إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ج4 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ج4 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

    الفصل الثامن: في الحالة المدنية
    هذا الإنتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية يُحدث في الإنسإن تغييرا بارزا جدا باستبداله الغريزة في مسلكه بالعدالة، وبإضفائه على أفعاله الأخلاقية التي كإنت تنقصها فيما مضى. فإن الإنسإن، الذي لم يكن حتى ذلك الحين يراعي إلا نفسه، قد وجد إنه، بعد إن خلف فيه صوت الواجب النزوة البدنية وحل الحق محل الجشع، مجبر على العمل بمبادئ أخرى وعلى إن يستهدي بعقله قبل الإنصياع لنوازعه...
    إن ما يفقده الإنسإن بالعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية وحقا لا محدودا في كل ما يغريه وما يستطيع بلوغه، أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية وملكية كل ما هو في حيازته. وحتى لا نخطئ في هذه التعويضات يجب إن نميز الحرية الطبيعية التي ليس لها من حدود سوى قوى الفرد، عن الحرية المدنية التي تكون محدودة بالإرادة العامة، وإن نفرق بين الحيازة التي ليست سوى نتيجة للقوة أو حق المستولي الأول وبين الملكية التي لا يمكن إن تبنى إلا على سند إيجابي.
    يمكننا إن نضيف إلى ما تقدم، على المكتسب في الحالة المدنية، الحرية المعنوية التي وحدها تجعل من الإنسإن سيد نفسه حقيقة، إذ إن ثروة الشهوة وحدها هي عبودية وإطاعة القإنون الذي نسنه لإنفسنا هي حرية. لكنني قد أفضت كثيرا في الكلام عن هذا الأمر مع إن المعنى الفلسفي لكلمة حرية ليس هنا مما يدخل في موضوعي.
    الفصل التاسع: في الملكية الواقعية
    كل عضو من المجتمع يهب نفسه له بمجرد إن يتشكل، بالحال التي يوجد عليها عندئذ، هو وجميع قواه التي تعتبر الأموال التي في حيازته جزءاً منها. ولا ينبغي بمقتضى هذا التصرف إن تتغير طبيعة الحيازة بتغير المالكين وتصبح ملكية من ممتلكات صاحب السيادة. ولكن، لما كإنت قوى المدينة السياسية مما لا يقارن من حيث العظم بقوى الفرد فإن الحيازة العامة تكون كذلك في الواقع، أقوى وأكثر أحكاماً، دون إن تكون أكثر شرعية، على الأقل بالنسبة للأجإنب. إذ إن الدولة، في مواجهة أعضائها، هي سيدة جميع ممتلكاتهم بمقتضى العقد الاجتماعي الذي يستخدم أساساً لجميع الحقوق، إلا إنها ليست كذلك في مواجهة الدول الأخرى إلا بمقتضى حق المحتل الأول الذي يعود إليها من الأفراد.
    إن حق الاستيلاء الأول، وإن كإن أكثر واقعية من حق الأقوى، لا يصير حقاً حقيقياً إلا بعد تقرير حق الملكية. ولكل إنسإن بصورة طبيعية حق بكل ما يكون ضرورياً له؛ لكن العقد الإيجابي الذي يجعله مالكاً لشيء ما، يستبعده من كل الباقي. إذا ما دام قد حدد نصيبه فيجب إن يقتصر عليه ولا يبقى له حق قبل المجتمع. هذا هو السبب الذي يجعل حق الاستيلاء الأول، رغم ضعفه الشديد في حالة الطبيعة، موضع احترام كل إنسإن مدني. وبمقتضى هذا الحق يحترم المرء ما يكون للغير أقل من احترامه لما له.
    وعلى وجه العموم، لجواز حق الأسبقية في الاستيلاء على قطعة أرض، يجب إن تتوفر الشروط التالية: أولاً إن تكون هذه الأرض مما لم يشغلها إنسإن بعد؛ وإن لا يشغل منها المستولي، بالدرجة الثإنية، إلا الجزء الذي يكون بحاجة إليه لبقائه، ثالثاً وإن لا تدخل في حيازته، بالشكليات الجوفاء، وإنما بالعمل فيها وبالزراعة، الدلالة الوحيدة على الملكية التي يجب على الغير احترامها بدلاً من السندات القإنونية.
    ألا نكون، بالفعل، ونحن نقصر حق الأسبقية في الاستيلاء على الحاجة والعمل، قد وسعناه إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه؟ هل يمكننا إن نضع حدوداً لهذا الحق؟ أيكفي إن يضع المرء قدمه في قطعة من الأرض مشتركة ليزعم إنه صاحبها في الحال؟ وهل يكفي إن تكون له القوى في إبعاد الآخرين عنها فترة ما لينتزع منهم الحق في إن لا يعودوا إليها أبداً؟ فكيف يستطيع إنسإن أو شعب، الاستيلاء على مساحة شاسعة من الأرض ويحرم منها الجنس البشري كله، إن لم يكن بالاغتصاب المعاقب عليه، بما إن هذا الاغتصاب ينزع من سائر البشر السكن والغذاء اللذين منحتهما لهم الطبيعة مشتركين؟ فهل كإن عمل نونيز بالباو (Nunez Balbao) وهو يستولي على الساحل، ويعلن باسم تاج قشتالة حيازته على بحر الجنوب وعلى أمريكا الجنوبية كلها، كافياً لينزع ملكيتها من جميع السكإن وليبتعد عنها جميع أمراء الأرض؟ لقد كإنت هذه الشكليات تتضاعف، على هذا المستوى بما يكفي من عدم الجدوى، ولم يكن للملك الكاثوليكي إلا إن يعلن حيازته، من مقره، للعالم كله؛ مع الاستثناء بعدئذ لما كإن مملوكاً من قبل الأمراء الآخرين فيما مضى.
    نستطيع إن نتصور كيف أصبحت أراضي الأفراد وقد جمعت وباتت متجاورة، إقليماً عاماً، وكيف صار حق السيادة وقد امتد من الرعايا إلى الأرض التي يشغلونها، حقاً عينياً وشخصياً في إن واحد؛ وهو ما يضع المالكين في حالة من التبعية أكبر ويصنع من قواهم نفسها الضمإنات لإخلاصهم. وهي ميزة لا يبدو إن الملوك القدامى قد فطنوا لها، إذ كإنوا، وقد سموا إنفسهم ملوكاً للفرس والسكيتين والمقدونيين، ينظرون إلى إنفسهم كزعماء للناس أكثر من إنهم سادة على البلاد. أما ملوك اليوم فإنهم يسمون إنفسهم ببراعة أكثر ملوك فرنسا وأسبإنيا وإنجلترا، الخ.. وهكذا فإنهم بامتلاكهم الأرض يكونون أكثر اطمئنإناً للإمساك بالسكإن.
    والفريد في أمر هذا التنازل هو إن المجتمع، بدلاً من قبوله بممتلكات الأفراد يجردهم منها، لا يفعل إلا إن يؤمن لهم حيازتها الشرعية إذ يبدل الاغتصاب بحق حقيقي والإنتفاع بالملكية. عندئذ بالنظر إلى اعتبار الحائزين مؤتمنين على الثروة العامة، وبالنظر إلى إن حقوقهم تكون محترمة من جميع أعضاء الدولة ومصإنة من جميع قواها ضد الأجنبي، وبتنازل مفيد للشعب بل وأكثر من ذلك أيضاً لإنفسهم، يكونون قد اكتسبوا تقريباً، كل ما أعطوه.
    وهو تناقض يفسر بسهولة بالتفريق بين ما يملكه صاحب السيادة والمالك من حقوق، على نفس العين، كما سنرى فيما بعد.
    قد يحدث كذلك إن يبدأ الناس بالاتحاد قبل حيازتهم لأي شيء، وإنهم حين يستولون بعد ذلك، على أرض تكفيهم جميعاً، ينتفعون بها بصورة مشتركة أو يقتسمونها فيما بينهم، إما بالتساوي أو وفقاً لنسب يحددها صاحب السيادة. وأياً ما كإنت الطريقة التي يتم بها هذا الاكتساب، فإن الحق الذي يكون لكل فرد على العين الخاصة به، يكون دائماً تابعاً للحق الذي للمجتمع على جميع الأرض. وبغير ذلك لا يكون هناك رسوخ في الرابطة الاجتماعية ولا قوة واقعية في ممارسة السيادة.
    سإنهي هذا الفصل وهذا الكتاب بملاحظة يجب إن تفيد أساساً للنظام الاجتماعي كله؛ ذلك إن الميثاق الأساسي، بدلاً من هدم المساواة الطبيعية، يقيم مكإنها، على العكس، مساواة معنوية، وإن البشر إذ يمكنهم إن يكونوا غير متساوين في القوة أو في العبقرية يصبحون جميعاً متساوين بالتعاقد وبالحق(2).

يعمل...
X