إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأزياء الشعبية السورية في لوحة تاريخية وخلاصة ألف عام من الحضارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأزياء الشعبية السورية في لوحة تاريخية وخلاصة ألف عام من الحضارة

    لوحة تاريخية جامعة للألوان والأشكال والأساطير
    الأزياء الشعبية السورية خلاصة ألف عام من الحضارة


    دمشق - سانا
    تتنوع الأزياء الشعبية فى سورية بتنوع الجغرافيا الممتدة من بادية الشام شرقا حتى الجبال الساحلية غربا حيث تتفق هذه الملابس العالية في تصاميمها اللافتة مع طبيعة مساكن أهلها فيميل سكان المناطق المرتفعة الباردة في جبال اللاذقية وطرطوس للالبسة المغلقة المتعددة الضيقة التفصيل الملتحمة كثوب المرأة المخملى وسراويل الجوخ وزنار الشال العريض والميتان الملتحم والدامر الطويل وعباءة الصوف وصدرية الكشمير المغلقة الازرار حيث تحبس هذه الاثواب حول الجسم طبقة من الهواء الدافىء تجعل حرارته ثابتة ومستقرة طوال فصل الشتاء.
    وتعطى الأزياء الريفية السورية بقماشها وتفصيلها وزخارفها صورة واضحة عن المجتمع الزراعي القديم ببلاد الشام ذي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التى يصفها باحثو التراث بأنها علاقات "من اليد إلى الفم" حيث يوجد لباس من الصوف أو القطن أو الحرير تغزل خيوطه وتصبغ وتحاك محليا ويدويا دون أى اختصاص كما يكون اختصاصه فرديا مقتصرا على التقليد والمحاكاة فى حين نجد أزياء أغنياء المدن مليئة بغناها وتعقيدها كصورة بينة عن الطبقة الارستقراطية المتميزة والمتمثلة بالاقطاع والاحتكارات التجارية.
    وتعتبر الأزياء الشعبية السورية جزءا من التراث العائلى الضخم الذى يتوارثه الخلف عن السلف كثروة كبيرة لما لها من أسعار باهظة وزخارف كثيرة من الذهب والفضة كالشال العجمى والكشمير الهندى والحرير السويسرى والمخمل الفرنسى والجوخ الانكليزي والعبى المقصبة إضافة إلى الفرو الاستراخاني.
    ويلجأ المصمم الشعبى فى الصيف الحار الى تصميم الالبسة القطنية الرقيقة الواسعة التفصيل ليتخلل الهواء المحيط بالجسم ويتجدد باستمرار ولتشع الوانها البيضاء الحرارة بسرعة ولا تحتفظ بها فى هذا الفصل كالسروال القطنى الابيض العريض والجلابية الواسعة والعباءة الشفافة والقنباز المفتوح المصنوع من الاغباني.
    وتتسم الأزياء الشعبية السورية بأنها من نوع الثياب المريحة بمعنى أنها تنسجم بتفصيلها ومقاييسها مع حركة الاعضاء العاملة ومع طبيعة الارض وعناصر المناخ وطريقة الجلوس على الارض كما تتلاءم مع حاجات الفارس العربى على صهوة جواده.
    وتتميز هذه التحف البصرية القماشية بطولها المتزايد الذي قد يصل إلى الارض واتساعها الذي يزيد في هيبتها فيكسبها الاحترام والوقار والوانها الحادة القوية وتزييناتها الكثيرة ذات الرسوم الدقيقة فضلا عن الاسراف فى الحلى المختلفة وضخامة لباس الرأس وتجميله بالعملات الذهبية والفضية والغلو عامة بمظاهر الغنى والترف تجاه الآخرين بما يرضى الكبرياء والانفة.
    وتتفرد الازياء السورية بمراعاتها قبل كل شيء اعتبارات الهيبة الاجتماعية والوقار وتنسجم مع طبيعة السلوك والعمل فى سورية حيث عمد الخياط السورى الشعبى الى اغراق الجسم بالثياب المتعددة والواسعة من مفرقه الى أخمص قدميه رجالا كانوا أم نساء بمعنى أنها تلجأ الى طرق اصطناعية بتطويل القامة والاتساع فى التفصيل كى يكسب الرجل أو المرأة الصحة والمهابة.
    كما أن ألوان الثوب الشعبى القاتمة عامة تنعكس على بياض بشرة المرأة فتزيدها بهاء ونورا مبتعدة عن وسائل التجميل الصنعية حيث يلعب الكحل والوشم العربى وشكل الحاجبين ولونهما أدوارا طبية ونفعية تقى الوجه من الغبار والاتربة وتزيد رونقه جمالا ومنعة.
    ولا يرتدي في سورية الثوب ليدفعوا عنهم الحر والقر بقدر ما يسعون فى انتقائه لارضاء الذوق العام وانتزاع اعجابه نساء كانوا أم رجالا فالازياء الشعبية السورية المزخرفة تعتبر تقليدا حيا للكبرياء الشعبى كون هذه الازياء لم تكن من صنع جيل أو معين بل من عمل شعب بأكمله على مدى قرون طويلة حيث صمم الانسان السورى وابتكر وصنع وبلور كل هذه الازياء مرسلا إياها من خلال الاجيال لتصقل من جديد عبر الزمان والمكان كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
    وتتسم الأزياء الشعبية السورية بالوان قوية حادة كالاحمر القانى والازرق والاخضر والاسود حيث يجمع الناس بين هذه الازياء بتنافر دون تدرج وانسجام الى جانب الاحمر والبرتقالي إلى جانب الاخضر والاصفر والبنفسجى والازرق ليكون هذا التنافر والتجاور اللونى أكثر راحة للعين والنظر بسبب الاجواء المناخية المضيئة فى المناطق المكشوفة ذات الوضوح الشديد ومن جهة ثانية نرى فى هذه الازياء الوان الطبيعة وأزاهيرها وطيورها وأشجارها بخلاف البلدان البحرية الدائمة التغييم أو ذوات الغابات الظليلة المعتمة.
    ويعكس الزي السوري الجمال والاشياء على حقيقتها ضمن ألوانها الطبيعية دون خطأ أو تمويه بسبب الصفاء والوضوح المناخى إذ تعتبر هذه الازياء ذات عاطفية متأججة وحساسية متزايدة لدى لابسيها لما تمتلكه الثياب السورية من الوان قوية جارحة صارخة تتماشى مع عواطف الناس الجياشة وترضى أرواحهم المتوثبة ما توجب أن تكون أزياء المرأة ذات تشكيلية واسعة والوان متنوعة ولاسيما فى اصرار الذوق الشعبي السوري على انتقاء الاقمشة المبرقشة الغنية بالوانها ومواضيعها حيث تكثر الزهور والورود والاوراق والنباتات على تفاصيل الثوب فى جميع المناطق الغنية المطيرة ذات الخضرة الدائمة والازهار المتفتحة خصوصا في أزياء أهل سهول حمص وجبال الساحل بداية من اللاذقية وحتى سهل عكار.
    ونشاهد أقمشة ذات لون واحد فى المناطق الداخلية الجافة من سورية ذات الارض الجرداء مع مبالغة شديدة باستعمال الشراشيب وأنواع الخرز والمطرزات اليدوية غنية الالوان كما في حلب وبادية الشام.
    ونشاهد الألوان الفاتحة الخفيفة كالبياض واللازورد والزهر عند أهل الوديان حيث المناطق الظليلة بأشجار الحور والصفصاف وأشجار الفاكهة المتشابكة بينها التى تحول دون رؤية الناس بوضوح تام كما في جميع قرى وادي بردى والاعوج وتل منين ووادى العيون وسهول حماة.
    ونلاحظ الألوان القوية كالاسود الصرف والازرق فى المناطق المكشوفة كثيرة الاضاءة أو ذات التربة الكلسية البيضاء حيث تعكس الارض نور الشمس الوهاج الذي يؤذي العين ويبهر البصر ولذا ينتقى سكان حوران وحلب والجزيرة العليا ألوانا كاتمة وقاتمة التماسا للراحة كى يتمكنوا من فتح أعينهم لرؤية الناس والاشياء من بعيد بسهولة ويسر.
يعمل...
X