إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أوس داود يعقوب - محمود درويش في عيون أحفاد لوركا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أوس داود يعقوب - محمود درويش في عيون أحفاد لوركا

    محمود درويش في عيون أحفاد لوركا
    أوس داود يعقوب

    رحل محمود درويش شاعر الثورة والمنافي، وصاحب اللغة المتفردة والخيال الجامح والثقافة الواسعة، في أوج تألقه، وتدفقه، وتملكه أدواته، وتحوله.. تاركاً اسمه الذي بات يعني الشاعر المنتصر على الموت، بالشعر، بعد أن ملأ حياتنا شعراً.
    هنا شهادات لأربعة من أبرز شعراء إسبانيا ونقادها، يطلُّون من خلالها على تجربة درويش، عارضين لعلاقته باللغة والهوية والمنافي، دون أن يغفلوا عن جوهر تلك العلاقة بالتاريخ والماورائيات.
    وفي هذه الشهادات، التي ترجمت نصوصها الأديبة الفلسطينية نهى أبو عرقوب، يقدم أحفاد الشاعر العظيم فيدريكو غارسيا لوركا (1898 - 1936م) رؤى مكثفة ومعمقة تكشف جوانب من حياة الشاعر الإنسان، والمناضل المقتلع من جذوره في الزمن (الكولونيالي)، المنتصر لشعره ولغته التي صارت أرضه المؤقتة، في انتظار أن تعود الأرض إلى لغتها.
    الشعراء الإسبان هم الشاعر والناقد والمترجم والروائي أنخيل روبيريث، والشاعر وأستاذ اللغويات خورخي خيمينو، والشاعر والناقد أندريس نابارّو، والشاعر والمسرحي والناقد خوسيه لويس تورّي.
    أنخل روبيريث شاعر وناقد
    (بورغوس، 1953م).
    قصائده فعل احتفالي..
    درويش شاعر يتمتع بقدرة تعبيريّة بالغة الفتنة، في نصوصه يُسمع صوت شاعر مقتدر، حيث لا شيء مجاني أو مرتهَن، على نحو مبالغ فيه، لشحنة الاحتجاج في شعره. فقصائده نابعة من المواجهات القاسية وتجارب السلب والاقتلاع، وهي تتغذى بلا شك من تلك الوقائع، لكن ليس عبر تكثيف عاطفي مبتذل. بل على العكس، عبر سلسلة من التداعيات ذات المرجعية التراثية ـ الإنجيل والقرآن ـ وذلك النوع من التوجه الحاسم نحو الأسطورة المستبطنة عبر شغف استذكاري، وعبر رموز تندمج في حبكات محتملة الحدوث لتجعل من نصوصه شعراً قوياً وشهادات متينة.
    يبني درويش بدقة متواليات متوازية ومكثّفة تستدعي التاريخ بلا شك، لكنها تستدعي أيضاً ذلك الأفق الإنساني الآخر الأقل ظرفيّة، الذي يقود إلى المنفى أو إلى الاقتلاع الأبدي من الجذور (ومن هنا العلاقات الأكثر من دالة التي تربط شعره بشعر ييتس أو برودسكي) وتستدعي كذلك الرغبة الطبيعية المضادة (والمفهومة) في امتلاك مكان نهائي وثابت للعودة إليه، منظرٍ طبيعي يمكن التعرف إليه حسيّاً، يكون ذاكرة أولية ومحبوباً كما هو، ويغدو نوعاً من حياة رمزية تولد منها، إلى حدّ كبير، قوة هذه القصائد الملحّة.
    لم ينجح الاقتلاع الذي تمثّل في الإبعاد عن المكان الأم، مع ذلك، في تدمير أسس الوجود الأكثر جوهرية، وهذا يعني أنّه ما من عنف يمكنه أن يبدّد أنقى ما يسكن الكائن المتشبّع بمعرفة العالم الأكثر حساسيّة ورهافة. يحمي درويش هذه القوة برفعة وكبرياء، فقصائده تمثل فعلاً احتفالياً يقود إلى منح جوهر دائم للأماكن التي سُلبت ولم يتمّ التسليم بسلبها. والغنائية التي تغذّي هذه القصائد تنبع من جذر نوستالجي في الأساس، لأنها تحيل دوماً إلى تذكّر أليم ومضطرب، لكنّها تأخذ، في الوقت نفسه، الطابع الملحّ لما هو مملوك أو معروف حقّاً وبالتالي غير قابل للتدمير؛ فينفتح الحاضر فيها والماضي البعيد، في آن، ويتّحدان معاً لكي يحوّلا رائحة خبز الطفولة إلى مقولة ذات جوهر ميتافيزيقي وبعد زمنيّ مستعاد.
    خورخي خيمينو شاعر إسباني
    (مدريد1964،م).
    وظائف الشعر..
    لعلّ محمود درويش هو الشاعر العربي الأكثر أهميّة. فلشعره تلك السّمة التي يتميز بها من يدفعون الحياة للأمام سمة التقدّم والانعطاف نحو اتجاه آخر، بحثاً عن قطيعات نوعيّة. والكاريزما والرؤية الأصيلة هما بصمتاه المميّزتان، وكذا الشّغف الدائم بالتعبير الموسيقي.. تمرّد درويش الإنسان، ضحيّة التاريخ المجرّد من الإنسانية، على التاريخيّ واقتلاعه البطيء للفرد، وبَحث عمّا هو كوني، عن مكان التقاء الذّات بالآخر. إنّه لمن الجميل أن نلتقي في هذا الزمن بشاعر مثل درويش الذي لم يتنازل أبداً عن القيمة (المعرفية) للصورة الشعرية، وهو الذي واصل الكتابة واعياً بهذه القيمة وهذه القوّة دون أن يتخلّى عن وظيفة الشّعر الأساسية الكينونية.
    أندريس نابارّو شاعر وناقد
    (فالنسيا ، 1973م).
    ولد على مراحل..
    على النقيض لما يحدث في الغرب وإسبانيا تحديداً، حيث ما زال الشعر حيّاً بفضل نواة من القرّاء على درجة ما من الإخلاص لمفهوم معين من (المكانة) تجاوزه الزّمن لكنّه قادر على إيجاد بنْية داعمة للشعر، فإنّ درويش يدرك الشعر بوصفه جنساً كلّياً ومباشراً.
    وشِعْرُ صاحب (لماذا تركت الحصان وحيداً) يتجاوز الأجناس والتصنيفات الثقافية ويضرب مباشرة في كلّ ما هو يومي؛ وينتقل من الأسطورة (الخريطة الجينية للخيال الجمعي) إلى عالم الزنجبيل والنحاس والأخبار العادية والهالات السّود. وهذا التصور الذي يتحاور مع اللغة ومع المتكلم ـ في آن ـ يفسّر حقيقة أن قصائد درويش قد نفذت إلى القرّاء من كلّ الطبقات الثقافية والاجتماعية. فهو يتمتّع بفضيلة لا تحظى بها إلا نخبة قليلة إنّه يعرف السّر الذي يتيح له التحدث إلى كلّ قارئ باللغة التي يفهمها.
    جاء موت الشاعر في سن السابعة والستين مفاجئاً ومبكراً. وقد أضفى هذا الحدث عمقاً مزدوجاً للقراءة (قراءة في حضرة الغياب). فالإشارات إلى الموت في شعره دائمة الحضور. ويتعلق الأمر هنا بمفهوم بعيد عن الدراماتيكيّة الغربيّة، مفهومٍ يوميّ، مَهيب وغير مؤطر في الوقت ذاته. الموت عند درويش، في أقلّ الأحوال، لَبوسٌ للهوية، أو أنه مُدرَك بوصفه تعايشاً وديّاً مع الحياة، وفي لحظات ما يمكن أن يُقرأ على أنه (حدس داخلي).
    وفقاً لمقولة ألكسندر بلوك (الشاعر يخلق تناسقاً من الفوضى)، فإنّ درويش قد حاول منذ كُتبه الأولى أن ينظّم فوضى منافيه وولاداته المتكرّرة مجرّباً حلولاً بِنائية متنوعة. وبهذا المعنى، تأتي براعته مثاليةً في التّحكم بالبنْية الدرامية في قصائد الشّعر الحر، وبالجرعة المضبوطة من الكثافة والصّمت، أي علاقة كل عنصر من العناصر بالغاية الانفعالية في القصيدة. لقد اعتاد درويش أن يغذي قصائده ببذرة تجعلها تمثّل صراع أفكار، صراعاً لا يُحلّ دوماً في النص، إنّما ينمو مع القراءة، التي تعثر على تفسيرها في القارئ. ونادراً ما تعدل قصيدته عن غايتها في وضع الإنسان في مواجهة مع دافع وجوده. لكنّها تحافظ دوماً على الرؤية الثاقبة والصدق اللّذين تصاغ بهما الأسئلة الوجودية.
    خوسيه لويس تورّي
    شاعر وناقد (مدريد ، 1973م).
    سؤال الهوية
    تنبع قصائد درويش من تجربة لغوية تعيش على الدوام خطر أن تسقط قبل الوقت أو قبل أن تقول أكثر من اللازم. ربما لا تكون هذه التجربة مع الكلمة بعيدة عن حياته الشخصية في المنفى ولا عن حقيقة أنه ينتمي إلى تراث كالتراث العربي. سؤال اللغة هنا (في الشعر) ليس ثانوياً على الإطلاق، هذه الأشعار تكتب في لغة ليست فقط لغة فلسطين التي لا يسمح لها بالوجود كبلد بل هي كذلك لغة جماعة لغوية وثقافية كبيرة تطرح على الشاعر المنفيّ سؤالاً جديداً حول العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب.
    مع أنّ السؤال عن الهوية الذاتية والهوية الجمعية يتكرّر عبر صفحات الكتاب، إلا أنّه سؤال لا يمكن الإجابة عنه إجابة قاطعة. فحين تكف الهوية عن أن تكون سؤالاً، يبرز خطر أن تتحول إلى قناع يستبدل تكشيرةَ متحجّرة بحركة الوجه مع الحيّة.
    وشعر درويش منفى وبيتٌ في الآن ذاته، نفيٌ لكلّ وطن وللوطن المؤقت الذي يولد ربّما من احتمالية الحوار الحقيقي، غير الملطّخ بالكذب ولا بعلاقات القوّة. ولذلك، فإن الإحالات (الميتاشعرية) و(الميتالغوية) التي نعثر عليها هنا وهناك، لا تحدّثنا عن حرفة الكتابة فقط، بل عن إمكان الإقامة في العالم، المحبطة دوماً والمتجدّدة دوماً.
    أوس داود يعقوب
يعمل...
X