Announcement

Collapse
No announcement yet.

لهشام كفارنة «على مسرح الحمراء» «ماتا هاري»

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • لهشام كفارنة «على مسرح الحمراء» «ماتا هاري»






    «على مسرح الحمراء» «ماتا هاري» لهشام كفارنة




    راقصة الكاثاكالي تموت حباً



    سامر محمد إسماعيل








    شهية ومتاحة قصة الراقصة الهولندية مارغريتا غرترودا زيلي المعروفة بـ «ماتا هاري» ولاسيما عندما تكون هذه المرأة من أشهر جواسيس أوروبا في الحرب العالمية الأولى،

    امرأة يقدمها الفنان هشام كفارنة عبر نص الدكتور رياض عصمت من وجهة نظر خاصة جداً... فالتعاطف مع هذا النوع من النساء يبدو هنا في صميم الرؤية الفنية التي حاول مخرج العرض تقريبها من الجمهور السوري على مسرح الحمراء, متكئاً في ذلك على إرث السيرة التي «كتبتها» ماتاهاري في سنوات عمرها المنتهية إلى إعدامها على يد الاستخبارات الفرنسية بعد اكتشافها كعميلة مزدوجة عام 1917 لمصلحة المخابرات الألمانية, من هنا كان لابد لصاحب «شوباش» من إنجاز صياغته الخاصة، كان لابد من معادل مسرحي يقف إلى جانب امرأة من هذا الطراز الفجائعي، امرأة تعيش بوهميتها، شغفها بالحياة والحب بعد اكتشافها خيانة زوجها لها على سرير الزوجية، فيما تبكي عليه ابنتها الصغيرة بالقرب من محظية الأب الضابط غير المبالي بعواطف امرأة يتم جرحها في عمق نرجسيتها، ليس هذا وحسب، بل يعمل الزوج بعسكرية طباعه وصلفه القاسي على تجريم زوجته وحرمانها من حضانة ابنتها الوحيدة مقابل إعلان طلاقها منه... هكذا تبدو الحكاية ملزمةً بخوض تحديات كثيرة، فلابد من حلول مسرحية لزمنٍ سينمائي بدا واضحاً اشتغال الفنان كفارنة على مسرحته، بالطبع ليست نُسخ الأفلام التي جسدت من خلالها حسناوات هوليوود شخصية ماتا هاري المرأة الأوروبية المغرمة برقص الكاثاكالي، بل هي تلك المشهدية التي أتقنها كفارنة متجاوزاً التقطيع البصري إلى فرجة تنتقل بالمتفرج عبر زمنها المسرحي الجديد، فالعرض يمتد هنا على مساحة أكثر من ثلاثين عاماً ومثلها من الأماكن، مسرحية تمتد من أندونيسيا إلى باريس فبرلين، من «الشرق الروحاني الغامض» في نظر مستشرقيه، برقصاته الطقوسية و«خدمه», العجيب في انصياعه لسلطة الرجل الأبيض إلى مسارح أوروبا الكبرى، ولهذا يقطّع صاحب «طبق الأصل» زمناً مسرحياً وفق منتجة الخشبة، مرتباً مراحل أربعة أعمار لبطلة مسرحيته، لنشاهد أربع ممثلات يؤدين على التوالي شخصية الراقصة الهولندية، لتكون لانا شميط وروجينا رحمون وجهاً لوجه مع رنا ريشة وأمانة والي، تبدأ المسرحية وفق منطق «الفلاش باك».. الخطف خلفاً, ها هنا يبدو ذكياً وراجحاً في تدوير الزمن المسرحي وإخضاعه لزمن فيلم يبدأ من لحظة الحكم على ماتاهاري بالإعدام بعد انكشاف أمرها على يد المخابرات الفرنسية وعملها في الوقت ذاته لمصلحة المخابرات الألمانية، لكن «الفيلم المسرحي» يبدأ بتمايزاته الفنية، فيخترع الضوء مفازاته على خشبة الحمراء، فيما يعمل الرقص كحل درامي على تفنيد الأزمنة التي تمر بها راقصة الكاثاكالي، تعاقبٌ يمسك به مخرج العرض مقتفياً سيرة بطلته، تلك السيرة الدراماتيكية التي تقود ماتا هاري إلى كواليس الدسائس الدولية ومواخير السياسة وصراع الأمم، ليقع الرقص في قبضة المخابرات والشيفرا السرية، يقع الرقص مغمياً عليه، مُساقاً إلى حتفه من دون رحمة، من دون غفران، فالمرأة المخدوعة المُهانة من زوجها الكولونيالي النزعة، والمحرومة حتى من رؤية ابنتها، هاهي تدخل الفخاخ جميعها، تراجيديا تتصاعد من سرير رجل إلى آخر، من خيانة إلى خيانة، ومن مدينة إلى مدينة، تاركةً وراءها عشرات المفتونين برقص شرقي كان له مذاق السُم في الدسم، رقص يقتبس الكاماسوترا «كتاب علم الجنس الهندي» على مسارح باريس في هيئة امرأة جاسوسة لمخابرات العالم، الرجال هنا يدفعون «راقصتهم» على حبال لا يمكن التوازن عليها، والراقصة تعبر إلى الضفة الأخرى وفي حناياها تسكن غواصات حربية وجيوش تتصارع على خريطة عالم يهتز، خيانات تلو خيانات تدفع ماتا هاري-«عين الفجر» إلى الوقوع أخيراً عن حبالها مغشياً عليها من هذا الدوار الهائل، فمن حانات باريس ومسارحها إلى قلب برلين تتسلل امرأة أخرى إلى منزل «مارغريت» تلعب على عواطفها، على قوميتها الهولندية، على ذكريات الصبا من دون أن تعرف ماتاهاري أن هذه المرأة هي صنيعة المخابرات الألمانية، هكذا تتعرف بطلة العرض على امرأة تشكل آخر صرعات أوروبا، فخيانة الرجال وقسوتهم تدفع بماتا إلى اعتناق الحب المثلي، إلى التخلي عن تلك الرغبة لمصلحة «حنان امرأة» تسحبها إلى المثلية الجسدية، لعبت هنا الفنانة سوسن أبو الخير دوراً استثنائياً في الجرأة، حسية باذخة وأنيقة بصوت ونبرة لافتة قدمتها «أبو الخير» مع الفنانة رنا ريشة، إلا أن هذا «الحب» تديره أجهزة الخارجية الألمانية في تلك الفترة، لنكتشف أن ماتا هاري كانت ضحية خدعة جديدة تم فيها التقاط الصور «لامرأتين على سرير واحد».
    يلجأ كفارنة إلى الرقص لا كعنصر تزييني في العرض، بل ينسجه من خلال الحبكات المتتالية، يديره عبر كل من «رهف شيحاوي، سجى الآغا، ديانا درويش، ومها الأطرش» معتمداً على دوخة بطلة العرض التي تأخذها مسرنمةً إلى حكم الإعدام، فهاهي ماتا هاري تكبر على هيئة السيدة أمانة والي، وهاهو الحب من جديد يصادفها بضابط روسي، سوف يكون مقتلها في تقربها منه، أحداث متشابكة ومشوّقة يعيد مخرج العرض إدغامها بوجهة نظره المتعاطفة مع بطلة المسرحية حتى النهاية، فليست الجاسوسية سوى قدر وحسب، بل هي صنيعة الغطرسة الذكورية التي تدفع بامرأةٍ إلى أحضان رجال السياسة ودهاقنتها، إنها حتمية التراجيديا وسلطتها على أبطالها، تلك السلطة الدرامية المطلقة التي خبرها كفارنة في المستويات الشعرية للمسرح، حيث تتخلى المأساة عن حواملها البشرية لمصلحة العبرة، لمصلحة التطهير، معلنةً انتصار المثال، فماتاهاري تكاد تكون الموديل الأكثر نجاعة في كشف أقنعة عالم قاسٍ وبلا رحمة، عالمٍ يسوس الرقص إلى مقصلته من دون أي اكتراث أو شعور بالذنب، وهو بالتالي يسوس الفن ويورط الأنوثة العذبة بمجابهة ليس له شأنٌ فيها، يورط الرهافة ويسجنها في غرف التحقيق، لتعبر الحرب على جسد الرقص، بل لتدوس الحرب أية قيمة يمكن أن يحرزها الجمال بعيداً عن بشاعة البشر وصراعاتهم الدموية، ولهذا تقول ماتاهاري في نهاية العرض: «نحن رهائن مخلوقات شريرة وغامضة وبلا رحمة» أجل هو كذلك, فلا «ماتا» تصدق ولا نحن أيضاً أن هذا هو المصير المُنتظر لامرأةٍ مهيضة الجناح تبحث عن حبها الضائع بين أوسمة صقور الحرب العالمية الأولى، إنها حكاية امرأة واجهت العالم، لا من باب معرفتها به، بل من خلال عد رغبتها في الحب رغبة كل النساء في مواجهة كل الرجال لحظة دهسهم للوردة بجنازير الدبابة..
Working...
X