إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دراسة نقدية لمجموعة زقورة مريم القاصة فاديا قراجا الناقدعلي الصيرفي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دراسة نقدية لمجموعة زقورة مريم القاصة فاديا قراجا الناقدعلي الصيرفي

    دراسة نقدية لمجموعة زقورة مريم القاصة فاديا قراجا الناقدعلي الصيرفي


    الناقد المرحوم :علي الصيرفي


    زقورة مريم
    إن الأفكار تأتي لتلبية حاجاتنا ولا تتفاعل
    مع أذهاننا إلا إذا احتجنا لها في بنائية القص
    بقلم: علي الصيرفي
    منقول

    إن الإصرار الشخصي الإبداعي على تناول القص إنما هو استمرار لوسيلة الاتصال بين الناس وما يجرى على أرض الواقع ، فكلمات القص تدل على أشياء وتوحي بعلاقات وتوعز بمفاهيم ومعايير، تصف أشياء موجودة ومتداخلة في حياتنا العملية،ولأن القص يجلب معه الحدث الفاعل، وهذا الحدث يوضح الاهتمام لدى الكاتب، ويخلق عنده لغة معرفية تربط بينه وبين شخص آخر، وهذا يعني أن الفهم ،هو المطالبة بإيصال كل شيء يتناول عناصر التفكير ،واعتماد المحسوسات الفعالة في تحريك عناصر الخيال، واكتشاف العوالم ،فالقص ليس أمراً تافهاً ولا هو تولع بالسراب ،فكل علاقة تنطلق من طيات المجتمع تخلق في ذهن الكاتب نظرة نحو لغة يحمّلها أفكاره ليحلل هذه العلاقات فالكتابة القصصية تعمل على كثافة الحدث وتناول الموضوعات التي تحمل الصور التي هي ثمرة للخلاصة الذاتية بفعل الواقع والحياة الفكرية ،ومثل هذه الخلاصات ترمي إلى تقوية البنية الموضوعية لمشاهدات القاص وانطلاقته فالأديبة فاديا قراجة عملت على الإضاءة عبر إشراقة خاطفة وسريعة تعيد التداخل بين الأمل والانتكاسات وكثرة الارتباك والمقالب التي تتواجد فيه ذواتنا الإنسانية من خلال كتاباتها القصصية في مجموعتها (زقورة مريم)
    1-
    لقد أرادت الكاتبة فاديا قراجه إقامة عمل قصصي جديد من وحي الواقع والمجتمع محلقة به ضمن خيالها وأوهامها غارقة ضمن إحساسها المنبعث من حالتين لم تتغيرا وإنما الذي تغير هو الغرض، مما جعل علاقة الإحاسيس والأفكار غير متوقفة على تقارب المكان والزمان ،بل على التماثل والتكرار ، فهي خاضعة إلى أغراض العقل، فهي ترى الأفكار تأتي لتلبية حاجاتنا ولا تتفاعل مع أذهاننا إلا إذا احتجنا لها ،فالأديبة تجد أن الذي يشرف على الاختيار هو العقل ،لأنه يستخدم وسيلتين بسيطتين هما التعرف على المكان ومعنى الزمان وكأنما تقول علينا أن نرتب الأحداث حسب المكان الواردة منه والزمن الذي كتبت فيه.
    ( كم حلم خالد بانتفاخ بطني !
    لقد كذبت عليه كثيراً هل يسامحني ؟ الثلاثاء الماضي كاد أن يصدق حلمي فبعد أن زنرت حوضي بوسادة كبيرة ... دخل علي دار حولي كادت عيناه أن تخرجان من وجهي ضمني قبلني هتف منتشياً سعاد .... ما هذا؟ هل حصل ؟ )
    ص15
    إن ماكتبته القاصة هو إحدى مسلمات العقل بالاستدلال،فه تؤكد على إن انتفاخ البطن تعبير عن الحمل ، لأن كل الدلالات تفرض وجود هذا الحمل إذا انتفخ بطن المرأة ،وهو مسلم به عقلياً، لكن الأديبة تعني ما تقول . فسعاد ترمم مشاعر زوجها وكأنما تريد الإيحاء له بأن الحمل لم يأت بعد.
    إنها المشاعر الصادقة لامتداد الحياة ، وعندما صارت سعاد حاملة بصدق صارت أعين الناس تميزها عن غيرها فالأديبة تؤكد الحقيقة بأنها واضحة كالحمل ، وانتفاخ البطن دلالة على الاحتقان الذي ساد في بيئة خالد وسعاد فالمغتصب يقتل كل شيء ويسلب كل شيء الماء والأرض والشجر والحيوانات والمواجهة معه لا تتم إلا بالتضحية ..حتى لو كانت هذه التضحية تتطلب الولادة الصاعقة ،فالجنين ليس إلا عبوة ستنفجر على حواجز الانتظار لعبور تلك المعابر القاهرة لكل مقومات الإنسانية .
    2-
    وهكذا ننتقل من ميدان العمل والإحساس إلى دهاليز التفكير إلى تسمية العناصر وتحليلها في تفكير الكاتبة التي تتعامل مع العقل عن طريق إدراك تلك العلاقات التي توضح المعرفة المعيارية للأشياء وتجعلها قيمة ذات علاقة بالعقل ،وهذه الحالة هي التي تخلق القص وسلامة الرحلة الإبداعية عند الأديبة ،هنا نلاحظ نشاط التفهم لاستعمال الأدوات المتعلقة بالعمل الفكري فالقص تجربة يرتبها وينظمها ويبرمجها الفكر الذي تنبثق منه .
    (وعندما استشرى ذلك المرض بمعدة أمي كانت ترفض الاستناد على أي شيء باستثناء كرسيها لا أدري ماهية العلاقة التي تربطهما ....ففي إحدى موجات غضبها أخرجت الكرسي إلى الشارع ورفضت الطعام والكلام كدليل تمرد وعصيان فجن جنوني ... أين أخفي وجهي عن الناس؟) ص 27
    3-
    لقد تجاوزت الأديبة كل المنعطفات التي قد تخلب لب الإنسان المرسوم في قصها غير أنها تؤكد العلاقات الراسخة وتحتفظ بالموروث الذي يدفعها نحو الجدية والتمترس خلفه فهل من الممكن أن يكون هذا المفهوم قد عمل عندها على بعث الأحاسيس المنظمة والإدراكات التي تعتمد العلم والمعرفة إنها الحكمة والحياة .إذن للقص نظام موجود في روحها المتوثبة إلى ضوء المنطق ومناهل المعرفة ،فالحلم عندها نقطة تتلاقى فيها جمالية الواقع الخارجي والعالم المنظور وغرابته وتلك الصور المتباينة تعمل على تنظيم خطوات القص وتجميل صفاته ،فبذلك تتوافر دروب جديدة تساعد على إظهار الصدف الموضوعية لأن الحلم موزع حقيقي لكل العوالم التي تختصر دروب الأديبة البارعة فاديا قراجة فمواطن التوهج تفتح أمامها كل القارات المترامية الأطراف ،وتمتد أمامها مساحات الكتابة التي لا تحصى جوانبها فهي تجتاز كل المتاهات والغابات التي تفاجئها وتخلق أمامها الكثير من التعرجات والسدود والانهدامات التي يمكن أن تعيق تقدمها إلا أن الكاتبة المبدعة فاديا تعرف كيف تخرق كل هذه الحواجز وتستعيد حقوقها .
    إن أهمية ما جاءت به الأديبة ترسم لنا قدرتها على دمج صيغ السرد والبحث الكتابي المتعلق بفكرة القص وبالحلم ضمن تأليف جدلي يعدل روح الاهتمامات بالقضايا التي قد تحرق قدرة الحلم على السطوع والتمحور ،لذلك نجد بأن المخيلة تعمل جاهدة كي تزيد من قوة التلازم مع هبوب الكلمات الحاملة للأنين والحميمية لتحرر عقل المتلقي من عقال الهرب جاعلة نقطة الوسط محوراً بين العقل والغريزة فهي تمهد السبيل لقص يتجاوز الحلم ويرغب في رسم خريطة تحول طاقاته لصالح الإنسانية ..
    ( وضع يده على صدره كالمطعون وتنهد متألماً : أمي
    دخلت الممرضة الأنيقة كي تستأذن الطبيب في دخول المريض التالي فعقدت الدهشة لسانها دكتور ؟ غرفة الانتظار تغص بالمرضى وأنت تغير ملابسك ؟ فقال على عجل
    - اعتذري من الجميع فأنا لدي مريض لم أزره منذ شهور سأذهب للكشف عليه . أغلق الباب وراءه وبدأ المرضى بالانصراف من الباب الآخر )ص 43
    4- إن العلاقة التي تمحورت عليها رغبة القص هي الحب والعاطفة فهذا الشعور الغامض أمر مختلف في نظر الكاتبة فهو قوة قدرية وهو حليف الأديبة في تماهيها مع القص ،فهي تعرف بأنه لا حل خارج الحب إنها هنا في عمق الوجد الإنساني حيث المفارقة الأخطر هي أن القص يترجم كل المعاني وقوتها وهكذا تتداخل حدود الفهم المعرفي منذ بداية القصة وحتى آخر كلمة فالحب والتفاني في تحمل المعاناة دليلان على أن الكاتبة قادرة على تحمل وطأة الواقع ووضع القاسم الذي يتقبله الجميع فالمآسي ،لا تترك أحداً دون أن تطرق بابه وأن تعكر حياته ففراق الأحبة وسفر الأولاد والفقر حالات هامة تملأ حياة الكاتبة فهي تعرف القيمة السردية لموضوعاتها وتعمل على صنع الصور التي توضح العملية الكتابية فلكل صورة قيمتها وقدرتها على طرح المشكلة المرسومة فيها .
    ( وحدها مريم ابنة العشرة أعوام تدق على صنجات صفيحها الغافي في الحر والقر ألحان السبات للنائمين . استيقظت مريم على ضربات معدنية فعرفت أنه رفيقها سومر فقد حان وقت العمل ....) ص54
    وتحاول الأديبة فاديا قراجه في إضفاء صيغة جديدة على عملية النص حيث تعمل على التحليل في رسم بعض الأحداث التي تشكل العنصر الفعال في سردها للقصة فهي ترى بأن هذه النقلة الفنية هي انعكاس للواقع وتعتبرها شعاعاً خارقاً يضيء أعماق ظلمات المعطى الإنساني الذي يحيط بها
    (كان زمناً صعباً عندما ولدت جنين لم يستطع زوجها رؤيتها لأنها كانت ما تزال تحت تأثير المخدر الطبي ،طبع قبلة على جبينها وأعطى اسم مدينته الصغيرة ثم انصرف إلى الواجب المقدس )ص64
    وتظل الأديبة فاديا تفرز الأفكار الهدامة التي تهز المجتمع مبينة أنها لو تقدر على دفع هذه الأفكار وإبعادها لفعلت ذلك بكل قوتها ،فهي تريد أن ترى أن المعرفة هي المقياس الأوحد الذي يبني قيمة الإنسان ويرفع من مكانته حتى أنها تعيب ذلك على من يهدر ما لديه من معرفة لأول كارثة تحل به فهي تنير طريقها بالتجديد والتغيير فإن ضاقت السبل عند الإنسان عليه أن يجد الضياء بنفسه ..





    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    دراسة نقدية لمجموعة زقورة مريم القاصة فاديا قراجا الناقدعلي الصيرفي
يعمل...
X