إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بفرنسا - شاغال بين الحرب والسلم ومن حرب إلى حرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بفرنسا - شاغال بين الحرب والسلم ومن حرب إلى حرب

    لوحات شاغال نشيد للحرية والحياة






    بقرة شاغال تحمل مظلة في تأليف بين التكعيبية والرمزية والحوشية
    أبو بكر العيادي
    باريس – ليس اعتباطا أن يطلق على المعرضين اللذين يخصصان له هذه الأيام «شاغال بين الحرب والسلم» في متحف لكسمبورغ بباريس و«شاغال من حرب إلى حرب» في المتحف الوطني بمدينة نيس، جنوبي فرنسا. ذلك أنه كان شاهدا على العنف في أجلى مظاهره منذ نشأته في عائلة يهودية بمدينة فيتابسك بروسيا القيصرية، فقد عانى في شبابه، وظل هاربا من بلد إلى بلد حتى استقر بفرنسا حيث تجنس بجنسيتها. الصورة التي استقرت عن شاغال في المخيال الجمعي من خلال أعماله الفنية التي يظهر فيها البقر باللون الأحمر والحمير باللون الأزرق والعشاق يسبحون في أجواء سرمدية وعازفو الكمان يرقصون فوق السطوح غير عابئين بقانون جاذبية الثقل هو أنه حالم لطيف يسترجع ذكريات ماض طفوليّ بكثير من البراءة، ولكن إذا ما تجاوزنا الظاهر ونفذنا إلى الباطن اكتشفنا وجها آخر لشاغال، مبتكر تلك العوالم الغريبة. فخلف السذاجة البادية، تتبدى أعماله أقرب للسيرة الذاتية، حيث تمتزج حياة الرجل بمآسي القرن العشرين، في حشد من الرموز والاستعارات تتصل اتصالا وثيقا بقدره.
    رأى شاغال النور ببلدة فيتابسك بروسيا البيضاء من أسرة يهودية فقيرة داخل «غيتو» لا يحق لليهود مغادرته إلا بتصريح. وواجه بعد الثورةِ البلشفيةَ الحرب والمنفى. ولكن تقلبه من روسيا إلى ألمانيا، ومن فرنسا إلى أميركا ساعده على التعرف على أكثر الفنانين حداثة من ماليفيتش رائد التسلطية suprématisme وكاندينسكي مؤسس التجريدية وماكس إرنست المنافح عن السريالية إلى براك وبيكاسو المبشرين بالتكعيبية. وقد كان لذلك الاحتكاك دور في صقل موهبته وابتكاره أسلوبا فريدا، مشهديا دون أن يكون واقعيا، لا يقيم وزنا لقواعد الرسم المنظوري ولا لانعدام الجاذبية، وهو ما جعل الشاعر الفرنسي أبولّينار يطلق عليه صفة «ما فوق الواقعي». تستحضر لوحاته ذكريات الطفولة في الأنهج الضيقة لمسقط رأسه ذات البيوت البائسة، المغزوة بالظلمات والحرائق تحت كابوس الحرب والتهديد النازي. ومن لوحة إلى أخرى تتجلى تلك الهواجس التي تسكنه كشخصيات المتسولين الطائرين – التي ترمز إلى اليهود الفقراء، المنذورين للتيه والضلال – حسب التعبير اليديشي luftmensch . أو معجم الحيوانات التي كانت تمر بمجزرة جده القصّاب، وكلها أليف منذور للسلخ، وهو لا يتورع عن تمثلها في ذاته، حتى وهو يعانق بيلاّ زوجته.
    في كتابه «شاغال بين الحرب والسلم» يرصد جان ميشال فوري الصور التي يتوارد حضورها في لوحاته مثل «الملاك» الذي لا يرمز بالضرورة إلى العنصر الديني في أعماله، بل عادة ما يمثل الرسام نفسه، و«الديك» المرتبط بمرحلة الطفولة والبراءة والمعبر عن الانطلاق خارج المعيش اليومي، و«القمر»، في بداياته أو عند تمامه، وله في لوحات الفنان لمعان وإشراق كإشراق الشمس، كإشارة إلى الحلم المأمول، و«الكمان» الراقص دوما في الليل كما في النهار، على الأرض وفوق السطوح، كسند لذاكرة الطفل الذي كان يحلم بأن يكون عازفا وراقصا قبل أن تدور المقادير دورتها، و«الزوجين» باعتبار المؤسسة الأسرية رمزا للتماسك والسعادة ولو أن شاغال يختار دائما دور الخاضع لزوجة قوية، لا يستحي أن يصور نفسه أمامها في هيئة حمار أو تيس كما في لوحته «حلم في ليلة صيف».
    يقول الرسام جوان صفر الذي خص شاغال بكتاب في جزأين يتناول أعماله في روسيا: «من السهل تصنيف ماتيس أو بيكاسو ضمن هذا التيار أو ذاك من تاريخ الفن، ولكن من الصعب إدراج شاغال في خانة ما، فهو، مثل غوغول في الأدب، يستلهم طاقته من الفلكلور الروسي ومن مأثورات اليهود اليديش بأسلوب متفرد تحس معه بأن اللوحة تكاد تنطق بوحشية البشر. إنه مثل «أبله» دستويفسكي، مجنون وحكيم في الوقت نفسه. كأنه شاعر نزل من السماء».
يعمل...
X