إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كانط والعودة إلى فلسفته من أجل معيار كوني معاصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كانط والعودة إلى فلسفته من أجل معيار كوني معاصر

    حاولت فلسفة كانط النقدية البحث عن معيار كوني يجمع بين العالم المجرد المتعالي والمادي
    عودة إلى فلسفة كانط من أجل معيار كوني معاصر




    العرب أونلاين- زهير قاسيمي

    عند ذكر كانط "1724- 1804" يتبادر إلى الذهن مباشرة اعتراف التاريخ بإنجازات هذا الفيلسوف الذي بلغت شهرته العالم الفلسفي بأسره، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نمر عبر تاريخ الفلسفة دون الوقوف عند فلسفة كانط التي يمكن القول إنها بمثابة حلقة وصل بين المذهب العقلاني اللببنيتزي والنزعة التجريبية بإنجلترا واسكتلندا مع جون لوك "1632- 1704" ودافيد هيوم "1711 – 1776" وذلك من خلال مؤلفات كانط الكبرى " نقد العقل الخالص" ونقدالعقل العملي" ونقد ملكة الحكم ".

    ترعرع كانط في أحضان مدينة غونجسبرج التي تأسست في نفس السنة التي ولد فيها كانط تحت حكم الملك فريديريك التي تعرف حاليا بغالينغراد في بروسيا الشرقية، كما عرف كانط بحبه الشديد لأمه "حناريجينا" التي يعود لها الفضل في تشجيعه على الدراسة الأكاديمية لكنه سيفقدها في مقتبل عمره وهو لا يتجاوز الثالثة عشر من عمره ليتكفل أبوه الذي كان يعمل سراجا بسد الفراغ الذي تركته الأم لكنه سيغادر الحياة بدوره وكانط لا زال في ريعان شبابه بعمر يناهز الثانية والعشرين.

    إلى جانب أسرته البسيطة سيكون كانط من بين الفلاسفة الذين عاصروا مجموعة من الأجداث التاريخية والفكرية والعلمية والتي كان لها الأثر البالغ في توجه كانط الفلسفي، فهو من جهة عاصر الثورة الفرنسية وتشبع بمبادئ فكر الأنوار خصوصا مع جون جاك روسو فكان أول من بادر لشراء النسخة الأولى للعقد الاجتماعي خصوصا وأن ألمانيا بدأت بدورها تزحف نحو بناء صرح حضاري وفكري.

    بهذا المنظور ستتفتق عبقرية كانط ليبني مشروعه النقدي، فقد كانت دراسته لكتاب "في الطبيعة " لأرسطو بمثابة نبراس لإعادة التفكير في نظام العالم، لاحظ كانط أن أرسطو كان بارعا – بفضل علم المنطق الذي أسسه – في ترتيب وتنظيم قوانين الطبيعة منطلقا من مقدمات ثابتة ووصولا إلى نتائج عقلية بعيدة عن الفوضى المبعثرة. لكنه ترك فجوة كبيرة في علومه لأنها افتقرت إلى التجربة والاختبار مما جعل فلاسفة العصر الحديث يجدونها عسيرة الهضم. ومن هنا يمكن الاستناد إلى ما قدمه وول ديورانت :" إن المنطق – الأرسطي – يعني ببساطة، الفن والأسلوب الذي يساعدنا على تصحيح تفكيرنا . إنه نظام وأسلوب كل علم وكل نظام وكل فن وحتى الموسيقى تلجأ إليه. إنه علم، لأن وسائل التفكير الصحيح يمكن اختصارها إلى مدى كبير وتحويلها إلى قواعد كالطبيعيات والهندسة وتدريسها لكل عقل عادي ."

    حاولت فلسفة كانط النقدية البحث عن معيار كوني يجمع بين العالم المجرد المتعالي والعالم المادي، أي قراءة الميتافيزيقا من خلال ثنائية عالم الشيء في ذات وعالم الشيء لذاته، وذلك من خلال الملكات الثلاث: ملكة العقل وملكة الحس وملكة الفهم فـ " في الميتافيزيقا استخدمت الملكات كوسائل لتحديد القوى المختلفة في الطبيعة "النبات والحيوان والإنسان" ، وهنا سيبدأ كانط البحث عن حدود العقل الخالص وكيفية اشتغاله في العقل العملي والبرهنة عليه من خلال ملكة الحكم ، فالعالم هو عالم باطن" نومين " Noumène وهو عالم الحقائق في ذاتها وغير خاضعة للبرهان المنطقي ولا لتغيرات الزمان اللامتناهي والمكان الخالي من الموضوعات وعالم ظاهر Phénomène وهو عالم المقيد بالغرائز والشهوات وهو العالم الحسي المتعين الخاضع لتغيرات الزمان والمكان.

    ومع ذلك كله فالحقيقة بهذا المنظور لا يمكن سبر أغوارها إلا من خلال عقل مركب يجمع بين مبادئ العقل والتجربة الحسية " ينبغي إذن لعقلنا أن يتجه نحو الطبيعة ماسكا بإحدى يديه مبادئه وباليد الأخرى التجربة. .

    ولقد كتب كانط رسالة إلى تلميذه السابق ماركيورهرتس في 21 فبراير 1772 يشرح له فيها خطته في كتابه " نقد العقل الخالص" فحواها " أن المفتاح لحل السر الذي مازال حتى الآن غامضا في الميتافيزيقا إنما يوجد في السؤال: ما هو أساس العلاقة الموجدة بداخلنا والتي نسميها " تمثل الموضوعات ؟ "

    ويعتبر كانط أول من نحت مفهوم المقولات، والتي يمكن أن نذكر منها: الكم والكيف والزمان والمكان والسببية والإضافة والتجربة والعقل والفهم والتمثل والمعرفة القبلية والمعرفة البعدية. وهي عبارة عن مبادئ يتوصل من خلالها العقل الخالص أولا إلى وضع تصور ميتافيزيقي للعالم، ولكن ليس بعيدا عن التجربة ثانيا ، فالأول نابع من تأثر كانط بمذهب ليبنيتز، فكانط أثناء التحاقه بالدراسة الجامعية لم يكن يعرف عنه سوى أنه صاحب نظرية المونادولوجيا ، ولكن تعرف عليه من خلال تعاليم أستاذه باومغارتن بالجامعة واستكمل دراسته لليبنيتز من خلال كتابه "محاولات في الفهم البشري" الذي نشر سنة 1765 والتي قرأها كانط حال نشرها وهنا اكتشف كانط أن الإدراك الحسي والعقل الخالص هي وظائف " للموناد "والتي برهن فيها على خلود النفس الممتدة عبر الزمان والمكان، فالمادة في ماهيتها عبارة عن قوة، والقوة هي ميل الجسم للحركة والاستمرار فيها، فالامتداد والحركة يفترضان وجودهما ابتداء من وجود القوة – أما الثانية فانبثقت من تأثره بدافيد هيوم ومنه استنبط مفهوم السببية والذي ينبني على ثلاثة عناصر :

    1-القبلية: ويعني أنه على السبب أن يحدث قبل النتيجة في الزمن . فلا يمكن للأسباب أن تأتي بعد النتائج .

    2-التجاوز بالمكان والزمان ، وبهذا يعني أنه على السبب والنتيجة أن يكونا قريبين كل منهما إلى الآخر .

    3-علاقة السبب – النتيجة، فلا يسمى السبب سببا إلا إذا أدى إلى نتيجة، أي علاقة ضرورية بين السبب والنتيجة على حد تعبير دافيد هيوم .

    كثيرا ما يظن البعض أن نقد كانط للتصور الديكارتي توقف عند دور التجربة الحسية في مطابقتها للصور العقلية ، لكن النقد توجه بصفة خاصة إلى الخيال الذي اعتبره ديكارت الهادي إلى الضلال والخطأ، ففي سنة 1781 سينشر كانط كتابه الشهير نقد العقل الخالص، وسيخصص فيه لمفهوم الخيال فصلا كاملا، يبرز فيه أهمية الخيال ملكة أو قوة فعالة وبشكل قبلي لفعل التركيب، وتكمن هذه الفعالية في مد الفكر بجملة من الخطاطات الأولية المتعالية التي يمكن أن تؤسس الصورة أو موضوع الإدراك حيث يتجلى الزمان كصورة خالصة وفاعلة بامتياز بالنسبة لفعل المعرفة .

    فإذا كان ديكارت قد جعل من العقل وحده الوحيد القادر على تحصيل المعرفة اعتمادا على معياري الحدس والاستنباط ، وبالتالي كل معرفة حاصلة عن غير العقل لا يمكنها أن ترقى إلى مستوى العقل، فإن كانط جعل من المخيلة شرطا قبليا لوحدة الفهم والإدراك إذ بموجبها يحصل التفاعل بين مقولات الزمان والمكان من جهة وبين قوة إصدار الحكم العقلي.

    إن الخيال المنتج تبعا لتصور كانط هو أولا ملكة للتركيب الذي يقول عنه: التركيب عموما هو مجرد أثر الخيال، أي أثر لوظيفة النفس العمياء، لكنه ضروري لأنه بدونه لا يمكن أبدا الحصول على أية معرفة وطوبولوجية الملكات وفق تصور كانط تتحدد تبعا لثلاث ملكات :

    1-ملكة الإحساس: التي تقوم بدور التلقي، تلقي الإحساس بطريقة تجريبية .

    2-ملكة الفهم: حيث الفهم والإدراك والتصور بواسطة المفاهيم والقواعد.

    3-ملكة الخيال: هي ملكة تتوسط بين الحس والفهم ، في حالة ارتباطها بالحس فهي متلقية ومنفعلة، وفي حالة ارتباطها بالفهم نشيطة وفاعلة لأنها تقوم بدور التركيب .

    إن الخطأ الجسيم – حسب كانط – الذي وقعت فيه الفلسفات القديمة كونها أعطت الأهمية للعقل الفطري البيولوجي، لذلك رفض كانط كل تصور يجعل من الإنسان خاضعا لنظام الطبيعة فالحيوان يعرف من خلال سلوكاته الغريزية فالغريزة بدورها عنصر بيولوجي في الكائنات غير العاقلة وبهذا المعنى – وحسب كانط - فإن الإنسان سيمتلك قيمة مبتذلة مثله مثل الحيوانات التي لا تمتلك صفة العقل، ولحل هذا المشكل اقترح المبدأ الأخلاقي العملي، ففطرية الأخلاق الإنسانية جعلت الإنسان يتجاوز كل سعر فهو غاية في حد ذاته " وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها إرادات إنسانية أخرى وفق هواها " ، فالإنسان الذي يتخلى عن ميولا ته وغرائزه يصل إلى مرتبة الشخص بواسطة الإرادة الحرة . ولقد صاغ كانط هذا المبدأ الأخلاقي العملي على الشكل التالي: " تصرف على نحو تعامل فيه الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك ، كغاية في ذاتها وليس مجرد وسيلة بتاتا ".

    إلى جانب مشروعه الأخلاقي وقف كانط طوال حياته مؤيدا للنظام الديمقراطي ، فقد رحب كثيرا بانتصار الثورة الفرنسية وساند فكرة تنوير العقل وعرفه في مقالته التي نشرها في ديسمبر- كانون الأول من سنة 1784 بـ"مجلة برلين الشهرية " " بأنه خروج الإنسان عن القصور الذي يرجع إليه هو ذاته القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير".

يعمل...
X