إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفنان التشكيلي الدكتور علي سليمان - صحيفة تشرين - زيد قطريب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان التشكيلي الدكتور علي سليمان - صحيفة تشرين - زيد قطريب

    الفنان التشكيلي الدكتور
    علي سليمان
    في صالة الشعب للفنون ((تحالف الضوء واللون في ابتكار الخطوط))


    السؤال الأبرز الذي يثيره علي سليمان في أسلوبه النقطي الشهير، يتمحور حول تلك التفكيكية الملحّة التي يطبقها على الأشياء والطبيعة ووجوه الأشخاص..
    هل هي بمنزلة إعادة القراءة والالتقاط المختلف لجملة المشاهد المألوفة، بهدف كسر الاعتياد والغوص أكثر في دواخل الأشياء؟ أم أنها صياغات جديدة للنهايات التي سبق أن ختمتها العين كمشاهد محسومة بفعل التكرار؟

    سليمان الذي يمارس تعديلاً حتى على فيزيولوجيا البصر عند قيامه بالتقاط اللحظة المرئية مع كل ما يرافقها من بقع ضوئية تتقاطع فيها كل الزوايا والاستدارات، يبدو كمن يريد أن يثبت أن هناك بعداً غائباً في المشهد لم ينتبه إليه أحد بعد، فاللوحة هنا محاولة لفك الشيفرة اللغز التي تفضح بنية الأشياء وتحاول العبور إلى ما وراء دواخلها، وذلك بهدف إعادة الصياغة كما أسلفنا مع كل ما يرافق ذلك من إطلاق للخيال.. فسليمان الذي مرت تجربته الفنية بتطورية منسجمة بدأت من الواقعية وصولاً إلى شكله النقطي أو التجريدي الحديث، يؤكد هنا على امكانية إعادة خلق المشاهد برؤيا مختلفة يكون شغلها الشاغل القبض على اللون والضوء وتوظيفهما مع الفكرة على نحو فيه الكثير من الجدة والتجريب.. وهذا الشيء يبدو واضحاً في لوحة السنديانة التي يخترقها الضوء وكذلك منظر الثلج فوق العشب ولوحات السيد المسيح ومريم العذراء ناهيك عن لوحته التي تجسد وجه الفنان المولع بلعبة اللون وتشكيل الخطوط..
    في لوحات سليمان الكثير جداً من الخيال، المستند أساساً إلى ضرورات تحفيز العين ودفعها إلى بذل المزيد من الجهود من أجل النفاذ إلى داخل اللوحة المشهد، فاللوحات المألوفة التي يرسمها هنا تبدو مطروقة من قبله ومن قبل سواه من الفنانين، إنما يضيف إليها بعده الشعوري والفكري إضافة إلى طريقة القراءة المختلفة التي تقوم بها العين، وطبعاً يزود كل ذلك بخصوصيته الفنية على صعيد تقنية اللون خصوصاً، وأيضاً تركيزه على شعرية الأشياء والتقاط الجانب الرهيف منها على اعتبار أنه يغلب اللون على الخطوط.

    يؤكد الفنان على مراهنته الكبيرة على اللون، الذي هو المجال الحيوي في عمل الفنان، وذلك عبر تقنيات العلاقة بين الأطياف المختلفة للون وتحويله في نهاية المطاف إلى نص بصري قادر على تقديم فكرة أو مشهد يؤدي غاية ما.. أما عن قدرة المشاهد المحلي على بناء الجسور مع أعمال كهذه، فيؤكد سليمان أن تطور الذائقة ودفعها باتجاه مناطق جديدة من المفترض أن تكون من أولويات الفنان كي يتمكن المتابع من مواكبة تطورات الحركة الفنية التي تتطور بشكل دائم وباضطراد..

    تراوحت الأعمال بين الواضحة المعاني أو السهلة إذا صح التعبير، وبين المعقدة التي تحتاج إلى شرح الفنان نفسه حتى يمكن الدخول إليها بشكل صحيح، لكن في جميع الأحوال كان يكفي فتح نافذة صغيرة في أي منها حتى تنساب التفاصيل ببساطة ويسر تفسر حديث الفنان عن الارتقاء بالذائقة وتدريبها كي تكون أشد شحذاً ومهارة في التواصل مع اللوحات والتقاطها بالشكل الأمثل.. فلوحة الثلج الأبيض فوق العشب مثلاً والعديد من الأعمال الأخرى، كانت تبدو للوهلة الأولى وكأنها فضاء من الألوان ليس إلا، لكن وبمجرد اكتشاف طرف الخيط في تحديد التفاصيل الخاصة بكل لوحة، كان يكفي لدفع المشاهد من أجل إعادة قراءتها ورؤيتها بالشكل المطلوب.. فالمشاهد المعتاد على الخطوط الواضحة في التشكيل، كان يصاب بما يشبه الحيرة إزاء برك اللون التي ترسم الحدود والحواف على طريقتها عن طريق التداخل والتفاعل والاصطفاف بين الألوان، لذلك فإن اعتياد المتابع أو تأقلمه التعامل مع أسلوب الألوان في رسم الخطوط والأشكال، يبدو نتيجة طبيعية بحكم التجارب المتكررة في هذا المجال وبحكم إصرار المؤيدين لهذا الأسلوب على تدريب الذائقة وتطويرها أسوة بالعمل الفني كما أسلفنا.

    نقاط سليمان اللونية تبدو عشوائية في بعض الأماكن بحيث أن الفنان يريد منها أن تكون جزءا من الخلفية ليس إلا، لكنها في مواقع أخرى تكون مدروسة وموزعة بشكل متقن ومقصود ضمن أماكن محددة ينتبه إليها المرء ويتساءل لماذا زرعها في هذا المكان بالتحديد دون سواه، ليكتشف أن عليه أن يفهم البانوراما الكلية للوحة كي تنفكّ من تلقاء نفسها كافة الملحقات الثانوية أو المكونات المرافقة للمشهد الأساس الذي أراد تكوينه الفنان، وهذا الشي يبدو واضحاً في لوحة السيد المسيح المتعددة والسنديانة في علاقتها مع تخلل الضوء إلى ما هنالك من لوحات تنطوي كل واحدة منها على تلك الرشات اللونية التي هي جزء من بنية اللوحة ومن فكرتها الكلية، وعلى ذلك سيكون من السهل اكتشاف إكليل الشوك في لوحة المسيح وأيضا تحديد نقط الأحمر فيها على أنها دماء، أو نقاط الأبيض في السنديانة على أنها أماكن لتخلل الضوء دون أي شك..

    في أعمال سليمان جزء كبير من المغامرة، فالمراهنة على اللون والاعتماد عليه كحامل أساس في اللوحة ترك الأمور تميل غالباً باتجاه التجريد الذي لم تألفه العين المحلية بالشكل الصحيح دائماً، تلك العين التي ظلت تحتاج إلى صراحة كبيرة في الخطوط والتي بقيت تميل حتى وقت قريب باتجاه الواقعية الصارخة أو الواضحة، لذلك فإن المغامرة هنا كانت تعني هل تمكن المتابع من التواصل الصحيح مع العمل.. أم أن بعض اللوحات مازالت مغلقة بالنسبة إليه؟

    في كل الأحوال، يعترف سليمان بكل ذلك، لكنه في الوقت نفسه يراهن على تطوير الذائقة الفنية لدى المشاهد ودفعها دائما لاكتشاف الجديد في العمل الفني وبناء العلاقة معه بشكل يجعله على تواصل دائم مع تطورات التشكيل على وجه الخصوص.. لذلك فإن اشتغل الفنان على اللون يبدو أنه لم يأت نتيجة تطور التجربة الفنية لديه فقط، إنما جاء أيضاً استنادا إلى قرار عن سبق الاصرار والتصميم، وذلك إثر الممارسة والإطلاع على مختلف التجارب والبحث الدائم عن كل حديث..

    في معرض علي سليمان اشتغال كبير على الخيال وتحفيز لملكات العين كي تلتقط المشهد على نحو مختلف عن الاعتياد، يساعده في كل ذلك حرفية مميزة في التعامل مع اللون وتوظيفه بحيث يكون هو المحور في تلك

    صحيفة تشرين - زيد قطريب
يعمل...
X