تويت
صورة تونسيات سنة 1880
تونس في صور فوتوغرافية نادرة للمستشرقين
بشرى بن فاطمة
المجموعة النادرة من الصور اقتناها الفنان الأميركي اللبناني الأصل «نعيم فرحات»، صاحب «مجموعات فرحات للأعمال الفنية الإنسانية»، حتى يضمها إلى مجموعة الأعمال الفنية والصور الفوتوغرافية للمستشرقين والتي تحوي أيضا صورا لبقية بلدان المغرب العربي تصل إلى 2200 صورة والمشرق العربي مصر وبلاد الشام منها تقريبا 200 صورة فوتوغرافية عن فلسطين،عرضت هذه المجموعة بأميركا وانجلترا ولبنان والأردن.
يعتبر نعيم فرحات صاحب المجموعة أن كلمة الاستشراق تحمل معاني متعددة الأبعاد ومختلفة المحاور والخلفيات سياسية كانت أو اجتماعية ثقافية، فهي تعكس ذلك الشغف بالاهتمام والإطلاع على المجتمعات الشرقية والتأثّر بنقل سلوكياتها وتراثها عن طريق أساليب متعددة، والغايات بريئة هدفها التثاقف والاكتشاف أو مقنّعة هدفها إمبريالي استعماري، فالشرق في نظر الغرب وعلى امتداد حقب كان مسرحا نسجت حوله الحكايات الخيالية، فمن خلال الأعمال الفنية نقل الفنانون المستشرقون للغرب لوحات حالمة تجلّت فيها أسرار خيالية نسجت من عالم ألف ليلة وليلة، غير أنه ومع التطور العلمي والتقني واختراع آلة التصوير حملت الصورة زوايا أكثر واقعية من الأعمال الفنية المرسومة رغم أنها هي الأخرى لم تحد عن التوجه العام لتيار المستشرقين في انتقاء الصور التي أظهرت نفسية المستشرقين وغاياتهم فكانت لكل رقعة جغرافية في الشرق ميزاتها وتأثيراتها، من منطقة الشام إلى بلاد المغرب، وهو الأمر الذي دعانا إلى دراسة ظاهرة الاستشراق فنيا في عيون هؤلاء الغرب الذين توافدوا تباعا على المنطقة محمّلين برؤاهم وناقلين ما شاهدوا في تبادل عكسي ممزوج بما حملت تلك الرؤية من خلال تجميع وتوثيق هذه الصور النادرة.
وتونس من بين هذه المناطق التي عرفت توافدا كبيرا ومبكرا لتيار المستشرقين، فهي منطقة ذات موقع جغرافي مميّز وتاريخ متنوع، فهي البلد المتمركز في البوابة الجنوبية التي تنفتح على المتوسط وعلى أوروبا وبلاد المغرب، والشرق الأوسط، وهو ما بهر المستشرقين فكانت كل صورة نقلوها تحكي الماضي وتبسط أفكارا وواقعا وأسلوبا معيشيا وتفاصيل حياتية قد تبدو بسيطة لكنها للناظر الباحث عميقة وغارقة في التاريخ والعادات المتنوعة والهوية الراسخة لتونس، كما تبرز مشاهد هذه الصور الحياة اليومية والنماذج البشرية المتنوعة، ونقلت صورة المرأة واهتمت بالمعمار وبكل التمازج الطبيعي والبشري الذي منحها قيمة فنية ذات أبعاد جمالية تاريخية تستوقف المشاهد وتبعث فيه اهتماما مختلفا كما تخلق فيه حنينا عجيبا إلى الماضي.
تعد هذه المجموعة إرثا تارخيا وفنيا كما تصوّر التثاقف الذي جمع الغرب الباحث دوما عن أسرار الشرق لفك طلاسمها بالشرق الذي حمل كل التنوع الحضاري والديني والبشري.
كانت صور المستشرقين الفوتوغرافية إثباتا لمدى تشبث سكان هذه المنطقة بالحياة والعادات والاستمرار والتعايش المنسجم بين مختلف النماذج، وفق مميّزات هذه البيئة بكل خصوصياتها الأمر الذي شدّ المصورين فعكس تأثرهم وتأثير المشاهد فيهم في تماه لا محدود.
انبهر المستشرقون بالمعمار الذي بدا في الدور الفاخرة والزخرف المتنوع الإسلامي الأندلسي والعثماني وفي الشكل العام للمدن العتيقة بأنهجها الضيقة وأسوارها وأبوابها الكبيرة التي يميّزها اللون والتزويق الذي يمزج الخشب المنجز في شكل هندسي ضخم وبديع والمسامير الكبيرة السوداء التي تزين الأبواب، إضافة إلى تصوير الآثار والمعالم الدينية المتنوعة مثل المساجد والكنائس.
كما نقل المستشرقون العادات والتقاليد المختلفة جغرافيا بين المناطق التونسية في المدن والأرياف، وبشريا بين المتساكنين التونسيين مسلمين، مسيحيين، يهود وأمازيغ، وركزوا على تصوير الأسواق والمتاجر والمناسبات الخاصة مثل الأعياد، الاحتفالات، الزواج والختان، ومختلف المهن والحرف والمقاهي، كما تبرز الصور الفوتوغرافية اهتماما بعالم المرأة، اختلفت فيه صورتها التي وجد فيها المستشرقون عالما بديعا وأزياء غير مألوفة فهي الجسد الظاهر في المخيلة والحريم المخفي داخل الدور.
تبقى هذه الصور إرثا متنوعا استطاع أن يقدم صورة تونس الأصيلة والعريقة فكانت سردا تاريخيا استطاع أن يفشي أسرارا عميقة ويثير سحرا خاصا وحنينا إلى ذلك الماضي المختلف بأوضاعه وحالاته لأنه يعكس رؤية بصرية تتنوع أبعادها.