تويت
علوم و تكنولوجيا
المنطق البسيط : لماذا ليس بسيطاً ?
اسمهان طعيمة
لعل أهم هدف يفترض بالتربية والتعليم أن تتبناه هو تعليمنا المنطق. كيف نفكر منطقيا, وكيف نتصرف منطقيا.
ولو تحقق هذا الهدف, لربما نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق لحل مشكلاتنا الخاصة والعامة, ولتحقيق التقدم العلمي والحضاري الذي تسبقنا به أمم كثيرة.
ولعل إحدى غايات هذه الصفحة - العلوم والتكنولوجيا - تصب في هذا الهدف. ويعتمد نجاحها على مدى ما يكتسبه قارئها من تطوير لملكة التفكير المنطقي الناقد, وتطبيقه على سلوكه وتفكيره, وعلى ما يقرأ ويسمع من أخبار; وتذكيره بالمبادىء العلمية الأساسية التي يجدر به تطبيقها في حياته اليومية, وفي عمله.
لكن ما هو المنطق ؟
يذكرنا هذا السؤال بسؤال مشابه طرحته المعلمة على طلابها في مسرحية مدرسة المشاغبين.
قبل أن نعطي تعريفا نظريا للمنطق. لماذا لا نحاول أن نستدل على المنطق من ضده. من أمثلة حياتية مألوفة يقرّ كل منا أنها تتنافى مع المنطق. إذ لا شك أن كل انسان, وكل كائن حي, ذكي ومنطقي; ولو لم يكن كذلك لهلك. لكن لدى البعض صفات أو مشاعر قد تكون أقوى من الذكاء. فالبعض طمعهم أكبر من ذكائهم. وقد يكون الجبن أقوى من الذكاء ومن المنطق. كذلك العقد النفسية والشعور بالنقص أو اللؤم أو الحقد أو الحب.; جميعها عواطف قد تشلّ التفكير المنطقي.
- من الممارسات الشائعة لدينا في هذا الصيف, ومع شيوع استخدام المكيفات, أن تجد المكيف شغالا ونوافذ المنزل أو المكتب مفتوحة. واستطيع أن أدعي أنني كنت شاهدا على هذه الممارسة في 90% من أماكن وجود المكيفات. وبالطبع تجد لدى من يفعلون ذلك تبريرات "لا منطقية" من قبيل: اصبح الجو باردا جدا, نريد هواء.. اشعر أني اختنق عند إغلاق النوافذ. يهب من الخارج نسيم منعش...الخ. هنا تغلبت الرغبة في التبذير على المنطق.
- في كل يوم تنهال علينا اعلانات الترويج لمختلف المنتجات, ولبنوكٍ وشركات. شارك على السحب لتفوز بسيارة. فهل يتوقع أي انسان منطقي أن تقدم هذه الجهات سيارة بالسحب النزيه, من يراقب هذا السحب, ومن يتابع اخبار هذه الحملات ليتأكد من منح الجوائز. إنها ممارسات استهبال لعقول الناس, وكونها مستمرة قد يعني أن أصحابها يعتقدون أنها فعالة وتحقق أهدافها.
- تكتشف لديك معلبات غذائية تنتهي صلاحيتها غدا, فتجبر أفراد العائلة على تناولها اليوم وكأن هذه العلبة, التي مدة صلاحيتها سنتان مثلا, ستتلف فجأة بين اليوم وغدا.
- نقرأ من وقت لآخر عن عمليات نصب يتعرض لها مواطن يقنعه نصابون أن لديهم ذهبا أو دولارات يريدون بيعها بنصف الثمن أو بعشره. هنا تغلب الطمع على الذكاء وعلى المنطق.
- ما زال العديدون يعانون من خسائرهم في البورصات الوهمية, حيث كان الطمع أكبر كثيرا من الذكاء. ويبدو أن استهبال الناس ما زال قائما في هذا المجال. لاحظ مثلا الإعلانات العديدة التي تظهر أشخاصا يحققون دخلا اسبوعيا بمئات أو بآلاف الدولارات عبر الاتجار بالعملات وغيرها.
- يرتفع سعر البنزين فيزداد حجم السيارات لدينا هنا, مع معاناة أصحابها من صعوبة السير بها في شوارع مكتظة أصلا, وصعوبة إيجاد موقف لها. هنا عقد نفسية وشعور بالنقص يلغي المنطق.
تعريف نظري بسيط للمنطق
ليس المنطق بالموضوع الجديد المستحدث على ثقافة الانسان وحضارته. فقد عرفه وعرّفه اليونان, خاصة أرسطو. واشتغل به العرب, ومنهم المعلم الثاني, الفارابي, وربطه ليبنتز ثم رسِل بالرياضيات.
المنطق فرع من الفلسفة يحدد مبادىء التفكير السليم ويدرس طرق الاستدلال والاستقراء. وبواسطة قواعد المنطق يمكنك أن تمحّص ما تسمع وما تقرأ من أفكار ومعلومات ونظريات, وتحكم على منطقيتها وصحتها, ويبعدك المنطق عن الوقوع تحت سطوة الدعايات والإشاعات والشعارات الزائفة والمزايدات, ويساعدك على اختيار ألفاظك وبناء عباراتك بناء دقيقا وسليما, ويهديك إلى السلوك المنطقي الصحيح.
ولعل السلوك المنطقي هو الأهم. فالأعمال والتصرفات هي التي تعتبر وتؤثر فعلا; والتصرف المنطقي هو الذي يراعي الظروف ( فارتداء ملابس ثقيلة شتاء أمر منطقي, لكنه غير منطقي في الجو الحار) والسلوك المنطقي يحقق مصلحتك الخاصة والمصحلة العامة. فإذا عملت ما يسيء اليك, أو إلى عائلتك أو مجتمعك, فعملك هذا غير منطقي! وقد يتطلب التفكير المنطقي والسلوك المنطقي معرفة مبادىء علمية بسيطة.
فالمبادىء الصحية مثلا تملي عليك ضرورة ممارسة الرياضة أو المشي على الأقل.
ومبادىء حفظ الطاقة تقول لك أن عليك أن لا تشغل المروحة إذا لم تكن في الغرفة, لأن الكهرباء التي تستهلكها تتحول إلى حرارة فيسخن الهواء.
ويقول العلم ان الموادّ البلاستيكية لا تتحلل, بل تتراكم فضلاتها حولنا; والتفكير المنطقي يملي علينا إذن أن نقلل بقدر الإمكان من استخدام الأكياس البلاستيكية وأشباهها.