمة برجي مبنى التجارة العالمي في نيو يورك بطائراتي ركاب بركابهما، وبعدما تكشف قتل الآلاف في الهجوم، وقف ستوكهاوزن ليعلن أن الهجوم “أعظم عمل فني في التاريخ وفي كل الكون.” واستغرب كل من استمع اليه خلال المؤتمر الصحفي لكن بعد ذلك بدأت خطة مرسومة لتدمير ستوكهاوزن حيث ألغيت حفلاته وحذفت موسيقاه من المهرجانات في الولايات المتحدة بالذات.
هناك من لم يخف دهشته من الهجوم الإرهابي على نيو يورك. منهم المسرحي الإيطالي الحائز على نوبل للآداب داريو فهو الذي قال في إيميل وزعه على أصحابه في وصف الحدث: “ومضة رائعة من البهجة تصيب اقتصادا طالما تسبب في قتل الملايين من البشر كل عام وما الغريب في أن يُقتل الالاف من شعب يقتل الملايين؟ ومهما كانت هوية الفاعلين فإن هذا العنف هو الأبن الشرعي لثقافة العنف والجوع واستغلال الانسان بشكل غير إنساني.”
هذا كلام عنيف لكنه عقلاني يظهر موقف معاديا للولايات المتحدة والرأسمالية.
ولم يكترث الاميركان كثيرا للحدث وكأنهم فقدوا الحساسية ازاء هذا النوع من الهجوم.
الغضب الحقيقي انصب على الموسيقار الطليعي ستوكهاوزن فأشهر الكل سيوفهم وانهالوا عليه وعلى قيمته الفنية. ولم يسكت الموسيقار بل استفاض في شرح رؤيته الفنية للهجوم على نيو يورك، اذ قال موضحا إن محمد عطا وجماعته “ابتدعوا فعلا لم نحلم كموسيقيين من بلوغه: نقلة يرومها الفن ولم يدركها. هؤلاء (يقصد المجموعة الإرهابية) تمرنوا بجهد مكثف لإنتاج عمل بلغ الكمال في الفن وحققوا النقلة الكبرى التي لا شيء من ورائها سوى الموت. ولم يكن الرجل مسرفا تماما في المديح فأضاف “هناك جريمة في الواقع: جريمة أن الجمهور الذي مات من جراء الفعل الفني لم يتم تبليغهم ولا استحصال موافقتهم وهذا ما لا يجوز.”
هذا كلام، كما ترون، يحدد تعريفا للفن قد يبدو غير مألوف لكنه صريح ولا يخلو من الصواب. الفن ليس فعلا إنسانيا حنونا بالضرورة، فهو في وظيفته الأولى شطط وجموح سواء في القسوة أو في الإنسانية. التاريخ يذكر لنا ان نيرون حرق روما وهو يدندن بقيثاره في لحظة استمتاع ونشوة. وهذا توماس مان، وهو روائي عظيم ومن أبرز مثقفي القرن العشرين، يعلن بدون تردد أن هتلر ناتج عن الفن. وفي تاريخنا الأدبي يمثل الحطيئة وابن مفرغ الحميري وجرير بن الخطفي في مواقف يمليها الشر والحقد الذي لا يعرف مهاودة ضمن شعرهم الرائع.
ظلت السيوف مشهورة في وجه ستوكهاوزن حتى بعد وفاته في ديسمبر 2007. لكن القبضة على الفأس بدأت تتراخى واحتفلت لندن في موسمها الموسيقي عام 2008 بانجازاته الفنية بعد وفاته بشهور. وهناك حفلات في ألمانيا وفرنسا ولندن تعيد تأهيل المسيقار الطليعي الابرز (من حيث خرق المألوف) في القرن العشرين والواحد والعشرين.
يبدو أن أوروبا مستعدة لطمر السيوف وقد تتردد امريكا لبضع سنين لكن منجز ستوكهاوزن يستطيع الانتظار. قريبا سيأتي أوان دفن السيوف.