تويت
«الدراويش» لوحات تتدفق منها براءة المتخيل الشعبي
تنبني لوحات «الدراويش» على عنصر التقشف التكوينيّ والكروماتيكي
بشرى بن فاطمة
تتميّز أعمال «الدراويش» التي يقدّمها رؤوف الرفاعي بالطرافة أراد من خلالها التلميح باعتماد مفارقة واضحة لكنها تقود إلى التباس داخليّ متفرّد، فالفكرة المتعارف عليها عن «الدراويش» تثير هالة صوفية وحالة انجذاب، كما تثبّت صورة جديّة لا مزاح من خلالها، وفي الاستخدام الشعبي تعبّر عن مفهوم الطيبة المفرطة التي تصل حدّ السذاجة.
وما قام به الرفاعي يتمثّل في تفتيت هذه الرؤية، حيث ركّز على تفاصيلها المريبة ليسمها بالمبالغة، والتضخيم، ويشدّد على ملامح بعينها، وأحياناً يسخر من بعضها ويعزّز هذا المنحى باستخدامه الألوان التي تصير، في مرات عديدة، صارخة، صريحة، بل وحشية وفق ملامح غرافيكية ذات خط خارجيّ قويّ، بأسلوب طفوليّ فطريّ، يمزجها ويخلطها مع مرجعيات، تنصهر كلها ضمن إرادة شخصية تسير بالمنجز الفني نحو الغرابة.
تخلق الطرافة التي يركّز عليها الرفاعي في أعماله نقدا ثقافيا لا يحيد عن الملامح التشكيليّة، ممزوجا بحس عاطفيّ، اعتمد الأكريليك، حتى يتمكّن من الاحتفاظ بدفء التدفّق البدائي، لتنبني لوحات «الدراويش»، على عنصر التقشف التكوينيّ والكروماتيكيّ.
تبدو مجموعة «الدراويش» التي يشكّلها الرفاعي من عناصر مكتملة بينها تتمسك ببنية بلاستيكية بديهية، وتكوين دقيق، تحتفظ بتوازنات داخلية تجعل من الفضاء مناسبة لأن يحضر بصفته عنصرا بلاستيكيا جوهرياً، بقدر أقلّ من الاندفاع، والألوان تعتمد وفق تقنيات شخصية.
يجسّد الرفاعي تنصيبات مجموعته هذه وفق أسلوب الفن المفاهيمي الذي يبدأ من الفكرة ويفضّلها على التنفيذ، أو يجعل لها الأسبقية، مفاهيم مبثوثة في المنجز، عبر مفردات لا تبدو من الطينة نفسها، لها إحالاتها ومناخاتها، الهيكل العظمي والدراجات الهوائية أو النارية والبورتريه النحتي الواقعيّ، مفردات يعبّر من خلالها عن الزائل المؤقّت، فتطغى الغرابة الموصوفة في عمله بالمومياء ورأس الدرويش المستلقي وحده مرة ومع كامل جسده مرة أخرى، فهو يجعل المفارقات تتصاعد بتوجه ميتافيزيقي مثل مفهوم الموت والوجود.
إن لوحات الدراويش تتميز بطغيان اللون الأحمر والألوان الحارة عموماً وهي تتشكل من أكثر من عنصر واحد أو اثنين وتحتفظ بتوازنات داخلية تجعل من الفضاء مناسبا لحضور صفة عنصر البلاستيك. وتظل فكرة الدراويش طريفة رغم أنها لا تركز حقيقة على «المزاح» حين تتأمل جوهر اللوحات.