إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يكتب ( عبده وازن ) السيرة الذاتية بين سطوة الذاكرة ونزق الأسئلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يكتب ( عبده وازن ) السيرة الذاتية بين سطوة الذاكرة ونزق الأسئلة



    وازن يكتب السيرة الذاتية باعترافات الحائر
    قلب عبده وازن بين سطوة الذاكرة ونزق الأسئلة

    العرب أونلاين - لنا عبد الرحمن
    كيف يمكن للجسد الممدد على سرير المرض استعادة نكهة قطعة خبز حلو تشبه قمرا صغيرا؟. ذكريات متنوعة، تمزج بين طعم النبيذ، ونكهة الخبز المقدس، ورائحة البيت القديم، وعذوبة الحب الأول، وآلام الجسد المريض، ثم هواجس الكتابة والموت.
    تلتقي كلها في نص " قلب مفتوح"، للشاعر عبده وازن، الذي يروي تجربته مع المرض، في نص استرجاعي تأملي، ينتمي شكلا لأدب السيرة الذاتية، ويستعين بالتقنيات الروائية، وأدب الاعترافات. وإن كان الشاعر لا يضع على غلاف الكتاب كلمة "سيرة"، أو "رواية"، إلا أنه يسرد ذاته في توقف مفصلي أمام أكثر لحظات حياته اضطرابا ووجعا.
    وإن كان ثمة ملامح مشتركة بين السيرة والرواية – على مستوى البناء الداخلي والجمالي للنص – فهذا يرجع لأن السيرة تقوم بشكل أساسي على فن السرد الذاتي، استنطاق "الأنا" كي تبوح بكل ما لديها، وهذا نجده أيضا في كثير من الروايات التي تستخدم ضمير المتكلم، وتختفي خلف شخصية البطل، كي تقوم ببوح حميم يتداخل فيه الواقع مع الخيال، في حين ينبغي على السيرة أن تقدم ما حدث فقط، دون خيالات أو استطرادات، لأن غرض السيرة هو سرد تجربة ذاتية ذات دلالات معينة، يقدمها للقارئ كما عاشها بكل ما فيها من اتجاهات فكرية وسياسية وثقافية، وهذا ما نجده في النص الذي بين أيدينا.
    ويرى تيتز رووكي في كتابه "طفولتي" أن الكاتب يشعر بأن صدقه الخاص لا يمكن أن يتحقق إذا هو قيد خياله الخلاق بشكل أو شكلين من الكتابة، إذ أنه كي يقترب من ذاته لا بد من الأسلوبين: "الواقعي والخيالي". وفي هذه المقولة دلالة على ما نقف عليه في "قلب مفتوح" فرغم تماذج أكثر من نوع أدبي، فإن عنصر الخيال لا يغيب بل يحضر عبر الروئ التي يستحضرها الكاتب بين الوعي واليقظة.
    ينفتح نص "قلب مفتوح" منذ السطر الأول على عالمين: عالم الغيبوبة، والتي تمثل مرحلة مفصلية ما بين قبل الدخول لغرفة العمليات، وبين العودة للواقع للتذكر – العودة للحياة – استحضار الذاكرة وسائر التفاصيل الماضية الأخرى. وبين هاذين العالمين، ثمة وجع يمتد على مدار النص، وجع روحي، متفرد، يتخذ من ذكريات الطفولة مكانا أليفا يستظل به من وهج الآلام التي يفرضها الجسد.
    يكتب الشاعر تأملاته في حالة من الظلال الطيفية، كتابة تأتي بعد وقت المرض، لكنها لا تنفصل عن تلك الأوقات، بل تعود إليها بوعي شمولي ينظر إلى التفاصيل بعين رقيقة تعبر فكرة الحياة والموت إلى حدود بين بين، حيث يؤكد في أكثر من موضع أنه بين صحو ومنام، أو بين وعي وهذيان، يغمض عينيه ويتذكر. يتذكر وينسى. تلمع وجوه في ذاكرته الأبعد، لكنّ وجوها أخرى تسقط في العتمة فلا يتمكن من تذكرها، "وكأن مواجهة الموت تجعل العالم صفحة بيضاء لم يكتب عليها حرف"، كما يقول وازن في "ص 205".
    لا يمكننا قراءة "قلب مفتوح" إلا وفق تتبع مسارين، يتخذ المسار الأول طريق الوعي بالجسد المريض، مراقبته من لحظة دخول المستشفى تتبع كل زفراته وأنّاته خلال لحظات الوعي التام، وأوقات شبه الوعي التي تسجل أيضا رؤاها الخاصة للجسد ومعاناته، احتجاجه ولوعته، صمته وسكونه.
    ثم هناك مسار آخر لعالم اللاوعي تسيطر فيه حالة من التأمل الباطني التي ترتد بعيدا جدا نحو الأعماق، تبحث في الماضي البعيد، تطرح تساؤلات من أيام الطفولة والصبا، حيث الذكريات الحلوة والمؤلمة غافية بعيدا.
    يطل وجه الحبيبة الأولى، بأعوامها الثلاثة عشر، يحضر الوجه بقوة، يضيء بنوره على ذاكرة خصبة لأيام حب بريء ناصع، تأتي الفتاة في ثوب ممرضة، لكنها لا تزال متوقفة عند عمرها الغض ويتساءل الشاعر: كيف لم تكبر حبيبته؟ كيف كبر هو وحده فيما هي ظلت صغيرة، تلك الفتاة التي علمته الإصغاء لصوت فيروز حين كان فتى يافعا، غابت مع الحرب الأهلية في لبنان. اختفت خلف خطوط التماس التي وضعت بينهما خطوطا بالأحمر والأسود، وفرقت بينهما إلى الأبد.
    هل الطفولة – ببعض الحوادث المفصلية فيها – تمثل بداية الوعي العميق بالذات؟ تبدو الذكرى الأكثر بعدا وحياة في آن، هي ذكرى الرصاصة التي عبرت جوار القلب، ولم تمسه، بل استقرت في الضلوع حتى آخت اللحم.
    حادثة الرصاصة الطفولية التي يسردها عبده وازن بمزيج من الرهافة والدقة ليست أكثر من هبة حياة جديدة – من هنا تأتي أهميتها – لأنها كشفت عن قلب مهدد بالموت منذ الطفولة، لكنه نجا بأعجوبة قدرية، لذا تحيط بتلك الحادثة هالة من القداسة على مستوى الوعي بالعالم، وتضفي على تأملاته للحياة أبعادا تستحق التوقف لأنها فرضت نوعا من التساؤلات الفكرية والدينية، بين زمن الرصاصة التي استقرت في الضلوع خلال الطفولة وبين زمن الصبا، حيث لاحت للشاعر أفكار الرهبنة، وكأنه يحمل في عمره دينا يجب أن يفي به.
    يقول : "هكذا فتحت عيني على العالم، وعيت العالم: أعيش حياة ثانية وهبني الله إياها، وفي القلب أيقونة النبي إيليا.. أذكر كيف كان الدين كل شيء في حياة الفتى. وخلال تلك الأعوام أدرك ، بالروح والجسد، ماذا يعني أن يكون أعطية من الله، وكنت أشعر أني منذور إلى الأبد". "ص 31".
    يتشكل العالم في حياة الطفل التي يسردها وازن، ضمن رؤية الأنا الطفولية في مراقبتها للخارج، حيث يميز بين رؤيته هو ورؤية الآخرين، ويطرح مشاعره الحميمة المرتبطة بالبيوت والأشخاص.
    هناك حالة من الحنين عند وصفه بيت الطفولة القديم، وعلاقته به، وعلاقات الجيران والأهل يقول: "كانت البصارات يقصدن الحي والبيوت لا سيما تلك المحاذية للطريق مثل بيتنا… كان البيت مفتوحا دوما ما خلا أيام الشتاء. والحياة خارجه كانت تحسن في نظرنا أكثر مما داخل جدرانه أو غرفه… وكان يحلو للجارات أن يحملن كراسيهن ليجلسن في البورة قرب الشبابيك، ويقضين فترة الغروب هناك". "ص 38".
    يقف وازن على تفصيلات اجتماعية تصف العلاقات بين أهل الحي في سنوات طفولته، المشاركة في طقوس العزاء والمسرات، في اللعب مع أولاد الجيران وفي اللجوء إلى عيادة الطبيب المصري القبطي، الذي يشرف على علاج أبناء الحي وبناته.
يعمل...
X