إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جميلة طلباوي تحاور ( زكية خيرهم الشنقيطي ) القاصة و الروائية المغربية الأصل والنرويجية الجنسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جميلة طلباوي تحاور ( زكية خيرهم الشنقيطي ) القاصة و الروائية المغربية الأصل والنرويجية الجنسية

    حوار مع القاصة و الروائية زكية خيرهم الشنقيطي






    الفنّ الأصعب ليس الرواية
    بل القصة القصيرة أو النصوص الأقصر

    حاورتها : جميلة طلباوي

    *العدالة والحرية والإنسانية" هذا الشعار الذي تأسست عليه الحضارة الفرنسية، هي في الحقيقة ثقافة مادية امبريالية ، استعمارية تفتقد للمقومات الرئيسية للحضارة.
    *إن أدب الأطفال على اختلافه من مسرحيات وقصص وأفلام من أهم المؤثرات في بلورة شخصية الطفل وصقلها على الصعيد التربوي والتعليمي والتثقيفي.
    *في النرويج تقام ندوات عن الترجمة والمشاكل التي يتعرض إليها المترجم ويكون في هذه الندوات مترجمون من مختلف دول العالم والذين يترجمون من النرويجية إلى اللغات الأخرى. يحضر إلى الندوة أيضا الكتاب النرويجيون
    * لقد منّ الله عليّ بأسرة متعاونة وزوج متفهّم يقدّر ما أنا فيه وعليه... وفي هذه المناسبة أقدم شكري وامتناني وتقديري لزوجي شريكي في الحياة على دعمه لي ومساندته وتقديم المساعدة المطلوبة والمرجوة.

    زكية خيرهم شنقيط كاتبة لم تستأصلها الغربة عن جذورها العربية التي تمتدّ فيها يوما بعد يوم لتطرح ثمارها كتابات تغوص في أمّهات القضايا العربية بأسلوب جميل متميّز ،
    هي مغربية الأصل نرويجية الجنسيةحاصلة على ماجستير أدب إنجليزي بجامعة" سان فرنسيس كالدج"

    بإنديانا بوليس لديها
    دراسة مكثفة في ( الحضارة الفرنسية) بجامعة السربون كما عملت أستاذة اللغة الفرنسية والخط العربي في مدرسة إسلامية (أرتيهاجن) أسلو ،عملت أيضا في المركز الثقافي العراقي بأوسلو هي نائبة رئيسة :منظمة المرأة العربية في النرويج و مستشارة للمركز الثقافي النرويجي(NORICOM) للترجمة ،لها مشاركة مع مجموعة كتاب من مختلف الجنسيات في إصدار كتاب للأطفال ، صدر لها مجموعة قصص للأطفال بعنوان " كما تزرع تحصدصدرت لها رواية بعنوان "نهاية سري الخطير" 2003 ،
    أقامت معارض للخط العربي في كل من العواصم تونس، باريس

    ونيويورك.،
    ترجمت بعض الشرائط الوثائقية من الإنجليزية إلى العربية لشركة

    (الكاتيل
    Alkatel ). وبصدد إنهاء مجموعة قصص قصيرة . التقينا بها و كان لنا معها هذا الحوار

    جميلة : زكية أنت مغربية الأصل نرويجية الجنسية ، تكتبين باللغة العربية و تترجمين إلى اللغة العربية ، كتاباتك تعبّر عن انشغالاتك الكبيرة بالوضع في العالم العربي و بأمّهات قضايانا ، فإلى أيّ مدى تبقى الوثائق الشخصية التي نحملها مجرّد أوراق لا يمكن لها رسم ملامح وجوهنا ؟
    زكية : قبل أن يولد الإنسان ويرث الدين من والديه ويتعلم لغته الأم بين أهله ويحصل على وثيقة شخصية من وطنه فهو إنسان. فأنا أؤمن بهويتي الإنسانية المتنزهة عن التعصب الديني أو العرقي، والمنفتحة عن الآخر. أستطيع التعاطي مع المجتمعات الأخرى والتعايش معها دون أن أذوب في ثقافتها وعاداتها ودون أن أنحاز إليها قصد المجاملة أو التقرب. هويتي هو المكان الذي أشعر فيه بالإنتماء وأجد فيه الحماية والرعاية والحقوق والشعور بالتقدير والإستقرار. فهمي أن يعيش الإنسان أينما كان سعيدا وحرا ومحترما. إني أشعر بهموم الإنسان ومشاكله سواء كان في الشرق أو في الغرب. لأن الإنسان في هذه المعمورة له الحق في العيش بغض النظر عن أصله وديانته . كما أن القانون قانون واحد سواء كان دينيا أو مدنيا لأن أساس النظام في عالم الإنسان هو العدل في المجتمع. إنني أحلم بعالم يجمع الإنسان في حب ووئام. لأن الله سبحانه وتعالي قال في كتابه الكريم" والأرض وضعها للأنام" أي لكل البشر، كما قال في آية أخرى:" يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" والآن أصبحنا شعوبا وقبائل نتناطح ونتقاتل ونفجر بعضنا البعض باسم الهوية أو العقيدة أو الإنتماء المذهبي لأهداف سياسية.

    جميلة : عملت مستشارة للمركز الثقافي النرويجي(NORICOM) للترجمة كما عملت في المركز الثقافي العراقي بأوسلو ، إلى أيّ مدى تفرض الجالية العربية نفسها في هذا البلد ؟
    زكية : لا يوجد تميز أو حضور خاص بالجاليات العربية، مما يجعلها فاعلة ومؤثرة. لذلك هي مجرد عائلات تعيش في أرض النرويج فقط. وأحيانا هناك بينها من الصراعات والخلافات والمشاكل ما لا يمكن إحصاؤه. يوجد بعض الشخصيات الأدبية والثقافية المعروفة داخل النرويج وخارجها، لكنها شخصيات حضورها فردي لا يوجد أطر جمعيات أو تنظيمات، تنسق جهودها لتصبح لها فاعلية مؤثرة وذات حضور في المجتمع النرويجي. حاول العديد أن يقيموا تجمعات لجاليات عربية، لكنها فشلت بسبب الصراعات الشخصية. غالبية العرب جاءوا ليعيشوا في النرويج بعقلية وثقافة بلادهم القائمة على الغيرة والحسد وإلغاء الآخر.

    جميلة :كانت لك دراسة مكثفة في ( الحضارة الفرنسية) بجامعة السربون، ما هي أهم خلاصة خرجت بها من هذه الدراسة ؟
    زكية : "العدالة والحرية والإنسانية" هذا الشعار الذي تأسست عليه الحضارة الفرنسية، هي في الحقيقة ثقافة مادية امبريالية ، استعمارية تفتقد للمقومات الرئيسية للحضارة، وللمعنى الحقيقي للإنسانية التي أصبحت مجرّد مظهر من مظاهر البناء الأجوف المغلّف بازدواجية المعايير. الحضارة هي تحضر في السلوك الإنساني بالتطبيق وليس بالشعارات. كيف لحضارة تشيّد على أنقاض شعوب دول أخرى وتقسيم أراضيهم بمنطق سايس بيكو كقطع من الحلوى يسهل قضمها وابتلاعها. إن "حضارة " فرنسا وغنى فرنسا ومثيلاتها من الدول الاستعمارية ناتج عن نهب خيرات وثروات الدول المستعمَرة حتى الآن، بأسلوب استعماري آخر، سياسي واقتصادي وسياحي. ومازلنا نعاني مما سببته فرنسا وحليفاتها بريطانيا واسبانيا من التمزق والأزمات الساسية التي خلفتها. يكفي أن نرى حين خرجت بريطانيا من الهند وفلسطين وحين خرجت فرنسا من الجزائر والمغرب ولبنان ، واسبانيا من جنوب المغرب ، ماذا حصل بعد ذلك لهذه الدول. إلى يومنا هذا نعاني أزمات سياسية دموية أبدية. هذه هي الحضارة الغربية التي بنوها على دم شعوبنا وخيرات دولنا، وزرعوا بيننا فتيلة الحقد الطائفي تحت شعار فرّق تسد"،
    إن الحضارة ليست مجرد ثقافة كاللغة والعادات والمعتقدات لتأسس فيما بعد قيما حضارية في مجتمع ما، وعلى حدّ تعبير الدكتور جوزف شريم:"لا يفتقر اي شعب إلى الثقافة ولا يفتقر أي انسان إلى الثقافة، ولكن الشعوب ليست بالضرورة كلها متحضّرة."

    جميلة : أنت نائبة رئيسة منتدى المرأة العربية في النرويج، حدّثينا عن هذه المنظّمة و ماذا تقدّم للمرأة العربية المهاجرة؟
    زكية : بدأنا هذا النشاط منذ عشر سنوات، مع المترجمة الفلسطينية الأستاذة منال تمراز والممثلة العراقية الفنانة نماء الورد وممثلة نوال السعداوي في النرويج الصحافية النرويجية ماريانا سوند و طالبات جامعيات مصريات، وكانت هذه المنظمة ككل المنظمات النسائية في المهجر، مبدأها خلق التقارب بين النساء العربيات في الوطن، وندوات تتعلق بكل المواضيع الثقافية التي تخص المرأة والمشاكل التي تصادفها من طلاق وعنف بعض الأزواج وتثقيفها فيما يتعلق بحقوقها المتوفرة لديها في النرويج. كذلك كان المنتدى يوفر أنشطة كالسياحة داخل وطن النرويج والمسرح والحفلات. لكن سرعان ما توقف عمل المنتدى، وذلك بسبب توقف عضوين مهمين فيه، واحدة اضطرت للهجرة من النرويج والثانية لأسباب مرضية. إلا أنني سأجد نفسي مرة أخرى في نشاط آخر ومنتدى آخر، يسمى "نوماف" المنتدى النرويجي المغربي والفضل يرجع إلى صاحبة دار النشر "كولتور برو " التي عرضت كتابي في احدى المهرجانات المعروفة هنا في النرويج والتي تدعى ثقافات بلاحدود . وهذا المنتدى يعمل على خلق التعارف والتآلف بين الشعب المغربي والنرويجي، من خلال حفلات وعروض من الثراث المغربي والنرويجي. واستقطاب أكبر عدد من النساء المغربيات ومن جنسيات أخرى للمشاركة معنا بالأفكار والهوايات والآراء. ومنتدى نوماف تشعبت أنشطته وندواته التي تدافع على حقوق المغاربة المتغربين . والذي يميز المنتدى المغربي النرويجي هو اندماجه في أكثر من ثلاثين منتدى ثقافي والتعاون معها على المستوى الفن والثقافة ، وهو يخدم الجاليات كلها هنا في النرويج وليس فقط المرأة العربية .

    جميلة : كانت لك مشاركة مع مجموعة كتاب من مختلف الجنسيات في إصدار
    كتاب للأطفال ، حدثينا عن هذا العمل و إلى أي مدى تهتمّين بالكتابة للأطفال؟
    زكية : المشاركة في كتابة قصص للأطفال، تكونت من إحدى عشر كاتب من دول مختلفة ويقطنون في النرويج. الكتاب ليس فقط للصغار وإنما للكبار الذين يحبون القصص الجيدة والغريبة عن الثقافات الأخرى يقرأونها مع أطفالهم ويناقشونها. وبعد نشر هذا الكتاب ثم اختيار قصتي وقصة الكاتب العراقي وليد الكبيسي لتعرض مع ثلاث قصص من ألف ليلة وليلة وتدمج في قرص وتسجل بصوت وزيرة الثقافة النرويجة السابقة إلين هورن. إن أدب الأطفال على اختلافه من مسرحيات وقصص وأفلام من أهم المؤثرات في بلورة شخصية الطفل وصقلها على الصعيد التربوي والتعليمي والتثقيفي. فالطفل هو المستقبل ، ولكي يكون المستقبل أحسن وأفضل من الماضي والحاضر، لابد من تثقيف الطفل وتزويده بأدب الأطفال من المسرح والسينما والقصص الهادفة التي تحمل أفكارا ناضحة ونافعة لتطوير وعي الطفل لفهم الحياة والتعايش السليم ، ولكي ينمي الإدراك الروحي وتعلّم المحبة والجمال وروح المرح والتمييز بين الخير والشّر والكرم والبخل والأمانة والخيانة وبين الصدق والكذب والشجاعة والجبن إلى غير ذلك من السلوكيات البشرية حتى يتسنى للطفل أن يبني في داخله الإنسان.

    جميلة :عادة نلاحظ بأنّ كتّاب القصة القصيرة يتحوّلون إلى كتابة الرواية ، لكنّنا لاحظنا إصدارك لروايتك نهاية سري الخطير" 2003 قبل أن تفكري في إصدار مجموعة قصصية ،كيف تنظرين إلى هذه القضية؟
    زكية : الفنّ الأصعب ليس الرواية بل القصة القصيرة أو النصوص الأقصر. فالرواية والقصص القصيرة تبدو متشابهة، لكن نوعين مختلفين من الكتابة النثرية وكاتب القصة القصيرة أو الرواية يواجه تحديات مختلفة. القصة القصيرة تأتي فكرة كتابتها كومضة من خلال حديث عابر، أو نقاش مع الأصدقاء، أو فكرة من مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أو حدث في الشارع تأثر به الكاتب نفسيا فيشارك القارئ في أحساسه وما شاهده، طارحا أحيانا تساؤلات أو تاركا النهاية للقارئ أن يتخيلها ويحللها كما يريد. بينما الرواية هي تراكمات من التجارب ومشكلات الحياة ومواقف الإنسان فيها وتكون طويلة متعددة الشخصيات متشابكة الاحداث والأفكار، وتعتمد على السرد والوصف والتفصيل بحرية بحيث ينطلق الكاتب في فضاءها الواسع، ويرسم ويذكر أحداثا ومواقف ربما لا يستطيع تصويرها في القصة القصيرة. لكنني أتصور أن الرواية هي الأكثر قربا من الناس ومن أذواقهم وخصوصا إن استطاعت أن تقدّم أشخاصا وترسم أجواء وتربط بين الأشخاص في الحوار و بطرق تصويرية جميلة تجعل القارئ وكأنه يشاهد أحداثا ويشارك فيها أو يكون واحدا من شخصياتها.
    فرواية "نهاية سري الخطير" تتحدث عن موضوع شائك لثقافة اجتماعية شديدة التعقيد، وجدت نفسي عاجزة أن أكتبها في قصة قصيرة، فالموضوع تحديدا يحتاج إلى الإسهاب في الأحداث والتفاصيل والأفكار حتى يتمكن القارئ من استيعاب الموضوع من كل زواياه وتصله الرسالة التي أهدفها من كتابة تلك الرواية.
    جميلة : و كيف كانت "نهاية سري خطير"؟
    زكية :منذ طفولتي كان يدهشني بقدر ما يرعبني ويشعرني بالخجل أيضا منظر ليلة الدخلة في الأعراس التي حضرتها مع والدتي. حيث كنت أرى شغف النساء لرؤية عفة العروس وهن يطرقن الباب على العروسين حتى يسرعن بإعطائهن شهادة الشرف المختومة على قطعة ثوب أبيض. كنت أتساءل مع نفسي، الا تخجل هؤلاء النساء المتعطشات لرؤية الشرف المزعوم؟ هل فعلا شرف المرأة هو الدم الذي يخرج منها؟ طيب، أليس هناك دم يثبت شرف الرجل؟ أو أن شرف الرجل لا يقاس بالدم، ولربما الرجل ليس ملزما بإثبات شرفه هو أيضا. عشرات الأسئلة كنت أطرحها دائما في البيت، وكانت تلاقى بالرفض والاستهجان، ونعتي بالرافضة للقيم والتقاليد. كنت أسمع عشرات الحكايات عن قتل العروس ليلة دخلتها. منهن من قتلت من طرف العريس ومنها من قتلها أخوها أو أبوها وهناك من قتلت نفسها قبل أن تفضح في تلك الليلة. كما كنت أيضا أسمع عشرات من قصص الخيانات الزوجية، فأتساءل مع نفسي، أين دم العذرية عند هذه الزجات ليثبت شرفهن في غياب أزواجهن؟ أما شرف الرجل الذي يخون مع المرأة فلا أحد يتحدث عنه. وكأن الرجل من غير شرف، أو ربما شرفه لايعاب. تخزن ذلك الموروث بداخلي ورافقني أينما حللت وارتحلت، أنا التي ظننت أنني تركته ورائي في بلاد الشرق، فأفاجأ بوصوله إلى الغرب. مقالات بالعنوان العريض في الجرائد الغربية عن جرائم الشرف. لذلك قررت أن أكتب حكاية تختلف عن الحكايات التي قرأتها عن الموضوع ذاته. أردت نسج حكاية ذلك السر الخطير، سر الشرف المزعوم، في المجتمعات العربية التي انتزع منها شرف أوطانها باستعمار واحتلال، ومازلنا نعاني من مخلفات الاستعمار وأضراره وبقاياه المتخفي كالسرطان، في حين تقوم ثائرة الرجل الشرقي ورجولته من أجل ذلك الشرف المزعوم الذي أصبح الآن يستورد بأبخس الأثمان من الصين. أردت بتجربتي هذه، أن أكسر ذلك الحاجز وأعري المكنون مزيلة الحرج واضعة أصبعي على موضع الداء أمام أعين القراء ليروا الحقيقة عارية متبرجة، وليعرفوا ويعالجوا ذلك المرض " مرض السر الخطير " الذي تخشى أن تصاب به كل فتاة عربية في مجتمعنا. مرض متفاقم في مجتمعنا لكننا لا نحسه، ليبقى ظلما يقع على المرأة العربية ويعطل طاقاتها وحرياتها، هذه الإنسانة التي لا تقلّ أهميتها عن الرجل في بناء المجتمع وتقدّمه.

    جميلة :نعود إلى آخر إصدار لك "عيون في غزّة"،أكيد أنّ عملية الترجمة تتطلب تقنيات معيّنة تلقي على كاهل المترجم نقل النص من لغة إلى أخرى ، لكن أنت لم تنقلي نصا فقط أنت نقلت رسالة كبيرة جدا ، كيف تعاملت مع النص و أنت تترجمينه؟
    زكية :الترجمة مهمة صعبة تحتاج إلى وقت وجهد وصبر وقراءة. إن الترجمة وخصوصا الأدبية منها تتطلب سعة الخيال ودقة التعبير والتحكم في اللغة خصوصا التي سيترجم إليها الكتاب. فالأمر ليس بنقل معلومات الكاتب الأصلي للنص إلى لغة أخرى، بل يجب أن يزرع الحياة في ترجمته وذلك حتى لا يخطر على بال القارئ أنه يقرأ نصا مترجما، ولكن ابداعا مترجما بأسلوب سلس يتوافق مع طبيعة اللغة المترجمة إليها، مجسدا نفس الأفكار التي توجد في النص. لذلك تعتبر الترجمة أيضا نوع من الإبداع. هنا في النرويج تقام ندوات عن الترجمة والمشاكل التي يتعرض إليها المترجم ويكون في هذه الندوات مترجمون من مختلف دول العالم والذين يترجمون من النرويجية إلى اللغات الأخرى. يحضر إلى الندوة أيضا الكتاب النرويجيون. نشاركهم تجاربنا وآراءنا حول ترجمة رواياتهم وكتبهم ونتبادل معهم آراءهم أيضا حول ما يكتبون. ننتقد أحيانا جملهم الطويلة مثلا والتي لا تخضع للفواصل، أو نتصادف مع مواقف نضطر فيها التضحية إما بالمعنى أو الأسلوب، فنجد أنفسنا نحاول جهدا أن نوفي كل من المعنى والأسلوب حقيهقتما. لكن الجميل هنا في النرويج، أننا نحن المترجمون يكون لنا الأتصال بالكتاب مباشرة الذي نترجم لهم كتبهم ، نراسلهم ونسألهم ونتعاون معهم حتى يخرج الكتاب مترجما بأسلوب سلس يتوافق مع طبيعة اللغة المترجم إليها والمحافظة على الأمانة العلمية بتجسيد الأفكار وتوصيلها كما هي في النص الأصلي.

    جميلة :ما هي أهمّ النقاط التي ركّز عليها الطبيبان النرويجيان في كتابهما؟
    زكية : كانا شاهدين حياديين، أظهرا للعالم الحقيقة التي حاول الإعلام الغربي طمسها، مؤكدين أن أغلب الضحايا والجرحى كانوا من العزل المدنيين من شيوخ وأطفال ونساء وليس حماس كما يدعي الإعلام الصهيوني الذي اغتنم فرصة عدم تواجد الصحافيين الغربيبين بقطاع غزة، والذي منعتهم اسرائيل من الدخول حتى يتسنى لجيشهم الوحشي أن يفتك بالمدنيين كما شاء. ولكن الطبيبين النرويجيين مادس جلبرت وإيريك فوسا اللذين دخلا إلى غزة عبر مصر بمعجزة ومغامرة صعبة يمكن أن تؤدي بحياتهما إلى الموت. يقول الدكتور مادس " عشنا الهجوم على غزة كأطباء وشهود عيان في مستشفى. لم نر ما حدث في أماكن أخرى بقطاع غزة. لكن وحشية الهجوم ودرجة الغطرسة أثارت غيظنا، لاسيما ما أظهرته وثائق الصحافيين ولجنة التحقيق. "
    لم يكن أحدا من الصحافيين الغربيين، ولا أحد يستطيع أن يقف ويخبر عن الانتهاكات الإسرائيلية. بالإضافة إلى العمل الطبي في مستشفى الشفاء ، وجدا أنه من واجبهما أن ينقلا للعالم ما شاهاداه. قدما تقريرا عن تلك المعاناة الر هيبة، وتلك الأضرار والأزمات من جراء الاعتداءات الاسرائيلية وما سبب الحصار على غزة. وصفا البطولة الفلسطينية والإنسانية، عن التفاؤل ومقاومتهم التي لا تقهر. ركز الطبيبان على إظهار العنف الهمجي للصهاينة وهجماتهم الشرسة والوحشية الواسعة النطاق على المؤسسات الفلسطينية وعلى المدنيين، الهجمات الأكثر وحشية في التاريخ الفلسطيني الحديث. يقتلون بالخصوص الأطفال والذي قتل منهم أكثر من ثلاثمأئة طفل وجرح أكثر من 1600 طفل. ركز الطبيبان على مدى الظلم والوحشية التي أوقعها الجيش الاسرائيلي على المدنيين وركز على مدى تأثير الحصار وما سببه من جوع وعازة في كل شيء ، الدواء والغذاء واصفين المعاناة الحقيقية لهذا الشعب ، معاناة لايمكن تصورها ولو في كابوس ليلي. إنه كتاب يأخذ بالقارئ من بين سطور الصفحات إلى الأحداث الحية وكأن القارئ يعيش مع وبين المصابين سواء في الشوارع أو في مستشفى الشفاء.

    جميلة :أتعرفين قلت بيني و بين نفسي لمجرّد أن فكر الطبيبان في تدوين شهاداتهما في كتاب هذا يجعلنا نطمئنّ على أن لا خوف على أبناء غزة مادام هنالك رجال أحرار و شرفاء في هذا العالم ، هذا الكتاب ماذا يعني لك؟
    زكية : كتاب عيون في غزة، لم يكن كباقي الكتب الأخرى التي ترجمتها. لم يكن رواية بها خيالا أو سيرة ذاتية، وإنما كان شهادة حية من طبيبين نرويجيين ، عاشا هول الحرب مع الشعب الفلسطيني في غزة تحت وابل من القصف الإسرائلي الوحشي. إنه كتاب يحمل بين طياته رسالة كبيرة سيحفظها التاريخ ، وستكون شاهدة على الجرائم الصهيونية اتجاه شعب أعزل.
    إنه خير شاهد على فظاعة الهجومات الاسرائيلية على غزة، لأن من دوّنه رجال أحرار شرفاء، يؤمنون بالسلام والإنسانية رغم اختلاف ثقافتهم وعرقهم. كتاب "عيون في غزة" شهادة بعيون أوروبية نرويجية، شاهدت وعاينت وعاشت ووثقت الجرائم التي ارتكبت في غزة المسلوبة من أبسط الحقوق في عصر تتهافت فيه الدول العظمى وتتفاخر بإنسانيتها اللإنسانية.

    جميلة : زكية أنت شعلة متّقدة من نشاط، تطالعين الكتب و تحللين النصوص و تكتبين انطباعاتك حولها ، تؤلفين القصص و الروايات إضافة إلى نشاطاتك في مجتمعك، كيف توفقين بين كلّ هذا؟
    زكية : لقد منّ الله عليّ بأسرة متعاونة وزوج متفهّم يقدّر ما أنا فيه وعليه، فحب الكتابة يزيدني نشاطًا ، ومحبّة الناس لأعمالي تدفعني لأقدّم لهم ما يحتاجونه من قصص وروايات وترجمة أعمال أدبيّة أو سواها.
    زيادة على ذلك أعشق الوقت الذي أكون فيه بين الكتابة والكتب. ذلك الوقت أشبهه بشهر العسل. أحيانا يمر علي وقت لا أكتب فيه شيئا على الإطلاق، وأحيانا في اسبوع واحد ينهال علي وحي الكتابة والرسم فأجد نفسي أنجزت أشياءا كثيرة. أما بالنسبة للترجمة، فأسهر عليها حتى الصباح، وأجد لذة في أغلب الأوقات وأنا أترجم ، لا أنفر منها إلا حينما أجد نفسي عاجزة عن إيجاد ترجمة الجملة المطلوبة كما هي بلغة الأم. وفي هذه المناسبة أقدم شكري وامتناني وتقديري لزوجي شريكي في الحياة على دعمه لي ومساندته وتقديم المساعدة المطلوبة والمرجوة.


    جميلة طلباوي
يعمل...
X