إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السيد شبر علوي القصاب - اللهجات المحلية في الخليج ( القطيف )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيد شبر علوي القصاب - اللهجات المحلية في الخليج ( القطيف )

    اللهجات المحلية في الخليج: (اللهجة في القطيف مثالاً) (26)
    السيد شبر علوي القصاب *
    من أنواع البديع في اللهجة (3)
    تكملة الجناس اللفظي
    (الخامس) الجناس المذيّل، وهذا النوع من الجناس قد وقع فيه وفي أخيه الجناس المطرف الآتي بعده اختلاف كثير بين أهل البديع كما يتبين لك عندما تصافح أخاه بعد قليل، فعرفه ابن معصوم بأنه: «ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفاً في آخره، فصار له كالذيل»، ومثَّل له بقول المعتمد بن عباد، وقد كتب به إلى صاحب له يدعوه إلى مجلس أنس[1] :
    نَحن في الْمجلس الذي يهب الرا
    حة والْمسمع الغنى والغناءَ
    فأته تلق راحة ومُحيا
    قد أعد لك الْحيا والْحياءَ
    كما مثل له بقول أبي تمام:
    يمدون من أيد عواصٍ عواصم
    تصول بأسياف قواضٍ قواضب
    بينما عرفه السيد أحمد الهاشمي بأنه: «ما زاد بأكثر من حرفين في آخره، ومثل له بقول أبي تمام المتقدم»[2] ، وإذا ما نظرنا إلى (عواصم) فإنها في الحقيقة لا تزيد عن (عواصٍ) إلا بحرف واحد، وهو الميم، ومثلها (قواضب) فإنها لا تزيد عن أختها (قواضٍ) إلا بحرف واحد وهو الباء، هذا إذا غضضنا الطرف عن الحرف المحذوف المعوض عنه بالتنوين في (عواصٍ)، وعن الحرف المحذوف المعوض عنه بالتنوين في (قواضٍ)، أما إذا أعدنا الحرفين المحذوفين واحتسبناهما، فإنهما تصيران (عواصي)، و(قواضي)، وبذا لا تكون (عواصم)، و(قواضب) زائدتين عن أختيهما بشيء؛ لا بأكثر من حرفين ـ كما ذكره السيد الهاشمي، ولا بحرف ـ كما ذكره السيد ابن معصوم، وهذا من الاشتباه الحاصل، وعدم التثبت، نعم يصح أن نقول: «إنه ما زاد أحد ركنيه على الآخر بحرف حينما نجعل قول المعتمد بن عباد شاهداً على ذلك»، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نمثل له في اللهجة من الشواهد بقول: (فْلانْ رَجَّالْ كَرِيمْ مَا يْجِيْ فِيْ مَجْلِسْنَا إِلَّا يْجِيبْ وُْيَّاهْ حَاجَهْ)، وفيه (يْجِيبْ) تجانس (يْجِيْ) وتزيد عنها بحرف الباء، لأن همزة (يجيء) لا تنطق في اللهجة، وبذا لا تحتسب، وقول: (بَغَِينَا حِسْنْ الْحَالْ صَارْ عَلَِينَا وَبَا وُْوَبَالْ)، وفيه (وَبَالْ) تجانس (وَبَا)، وتزيد عنها بحرف اللام، لأن همزة (وباء) لا تنطق في اللهجة، وعلى هذا لا تحتسب، وعندما يكون لك صاحب اسمه (سلام) فيتناسى صحبتك فتعامله بالمثل، تقول: (سَلا سَلامْ عَنْ خَاطْرِيْ)، وفيه (سَلامْ) تجانس (سَلا)، وتزيد عنها بحرف الميم، ومنه قول: (شِفْتْ الْوَلَدْ نَايِمْ فِيْ الْبرْ وُْمَيِّتْ مْنْ الْبَرْدْ) مع تخفيف حركة آخر (الْبَرْ)، أو خطف حركتها فتظهر مخففة بالسكون دون تشديد، فتتجانس مع (الْبَرْدْ) التي تزيد عنها بحرف الدال، وقول: (وَلْدْ خْوَاهَرْ[3] رَجَّالْ طَيِّبْ مَا يِنْسَى رَبِيعْ خْوَاهْ)، وفيه (خْوَاهَرْ) تجانس (خْوَاهْ)، وتزيد عنها بحرف الراء، وقول أحد النواطير (حراس الأسواق): (مَرْ عَلَِينَا تِنْدَِيلْنَا وُِحْنَا فِيْ السُّوگْ وُْصَاحْ عَلَِينا صَاحِيْ)[4] ، وفيه (صَاحِيْ) تجانس (صَاحْ)، وتزيد عنها، بحرف الياء، لأن الياء تنطق في اللهجة، وبذا تعد من حروف الكلمة، ومثله قولك: (حَيَّا اللهْ سَمِيرْ سَمِيْ وَلْدْ خَالِيْ)، وفيه (سَمِيرْ)، تجانس (سَمِيْ)، وتزيد عنها بحرف الراء، لأن (سَمِيْ) في هذه الحالة تنطق بياء ساكنة غير مشددة على عادة أهل اللهجة، وبغض النظر عن المثال المطروح هنا كشاهد على تعريفه بأنه ما زاد أحد ركنيه عن الآخر بحرفين، واعتماد قول الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري ـ الذي طرحه الشيخ الفرج[5] :
    وكنا متى يغزو النبي قبيلة
    نصل جانبيه بالقنا والقنابل
    فمن شواهده في اللهجة وفق هذا المنهج قول: (اسْتِعْمَالْ الدَّوَا لِهْ دَوَاعِيْ؛ وُِإِدا تُبْغَى الدَّوَا رُوحْ لأَصْحَابْنَا الدَّوَاسُرْ)، والجناس فيه بين الـ(دَّوَا) وهي الدواء المحذوفة الهمزة، و(دَوَاعِيْ) بمعنى الأسباب التي تدعو إلى استعماله، وبين (الدَّوَا) نفسها، و(الدَّواسُرْ)، وفيه (دَوَاعِيْ) والـ(دوَاسُرْ) تزيد عن الـ(دوَا) بحرفين في الآخر: (العين والياء)، و(السين والراء) على التوالي، لأن همزة الدواء لا تنطق في اللهجة، ومثلهما قول: (الْمَسَا رُوحْ لَلشَِّيخْ وُِاطْرَحْ عَلَِيهْ الْمَسَائِلْ)، وفيه (الْمَسَائِلْ) تزيد عن (الْمَسَا) بحرفين في الآخر: (الهمزة واللام)، لأن همزة (المساء) لا تنطق في اللهجة، وقولك: (مِنْ مَشَى فِيْ طَرِيگْ لَعْوَجْ مَا يِسْلَمْ مِنْ الْمَشَاكِلْ)، وفيه الـ(مَشَاكِلْ) تزيد عن (مَشَى) بحرفين في الآخر: (الكاف واللام)، ومنه قولك: (صَاحْبِيْ صَاحْ عَلَى فْرَاگيْ)، وفيه: (صَاحْبِيْ) تزيد عن (صَاحْ) بحرفين في الآخر: (الباء والياء)، ومنه الأمثلة التي جاءت على وزن (فَعِلْ فِعْلوهْ)، عن طريق تكرار المفردة تكراراً لفظيًّا مرتين، مثل ما يحدث في التوكيد اللفظي في اللغة، وتذييل اللفظة الثانية منهما باللاحقة (وه) التي تستعمل في اللهجة للتصغير، مثل: (فَايْ فَايَُوهْ) (من ألعاب الأطفال في القطيف، والبحرين)، بمعنى: فيء الفيء، أو ظل الظل، أو الظل الضعيف جداً كدلالة للمبالغة في وصف حالته، وقولهم: (هَادِيْ الْمَرَگَهْ (مَايْ مَايَُوهْ)، بمعنى أن الماء فيها قد غلب على العناصر الأخرى، لدرجة أنها لا تستحق أن يقال عنها إنها ماء، بل هي ماء الماء، أو الماء الذي لا روح فيه، ومنه قول النساء: (دَاكْ دَاكَُوهْ) عندما يضطررن إلى الإشارة العضو التناسلي للرجل مبالغة في ستره وعدم ذكره، وقولهم: (جَابِهْ مِنْ كَاشْ كَاشَُوهْ)، أي: واجه الصعاب، وتجشم العناء في سبيل الحصول عليه، ولم يدع وسيلة إلا اتخذها؛ ولا طريقاً يظن أنه يوصل إليه إلا سلكه، وربما يقصد بـ(كَاشْ كَاشَُوهْ): المكان البعيد الأبعد، أو البعيد جداً، يريدون بذلك المبالغة في وصف حالته أو بعده، ومنه قولهم: (نْتَِيفْ نْتَِيفَانْ يَا خُونَا) عنوان إحدى الأساطير المشهورة في الواحة وسائر بلدان الخليج، وفيه (نْتَِيفَانْ) تزيد عن (نْتَِيفْ) بحرفين في الآخر: الألف والنون، وقولهم في الأهزوجة: (وُِحْنَا نْبَمْبِعْ مِفِلْ لِتْيُوسْ، امبَاعْ امْبَاعَُوهْ)، وفيه (امْبَاعَُوهْ) تزيد عن (امبَاعْ) بحرفين في الآخر: الواو والهاء.
    (السادس) الجناس المطرف، وهو الآخر قد وقع فيه الاختلاف كما وقع لأخيه من قبله، وعلى ما يبدو أنهما كالتوأمين اللذين يصعب التمييز بينهما كما هو الحال بالنسبة للتوأمين من بني البشر اللذين يغلط في التمييز بينهما من قلت ممارسته أو فراسته معهما، ليقول: «هذا حسن، وهذا حسين»، مثلاً، فنجد السيد أحمد الهاشمي في (جواهر بلاغته) يقول عنه:» بأنه ما زاد أحد لفظيه عن الثاني بحرف في الآخر، ويمثل له بقوله: (الهوى مطية الهوان)[6] ، لكن إذا ما نظرنا إلى هذا الشاهد نجده يصلح للنوع المتقدم، وهو الذي يسمونه بالمذيل، وقد مثلنا له من اللهجة بالشواهد المتقدمة، فلا حاجة للتمثيل له مرة أخرى بعد الفراغ منه، بينما عاد في صفحة لاحقة، وعرفه بأنه ما يكون الاختلاف بزيادة حرفين في أوله، ومثل له بقول الشيخ عبد القاهر[7] :
    وكم غرر من برّه ولطائف
    لشكري على تلك اللطائف طائف
    فكيف تعد (لطائف) زائدة عن (طائف) بحرفين؟! بينما هي في الحقيقة تزيد عنها بحرف واحد، وهو اللام في أولها! بينما نجد السيد ابن معصوم يعرفه في أنوار بيعه بأنه: «ما زاد أحد ركنيه على الآخر بحرف في طرفه الأول، وهو عكس المذيل، فإن المذيل، تكون الزيادة في آخره، فهي كالذيل، وقد يسمى الجناس المردوف، والناقص، وفي تسميته اختلاف كثير، ولكن المطرف أولاها، لأنه مطابق للمسمى، فإن الزيادة فيه كالطرف لأنها في أوله، وخير الأسماء ما طابق المسمى، ومن شواهده قول البستي: «عسى أن تحظى في غدك برغدك»[8] ، وبغض النظر عن تسميته التي كثر الاختلاف فيها، وعن الشواهد التي حصل اللبس فيها، فإن قيل: «إنه ما زاد أحد ركنيه على الثاني بحرف»، فقد أتينا عليه، وعلى أمثلته في باب الجناس الذي يسميه البعض الآخر بـ»الجناس المردوف» المتقدم ذَكَرُه، فلا حاجة للإعادة، وإن قيل: «هو ما زاد أحد ركنيه على الآخر بحرفيه»، فهذه أمثلته في اللهجة التي منها أقوالهم السائرة الآتية: (بَغَِينَاهْ عَُونْ صَارْ فُرْعَُونْ)، وفيه (فُرْعَُونْ) تزيد عن (عَُونْ) بحرفين: الفاء والراء، و(الْجُودْ مِنْ الْمَوْجُودْ)، وفيه (الْمَوْجُودْ) تزيد عن الْجُودْ) بحرفين: الميم والواو، و(خِدْ فَالْهَا مِنْ أَطْفَالْهَا)، وفيه (أَطْفَالْهَا) تزيد عن (فَالْهَا) بحرفين: الهمزة والطاء، و(الْخَالَهْ خِلْخَالَهْ فِيْ لِگْلُوبْ)، وفيه (خِلْخَالَهْ) تزيد عن الـ(خَالَهْ) بحرفين: الخاء واللام، و(خَفَگْنَا مْنْ الطَّاگْ وُِالطُّرْطَاگْ)، وفيه (الطُّرْطَاگْ) تزيد عن (الطَّاگْ) بحرفين: الطاء والراء، و(رَبّ وُْلَِيدْ الشَّرْ لَيَُومْ الأَگْشَرْ)، وفيه (الأَگْشَرْ)، تزيد عن (الشَّرْ) بحرفين: الهمزة، والگاف مكان القاف، و(النَّاسْ أَجْنَاسْ)، وفيه (أَجْنَاسْ) تزيد عن الـ(نَّاسْ) بحرفين: الهمزة والجيم، و(أَقَلْ مَا فِيهَا يُكْفِيهَا)، وفيه (يُكْفِيهَا) تزيد عن (فِيهَا) بحرفين: الياء والكاف، و(دُومْ يَا مَعْدُومْ)، وفيه (مَعْدُومْ) تزيد عن (دُومْ) بحرفين: الميم والعين، و(غَِيرَ أَحْبَابْنَا مَا يِطْرُگُوا بَابْنَا)، وفيه (أَحْبَابْنَا) تزيد عن (بَابْنَا) بحرفين: الهمزة والحاء، و(اللِّيْ مَا لِهْ خَانَهْ يْسَوِّيْ لِه دُخَّانَهْ) لأن أهل اللهجة ينطقون (دُخَّانَه) بتشديد الخاء، فتكون زائدة عن (خَانَهْ) بحرفين: الدال وأحد الخاءين، وكأن الأصل: (دُخْخَانه) - كما تقدم في الحلقة الثامنة من هذا البحث، ومن شواهده في شعر الموال قول الشاعر[9] :
    بِالاسِمْ لَعْظَمْ تِفَضَّلْ سَوِّ لِِيْ جَامِعَهْ
    وُِهْمُومِ گَلْبِيْ عَلَيْ الْيَُومْ مِتْجَامِعَهْ
    وفيه (مِتْجَامِعَهْ) تزيد عن (جَامِعَهْ) بحرفين: الميم والتاء، وقول الآخر[10] :
    حُبُّكْ تِضَعْضَعْ وُْمَرْكَبْ حُبِّنَا بِكْ جَاسْ
    وُْآبَاتْ لَِيلِيْ عَلَِيهُمْ كَاسُِرْ الْهُوجَاسْ
    وفيه الـ(هُوجَاسْ) تزيد عن (جَاسْ) بحرفين: الهاء والواو، وقول الشاعر فهد بن سالم الزوري من أهالي الزور بتاروت[11] :
    عَصْرٍ مَضَى وُْفَاتْ مِنِّهْ مَا گَضَِيتْ أَوْطَارْ
    وُِاللِّيْ بَغَِيتِهْ تِمَضَّى بِالرَّسَايِلْ طَارْ
    وفيه (أَوْطَارْ) تزيد عن (طَارْ) بحرفين: الهمزة والواو، ومنه قول الضيف لمن يصب له القهوة عندما يصيب كفايته منها: (بَس، عَسَِيهَا مَا تِيْبَسْ)، وفيه (تِيْبَسْ) تزيد عن (بَسْ) بحرفين: التاء والياء.
    (السابع) الجناس المضارع: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع قرب مخرجهما، وينقسم إلى ثلاثة أقسام[12] :
    القسم الأول: وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف في الأول نحو: (ليل دامس وطريق طامس)[13] ، ومن شواهده في اللهجة أقوالهم السائرة التالية: (أَگَارُِبْكْ عَگَارُِبْكْ)، والجناس فيه بين (أَگَارُِبْكْ) بالألف و(عَگَارُِبْكْ) بالعين، و(انْتَ فِيْ حِلْمْ وَالا فِيْ عِلْمْ؟!)، والجناس فيه بين (حِلْمْ) بالحاء و(عِلْمْ) بالعين، و(مِنْ تْمَنَّى الْحَجْ حَجْ وُْمِنْ تْمَنَّى الْهَجْ هَجْ)، والجناس فيه بين (الْحَجْ) بالحاء، و(الْهَجْ) بالهاء، ومثلهما (حَجْ) و(هَجْ)، و(عَوَى الْعُوَّى وُْزَمْلَگْ الْحُوَّى)، والجناس فيه بين (الْعُوَّى) بالعين و(الْحُوَّى) بالحاء، و(الْخَايْبَهْ تَِشْهَدْ وُْهِيْ غَايْبَهْ)، والجناس فيه بين الـ(خَايْبَهْ) بالخاء و(غَايْبَهْ) بالغين، و(خَِيرْهَا فِيْ غَِيرْهَا)، والجناس فيه بين (خَِيرْهَا) بالخاء، و(غَِيرْهَا) بالغين، و(عَتِيگْ الْمَصْرِيْ وَلا جَديدْ الْبَصْرِيْ)، والجناس فيه بين (المصري) بالميم، و(البصري) بالباء.
    القسم الثاني، وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف في الوسط، كقوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ﴾ الأنعام: ٢٦ [14] ، ومن شواهده في اللهجة القول المأثور: (الْمَجَالِسْ مَدَارِسْ)، والقول السائر: (گَالْ لِيْ الشَِّيخْ يَا نَغِلْ مَا حَمَلْنِيْ النَّخِلْ، والجناس فيه بين (نغل) بالغين والـ(نخل) بالخاء، و(الطَّمَعْ طَبَعْ)، والجناس فيه لا يحتاج إلى إيضاح، وقولنا: (فْلانْ بَاعْ فُكْرُهْ عَلَشَانْ يِدْفَعْ فُگْرُهْ)، والجناس فيه بين (فُكْرُهْ) بالكاف، و(فُگْرُهْ) بالگاف الفارسية أو التميمية.
    القسم الثالث، وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف في الأخير نحو: (الخيل معقود في نواصيها الخير)[15] ، ومن شواهده في اللهجة قولك لصاحبك: (إِدَا جَا الْخَبَلْ عُطْنِيْ خَبَرْ)، والجناس فيه بين الـ(خَبَلْ) باللام، بمعنى المجنون، و(خَبَرْ) بالراء، ومثل ذلك قول أحدهم: (إِدَا بَغَوْا يْنَادُوا وَاحِدْ مْنْ النَّاسْ وُْيِفْهَمْ يْگُولُوا: لِهْ تَعَالْ، وُِادَا كَانْ هُوْ مْنْ الْغَنَمْ، أَوْ هُوْ وُِالْغَنَمَهْ وَاحِدْ؛ يْگُولُوا لِهْ: تَعَانْ)، والجناس فيه بين (تَعَالْ) باللام، و(تَعَانْ) بالنون، وقولك: (اللِّيْ مَا هُوْ دَارِسْ فِيْ هَالزَّمَانْ يْرُوحْ يْشُوفْ لِهْ گَبُرْ دَارِزْ)، وفيه (دَارِسْ) بالسين بمعنى متعلم يجانس (دَارِزْ) بالزاي بمعنى قبر قديم دارس من الاندراس من طول المدة.
    (الثامن) الجناس اللاحق، وهو ما أبدل أحد ركنيه حرف بحرف آخر من غير مخرجه، ولا قريب منه، وينقسم إلى ثلاثة أقسام[16] :
    القسم الأول، وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف في الأول، كقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ الهمزة: 1 [17] ، وهو كثير في اللهجة بل هو من أكثر هذه الأنواع حصولاً فيها، حسب ما أظهره الاستقصاء والتتبع، ومن شواهده أقوالهم السائرة التالية: (اللِّيْ يِبْغَى السَّحْ لَا يْگُولْ أَحّ)، والجناس فيه بين الـ(سحّ) بالسين و(أَحّ) بالألف، و(إِدَا اشْتَدْ الْحَرَجْ ابْشُرْ بِالْفَرَجْ)، والجناس فيه بين (الْحَرَجْ) بالحاء و(الْفَرَجْ) بالفاء، و(إِذَا حَصَلْ الدَّرْسْ بَطَلْ الْهَرْسْ)، والجناس فيه بين (الدَّرْسْ) بالدال و(الْهَرْسْ)بالهاء، و(إِذَا مَسُّكْ (مَسِّكْ) الضُّرّ تْمَسَّحْ بِالْمُرّ)، والجناس فيه بين (الضُّرّ) بالضاد، و(الْمُرّ) بالميم، و(اصْرُفْ مَا فِيْ الْجَِيبْ يَأَتِيكْ مَا فِيْ الْغَِيبْ)، والجناس فيه بين (الْجَِيبْ) بالجيم و(الْغَِيبْ) بالعين، و(أَلْفْ وَلَدْ مَا خَرَبْ بَلَدْ)، والجناس فيه بين (وَلَدْ) بالواو، و(بَلَدْ) بالباء، و(خِدْ الْحَايْلَهْ وُِنْخِيِلْ الطَّايْلَهْ)، والجناس فيه بين (الْحَايْلَهْ) بالحاء و(الطَّايْلَهْ) بالطاء، و(خَلَّانِيْ دِبْ بَلا لِبْ)، والجناس فيه بين (دِبْ) بالدال و(لِبْ) باللام، و(الدَِّينْ عَمَى عَِينْ)، والجناس فيه بين الـ(دينْ) بالدال و(عَِينْ) بالعين، و(رَاحْ الْيَُومْ فِيْ النَُّومْ)، والجناس فيه بين (الْيَُومْ) بالياء و(النَُّومْ) بالنون، و(لَا سْمِعْنَا صْيَاحْ ولا هَبِّ رْيَاحْ)، والجناس فيه بين (صْيَاحْ) بالصاد و(رْيَاحْ) بالراء، و(لا شَِيبٍ لاحْ وَلا ضُِرسٍ طَاحْ)، والجناس فيه بين (لاحْ) باللام و(طَاحْ) بالطاء، و(مَا يُعْرُِفْ الصِّينْ مْنْ الطِّينْ)، والجناس فيه بين (الصِّينْ) بالصاد و(الطِّينْ) بالطاء، و(مِنْ رَگَصْ مِنْ عَگْلِهْ نَگَصْ)، والجناس فيه بين (رَگَصْ) بالراء و(نَگَصْ) بالنون، و(وَلْدْ بَطْنِيْ يُعْرُفْ رَطْنِيْ)، والجناس فيه بين (بَطْنِيْ) بالباء و(رَطْنِيْ) بالراء، ومنه قول الشاعر:
    جِيتْ الضِّبَا يِرْتَعَنْ فِيْ گَفْرَةِ الْوَسْمِيْ
    أَمْوَُيتْ الْهْ بِالْكُفُوفْ مَا تِعْرِفُونْ اسْمِيْ
    والجناس فيه بين الـ(وَسْمِيْ) بالواو، و(اسْمِيْ) بالهمزة.
    ومما يحسن إيراده في هذا الباب: أني لقيت ذات مرة أحد معارفي ويدعى طلال، فلما فرغت من السلام عليه، سألني عن صاحب له يدعى جلال وقال لي: (مِنْ مَتَى عِلْمُكْ بْجَلالْ؟) فقلت له: (مِنْ زَمَانْ مَا شِفْتِهْ، لَاكِنْ طَلالْ مَحَلْ جَلالْ يِبْرُكْ)، على نهج القول السائر في الواحة: (جَمَلْ مَحَلْ جَمَلْ يِبْركْ) فضحك من قولي هذا، وموضع الجناس لهذا القسم هنا بين (طَلالْ) بالطاء و(جَلالْ) بالجيم.
    ومن طريف ما يروى في هذا الباب أيضاً: أن أحد المسنين كان جالساً مع امرأته العجوز أمام التلفزيون، وفي هذه الأثناء خرجت فاتنة كاسية عارية تهز وسطها، فراح يتمقل فيها، ويتمطق ويقلقل رأسه ويفرك يداً بيد، ويقول: (أَيَا بَاه اشْهَالزَِّينْ؟!)، فنظرت إليه امرأته كالمغضبة، وقالت: (وَِيشْ فِيكْ گَاعِدْ اطَّالِعْ فِيهَا؟ عَاجْبَتْنُّكْ حَلاوَتْهَا! أَلْحَمْدِ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ! هَدَُولا أَللهْ عَطَاهُمْ زِينْ وُْگِلَّةْ دِينْ»، فالتفت إليها وقال لها: «وُِانْتِِينْ مَا عِنْدِشْ لا دِينْ وَلا زِينْ» وموضع الجناس فيها بين (دِينْ) بالدال و(زِينْ) بالزاي.
    القسم الثاني من الجناس اللاحق، وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف الوسط، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ العاديات: ٧ - ٨ [18] ، ومن شواهده في اللهجة أقوالهم السائرة التالية: (خِدْ مَا تْيَسَّرْ وُْخَلْ مَا تْعَسَّرْ)، والجناس فيه بين (تْيَسَّرْ) بالياء، و(تْعَسَّرْ) بالعين، و(الْمَطْرَهْ تُمْطُرْ وُِالْعِشِّهْ تُگْطُرْ)، والجناس فيه بين (تُمْطُرْ) بالميم و(تُگْطُرْ) بالگاف الفارسية أو التميمية، و(كِلْ إِيَّا لِمْجَدَّرْ مَا يْجِيكْ إِلا لِمْگَدَّرْ)، والجناس فيه بين (لِمْجَدَّرْ) بالجيم ِو(لِمْگَدَّرْ) بالگاف الفارسية أو التميمية، و(شِدْ أَبُوكْ عَنْ أَخُوكْ)، والجناس فيه بين (أَبُوكْ) بالباء و(أَخُوكْ) بالخاء، و(ابَِّيتْ الأَبُوْ أَسِيرَهْ وُِابَِّيتْ الرَّجِلْ أَمِيرَهْ)، والجناس فيه بين (أَسِيرَهْ) بالسين و(أَمِيرَهْ) بالميم، و(الإِنْسَانْ عَبْدْ الإِحْسَانْ)، والجناس فيه بين (الإِنْسَانْ) بالنون و(الإِحْسَانْ) بالحاء، و(كِلْ مَشْرُوكْ مَبْرُوكْ)، والجناس فيه بين (مَشْرُوكْ) بالشين و(مَبْرُوكْ) بالباء، و(مَتَى اسْتَوَِيتْ حَتَّى الْتَوَِيتْ)، والجناس فيه بين (اسْتَوَِيتْ) بالسين و(الْتَوَِيتْ) باللام، و(كِلْ مَخْدُومْ مَعْدُومْ)، والجناس فيه بين (مَخْدُومْ) بالخاء و(مَعْدُومْ) بالعين.
    القسم الثالث، وهو ما كان أحد ركنيه مختلفاً عن الثاني بحرف في الأخير نحو قوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾ النساء: ٨٣ [19] ، ومن شواهده في اللهجة قولك لصاحبك: (الْعَُوگْ مِنْ أَخُوكْ الْعَُودْ)، والجناس فيه بين (الْعَُوگْ) بمعنى العائق، بالگاف الفارسية أو التميمية، و(الْعَُودْ) بمعنى الكبير بالدال، وقولك: (الْعَِيبْ يُِخْزِيْ الْعَِينْ)، والجناس فيه بين (الْعَِيبْ) بالباء، و(الْعَِينْ) بالنون، وقولك: (خِدْ الشَِّيكْ مِنْ عِنْدْ الشَِّيخْ)، والجناس فيه بين (الشَِّيكْ) بالكاف، و(الشَِّيخْ) بالخاء، وخذ هذا النص: (اتَّفَگْنَا وُِيَّا النَّجَّارْ الشَّاطُرْ سَعِيدْ خْضُرْ يْسَوِّيْ لَِينَا كُرْسِيْ زَيْ اللِّيْ فِيْ الصُّورَهْ، صَمَلْ إِيَّانَا، وُْصَمَخْ عَلَى الْكُرْسِيْ، وُْسَوَّاهْ أَحْسَنْ مِنِ الأَصْلِيْ)، والجناس فيه بين (صَمَلْ) باللام، بمعنى صدق ووفى بوعده، و(صَمَخْ) بالخاء بمعنى عقد العزم، وصبر عليه حتى أنجزه.
    (التاسع) الجناس التلفّظي: وقد عرفه ابن معصوم في (أنوار ربيعه) بأنه ما تماثل ركناه خطاً، وخالف أحدهما الآخر بإبدال حرف فيه لمناسبة لفظية، وعرفه السيد الهاشمي في (جواهر بلاغته)، بأنه: ما اختلف ركناه خطاً مع اتحادهما في التلفّظ[20] ، ومن أشكاله عند أهل اللغة:
    (أ) أما بالكتابة كالنون والتنوين كقوله:
    أعذب خلق الله نطقاً وفماً
    إن لم يكن أحق بالحُسن فمن
    مثل الغزال نظرةً ولفتةً
    من ذا رآه مقبلاً ولا افتتن
    فالأول تنوين، والثاني نون[21] ، وهذا النوع من الجناس يكاد يكون معدوماً في اللهجة لسقوط الإعراب، لكن إذا أردت شاهداً من اللهجة يصلح لهذا النوع من الجناس فاستمع إلى أحد أفراد بعض النواحي كالملاحة مثلاً يقول: (أَمًّا صَالِحْ أَمَّنْ فْلُوسِهْ عِنْدْ أَخُوهْ)، وهو يريد: «أما صالح فقد أمن فلوسه عند أخيه ليحفظها عنده» وذلك أنهم ينونون كلمة (أما) التي تفيد التفضيل، وتقوم مقام أداة الشرط وفعله معاً[22] فتنطق (أَمّنْ)، وستلاحظ أنها تجانس الفعل (أَمَّنْ) بمعنى وضع الشيء أمانة عند آخر.
    (ب) أو بالاختلاف في الضاد والظاء نحو قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ القيامة: 22 ـ ٢٣ [23] ، وشاهده من اللهجة من الكلام اليومي: (گِلَنَا لِهْ أَللهْ يْرَاوِيكْ دِيكْ الْحَضْرَهْ الْعَلِيَّهْ فْرُحْ وُْحَسَّبْ نِعْنِيْ حَضْرَةْ وَاحِدْ مِنْ الأَيِمَّهْ، مَا دَرَى حْنَا نِعْنِيْ حَظْرَةْ السَّمَچْ!)، والجناس فيه بين (حضرة) بالضاد لأنها من الحضور والمشاهدة، تركية أو فارسية، عربية الأصل، وتعني هنا المقام الذي فيه ضريح أحد الأولياء، و(حظرة) بالظاء من الحظر بمعنى المنع، وهي وسيلة من وسائل صيد السمك تبنى من جريد النخل، هذا إذا كان من يكتبهما ملتفتاً إلى الفرق بين (حضرة) بالضاد، و(حظرة) بالظاء، كما تكتب في اللغة، أما في اللهجة فلا فرق عند الغالبية بينهما، لأنهم لا يكادون يفرقون ذات الظاء، وذات الضاد، فهما دائماً في النطق غير المجود ينطقان بالضاد، وعند ذوي الانتماء القبلي بالظاء غالباً، كما تقدم، وعلى ذلك فقس قول أحدهم: (الْمَلَّاكْ تْگَاطَعْ إِيَّا الْعَامِلْ يْحَظُّرْ النَّخِلْ، خَلَّاهْ مَا حَظَّرُهْ، اشْتَكَى عَلَِيهْ عِنْد الشَِّيخْ، جَابِهْ الشَِّيخْ وُْحَضَّرُهْ)، والجناس فيه بين (حَضَّرُهْ) و(حَظَّرُهْ) بالظاء، لأن الأولى من الإحضار والجلب، والثانية من الحظر والمنع كما تقدم، وعلى ذلك فقس هذا القول: (أَخَدْنَا مِنْ عِنْدِهْ رْطَبْ حَسَّبْنَا عَلَِيهْ زَِينْ وُْنَضَيرْ، يَُومْ جِينَا نَاكِلْ مِنِّهْ طَلَعْ مَا يِنْفَعْ - أَسْوَدْ النَّظِيرْ)، يقول: اشترينا منه رطباً حسبناه طيباً ونضيراً فلما جئنا نأكل منه وجدناه لا يصلح للأكل) والجناس فيه بين (نضير) بمعنى نفيس، وطيب، و(النظير) عند أهل اللهجة الوجه، وقوله (أَسْوَدْ النَّظِيرْ) يعني أسود الوجه صفة للرجل الذي باعه، وغش من اشتراه، يريد أنه سود وجهه بغشه، ومن ذلك قولهم: (سَوَادْ نَظِيرُِكْ)، أي: سواد وجهك، وقولك: (الضَّالِّينْ فِيْ عَدَابَ اللهْ ظَالِّينْ)، والجناس فيه بين (الضَّالِّينْ) بالضاد بمعنى الزائغين عن طريق الحق، و(ظَالِّينْ) بالظاء بمعنى ماكثين ومخلدين في العذاب.
    (ج) أو بالهاء والتاء كقول الشاعر[24] :
    فلا تعيدن حديثاً إن طبعهمو
    موكل بِمعاداة المعادات
    وإذا ما تأملنا (معاداة) لاحظنا أنها كتبت بالتاء ونطقت بالتاء، فهي ليست في الواقع هاء بل هي تاء التأنيث، ولم تقع في مكان الوقف حتى تكتب تاء وتنطق هاء حتى يقال ذلك، وهذا من الاشتباه والتكلف، فإذا صح لأهل البديع أن يجعلوا من هذا البيت شاهداً على ما قالوه، قلنا لهم: هاكم شطري هذا الموال المجهول القائل شاهداً مثل شاهدكم على وجود هذا النوع من الجناس في اللهجة[25] :
    مَا تِحْسِبْ الْگَلْبْ كِلْ سَاعَهْ إِلِهْ تورات
    بِحْيَاةْ رَبِّ السَّمَا نِگْرَا لِهْ التَّوْرَاةْ
    والجناس في هذين الشطرين كما ترى بين (تورَاتْ) المفتوحة التاء بمعنى أحوال، أو تارة وتارة والـ(توْرَاةْ) بالتاء المربوطة التي تنطق عند الوقوف هاء، بمعنى كتاب التوراة الذي أنزل على النبي موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وإن لم يصح لهم قلنا لهم: «سامحونا، ولا تتشنجوا علينا، وتنظروا إلينا نظركم إلى المتطفل الذي تظنون أنه جاء ليتعالم عليكم، وتعالوا إلى شاهد من اللهجة أجود من شاهدكم، وهو شطران من أبوذية للشاعر فهد بن سالم الزوري من تاروت»:
    وُْحَگْ مِنْ جَعَلْ حَجِّ الْبَِيتْ سِنَّهْ
    لَحِبِّهْ مِنْ صُغُرْ نَهْدِهْ وُْسِنِّهْ
    والجناس فيهما سببه التشابه بين هاء الغائب في كلمة (سنه) بمعنى في الشطر الثاني بمعنى سنين عمره و(سنة) بمعنى الفرض والواجب التي تنطق تاء التأنيث فيها هاء للوقوف عليها تبعاً للقاعدة في اللغة واللهجة، بالإضافة إلى أن سينها التي هي في اللغة بالضم، تنطق في اللهجة بالكسر، لأنهم يميلون إلى الكسر، وبهذا يتحقق الجناس، ويُؤلَّف بين ركنيه، وعلى ذلك فقيسوا قول الشاعر[26] :
    وُْآزَىَ وَحِيدٍ بْلَحْدِهْ نَاحِلٍ جِسْمِهْ
    تِجَمَّعْ الدُّودْ عِنْدْ عْضَاهْ بِالْجِسْمَهْ
    والجناس فيه بين (جسمه) بمعنى جسم الشخص المضاف إلى هاء الغائب، والـ(جِسْمَه) التي أصلها القسمة بالقاف وبتاء التأنيث الموقوف عليها بالهاء وتعني هنا بالجملة.
    فإذا كان هذا النوع عند أهل البديع من أهل اللغة قليل جداً وصعب المنال، وأصعب مسالكه ما كان بالضاد، والظاء -كما أشار إليه ابن معصوم في أنوار ربيعه[27] - فإذا كان هذا هو الحال عند أهل اللغة ـ وهم الذين يفرقون ويميزون بين ذات الضاد وذات الظاء -فما بالك بأهل اللهجة الذين يتكلمون على فطرتهم، ويخلطون بين الحروف المتقاربة ولا يفرقون بينها في النطق؟ فهو- بلا شك أعز وأمنع جانباً، والأصعب في الحصول على شاهد من كلام أهل اللهجة على ما أحد ركنيه بالنون، والثاني بالتنوين لسقوط الإعراب كما تقدم، لكن الحرص على التدليل على وجود هذا النوع من الجناس في اللهجة هو الذي دفعني لإيراد هذه الشواهد.
    لكن لأهل اللهجة جناس من هذا النوع لم يرد له ذكر عند أهل البديع، أو شواهد، ومرد ذلك إلى تشابك عدد من الظواهر على حصوله وتكوينه -على النحو المتقدم في أول هذه الحلقة- التي منها: وجود تشابه في النطق بين الحرف المشدد لتكراره وإدغامه في مثله، والحرف المشدد لكونه من الحروف التي تدغم فيه لام أل التعريف الشمسية، كـ(الشمس) التي تكتب كذلك، وتنطق (أشَّمس)، تبعاً للقاعدة في اللغة واللهجة، ومن شواهده في اللهجة أنك لو سمعت أحد أبناء ذوي الانتماء القبلي يقول: (شِفْتْ أَلشَّعِيرْ مْنَشَّرْ وُْسَالِمْ مْنَ الشَّرْ) لوجدت أن (مْنَشَّر) المشددة الشين لإدغامها في مثلها تجانس (مْنْ الشَّرْ) عندما تتلفظ بها، لأن لام أل التعريف تدغم في الشين، فتظهر الشين مشددة، وبدمج الكلمتين في كلمة واحدة تخرج بصورة (مْنَشَّرْ) في اللفظ، ويتحقق هذه النوع من الجناس ولا تدرك الفرق بينهما إلا بالكتابة، أو بالحس الباطني إذا كنت تدرك صورتها في ذهنك، ومما يلحق بهذا الباب الأسماء المعرفة بأل التي لامها شمسية، التي تجانس الأفعال المبدوءة بتاء الافتعال التي تدغم تاؤها في ما بعدها إذا جاء بعدها أحد حروف الإطباق، فلو أنصتَّ إلى قول الشاعر عيسى بن محسن المتقدم ذَكَرُهْ في مطلع أبوذيته[28] :
    أَللهْ وُْيَاكْ يَا حِلْوِ الْجِسِمْ وُِالطُّولْ
    الْعِشْرَهْ مَا بَگَتْ وُِيَّاكْ وُِاطُّولْ
    لسمعت (الطول) الأولى اسماً معرفاً بأل لامها شمسية تدغم في الطاء تكتب ولا تنطق بل تنطق الطاء مشددة لإدغام هذه اللام فيها، فتنطق بصورة (اطُّول)، و(اطُّول) الثانية فعل أصله (تَطُول) وأدغمت تاء الافتعال في الطاء تبعاً للقاعدة القائلة بإبدال تاء الافتعال طاءً إذا كانت الفاء أحد حروف الإطباق التي منها الطاء، مثل: (اظتهر) تصير (اطَّهر)، وزيدت الهمزة في أول الفعل للتوصل إلى النطق بالساكن ـ كما سبق الحديث عن هاتين الظاهرتين في الحلقة الثانية، والرابعة من هذا البحث ـ وبهذا تظهر الكلمتان متجانستين لفظاً مختلفتين خطّاً، ومن العوامل التي تساعد على تكون هذا النوع من الجناس خلط أهل اللهجة هاء الغائب بالهاء المبدلة من تاء التأنيث عند الوقوف، بالألف في آخر الاسم أو الفعل، وعدم التفريق بينهما في النطق، ومن شواهده قول الشاعر في أبوذيته:
    ثَلاثَهْ وُْارْبَعَهْ وُِاثْنَِينْ تِسْعَهْ وُْيَنَارٍ
    فِيْ ضَمِيرْ حْشَايْ تِسْـعَى
    والسبب في ذلك أن تاء التأنيث في لفظة (تسعة) موقوف عليها بالسكون، وإذا وقف عليها بالسكون تنطق هاء تبعاً للقاعدة في اللغة واللهجة، وهذه الهاء في اللهجة متطرفة لا تكاد تبين حركتها لخطفها في الكلام، وإنما تظهر حركة الحرف الذي قبلها كما تقدم في مكان آخر من البحث بصورة (تسعَـ)، وبالمقابل لو حقق نطق هذه الهاء، والألف المقصورة من الفعل (تسعى) بصورة (تسعه)، ولأن الفعل (تسعى) مكسور التاء تبعاً لظاهرة التلتلة، وبذا السبب يتحقق هذا النوع من الجناس.
    وقد تجتمع ظاهرتان أو أكثر في آن واحد على بعض المفردات فتؤهلها لهذا النوع من الجناس مع أخرى التي منها الخلط بين حدود الكلمات، وحذف لبعض الحروف أو خطفها في النطق، والوقوف على بعض الحروف المحركة بالسكون، فلو قلت: (الْيَُومْ الشَِّيخْ صَلَّى بْنَا، وُْصَلَّبْنَا عَدِلْ) - تريد طول علينا في الصلاة فصرنا كالمصلبين، لما عدوت هذا النوع من الجناس، لأن الألف المقصورة للفعل (صلى) لا تنطق بل تنطق فتحة الحرف الذي قبلها، والباء المجرور به الضمير ينطق بالسكون، فتظهر الكلمة بصورة (صَلَّبْنَا) تبعاً لظاهرة الخلط بين حدود الكلمات، وبهذا تماثل كلمة (صلبنا) التي هي من الصلب في النطق، لأن الباء فيها منتهية بالسكون، وبذا يتحقق الجناس، في الوقت الذي لا يمكن تحقيقه في ما لو قلت (صَلَّى بِنَا وَصَلَّبَنَا)، على طريقة أهل اللغة على النحو المبين في اللهجة.
    وقد تجتمع مجموعة من الظواهر المتقدم ذكرها على تأهيل هذه المفردات لهذا الجناس كظاهرة الخلط بين حدود الكلمات، وظاهرة حذف بعض الحروف للتخفيف، وظاهرة تغيير بعض الحركات إلى السكون، وظاهرة عدم التفريق بين هاء التأنيث المبدلة من التاء مع الألف، مع كون لام أل التعرف لهذه المفردات شمسية، وخير مثال على ذلك قول الشاعر:
    حِنَّا عِشَاگَهْ وُْطَرَّاگَةْ هَوَى بِالسَّنَهْ
    نَفْعُكْ لَغَِيرِيْ وُْهَمُّكْ شَايِلِهْ بَسْ انَا
    فالكلمة الأولى هي (السنة )المسبوقة بحرف الجر، وبما أن لامها شمسية مدغمة في السين، والهاء التي بدل تاء التأنيث متطرفة تنطق ألفاً كما تقدم فتنطق بصورة (بَسَّنَا)، والثانية كلمة (بَسّ) الفارسية المشددة السين التي تعني هنا فقط، وهمزة الضمير (أنا) لا تنطق للتخفيف، وبضم الكلمتين إلى بعض تخرج كلمة واحدة بصورة (بَسَّنَا) كلمة تجانس التي في الشطر السابق، مع فارق بسيط، وهو أن باء الكلمة الأولى قد تكون مائلة نحو الكسرة، ولكن صاحب الموال (مَا يْعَطِّلْهَا) -كما يقول التعبير المحلي- أي يجد لها مخرجاً فيلوي عنقها بلسانه نحو الفتح لتجانس أختها المفتوحة الباء بالأصالة، وهلم جرّاً.
    ومن شواهده هذا النوع على طريقة أهل اللهجة حديث متصور لأحدهم يتحدث عن صاحب له قائلاً: (سَايَرْنَاهْ وُْدَارَِينَاهْ وُْعَامْلْنَاهْ بِالْحُسْنَى، وُِتْأَمَّلْنَا نْصِيرْ وُِيَاهْ عَلَى مِسْتَوَىً عَالْ، لَاكِنْ كِلْ هَادَا مَا نَفَعْ وُِيَّاهْ وُْصُرْنَا عِنْدِهْ عَلىَ مِسْتَوَى نْعَالْ)، والجناس فيه بين (مستوىً عال) بالتنوين بمعنى مُستوىً رفيع، و(مستوى نعال) بالنون، بمعنى بمنزلة النعال، كناية عن وضاعة القدر، والسبب في حصول الجناس أن الألف المقصورة في (مستوى نعال) لا تنطق في اللهجة، بل تظهر الفتحة التي قبلها على الواو، والنون في (نعال) مبدوءة بالسكون تبعاً لظاهرة الهروب من نطق المقاطع المتغايرة الحركات في اللهجة -كما تقدم في الحلقة الثانية من هذا البحث- فتخرج الكلمتان عند النطق كلمة واحدة بصورة (مِسْتَوَنْعَالْ)، فتجانس كلمة (مستوىً عال)- والحق يقال: إن هذا لن يتحقق لو نطقت (مستوى نعال) بإظهار الألف المقصورة، وكسر نون (نعال) على طريقة أهل اللغة.
    ومن مظاهر توسع أهل اللهجة في هذا النوع التشابه في النطق بين الحركات الطويلة والحركات القصيرة في نهايات الكلمات: بين الألف والفتحة، والواو، والضمة، والياء والكسرة، ومن أمثلته على الياء والكسرة على سبيل المثال، قولك: (أَلْحَمْدُ للَّهِ وَالشُّكْرُ لَهْ، وَلا حَمْدَ لِلَّاهِيْ وَلا شُكْرَ لَهْ)، والجناس فيه بين (اللَّهِ) لفظ الجلالة المنتهي بالكسرة، و(اللَّاهِيْ) بمعنى السادر الساهي المنتهي بالياء.
    ومن أسباب تولده تشابه تاء التأنيث التي تنطق حين الوقوف عليها بالهاء، مع هاء السكت التي تأتي بعد ياء المتكلم في لهجة بعض النواحي مثل سيهات ودارين[29] ، فإذا استمعت إلى طفلة سيهاتية تقول لأبيها مثلاً: (تْگُولْ لَكْ أمْيَهْ تَمْبِيْ مْيَهْ)، وهي تريد: «تقول لك أمي: تريد مئة رِيال» فإذا لم تكن من أهل هذا المحيط ولم تكن (مْعَانِسْ) أي معاشراً لهم لم تميز بين الكلمتين المتجانستين، ولاسيما إذا كانت تسرع في كلامها فتتحول همزة القطع في كلمة (أمْيَهْ) بمعنى أمي إلى همزة وصل مخطوفة في النطق لا تكاد تنطق، وإنما تنطق الميم مباشرة مبدوءة بالسكون، لا هي مرققة كلياً ولا مفخمة كلياً بل بين بين، فتشابه كلمة (ميه) التي أصلها (مئة) المبدوءة في اللهجة بسكون الميم وطريقة نطقها من حيث الترقيق والتفخيم مثل سابقتها، والهاء التي فيها أصلها تاء التأنيث تحولت إلى هاء للوقوف عليها تبعاً للقاعدة في اللغة واللهجة.
    ومن طريف ما يروى في هذا الباب: أن أحدهم من خارج هذا المحيط دعم طفلة، فنزل ليسعفها، فجعلت تبكي، وهي تقول: (أَمْبِيْ مْيَهْ)، فظن أنها تريد مئة ريال، فأعطاها مئة ريال، ثم لاحظ أنها مازالت تبكي وتكرر نفس الكلمة، فظن أنها تريد مئة ريال أخرى، فأخذتها واستمرت في البكاء، ولما لم يكن من أهل تلك الجهة فلم يفطن لما تريد، حتى جاءه هندي كان يعيش بينهم ويعرف لهجتهم وأخبره قائلاً: (هَادَا مَا يِبْغَى مْيَةْ رْيَالْ، هَادَا يِبْغَى مَامَا).
    ومن أسباب تولده أيضاً التداخل بين علامات التأنيث في النطق سواء كانت ممدوة أم مقصورة أم تاء تأنيث ونطقها عند الوقوف تارة هاء وتارة ألفاً، بالإضافة إلى مشابهة هاء السكت المتقدمة لهذه الهاء، واستمع إلى سيهاتي غاضب يتكلم على النمط القديم كادت امرأة أن تدوس عمه لعدم التفاتها ليقول لها: (بَغَِيتِينْ ادُّوسِينْ عَمْيَهْ يَا عَمْيَهْ) بالهاء، أو (بَغَِيتِينْ ادُّوسِينْ عَمْيَا يَا عَمْيَا) بالألف، وهو يريد»كُدتِّ أن تدوسي عمي يا عمياء».
    وهذا من أوضح الأدلة على أن الجناس اللفظي، وعلى وجه الخصوص هذا النوع مجاله في اللهجة أوسع منه في اللغة، كما سبق أن أشرت إليه في أول هذه الحلقة.
    (العاشر) الجناس المحرّف: وهو ما اختلف اللفظان في هيئات الحروف من حيث الحركات، نحو: (جُبةُ البُرْدْ جُنّة البَرْدْ)[30] ، ومن شواهده في اللهجة قولهم السائر: (أَبُوْ مُرَّهْ مَا صَدَگْ إِلا هَالْمَرَّهْ)، والجناس فيه بين (مُرَّهْ) المضمومة الميم و(الْمَرَّهْ) المفتوحة الميم، وقولك: (الْحُرّ مَا يِگْدَرْ عَلَى الضِّيگْ وُِالْحَرَّ)، والجناس فيه بين (الْحُرّ) المضمومة الحاء بمعنى الإنسان الذي يأبى الضيم و(الْحَرَّ) المفتوحة الحاء بمعنى المكان أو الجو الحار، وقول: (طَلّ مْنْ الْبُگُرْ وُْشَافْ الْبَگَرْ) ـ على لهجة بعض النواحي كالجش مثلاً ـ والجناس فيه بين (الْبُگُرْ) بضم الباء والگْاف بمعنى الثقب أو الخرق، و(الْبَگَرْ) أي البقر جمع بقرة، وقولك: (خِدْ الْعُودْ الْعَُودْ)، والجناس فيه بين (الْعُودْ) بضم العين بمعنى العصا، و(الْعَُودْ) بفتح العين بمعنى الكبير ـ على لهجة، وبفتحة مائلة نحو الضم، أو بحركة مركبة من فتحة وضمة على لهجة أخرى، وقولك: (حٌطّ الْحَبْ فِيْ الْحِبْ)، والجناس فيه بين (الْحَب) بالفتح و(الْحِب) الثانية بالكسر آنية من فخار كان يبرد فيها الماء في ما سلف من الزمان، وربما استعمل لحفظ الحبوب التي يخشى عليها من التلف، ومن شواهده في شعر الموال قول الشاعر راشد البنعلي من دارين[31] :
    بَسِّكْ مْنْ الْغَيِّ وَايَّامْ الصِّبَا غَابَنْ
    وُِاللِّيْ يِبِيعْ السَّعَادَهْ بِالْجَهِلْ غَابِنْ
    والجناس فيه بين (غَابَنْ) المفتوحة الباء و(غَابِنْ) المكسورة الباء، وقول الشاعر أحمد ابن الحاج محمد النوري من تاروت[32] :
    يَا زَِينْ مِنْ عِشْرَتُكْ لابَطِّلْ الْعِشْرَهْ
    لَسْرَحْ مَعَ اللَِّيلْ وَصَفِّجْ بِالْيَدْ الْعَشْرَهْ
    والجناس فيه بين (الْعِشْرَهْ) المكسورة العين بمعنى الصحبة، و(الْعَشْرَهْ) المفتوحة الغين بمعنى أصابع اليد العشرة، وقول الآخر:
    مَجِيـدْ مْنْ الْكَرَمْ عِنْدِهْ جَنَابَهْ
    وُْحَالِفْ حُرْصُهْ مَيْفَارُگْ جَنَابِهْ
    والجناس فيه بين (جَنَابَهْ)،المفتوحة الباء، و(جَنَابِهْ) التي تنطق في اللهجة بكسر الباء.
    (الحادي عشر) الجناس المصحّف: وهو ما اختلف اللّفظان من حيث التنقيط، بحيث لو زالت النُقَط لم يتميّز أحدهما عن الآخر، ومن ذلك هذا القول المأثور: (غَرّك عزُّك فَصار قصار ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فعلّك تُهدى بهذي)[33] ، ومن شواهده في اللهجة أقوالهم السائرة الآتية: (خَُوفْ يِگْطَعْ الْجَُوفْ)، والجناس فيه بين (خَُوفْ)، والـ(جَُوفْ)، و(عِنْدُِكْ حَرَّهْ اشْرَبْ جَرَّهْ)، والجناس فيه بين (حَرَّهْ) و(جَرَّهْ)، و(بَاعْ الْجَمَلِ بِمَا حَمَلْ)، والجناس فيه بين الـ(جَمَلِ) بالجيم المعجمة، و(حَمَلْ) بالحاء المهملة، و(چَارْ وُْچَارْ يَُومْ بَارِدْ وُْيَُومْ حَارْ)، والجناس فيه بين (چَارْ) بالجيم الفارسية المعجمة و(حَارْ) بالحاء المهملة، و(وَِيشْ هَالْحَالَهْ يَخَالَهْ)، والجناس فيه بين الـ(حَالَهْ) بالحاء المهملة و(خَالَهْ) بالخاء المعجمة، و(الْخَِيرْ يْخَيُّرْ وُِالشَّرْ يْحَيُّرْ)، والجناس فيه بين الفعل (يْخَيُّرْ) بالخاء المعجمة و(يْحَيُّرْ) بالحاء المهملة، و(مَا خَلا جَسَدْ مِنْ حَسَدْ)، والجناس فيه بين (جَسَد) بالجيم المعجمة و(حَسَدْ) بالحاء المهملة، و(إذَا مَاتْ أَبُوكْ گَبِلْ جَدُِّكْ الْطُمْ عَلَى خَدُِّكْ)، والجناس فيه بين (جَدُِّكْ) بالجيم، و(خَدُِّكْ) بالخاء، و(مَرَّهْ تْجِيبْ وُْمَرَّهْ تْخِيبْ)، والجناس فيه بين (تْجِيبْ) بالجيم، و(تْخِيبْ) بالخاء، و(خَابَتْ مَا جَابَتْ مَا جَابَتْ إلا الدَّمَارْ)، والجناس فيه بين (خَابَتْ) بالخاء و(جَابَتْ) بالجيم، و(مَا يُعْرُگْ صُفْرُكْ إِلا ضُفْرُكْ)، والجناس فيه بين (صُفْرُكْ) بالصاد المهملة، و(ضُفْرُكْ) بالضاد المعجمة، هذا إذا عاملنا كلمة (ظفرك) بالضاد كما تنطق في اللهجة، وقولك: (حُبِّ الْحَسَا مَمْزُوجْ بِالْحَشَا)، والجناس فيه بين (الْحَسَا) بالسين المهملة، و(الَحَشَا) بالشين المعجمة، وقولك: (صَارَتْ النِسْبَهْ نِشْبَهْ) والجناس فيه بين الـ(نِسْبَهْ) بالسين المهملة، و(نِشْبَهْ) بالشين المعجمة، ومن ذلك قول أحدهم لشخص من أسرة آل ضاحي[34] في سؤاله عن حاله: (وَِيشْ أَحْوَالُكْ يَبِنْ ضَاحِيْ؟ إِنْ شَا الله طَيِّبْ وُْصَاحِيْ؟)، والجناس فيه بين (ضاحي) بالضاد المعجمة لقب هذه الأسرة و(صاحي) بالصاد المهملة بمعنى سليم معافىً، ولو كنت من أهل الأدب العادي واشتهيت أن تطعم كلامك بشيء من كلام أهل الأدب الرفيع، وقلت: (رَبْعُكْ لُوْ جَِيتْ تْغَرْبِلْهُمْ وَاحِدْ وَاحِدْ چَانْ تْگُولْ: يِسْتَاهْلُوا گُولَةْ: أَللهْ يْغَرْبِلْهُمْ كِلْهُمْ)، والجناس فيه بين (تْغَرْبِلْهُِمْ) فعل مضارع يبدأ بالتاء معناه عند أهل اللغة وأهل الأدب الرفيع: تنخبهم، وتنتقيهم، و(يغربلهم) فعل مضارع مبدوء بياء، ومعناه عند الجميع: أهل اللغة وأهل الفريقين دعاء عليهم بأن ينسفهم الله نسفاً، ويمحقهم، فلا يبق لهم أثراً ويريح غيرهم من أذاهم، ومن شواهده عند أهل الانتماء القبلي القول السائر: (اللِّيْ مَا يْطِيعْ يِظِيعْ)، والجناس فيه بين (يْطِيعْ)، و(يِظِيعْ)، لأن الأولى بالطاء المهملة، والثانية بالظاء المعجمة، والفرق بينهما التنقيط، لأنهما ينطقون ذات الضاد بالظاء، وقلما يفرقون بين ذات الظاء والضاد، فربما قال أحدهم: (ظَرَبْ) وهو يريد (ضرب)، كما أن الضاد والظاء عند الغالبية تنطقان ضاداً مطلقاً، والنطق الشائع لكلمة يضيع بالضاد كما هي في اللغة، والخلط بين هذين الصوتين نطقاً ورسماً، وعدم التفريق بين الظاء والضاد مشكلة قديمة تنبه لها جماعة من الباحثين وأساتذة اللغة، ومنهم الدكتور أبو أوس إبراهيم الشمسان حيث قال: «وقد أحس بهذا الخلط علماء العربية إحساساً دفعهم إلى تأليف الكتب والمنظومات التي تعلم الناس وتجنبهم هذا الخلط، فقد بدأ التأليف في بيان الفرق بينهما منذ أواخر القرن الثالث الهجري»[35] ، وقد تقدم الحديث عنه في الحلقة الثالثة والعشرين من هذا البحث، ومن ذلك قول أحد المتأدبين الطائحين الحظ: (خَطِّيْ مِثِلْ حَظِّيْ أَعْوَجْ)، والجناس فيه بين (خَطِّيْ) بالطاء المهملة، و(حَظِّيْ) بالظاء المعجمة، وقولك: (فَلان ْكِلْمَا غَطَسْ وُْطَلَعْ مْنْ الْمَا عَطَسْ)، والجناس فيه بين (غَطَسْ) بالغين المعجمة، و(عَطَسْ) بالعين المهملة، وقولك: (فْلانْ ظَفَرْ باللِّيْ يِبْغَاهْ وُْطَفَرْ)، والجناس فيه بين (ظَفَرْ) بالظاء المعجمة، و(طَفَرْ) بالطاء المهملة بمعنى هرب.
    (الثاني عشر) الجناس المركّب: وهو ما اختلف اللفظان من حيث التركيب والإفراد -حسب تعريف السيد الهاشمي- وعرفه السيد ابن معصوم بأنه: ما تماثل ركناه، وكان أحدهما كلمة مفردة، والآخر مركباً من كلمتين فصاعداً[36] .
    وقد وقع الاختلاف فيه بين دارسي علم البديع، فعده السيد ابن معصوم في أنوار ربيعه، والسيد الهاشمي في جواهر بلاغته من ضمن أنواع الجناس الناقص، بينما عده الشيخ علي الفرج في (تكوين بلاغته) ضمن أنواع الجناس التام أو الكامل، وهو على ثلاثة أنواع[37] :
    (الأول) الجناس المرفو: وهو ما كان من كلمة وبعض من أخرى، وعرفه السيد ابن معصوم: بأنه ما كان أحد ركنيه مستقلاً، والآخر مرفواً من كلمة أخرى، كقول الحريري[38] :
    ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه
    بدمع يضاهي المزن حاله مصابه
    ومثل لعينيك الحمام ووقعه
    وروعة ملقاه ومطعم صابه
    وإذا ما دققت النظر في كلمة (مصابه) في البيت الأول وجدتها من كلمتين: من (مصاب) المضافة، ومن ضمير الغيبة للمذكر (ـه) المضاف إليه هذه الكلمة، وليست من كلمة واحدة كما ذكر هنا، اللهم إلا إذا كان المقصود بأنها كلمة واحدة في الكتابة، وعلى كل حال فمن شواهده من اللهجة على هذا المنهج قول الشاعر في أبوذيته[39] :
    جَدِيلْ أَسْوَدْ عَلَى مَتْنِيْ يِلُوتِيْ
    وُِانْتَ اشْـعَرَّفَكْ بِيَّ يَلُوتِيْ
    فـ(يَلُوتِيْ) كلمة واحدة: فعل مضارع أصله (يْلُوتْ) بسكون التاء، بمعنى يميل يمنة ويسرى -كما في حاشية المصدر- وزيدت الياء في آخره وحركت التاء بالكسر للمجانسة مع الكلمة التي في الشطر الثاني، والثانية كلمة مماثلة لها بعضها من أداة النداء (يا) وحذفت الألف لعدم نطقها بقصد التخفيف، ومن (لوتي) المنادى بهذه الأداة، بمعنى: يا مكَّار، يا مُخادع ـ كما في حاشية المصدر ـ وبتقصير حرف النداء؛ بحذف الألف منها تخرج الكلمة مجانسة لما قبلها، والعكس صحيح، ومن شواهده هذه الخاطرة التي قلتها في مداعبة الأخ محمد علي حسن كلالة من الشويكة بالقطيف، وأنا لست شاعراً:
    نُورْ وَجْهُكْ يَا كَلالَهْ
    يِضْوِيْ لِيْ دَارِيْ كَلالَهْ
    والجناس فيه بين ركنه الأول (كَلالَهْ) من كلمة واحدة، وهو لقب الأخ محمد علي، والركن الثاني (لالَهْ) كلمة تركية تعني نوعاً من المصابيح الزيتية والقازية، له زجاجة على شكل القارورة، كان يستعمل في بيوت الموسرين، وتمام الركن كاف التشبيه.
    النوع الثاني: الجناس المفروق، وهو ما كان أحد ركنيه من كلمة واحدة، وركنه الآخر من كلمتين، وعرفه السيد ابن معصوم: بأنه ما اتفق ركناه لفظاً لا خطاً، وخص باسم المفروق لافتراق الركنين في الخط، كقول الحريري، أو المطوعي على رأي ابن معصوم:
    لا تعرضن على الرواة قصيدة
    ما لم تكن بالغت في تهذيبها
    فإذا عرضت الشعر غير مهذب
    عدوه منك وساوساً تهذي بها
    والجناس بين: تهذيبها، وتهذي بها[40] ، وإذا ما دققت النظر إلى كلمة (تهذيبها) في البيت الأول وجدتها هي الأخرى من كلمتين، من (تهذيب) المضافة، ومن ضمير الغيبة للمؤنث (ها) المضاف إليه هذه الكلمة، وليست من كلمة واحدة ـ كما ذكر هنا ـ اللهم إلا إذا كان المقصود بأنها كلمة واحدة في الكتابة، وعلى كل حال فمن شواهده من اللهجة وفق هذا المنهج: مطلع موال للشاعر راشد الفاضل البنعلي من أهل دارين يحيي به الشَّيخ محمد الطويل عندما نصب أميراً للقطيف، وجاء إلى دارين، وركب معه في سفينته الشراعية ليطلعه على طريقة الغوص[41] :
    حَيَّاكُمْ اللهْ، وُْحَيَّـا اللهْ مَنَادِيبُِـكُمْ
    لا نَاحْ نَاعٍ وَلا نَادَى الْمُنَادِيْ بِكُمْ
    فـ(مناديبكم) كلمة واحدة جمع مندوب المضافة إلى الضمير (كم)، بمعنى من يمثلكم حالْ غيابكم، و(الْمنادي بكم) كلمتان، اسم فاعل بعده ضمير جمع مجرور، بمعنى النَّادب لكم ينعى فقدكم.
    (الثالث) الجناس المقرون: وهو ما كان من كلمتين مع اتفاق الركنين، وعرفه السيد ابن معصوم بأنه: ما اتفق ركناه لفظاً، وخطاً، وقال عنه: ويسمى المتشابه، وعرفه الشيخ الفرج في تكوين بلاغته: (أن يكون أحد اللفظين المتجانسين كلمة، والآخر مركباً من كلمتين)، كقول الحريري أيضاً، أو أبي الفرج البستي ـ على رأي ابن معصوم:
    إذا ملك لم يكن ذا هبة
    فدعه فدولته ذاهبة
    فالأول مركب بمعنى: صاحب هبة، والثاني: مفرد، وهو اسم الفاعل[42] ، وهذا النوع هو الذي يصح أن يقال: إن أحد الركنين من كلمة واحدة، والثاني من كلمتين، كما ذكر الشيخ الفرج ـ وما أدري ما يقصد باتفاق الركنين، فإن كان المقصود بذلك اتفاق الركنين لفظاً وخطاً ـ كما يقول ابن معصوم ـ فمن الأولى أن يسمى الجناس التام، لكن إذا ما نظرنا إلى كلمة (ذا هبة) تجدها ليست كلمة واحدة بل هي مركبة من (ذا) بمعنى صاحب، وكلمة (هبة)، كما أنها مفصولة في الخط، وليست كالكلمة الثانية (ذاهبة) اسم فاعل مؤنث كما ذكره السيد أحمد الهاشمي، التي هي كتلة واحدة، وهذا من التوهم، وعلى كل حال فمن شواهده وفق هذا المنهج شطري الموال المنسوب للشاعر الكويتي عبد الله الفرج[43] :
    وُِالْهَمِّ بِحْشَايْ نَسَّـانِيْ الَّذِيْ رَاحِ لِيْ
    لَمَّنْ شِفِتْ عِيسُهُمْ يَُومْ النَّوَى رَاحِليْ
    وفيه (رَاحِ لِيْ) من كلمتين: من الفعل راح بمعنى ذهب في اللهجة، وياء المتكلم المسبوق باللام، والثانية (رَاحِليْ) كلمة واحدة، حال من العيس جاءت محركة بالكسرة الطويلة الياء، وحقها في اللهجة في العادة السكون (رَاحِلْ) مقابل (راحلاً) في اللغة، وقد فعل بها الشاعر ذلك لتحقيق الجناس، ومن شواهده الزهيرية المنسوبة للشاعر عيسى بن محسن المتقدم ذكره، أو لغيره[44] :
    أَتْأسَّفْ أَمْرِيْ عَلَى دَهْرٍ مَضَى فَاتِ لِيْ
    وُِابْلِيسْ وُِيَّايْ بْحَبْلْ مْوَدَّتِهْ فَاتِلِيْ
    فـ(فَاتِ لِيْ) مؤلفة من لفظين: الفعل (فات) بمعنى مضى وياء المتكلم المجرور باللام، و(فَاتِلِيْ) قد تكون كلمة واحدة جاءت محركة بالكسرة الطويلة الياء، وحقها في اللهجة في العادة السكون (فَاتِلْ) مقابل (فاتلاً) في اللغة لأنها حال سدت مسد الخبر، وقد فعل بها الشاعر ذلك لتحقيق الجناس، وربما كانت (فَاتِلِيْ) اسم فاعل مضافاً إلى ياء المتكلم، وتشكل في الكتابة كتلة واحدة، على النحو المتقدم بمعنى مستدرجي وموقعي في حبائله، ومنه الزهيرية المنسوبة للشاعر عيسى بن محسن المتقدم ذَكَره، أو لغيره[45] :
    الْمَنْ أَخَلِّي الْمُوَافِيْ وَأَبْرِدِهْ مِـنْ دَمْ
    كَمْ لَِيثْ مِنْهُمْ غَدَا حَدْرْ الثَّرَى مِنْدَمْ
    فـ(مِنْ دَمْ) مؤلفة من كلمتين: حرف الجر (من) والسم (دم) من الدماء المجرور بمن، والثانية (مندم) كلمة واحدة بمعنى: مدفون.
    ومما يحسن إيراده أن زميلاً معي في العمل من الآجام - سألني ذات مرة عن شخص اسمه (راني) من الأسامي المحدثة، فقال لي: (هَوْ أَسْمَه رَانِيْ؟)، ونطق (اسمه) بفتح الهمزة، على عادتهم في نطق هذه الكلمة، ولم تبن هاء الغائب في كلامه، فظننت أنه يريد: (هُوْ أَسْمَرَانِيْ؟) بمعنى أسمر، فتولد من نطقه للجملة، وتصوري أنا لها جناس من هذا النوع، ولم أفهم أنه يريد السؤال عن اسم هذا الشخص، إلا بعد أن قال: (أَسْمِهْ أَسْمِهْ).
    (الثالث عشر) الجناس الملفّق: وهو ما كان اللفظان فيه كلاهما مركّباً، كقوله:
    فلم تضع الأعادي قدر شاني
    ولا قالوا فلان قد رشاني
    الأول: مركّب من (قدر)، ومن (شاني) والثاني: مركّب من (قد) ومن (رشاني)، وعرفه السيد بن معصوم في أنوار ربيعه: «أن يكون كل من ركنيه مركباً من كلمتين فصاعداً، وهذا الفرق بينه وبين المركب، وقل من أفرده عنه إلا المحققين كالحاتمي وابن رشيق وأمثالهما، ومثل له بقول الحاكم المطوعي[46] :
    وكم لجباه الراغبين لديه من
    مجال سجود في مجالس جود
    ومن شواهده في اللهجة مطلع الزهيرية غير المنسوبة[47] :
    يَا مُنْجِيْ بِالْبَحْرْ ذَا النُّونْ مِنْ ذَا النُّونْ
    فـ(ذَا النُّونْ) الأولى مركبة من الاسم (ذا) بمعنى صاحب، والنون بمعنى الحوت، وتعني في مجملها النبي يونس على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، و(ذَا النُّونْ) الثانية مركبة من اسم الإشارة و(النون) بمعنى الحوت المشار إليه بـ(ذا).
    (الرابع عشر): جناس القلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف، نحو: (رحم الله امرءاً مسك ما بين فكّيه وأطلق ما بين كفيّه)[48] ، ومن شواهده في اللهجة أقوالهم السائرة الآتية: (اهْدِهْ اهْدِهْ وُِانْ مَا اهْتَدَى ادْهِهْ)، والجناس فيه بين (اهْدِهْ)، و(ادْهِهْ) أي: اصرف وجهك عنه، ودعه يذهب في داهية، وقولك: (حُطْ لِحْبَالْ فِيْ رَگَبَةْ الْبَگَرَهْ)، والجناس فيه بين (رَگَبَهْ) والـ(بَگَرَهْ)، وقولك لصاحبك: (الْيَُومْ أَنَا مِسْتَبْرِدْ وُْمِسْتَرْبِدْ)، أي: متكاسل ومتراخ، وليس لي رغبة في العمل والحركة لشعوري بالبرد الشديد، والجناس فيه لا يحتاج إلى إيضاح، وقولك: (شِفْتْ الشَّاعُرْ يِمْشِيْ فِيْ الشَّارُِعْ)، والجناس فيه بين (الشَّاعُرْ) و(الشَّارُِعْ)، وقولك: (نَدَسْ سَنَدْ)، وقولك: (هَادَا عَدَسْ سَعَدْ)، والجناس فيه بين (عَدَسْ) و(سَعَدْ)، وقولك: (أَيْمَنْ رَاحْ يْزُورْ أَمِينْ)، والجناس فيه بين (أَيْمَنْ) و(أَمِينْ)، ومن العوامل المساعدة على توليد هذا النوع من الجناس اختلاف لهجات الواحة والاختلاف في نطق الكلمات، فمن ذلك قولهم: (الْبِرَكَهْ فِيْ الْبَكَرَهْ)، أي: البركة في البقرة على لهجة بعض النواحي التي كانت تستعمل الكاف في لهجتها في مقابل القاف أو الگاف في ما سبق.
    الجناس المقلوب المجنح: وهو الذي يقع فيه أحد المتجانسين في أول البيت والآخر في آخره كأنه ذو جناحين كقوله[49] :
    لاح أنوار الهدى
    من كفه في كل حالْ
    ومن شواهده في اللهجة هذا القول:
    سَارْ الْعَزِيزِ الَّذِيْ
    لِلْبَلَدْ تَاجْ وُْرَاسْ
    گَاسَِيتْ غُصَّهْ وُْقَهَرْ
    وُْشَرَبْتْ مُرْ الْكَاسْ
    وفيه (سار) في أول البيت يجانس مقلوبه (راس) المسهل الهمزة الذي في آخر البيت، ومثله:
    رَاحْ اللِّيْ عَلَّمْنِيْ الْفَرَحْ
    وُِالدَّمِعْ فُوگْ خَدِّيْ حَارْ
    وفيه (رَاحْ) في أول البيت يجانس مقلوبه (حَارْ) الذي في آخر البيت.
    (الخامس عشر) الجناس المستوى: وهو من جناس القلب، ويسمّى أيضاً: (ما لا يستحيل بالانعكاس) وهو ما لا يختلف لو قرئ من حرفه الأخير إلى الأوّل معكوساً ومقلوباً، وإنّما يحصل بعينه، نحو قوله تعالى: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾ الأنبياء: ٣٣، وقوله سبحانه: ﴿رَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ المدثر: ٣، فإنّه ينعكس بعينه، وكذا قول: (أرانا الإله هلالاً أنارا)[50] ، ومن شواهده في اللهجة قولك للخطيب: (هَادَا الْمِنْبَرْ جَاهِزْ تْفَضَّلْ ارْگَى وُِاگْرَا)، فجملة (ارْگَىْ وُِاگْرَاْ)، تقرأ من الجهتين، ومثلها قولك: (دَعَسْ سَعَدْ)، و(خَبَصْ صَبَخْ)، و(كَلامْ مَالُكْ)، ومثلها: (حْصَانْ نَاصُحْ)، و(بَلاغْ غَالِبْ), وعندما يكون لك جار اسمه (راجي) وتناديه بقولك: (يَرَاجِيْ يَجَارِيْ)، وكذا عندما يكون لك صاحب اسمه (صُبْحِيْ)، وتريد أن تناديه؛ واصفاً إياه بأنه (حُبْصِيْ) بقولك: (يَصُبْحِيْ يَحُبْصِيْ)[51] مع حذف الألف من أداة النداء (يا) من كلا المناديين على عادة أهل اللهجة إذا أرادوا الاختصار، فإنهما تقرآن من الصوبين: من وراء ومن قدام، ولو أنصت إلى قول أحدهم يقول: (الْيَُومْ رُحْنَا الْعَِينْ نِتْسَبَّحْ، وُِالْمَايْ گَوِيْ، تْصَدُّگْ مِنْ گُوَّتِهْ جَرَفْ فَرَجْ؟!)، وتأملت المقطع (جَرَفْ فَرَجْ) لوجدته يصلح للقراءة من الصوبين.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] أنوار الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/134.
    [2] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [3] آل خواهر من أسر القطيف الكريمة، يسكن أفرادها الجش، ومنهم في الملاحة، ومنهم من يسكن في فريق العليوات شمال عنك.
    [4] (صاحي) هو تنبيه صوتي يطلقه رئيس العسس عندما يمر على الأسواق للتأكد من إن أفراد العسس منتبهون لما يدور حولهم، وغير غافلين، فيجاوبونه بقولهم: (صاحي).
    [5] تكوين البلاغة، قراءة جديدة ومنهج مقترح (مرجع سابق) ص 342.
    [6] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [7] نفسه.
    [8] أنوار الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/172.
    [9] زهيريات دارين (مرجع سابق) ص 255، وفيه: الجامعة هي: رقية مكتوبة توضع في قطعة من الجلد وتخاط، أو في علبة من الذهب أو الفضة، تعلق في الرقبة أو تربط في أعلى اليد.
    [10] زهيريات دارين (مرجع سابق) ص 194.
    [11] نفسه ص 77.
    [12] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [13] نفسه.
    [14] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [15] نفسه.
    [16] نفسه، وزهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/140.
    [17] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [18] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [19] نفسه.
    [20] نفسه، وزهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/193.
    [21] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 323.
    [22] تقدم الحديث عنها في الحلقة الثانية عشرة من هذا البحث.
    [23] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 323.
    [24] نفسه.
    [25] زهيريات دارين (مرجع سابق) ص 250، و(تَُورَاتْ) - في ما يبدو - جمع محلي للكلمة الفارسية (تَُورْ)، ومنه قول العجم في السؤال عن الحال: (چَتَُورْ؟) و(چَطَُورْ)، ولعلها من (طَوْر) العربية بمعنى التارَةُ ـ كما تقدم في مرجعها ـ تقول: «طَوْراً بَعْدَ طَوْرٍ» أَي: تارةً بعد تارة؛ وقال الشاعر في وصف السَّلِيم: «تُراجِعُه طَوْراً وطَوْراً تُطَلِّقُ»، راجع لسان العرب مادة (طور).
    [26] مواويل من الخليج (مرجع سابق) جـ 2/30.
    [27] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 322.
    [28] ديوان عيسى التاروتي (مرجع سابق) ص 88.
    [29] سبق الحديث عن هذه الظاهرة في الحلقة الأولى من هذا البحث.
    [30] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 323.
    [31] زهيريات دارين (مرجع سابق) ص 60.
    [32] شعراء الموال في جزيرة تاروت (مرجع سابق) ص 173.
    [33] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 323.
    [34] من الأسر المعروفة في الجش من القطيف، وفي سيهات أيضاً أسرة غيرها معروفة بهذا اللقب.
    [35] أسماء الناس في المملكة العربية السعودية (مرجع سابق) ص 82، 83.
    [36] زهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/98، وجواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324.
    [37] نفسه، وتكوين البلاغة، قراءة جديدة ومنهج مقترح (مرجع سابق) ص 341.
    [38] زهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/111، وجواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324.
    [39] مواويل من الخليج (مرجع سابق) جـ 1/267.
    [40] زهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/ 103، وجواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324، وتكوين البلاغة، قراءة جديدة ومنهج مقترح (مرجع سابق) ص 341.
    [41] ديوان عيسى التاروتي (مرجع سابق) ص 59، وشعراء الموال في جزيرة تاروت (مرجع سابق) ص 119.
    [42] زهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/98، وجواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324.
    [43] زهيريات دارين (مرجع سابق) 120.
    [44] ديوان عيسى التاروتي (مرجع سابق) ص 113، وقد نسبت فيه لهذا الشاعر، وزهيريات دارين (مرجع سابق) ص 247، وفيه الزهيرية غير منسوبة لأحد.
    [45] نفسه، وقد نسبت فيه لهذا الشاعر، وزهيريات دارين (مرجع سابق) ص 245، وفيه الزهيرية غير منسوبة لأحد.
    [46] زهر الربيع في أنواع البديع (مرجع سابق) جـ 1/126، وجواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324.
    [47] زهيريات دارين (مرجع سابق) ص 157.
    [48] جواهر البلاغة في المعاني والبديع والبيان (مرجع سابق) ص 324.
    [49] نفسه.
    [50] نفسه.
    [51] الحبصي في اللهجة البخيل الشديد التدقيق في الحساب وغيره من الأمور أكثر من المطلوب، وهي من الكلمات القديمة التي سقط تداولها الآن أو كاد.
    باحث
يعمل...
X