إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السيد : عمر بــــوشموخة - تداعيــات....ردّة نقديـة.... و لا - مارون عبود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيد : عمر بــــوشموخة - تداعيــات....ردّة نقديـة.... و لا - مارون عبود

    تداعيــات....ردّة نقديـة.... و لا
    السيد : عمر بــــوشموخة


    رحم اللّه " مارون عبود" القائل :
    " الويل للناقد في أمة لم يألف أدباؤها إلاّ قرابين المدح و نذور الثناء، يطرحها المؤمنون على
    أقدام تلك اﻵلهة، ثم حسبهم الرضا و الشفاعة!!".......

    فماذا لو عاش إلى اليوم شيخ النقاد العرب، و الساحة النقدية العربية تعيش هذه الردّة غير
    المعهودة، بصورة استحال فيما الناقد العربي إلى ما سح أحذية لدى نساك اﻵدب المزيفين، من
    الذين تعج بهم الساحة الأدبية و الثقافية، سواء على صفحات الجرائد و المجلات، أو على مستوى المنتديات الفارغة إلا من الثرثرة، و الإدعاءات الكاذبة، بحيث صار الأدب الجادّ مغيبا، و لم يعد للنص النقدي الجريء مكان، و استحالت الساحة الأدبية و النقدية مرتعا للغربان الناعبة، على عهد أصبحنا نترحم على الأدب و النقد أيام عهد " مارون عبود" الناقد البارع، الذي كان يحمل النصوص الأدبية فيخضعها لمختبره، و يضعها على " المحك"، ليتبيّن منها الغث من السمين، و ينفض الغبار و الزيف عن " الدمقس و الأرجوان".. لقد كان الراحل لا يهدأ و لا ينام إلاّ على قصة مكتملة البناء، أو على شعر محرك للإحساس و الجمال، دأبه في ذلك أن يقول للمحسن أحسنت و للمسيء أسأت، لا يهمه إن كان الأديب المنقود صديقا أو عدوا له، و لا يعنيه إن كان هذا الشاعر أو ذاك القاص من الكبار في الساحة الأدبية العربية، على غير ما يجري اليوم، ومنذ سنوات، من ممالأة و مداهنة و رياء، ما يجعل من الرداءة و البذاءة نصوصا تفيض بالسحر والعبقرية، فقط لأن ناقد اليوم، انخرط في زمرة الخائضين في النفاق الأدبي، و الانتهازية الثقافية التي لا تبقى و لا تذر!!
    كنا نقرأ مؤلفات " مارون عبود"، فنزداد حبّا للأدب، و نتعلق بومضاته النقدية التي نجد فيها
    منارة، نستنير في فهمنا الصحيح للأدب و الإبداع، و يزداد يقيننا بأهمية و خطورة ما يزفربه قلم الأديب و الشاعر و الفنان، و تكبر رسالة الأديب في أعيننا، خاصة و أن شيخ النقاد العرب، ولد
    -1-
    وعاش في زمن الكبار، و كان يبدو في نصوصه كبيرا بعلمه و موسوعيته و جديته، حتى لقب ب" جاحظ القرن العشرين".. و ربما كان أول من حاول تكسير شعر " عباس محمود العقاد" من خلال العديد من كتاباته النقدية اللاذعة للنصوص الشعرية لمؤسس مدرسة الديوان في الشعر رفقة "المازني" و "شكري"، و لم يفعل ذلك عن حقد أو كراهية للعقاد، و لكن لإيمانه بالرسالة الثقيلة التي يحملها الناقد، ليتحقق الإبداع في الصورة المثالية، حتى و لو أن القاريء قد لا يتفق بالضرورة مع ما يذهب إليه "مارون عبود" من نقد لاذع و من أسلوب لا يخلو من السخرية، غير أنه لا يكتب إلاّ ما كان يراه صدقا حتى و إن كان جارحا، و لو لا ذلك ما كانت الساحة الأدبية في عصره على تلك الصورة المرموقة !!
    * * *
    عندما كانت المعركة شديدة الوطيس حول ما يعرف بشعر الحداثة، خلال الخمسينات من القرن
    الماضي، بين أنصار الفريقين، لم يتردّد شيخ النقاد، في أن يفصح عن رأيه و موقفه، من هذا
    " الشعر الجديد"، و لم ينجذب إلى رواده و أنصاره من جماعة "شعر"، فنراه يقول رأيه في
    صراحته المعهودة، باعتماده أسلوب المنطق و العقل و الإقناع، يتضح ذلك – مثلا- من خلال ردّه على قارئه سألته رأيه في هذا الشعر، فيقول " مارون عبود" :
    ".. اسمعي يا قارئة يا فاهمة، اسمعي يا ابنتي، الله يرضى عليك:
    يا دمشق، سلام أرق من صبا بردى و دمع لا يكفكف.......
    قد تقولين خرف الشيخ، فماذا يهذي؟... أظنك عرفت أن البيت ﻟ"شوقي" و هو:
    سلام من صبا بردى أرق * و دمع لا يكفكف يا دمشق....
    فقابليه بالكلام غير الموزون و تأملي تأثيره في نفسك......
    خذي بيتا آخر من القصيدة عينها و قدمي منه كلمة ليصير :
    و للحرية الحمراء باب * يدق بكل يد مضرجة...
    أرأيت كيف صار فعل الوزن بل فعل القافية، و أين اختفت تلك الاهتزازات التي تتغلغل
    في أعماق نفوسنا......"

    * * *
    -2-
    النقد الأدبي عند " مارون عبود" يستمد قوته و مصداقيته من كون قناعته و فلسفته التي تقوم على عدم المداهنة و المهاندة، متخذا في ذلك شعار: " المعاملة غير المجاملة" بل يذهب أبعد من ذلك حين يقول: " النقد في نظري أشدّ صرامة من المعاملة و أدق منها، و قديما كان النقد مفرق الأحباب، كما فرّق بيني و بين أصدقاء لي من الشعراء و الأدباء"....
    و هو الأمر الذي جعل الكثيرين من كبار عصره، يخشون قلمه، و يضعون ألف حساب لنقده،
    لمعرفتهم أن "مارون عبود" قد يصلح لكل شيء إلا أن يكون " ماسح أحذية" لدى هذا الأديب أو
    ذاك الشاعر، حتى لو كان النص الذي بين يديه لأحد أقربائه، أو جار له، أو صديق أو جليس له...و ذلك على عكس الصورة التي عليها الواقع النقدي و الأدبي اليوم، و على امتداد لساحة الأدبية و الثقافية العربية، حيث يريد هذا الواقع المزيف أن يخادع القراء، بكتابات نقدية تمجد الرداءة والبؤسى الثقافي، و تكرس أسماء أدبية بعينها، مع ما في ذلك من كذب و من نفاق ثقافي مكشوف،بل إن الواقع الأدبي اليوم، يضعنا أمام بعض الأدباء في هذا العصر، أصبح لهم نقّاد، مهمتهم تلميع أحذيتهم الأدبية، و حسبهم في ذلك أن ينالوا خطوة تقربهم زلفى ﻵلهتم، و نجد أدباء من الواجهة الرسمية، يستنفرون ترسانة من الأقلام النقدية، المتخندقة هنا و هناك في الصحافة الأدبية و مؤسسات النشر و الإعلام، و بالموازاة مع الواقع الأدبي البائس، تقابلنا صورة أخرى لا تقّل بؤسا عن الأولى، ممّن تنسحب عليهم مقولة الفيلسوف "مالك بن نبي" الشهيرة "القابلية للاستعمار" و المقصود بالاستعمار هنا، في شقيه: الاستعمار، و الإديولوجية المتدثرة بشعار التقدمية والحداثة، و هي الصور ة التي لا تنظر إلى الإبداع و الفن إلاّ من منظور " الأديولوجيا" التي يتشرنقون في شعاراتها البائسة من دون التفتح على اﻵخر، و من دون استحضار الحاسة الذوق الفني، و استخدام فكر المنطق، و فلسفة الإقناع....
    * * *
    لا يوجد خطر على الأدب، و على النقد الأدبي، أخطر من النقد الذي يؤسس من منظور
    أديولوجي، كذلك النقد الذي مارسه الدكتور " جورج طرابيشي" في كتابه " الأدب من الداخل"حيث إجتهد في كشف الوجه الرجعي للأديب " توفيق الحكيم" من خلال مسرحيته " أهل الكهف"حيث حجبت الأديولوجيا عن صاحبها وجهة نظر اﻵخر، الذي هو " توفيق الحكيم "، في إيصال الفكرة من النص المسرحي المستلهم من القصة القرآنية، فراح الناقد التقدمي يتهم مؤلف
    -3-
    المسرحية بالرجعية، لأنه لم يجعل من فتية أهل الكهف مع كلبهم، تقدمييّن، لابدّ لهم أن يواجهوا واقعهم و يواصلوا حياتهم الجديدة بعد خروجهم من الكهف، و عدم استسلامهم و تراجعهم، فكان لابدّ لهم – في رأي الناقد الأديولوجي، أن يصمدوا و يتحدوا الحواجز النفسية و التاريخية....و.....
    و لا شكّ أن لا أحد يعترض على فكرة الناقد التقدمية، من الناحية المثالية، غير أن ما يعيب على
    مؤلف " الأدب من الداخل" أنه لم يستطع التحرّر من شرنقته الأديولوجية التقدمية فلم يجهد قلمه
    في الفكرة الفلسفية و الفنيّة ﻟ" توفيق الحكيم" و للقصة القرآنية التي حوّلها بمهارة فنية كبيرة الى مسرحية " أهل الكهف"، إذ أن الكاتب المسرحي أراد القول من وراء ذلك، أن عودة الفتية مع كلبهم إلى الكهف، و عدم قدرتهم على التأقلم و التكيف مع محيطهم الجديد، يرمز بشكل واضح إلى الإنسان الذي يحاول أن يعيش عصرا غير عصره، و بأدوات قديمة مع وضع جديد، و هي فكرة واقعية يمكننا استلهام معانيها بسهولة، بل أن القصة القرآنية الواردة في سورة " الكهف"، تصبّ نهايتها في هذا الهدف، و أراد المؤلف المسرحي، إضفاء لمسته الفنية و الفلسفية للوقوف بالقاريء عند تلك الفكرة، ليقول إن الإنسان إبن زمانه و عصره….
    * * *
    و لا شكّ أن من يتأمل الواقع النقدي في الساحة الأدبية و الثقافية العربية، سوف تصدمه تلك الكتابات التي تتدثر بالنقد، إذ تتجاهل وجود أسماء أدبية لها أهميتها، لمجرّد أن " الردّة النقدية" لا يهمها من ذلك سوى التزلف و التملق لأسماء بعينها، لكونها في واجهة الإبداع الذي يفرضه الواقع الثقافي أو السياسي.....
    حيث يقفز الناقد على النص الأدبي كقيمة معرفية و جمالية، لينصبّ دوره على تلميع اسم صاحب النص، على النحو الذي يستحيل بموجبه أدباء الواجهة، إلى أصنام تستحق العبادة، بفضل الردّة التي يعرفها واقع الحركة النقدية العربية......
    ففي بلد مثل الجزائر، لا يجد القارئ و المثقف مبرّرا لتغييب أسماء أدبية كبيرة، قدمت الكثير من عرقها الفني و الأدبي على مدى سنوات و عقود، دون أن يلتفت إليها أحد من ماسحي الأحذية في الساحة الأدبية، و لو أردت أن أعطي مثلاﹰ واحدﹰا فقط، لما وجدت أحسن من مثال الروائي
    " عرعار محمد عالي" الذي قرأت له أول رواية صدرت له بالتوازي مع رواية "اللاز" للراحل
    -4-
    "الطاهر وطار"، قرأتها في حين صدورها بعنوان "ما لا تذروه الرياح"، و قد جمعتني بالمؤلف الأقدار، حين التحاقي بمعهد تكوين إطارات الشباب ﺒ" تيقصرين"، و لم تتوقف رواياته و قصصه عن الصدور حتى كتابة هذه السطور، و منها رواية " الطموح" و مجموعته القصصية
    " الحالم" و غيرها، و لو لا ما كتبه الراحل الناقد " محمد مصايف" عن روايات " عرعار محمد العالي" لظلّ هذا الأخير مجهولا من حملة الأقلام النقدية عن غير شرف أو استحقاق...و هو الموضوع الذي يذكرني بأحد الأساتذة من مصر تعرفت إليه منذ كنت أدرس اللغة العربية على يديه، فتفاجأت شخصياّ بموسوعيته، و بمجموعة لا تعدّ و لا تحص من مؤلفاته في مختلف قضايا الأدب و اللغة و النقد، دون أن يكون لاسمه أثر يذكر في الثقافة العربية على الأقل من الناحية الإعلامية، و قد كنت سألته آنذاك –رغم حداثة سني- لماذا اسمك غير معروف مثل " طه حسين"
    و " توفيق الحكيم" و " يوسف إدريس" فيتبسم ضاحكا ليقول لي: إن السبب بسيط، و هو أنني من أدباء الأقاليم، و ليس من سكان القاهرة !! .....
    لم أفهم حينذاك ما الذي يعنيه مصطلح " أدباء الأقاليم" إلاّ بعد حين من الدهر، و اكتشفت كم من أدباء الأقاليم في بلادنا الجزائر يتوزعون على شساعة رقعتها الجغرافية، دون أن ينظر إ ليهم الإعلام الثقافي المزيف الذي يتغاضى عن نصوص و إبداعات من يعنيهم ذلك المصطلح....
    و لكن في بلادنا الجزائر يتطوّر المصطلح، ليصبح مغشي بالجهوية الضيقة، و بالمحلية الخانقة، و العشائرية المتخلفة، و أما التعامل النقدي الموضوعي مع النصّ الأدبي، فلم نر له مكانا يذكر، و بذلك ينحرف قطار النقد عن سكته، و يتحوّل الناقد عن مهمته و رسالته، ليتخد له صفة " طباّل العشيرة" و زمار القبيلة، ناهيك عن النقاق الثقافي، و الريّاء الأدبي لذى يطبع ساحتنا الأدبية تحت مسمّيات ما أنزل اللّه بها من سلطان.....
    * * *
    لم يعد للنقد الأدبي في ثقافتنا العربية الحالية من دور يؤديه، سوى إفساد الذوق، و تلويث البيئة
    الفنية، و فرض سلطة الرداءة على القارئ و المتلقي، فأمسى هذا الأخير بموجب ذلك
    يكره الشعر، و ينفر من قراءة الرواية، و يسخر من حامل القلم، ليس لأن القارئ لا يرغب في
    فعل القراءة ذاتها، و لكن لغياب ناقد من طراز " مارون عبود" بوسعه أن يكنس الساحة الأدبية
    من ملوثات النقد الأعرج و المتعثر، ليأخذ النص الأدبي حقه، من الثناء و الإطراء إن كان يستحق
    -5-
    ذلك، أو يرجم صاحبه إن كان متطفلا على فتات موائد الإبداع الأدبي.....
    * * *
    إن ساحتنا الأدبية، تحتاج إلى ثورة ربيع أدبي و ثقافي، يقتلع جذور هذا المرض الخبيث الذي يتهدّد الأدب و الشعر و الفن بالزوال، و لن يتحقق ذلك إلا بإنزال كبيرا للأقلام الغيورة على ثقافتنا، من الزيف الذي صار يتخندق في كل زاوية، و يتمترس في كل موقع !! ....
    فأين أنت يا " مارون عبود"....و أين أبناؤك و أحفادك ممّن يحملون رايتك النقدية في زمن غير زمانك ؟!

    عمر بوشموخة/ كاتب جزائري
    عنوان المراسلات: ص- ب: 200 ق ر – عنابة- الجزائر
    الرمز البريدي: 23000
يعمل...
X