Announcement

Collapse
No announcement yet.

فيلم «الإمام وأنا» عبد الله هارون ضد العنصرية للمخرج خالد شامس

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • فيلم «الإمام وأنا» عبد الله هارون ضد العنصرية للمخرج خالد شامس

    “الإمام وأنا”: مقارعة الفصل العنصري حتى الرمق الأخير






    الامام الراحل عبد الله هارون تحول الى اسطورة بعد شهادته
    عدنان حسين أحمد
    لندن – نظراً لأهمية فيلم «الإمام وأنا» فقد تمّ عرضه في معهد الفيلم البريطاني بلندن واستضافة مخرجه المبدع خالد شامس الذي أجاب بسلاسة ودقة على أسئلة الحضور الذين أثرت عليهم قصة الفيلم المأساوية وأثارت تعاطفهم الكبير مع الإمام الراحل عبد الله هارون الذي اغتالته يد القوات الأمنية لنظام الفصل العنصري وادعت زوراً وبهتاناً بأن الإمام قد سقط من سلّم عالٍ ومات متأثراً بجراحه، فيما كشف التقرير الطبي عن وجود رضوض وكدمات كثيرة تعود إلى ما قبل حادثة السقوط المزعومة في 27 سبتمبر-أيلول عام 1969، الأمر الذي يكشف، بما لا يقبل الشك، عن بشاعة النظام الجنوب أفريقي الذي هيمنت فيه الأقلية البيضاء على الأكثرية السوداء وفتكت بهم على مدى أربعة عقود لحين سقوط نظام الأبارتايد وحصول جنوب أفريقيا على استقلالها عام 1991.
    ينطلق المخرج خالد شامس من الشخصي إلى العام، ومن الذات إلى الموضوع في تصوير النفس التراجيدي الكامن في قصة جده التي ألهمته سردها بطريقة بصرية على مسامع الناس لأنها تعود إلى تراث جده الشخصي من جهة، كما أنها قصة المخرج نفسه من جهة ثانية لأنه ظل مسكوناً بهاجس الاغتيال المريب، ولعلها تكون قصة العائلة برمتها من جهة ثالثة لأنها فُجعت بهذا الجد الذي ناصب سياسة الفصل العنصري العداء وقاومها حتى الرمق الأخير بطريقة سلمية حضارية ولم يشجع أتباعه ومناصريه قط على حمل السلاح ومع ذلك فقد اتهموه بالتطرف والإرهاب وتهديد الأمن الوطني للبلاد بغية الإجهاز عليه أو قتله في ظروف غامضة.
    لا ينكر المخرج خالد شامس أن قصة الفيلم شخصية، لكنه يحاول روايتها بصريا لأنه يعرف جيداً تأثير السينما على عامة الناس، ولو كان روائياً أو فناناً تشكيلياً، على حد قوله في أحد اللقاءات الصحفية، لحوّلها إلى رواية أو لوحة فنية يخلِّد فيها معالم جده الوسيم الذي حاز ذات مرة على لقب «آنق رجل» في كيب تاون.
    لقد وضع خالد شامس ثقته المطلقة في السينما واختار الفيلم الوثائقي الطويل نسبياً إطارا لهذه القصة التي تنطوي على أبعاد درامية شديدة التناقض والتأثير. فحينما توفي الإمام عبدالله هارون خرج في تشييعه نحو عشرين ألف مواطن، لكنه حينما كان مودعاً في السجن لم يزره إلاّ عدد محدود جداً من الأهل والأصدقاء المقرّبين له. وعلى الرغم من حبه للجالية الإسلامية إلاّ أن مجلس القضاء الإسلامي قد همّشه، كما أن قانون الأقلية البيضاء لم يعترف بزواجه حيث اعتبر الأطفال غير شرعيين الأمر الذي قوّض الأسرة وأفضى إلى تمزّق العائلة.
    لم تكن تقنية المخرج اعتباطية فقد استعمل فن التحريك «الأنيميشن» بدلاً من إعادة تأدية الأدوار وتجسيدها بواسطة ممثلين محترفين أو حتى هواة لم يتمرسوا على هذه المهنة الفنية طويلاً.
    كما اعتمد على تقنية المقابلات الشخصية لعدد غير قليل من أصدقاء الراحل من جهة، وتقنية «الفويس أوفر» من جهة ثانية، هذا إضافة إلى الصور الفوتوغرافية التي أثثت بعض الفراغات التي كانت تنتاب السياق السردي القصصي الذي ينبغي في خاتمة المطاف أن يقدِّم صورة متكاملة عن شخصية الإمام الراحل الذي أحبه الجميع تقريباً في كيب تاون، فلقد كان متحرراً، ويمتلك عقلاً نيّراً ومتفتحاً، إذ أرسل ابنته «شميلا» للدراسة فيما وراء البحار لتتعلم التصوير بالأشعة، كما أنه كان مولعاً بأفلام جيمس بوند ويذهب إلى صالات السينما بانتظام مع أحد أصدقائه، ولا يجد حرجاً في عرض الأفلام السينمائية في المسجد المحلي للمدينة بهدف جمع التبرعات لخدمة الجالية الإسلامية في كيب تاون على وجه التحديد.
    لقد تحول الإمام الراحل عبدالله هارون إلى أسطورة ليس في كيب تاون حسب، وإنما في الجزء الأكبر من جنوب أفريقيا، خصوصاً غبّ شهادته التي رسّخته في ضمائر المواطنين الجنوب أفريقيين الأمر الذي حفّز الرغبة لدى عامة الناس لمعرفة كل صغيرة وكبيرة عن هذا الرجل النبيل الذي حرّك ضمائر المواطنين وسكن في وجدانهم، لكن اللافت للنظر أن عامة الناس كانوا يتحدثون كثيراً عن الطريقة البشعة التي مات بها وهو في السادسة والأربعين من عمره، بينما لم يتحدثوا عن الطريقة التي عاش بها إلاّ لماماً، فلا غرابة أن تظل حياته لغزاً محيّراً حتى إلى أقرب الناس إليه مثل حفيده خالد الذي حمل عدته ويمّم وجهه شطر المدينة التي عاش فيها جده كما لاقى فيها مصرعه ليعيد من جديد ترتيب الحكاية المفككة التي كان ينقصها الكثير من المعلومات الحقيقية التي ترتقي إلى مستوى الوثيقة التي يمكن الركون إليها.
    لابد من الإشارة إلى حُسن استقبال الجمهور الذي حضر الفيلم وتفاعل معه إلى درجة كبيرة يمكن تلمّسها من حجم الأسئلة التي طالت أسرة خالد شامس برمتها وإن كان التركيز منصبّاً على الشخصية الرئيسة التي قارعت نظام الفصل العنصري وواجهت مصيرها المشرّف دفاعاً عن الحق والمساواة والعدالة الاجتماعية، كما ألهمت العديد من الثوار والناشطين لعل أبرزهم إبراهيم رسول وأحمد قاسم وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعاً. حري بنا أن نحيط القارئ الكريم ببعض الأسئلة المهمة التي كانت تريد المقارنة بين عبدالله هارون ونيلسون مانديلا، فكلاهما دخل السجن، وقارع النظام القمعي العنصري، لكن شهرة الثاني بلغت الآفاق، فيما ظل ذيوع الأول حبيس مدينة واحدة ولولا فيلم حفيده خالد لظل الجد حبيس الذاكرة العائلية وبعض الأصدقاء الحميمين الذين يعرفونه من كثب.
    أما المشروع القادم لهذا الحفيد السينمائي فسوف يكون عن والده الذي نُفي من ليبيا حينما وصل القذافي إلى سُدة الحكم وعاد إلى البلاد بعد أربعين عاماً من حكم الطاغية وهو يعتقد بأن هذه الحكاية جديرة بأن تتوثق سينمائياً وإن كانت هي الأخرى ذات طابع عائلي، لكنها تعكس مقارعة الطغيان بقوة أو معارضته على الأقل.
Working...
X