إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشاعر نزار قباني ولغته الشعرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشاعر نزار قباني ولغته الشعرية

    نزار قباني لغته الشعرية
    يسمي نزار اللغة التي استعملها في أدبه اللغة الثالثة وهي الجسر بين اللغة البلاغية المتعجرفة من جهة واللغة العامية المتواضعة من جهة أخرى. وفي هذا يقول: "هذه الازدواجية اللغوية التي لم تكن تعانيها بقية اللغات، كانت تشطر أفكارنا وأحاسيسنا وحياتنا نصفين.."
    "لذلك كان لا بد من فعل شيء لإنهاء حالة الغربة التي كنا نعانيها. وكان الحل هو اعتماد (لغة ثالثة) تأخذ من اللغة الأكاديمية منطقها وحكمتها، ورصانتها، ومن اللغة العامية حرارتها، وشجاعتها، وفتوحاتها الجريئة."
    "إن (اللغة الثالثة) تحاول أن تجعل القاموس في خدمة الحياة والإنسان، وتبذل ما بوسعها لتجعل درس اللغة العربية في مدارسنا مكان نزهة.. لا ساحة تعذيب. تحاول أن تعيد الثقة المفقودة بين كلامنا الملفوظ، وكلامنا المكتوب، وتنهي حالة التناقض بين أصواتنا وبين حناجرنا."
    "كانت لغة الشعر متعالية، بيروقراطية، بروتوكولية، لا تصافح الناس إلا بالقفازات البيضاء، ولا تستقبلهم إلا .. وربطة العنق الداكنة.. وكل ما فعلته أنني أقنعت الشعر أن يتخلى عن أرستقراطيته ويلبس القمصان الصيفية المشجّرة.. وينزل إلى الشارع ليلعب مع أولاد الحارة.. ويضحك معهم، ويبكي معهم.."
    وفي هذا نسمع رأي الشاعر أدونيس يقول: "كان منذ بداياته الأكثر براعة بين معاصريه من الشعراء العرب، في الإمساك باللحظة التي تمسك بهموم الناس وشواغلهم الضاغطة: من أكثرها بساطة، وبخاصة تلك المكبوتة والمهمشة، إلى أكثرها إيغالاً في الحلم وفي الحق بحياة أفضل. وفي هذا تأسست نواة الإعجاب به، ذلك الإعجاب التلقائي الذي تجمع عليه الأطراف كلها. ابتكر نزار قباني تقنية لغوية وكتابية خاصة، تحتضن مفردات الحياة اليومية بتنوعها ونضارتها، وتشيع فيها النسيم الشعري، صانعاً منها قاموساً يتصالح فيه الفصيح والدارج، القديم والحديث، الشفوي والكتابي".
    شعر التفعيلة:
    يقسم الأستاذ برهان بخاري التراث الشعري لنزار قباني من الناحية العروضية إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو ما كتبه متقيداً بشروط القصيدة التقليدية، والقسم الثاني: هو ما خالف فيه شروط القصيدة التقليدية بتغيير حرف القافية فقط داخل القصيدة الواحدة، أما القسم الثالث: فهو الذي تحرر فيه من شروط القصيدة التقليدية بما في ذلك التحرر من الالتزام بالصدر والعجز في البيت الواحد، وحافظ فيه على تفعيلة بحر معين ضمن القصيدة الواحدة.
    وفي دراسته يقول: "يكشف لنا التحليل المعمق أن عملية انفلات الشعر الحديث أو تحرره من أسر قيود القديم قد جرى في حدود البحور التي تستخدم تفعيلة متتابعة واحدة فقط [الكامل (متفاعلن)، الرجز (مستفعلن)، الهزج (مفاعيلن)، الرمل (فاعلاتن)، المتقارب (فعولن)، المتدارك (فعلن)]. والسبب في ذلك هو إمكانية التصرف بعدد التفعيلات في البيت الواحد وإمكانية استخدام قوافٍ متنوعة في القصيدة الواحدة، الأمر الذي أدى إلى نشوء مصطلح "شعر التفعيلة" على الشعر الحديث، والذي لا يمكن توفره إلا في هذه البحور تحديداً."
    ومن جهتها الأستاذة مؤمنات الشامي تخلص في دراستها إلى "أن نزار قباني يُعدُّ من أنصار شعر التفعيلة المجددين فيه والذي احتل أغلب الديوان تقريباً طابعاً أشعاره بإيقاع سلس، رشيق، وسريع، وتشير الدراسة إلى أن حركة الشعر الحر بدأت سنة 1947 في العراق، ومن العراق زحفت هذه الحركة، وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله. وكانت "نازك الملائكة" و"بدر شاكر السياب" و"البياتي" أوائل من كتبوا هذا اللون من الشعر. أما نزار فقد كتب في الشعر الحر سنة 1944 قصيدته (اندفاع)، وهذا يدل على أن نزاراً لم يتأخر عن رعيله الأول في كتابته القصيدة الحرة، التي استمر في كتابتها إلى مرحلة التسعينات والتي اعتمدها في نظمه، أما الشكل التقليدي فقد بدأه من مرحلة الأربعينات واستمر فيه إلى مرحلة الثمانينات.
    أما الأوزان التي تناولت الغرض السياسي فهي على الأغلب أوزان بسيطة صافية ذات معان جليلة، وجرس عالٍ فيها نوع من الأبهة والفخامة والجدية، وتتناسب والأغراض التي وظِّفت لها، ولاسيما تصوير الواقع السياسي."
    الإيقاع:
    يصف جوزيف كامبل مصطلح "الإبيفاني" الذي أطلقه الروائي جيمس جويس، فيقول: "معادلة جويس حول التجربة الجمالية تعتمد على أنه لا شيء يحركك من أجل أن ترغب في امتلاك الموضوع الجمالي. فالعمل الفني الذي يثير فيك الرغبة لامتلاك الموضوع يطلق عليه جويس صفة الابتذال، وفي حال دفعتك التجربة الجمالية إلى نقد الموضوع أو إلى رفضه، فإن جويس يسمي ذلك الفن تعليماً، أو نقداً سوسيولوجياً بواسطة الفن. أما التجربة الجمالية بحد ذاتها فهي إلقاء نظرة بسيطة على الموضوع. جويس يقول بأنك تصنع إطاراً من حوله ومن ثم تراه كشيء واحد، وفي رؤيته كشيء واحد تصبح مدركاً لعلاقة الجزء بالجزء، وعلاقة كل جزء بالكل، ومن ثم علاقة الكل بكل جزء من أجزائه، وهذا هو العامل الجمالي الجوهري، الإيقاع، الإيقاع المتناغم للعلاقات. وعندما يقدح أوار إيقاع سعيد من قبل الفنان، فمعنى ذلك أنك تختبر شعاع النور. عندها تكون محجوزاً في معتقل جمالي. وتلك هي الإبيفاني."
    وهذا لا شك ينطبق على العمل الإبداعي للشاعر أيضاً، وربما هي دعوة لـ"الإبيفاني" في قراءة القصيدة النزارية.
    وكذلك لا يغرب عن بالنا محور أساسي عبرت عنه "الإبيفاني" هو الإيقاع الذي يعكس العنصر الجمالي في العمل الإبداعي من خلال العلاقات المتبادلة، وهذا ما نلمحه في الطبيعة من دوران الأفلاك، وتعاقب الليل والنهار، وحركة الفصول، وكذلك في الجسد الإنساني كإيقاع التنفس، ونبض القلب، ومن ثم في فنون مختلفة كالرقص والموسيقا وأخيراً الشعر.
    وفي رسالتها للماجستير تقول الأستاذة مؤمنات الشامي: "تحدد الإيقاع الشعري للقصيدة العربية المعاصرة والقديمة في مستويين: المستوى الصوتي الخارجي، ويحكمه الوزن والقافية، والمستوى الداخلي الذي تحكمه ضوابط صوتية باطنية أرحب من الوزن والنظام المجردين."
    "ومن هنا برزت أهمية الموسيقا الداخلية التعبيرية، التي تستخدم أدواتها الفنية فتخلق من خلالها حالات من الإيحاء تعبر عنها الألفاظ التي تُستخدَم كوظيفة دلالية ونفسية تسبر مكونات الشاعر وأغواره النفسية، محدثة تأثيراً في ذائقة المتلقي."
    "وبذلك يتجاوز الإيقاع في اللغة الشعرية المظاهر الخارجية للنغم إلى الأسرار التي تصل بين النفس والكلمة وبين الإنسان والحياة."
    "والموسيقى الداخلية ذات جانبين مهمين: اختيار الكلمات وترتيبها، والمواءمة بين الكلمات والمعاني التي تدل عليها."
    يقول نزار: "كانت تستولي علي حالة موسيقية تدفعني في أكثر الأحيان إلى أن أغني شعري بصوت عالٍ. وكانت حروف الأبجدية تمتد أمامي كالأوتار، والكلمات تتموج حدائق من الإيقاعات، وكنت أجلس أمام أوراقي كما يجلس العازف أمام البيانو أفكر بالنغم، قبل أن أفكر بمعناه، وأركض وراء رنين الكلمات".
    "وبناء على هذا فإن النغم جزء لا يتجزأ من التجربة الشعرية، إذ لا يمكن فصله عن الألفاظ وهو جزء متمم لمعنى القصيدة."
    "وعلى هذا الأساس لا يتكامل الإيقاع التركيبي للقصيدة المعاصرة إلا بالتناغم الخارجي المؤسس على هذا الوزن والقافية، والتناغم الداخلي القائم على التموجات النفسية والتوترات الانفعالية التي تمنح لنا موسيقى تعبيرية. وبذلك يتآلف الإيقاع مع نمو القصيدة في أثناء بنائهما الفني عبر شبكة من العلاقات التي تضعها الحروف والكلمات، والجمل، إضافة إلى المحسنات اللفظية، من جناس وطباق، وأمور أخرى كالتكرار والتقسيم والموازنة فتسهم جميعها في خلق موسيقى داخلية تكون عنصراً مميزاً في البناء الشعري للنص الشعري العربي."
    "ولكل نص شعري إيقاع يصدر عن الحالة النفسية الشعورية التي تسيطر على جو القصيدة العام، خالقاً بذلك صورة موسيقية، تنقل المعنى إلى وجدان المتلقي."
    ومثال ذلك قصيدة "جميلة بوحَيْرَدْ" ومنها:
    "وامرأةٌ في ضوء الصبحِ
    تسترجع في مثل البوحِ
    آياتٍ مُحزِنَةَ الإرنانْ
    في سورةِ "مريم..
    والفتحِ"
    ..
    ..
    القيد يعض على القدمين
    وسجائر تُطفأ في النهدين
    ودمٌ في الأنف..
    وفي الشفتين..
    جراح جميلة بوحَيْرَدْ
    هي والتحرير على موعدْ
    امرأةٌ دوَّخت الشمس
    جرحت أبعاد الأبعادِ
    ثائرةٌ من جبل الأطلسْ
    يذكرها زَهْرُ الكُبَّادِ.."
    كما يأتي التوازن الإيقاعي الذي يتولد عن انفعالية البنية النصية، والفعاليات الدلالية التي تحقق تلك الانفعالات، لتخلق نوعاً من التناغم العضوي، والانسجام بين النص والمتلقي، ولاسيما على المستوى الدلالي كما نرى في قصيدة "بلقيس" تفعيلة "الكامل".
    عالمية أدبه:
    يقول نزار: "إنني في شعري أحمل جنسيات العالم كله.. وأنتمي لدولة واحدة، هي دولة الإنسان".
    لشعر نزار ترجمات للإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والإيطالية، والروسية.
    وقد قام المستشرق الإسباني بدرو مارتينز مونتافث بترجمة مختارات من شعر نزار إلى اللغة الإسبانية، وقد صدرت هذه المختارات عن المعهد الثقافي الإسباني العربي تحت عنوان (أشعار حب عربية). ويقول نزار بهذا الصدد: "الواقع كنت مبهوراً بقدرة اللغة الإسبانية على نقل انفعالاتي وهواجسي بمثل هذه الدقة والصفاء. بل لا أكون مبالغاً إذا قلت إن النص الإسباني لبعض القصائد كان يتفوق في جماليته وموسيقيته على النص العربي.."
    أما عن الترجمة الروسية الأخيرة لمجموعة منتخبة من قصائد نزار من مختلف دواوينه، يذكر د. فالح الحمراني: "تضمن ديوان نزار بالروسية قصائد مثل: جسمك خارطتي، وبيروت حبيبتي، ومدرسة الحب، ورسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان، وقولي أحبك، ونهر الأحزان، وأيظن، وخبز وحشيش وخمر، وأشهد ألا امرأة إلا أنت، واختاري، وحارقة روما، وقصائد حب قصيرة جداً.."
    وأدرج المستشرق الروسي دياكونوف الشاعر نزار قباني ضمن كوكبة الشعراب العرب المشهورين الذين أسسوا لانطلاقة الشعر الحديث ووضع مفهوم حديث للقصيدة العربية بعيداً عن المفهوم الكلاسيكي لها.
    كما أن دياكونوف يعقد مقارنة بين ما جاء في قصيدة "خبز وحشيش وخمر" من أفكار، وطروحات المفكر الروسي التنويري الكبير بيتر تشادايف (1756 – 1794)، كما يذكر انعكاس هذه الأفكار أكثر في قصيدة "هوامش على دفتر النكسة" التي كُرِّسَت لهزيمة العرب في الحرب مع إسرائيل عام 1967.
يعمل...
X