إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذاكرة حية ( الريف الساحلي ) ومفردات جمالية تستوطن الروح المعاصرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذاكرة حية ( الريف الساحلي ) ومفردات جمالية تستوطن الروح المعاصرة

    الريف الساحلي.. ذاكرة حية ومفردات جمالية تستوطن الروح المعاصرة


    اللاذقية- سانا
    يحتل الريف الساحلي مكانة خاصة في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لأهالي الساحل السوري فهو من وجهة نظرهم منبع للجمال والعطاء والخير المتأصل في هذه البقعة الجغرافية من الأرض.
    ورغم اتساع رقعة الحياة المدنية في الحقبة المعاصرة إلا أن الريف على امتداده يظل في كل وقت مقصدا لكل باحث عن الحياة العذرية البسيطة و فسحة للتأمل والإبداع والراحة بعيدا عن مغريات العالم الاستهلاكي في وقعه المتسارع و إيقاعه الصاخب.
    ويتجلى العشق الفطري للأرياف عموما بمظاهر عدة ربما يكون أولها نزهة يقوم بها المرء ليتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة هاربا من ضغوط الحياة المتزايدة وسط صخب المدينة و ضوضائها مستعيدا شيئا من توازنه النفسي و صفاء باله و نقاء روحه و ليس آخرها بطبيعة الأمر زيارة ما إلى أحد المواقع التاريخية المنتشرة بوفرة أو استحضار تلك الجماليات الساحرة في عمل فني ما أو استلهام بعض من مفردات القرية و السهل و الجبل و الحياة التقليدية عموما في أحد انساق معيشته المدنية الحديثة.

    وفي هذا الإطار يؤكد الباحث التاريخي جمال حيدر أن الريف الساحلي هو قبلة لعشاق التراث الجمالي والإنساني والطبيعي في سورية عموما واللاذقية على وجه التحديد ففيه كل ما يمكن للمرء أن يبحث عنه باعتباره مصدرا غنيا للتنوع الجمالي والثقافي والتاريخي على حد سواء فهو منطقة سكنها الإنسان منذ فجر التاريخ كما تؤكد عليه الوثائق والدراسات العديدة و يشكل الريف الساحلي ركنا أساسيا في السياحة السورية عامة لأن المادة التي يتطلبها هذا النوع من السياحة متمثلة بالشواهد التاريخية والأوابد الأثرية المنتشرة بكثرة في هذه المنطقة ومنها ما يعود إلى مليون عام خلت مرورا بكل العصور كما هو الحال في موقع ست مرخو الذي سكنه الإنسان منذ مليون سنة وصولاً إلى أوغاريت حيث تلاحظ بقايا خمس حضارات إنسانية سالفة.
    أما الفنان عبد الحميد هلال فيرى في الريف الساحلي موضوعاً أساسياً اشتغل عليه لما يقارب من ثلاثين عاما من سيرته الفنية هو كما يقول أرشيف تشكيلي غني بالعديد من أشكال الحياة التقليدية و رموزها حيث المجتمع القروي بشخوصه وعاداته و واقعه الإنساني إلى جانب التشكيلات الجمالية التي تؤلفها الطبيعة في الساحل السوري في تماوجها بين السهل والبحرو الجبل.
    وأشار هلال إلى أن العمق الروحي للإنسان التقليدي هو مصدر إلهام لكثير من الفنانين ممن يبحثون عن أصل الأشياء و أبعادها الفطرية ففي الريف يمكن لنا أن نرى الإنسان على طبيعته متجردا من كل الإضافات الحديثة سواء في ملبسه أو مأكله أو سلوكياته فهو جزء من هذه الطبيعة البتول التي لم تمسسها في الغالب التقنية الحديثة ومفرزات التكنولوجيا الآلية.
    أما المدرس الستيني فايز الاشقر فأشار إلى أن حياته في المدينة لأكثر من ثلاثين عاما لم تستطع أن تسرق منه عشقه الأبدي للضيعة التي خرج منها و التي لم تزل حتى اليوم ملاذه الوحيد في أوقات التعب و التوتر و الضغط النفسي الذي تولده الحياة الاستهلاكية فتراه دائم الانتظار لعطلة نهاية الأسبوع ليهرع مجددا إلى مسقط رأسه في قرية مشقيتا ليجلس على إحدى شرفات منزله المطلة على أجمل ما يمكن للإنسان أن يراه من سحر الطبيعة الآخاذ.
    وقال: هناك أنسى كل ما اعترضني من هموم وشواغل خلال أسبوع من العمل المرهق لتلبية الاحتياجات المعيشية المتزايدة خاصة عندما أسرح بنظري في الأفق فلا أرى سوى الجبال والوديان والبحيرات الأسطورية التي تشتهر بها ضيعتي و فوقها تحلق أسراب الطيور في مشهد آسر لا يغادر المخيلة و الوجدان بل يمكن له أن يخفف كثيرا من وطأة الحياة بمجرد تذكره في خضم العمل و وسط كثرة الأعباء والانشغالات اليومية.
    من ناحيتها رأت مزينة عثمان ربة منزل و أم لطفلين أن الريف مصدر خير ورزق وتحرص على زيارة قريتها البصة كل نهاية أسبوع لجلب ماتحتاجه من خضار وثمار بما يكفيها على مدار أسبوع فهي رغم سكنها في المدينة منذ أكثر من عشر سنوات إلا أنها لم تتعود على شراء ماتحتاجه من خضار منها إلا فيما ندر.
    و قالت: إن أجمل اللحظات في حياتي هي تلك التي أقوم فيها بمجرد وصولي إلى الضيعة بقطف الفواكه و الخضار الطازجة التي زرعتها بيدي فقد سعيت على مدى سنوات إلى زراعة كل الأنواع النباتية التي أحتاجها للطبخ في قطعة جانبية من أرضنا الزراعية هناك ولذلك فأنا أعرف مصدر هذه الخضار وبما سقيت وماذا أضيف إليها.
    وليس بعيدا عن هذا ما قام به المحامي أيمن زنتوت في منزله الكائن وسط المدينة حيث أنه لجأ كما قال إلى استحضار تلك المناخات الريفية التي يفتقدها إلى بيته الذي سكنه حديثا بعد أن عمل على تصميمه مدة ثلاث سنوات قام خلالها باستلهام البيت الريفي بأدق تفاصيله و مفرداته فصنع له أسقفاً مستعارة شبيهة إلى حد كبير بالأسقف الخشبية التقليدية و هي تدنو السقف الاسمنتي الأصلي و تتضمن الأوتاد ذاتها إنما باستخدام مواد صناعية و من دون الطبقة الترابية التي تعلوها بطبيعة الحال.
    وتابع: صممت في الفناء الخارجي للمنزل ما يشبه المصطبة وإلى جانبها هيكل صممته على شكل عرزال يجلس فيه أطفالي على مدار الساعة أما الديكورات الداخلية فتتضمن الكثير من العناصر الجمالية التي استحضرتها من القرية كالسلال والأطباق القشية والأواني الفخارية و النحاسية المزخرفة و تتوسطها جميعا مدفأة الحطب التي لا تكتمل ذاكرتي البعيدة و القريبة دونها.
    رنا رفعت
يعمل...
X