إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ملامح ثقافة الطفل العربي تجربة ناهضة تحتاج إلى مؤسسات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملامح ثقافة الطفل العربي تجربة ناهضة تحتاج إلى مؤسسات

    إشكاليات.. تحديات.. وآمال ثقافة الطفل العربي.. ملامح تجربة ناهضة تحتاج إلى مؤسسات

    عفراء ميهوب

    منذ دخول العقد الأخير من القرن العشرين ونحن نقرأ ونكتب ونسمع: إن التحديات التي ستواجه الأمة صعبة وخطرة تهدد وجودها وهويتها؟
    فماذا فعلنا على جميع الصعد ولاسيما في المجال التربوي والثقافي؟!
    إن تراكم مخلفات الوضع التربوي والتعليمي والثقافي يتطلب بذل الجهود في كل اتجاه، فما زالت نسبة الأمية الهجائية مرتفعة، وقد أضيف إليها الأمية الثقافية التي تعني عدم القدرة العملية على حل المشكلات المتوالدة، ونحن اليوم بصدد مشكلة الأمية التقنية تضاف إلى الحمل ليصبح المجتمع والمؤسسات منهكة تنوء بحمل ثقيل.

    تلك الحال تجمع بين الكبار والصغار ولو أخذنا الحقل الأدبي والإعلامي للأطفال لوجدنا أنه يثير جدلاً لا ينتهي في أوساط المهتمين –إن وجد- فما زالت مسائل التراث والحداثة والعلم والفن مثار الندوات والنقاشات ومادة الكتابات، هكذا تعيد الأسئلة نفسها وتتراكم ويتفاقم وضعها إلى حد الانفجار؟
    الحديث عن الطفولة ونبعها يحيلنا بدوره إلى مسألة الحقوق والنعميات التي تمهد فيما بعد لأداء الواجبات ما يؤكد حركة الحياة باتجاه الأمام، فالحياة دين ووفاء، والإفاضة في الوفاء تعني الابتكار وإبداع الحلول لجميع المشكلات القديمة والمستجدة، تلك العلاقة الجدلية التي قد تتعرض للاختراقات والانزياحات ما يحوجها إلى الدراسات والبحث والتقصي المستمر، كما ذكرنا بالنقد والتوجيه في المسار الصحيح وكما يجب أن يكون.. وهذا نادر في عالمنا العربي. لقد ترتب على فقدان حقوق الطفل، وهي في الأساس حقوق الإنسان عامة، تراكم البؤس والشقاء قنابل موقوتة.. لها موعد مع الانفجار -طال أم قصر زمنه- وهذا ما تكشف عنه الأرقام المخيفة من سوء التغذية والمرض والموت، كما يكشف عنه فقدان التعليم الأساسي.. مبتدئاً بانقطاع الحوار بين الطفل ووالديه، فما بين الغذاء المادي والمعرفي الثقافي صلة لا تخفى وهي تشكل مدخلاً لحق الطفل في حياة كريمة قوامها التعبير والرأي وإلا فإن الطريق إلى مسالك ومنزلقات خطرة تؤدي إلى الإعاقة النفسية والجسدية والعقلية والعاطفية، وحصيلته إلغاء الأمل في التطور والتقدم، والتحاق الأطفال بجماعات أو عصابات يعتقدون أنها توفر لهم الحقوق.
    إن معاناة الأطفال من الفقر والتخلف والانصياع لمفهوم الطاعة وتحويل المنزل إلى ثكنات أبوية يتم تجديدها في المدارس والمؤسسات بما فيها الثقافية والإعلامية تشكل خطراً ونفقاً مظلماً تستدعي الخروج إلى النور بالتعلم والعلم والمعرفة المستدامة بالقراءة والمطالعة والتثقيف وإيفاء الحقوق لأصحابها.
    وها نحن نجد أنفسنا مرة أخرى مواجهة الجدل حول حقوق الطفل وخصوصية ثقافة الشعوب فأين الطفولة العربية من حقوقها وخصوصية ثقافتها؟!
    ما لم نعتمد الحقائق والوقائع على الأرض مؤشراً ومعياراً فإننا لن نحقق تقدماً ما يذكر في تجاوز ثقافة الموت والعقاب بالنار وعذاب القبر والصورة المخيفة التي تعيش في العقول، وتجعل بعض الجماعات تمارس القتل والتدمير تحت دعاوى وفتاوى وسائل تغيير المنكر فتكون النتيجة «تغيير المنكر بما هو أشد وأفظع إنكاراً».
    لقد اتفق جميع الباحثين على أن الفكر الأحادي ظلامي يؤدي إلى التعصب والعماء، وإذا كان الفقه والعلوم تؤكد على مسألة العقاب والثواب فإن التركيز على العقاب هو السائد عربياً، وأما الثواب فإنه مازال محدوداً وعلى هوى السلطة الحاكمة في المنزل والشارع والمؤسسات وهلم جرا؟ وهذا ما يدعو لإعادة النظر في كل شيء.
    وإذا كان العقاب راسخاً في ثقافتنا فالأولى بنا أن نطبقه على كل من يسيء معاملة الأطفال في جميع مظاهر حضورهم أياً كانت، وتزداد المسؤولية عندما نعلم بأن تحديد عمر الطفل هو دون الثامنة عشرة، هذه المرحلة التي تحمل إكسير وجذوة الحياة المستقبلية وفي عودة للنشء لابد من أن نعيد طرح التساؤلات: ماذا يأكل ويشرب، وكيف يلعب ويلهو ويتمتع بالصحة والعافية والرعاية، ويتعلم ويقرأ ويرى ويشاهد ويسمع وصولاً إلى مرحلة الشباب والانخراط في مجتمعه وقضايا أمته والإنسانية جمعاء.
    وعلى فرضية القراءة والثقافة التي تشكل مفصلاً مهماً في حياة الفرد.. وخاصة في أمة أولى آيات التنزيل الكريم فيها «اقرأ».. فماذا تقرأ وكيف تقرأ؟!
    أكداس من الكتب والمجلات العربية تسجلها الإحصاءات وتنذر أنها لا تفي بحاجة الطفل من حيث الكم والشكل والمضمون وإنها غير قادرة على مجاراة مثيلاتها المستوردة.
    فهي محدودة الانتشار لا تلبي احتياجات الطفل بما يكرسه بعضها من النمطية والطاعة وأسلوب التلقي بالتلقين والخوف من العقاب، ناهيك عن بعض الأعمال التي توكل إلى الصغار بقصد التشجيع على الرجولة المبكرة في العرف العام بما في ذلك الحض على الاشتراك في المعارك والحروب واستغلالهم دروعاً بشرية لتحقيق مآرب سياسية، ناهيك بأن الطفل العربي يولد مثقلاً بالواجبات، محاصراً باللاءات والمنع والقمع، حتى إن الناجين منهم يفشلون بالواجبات ولا يعلمون شيئاً عن الحقوق إلا متأخرين جداً، وهنا يكمن خلل لا بد من رصده وطرح البديل المفيد.
    البديل المفيد مسؤولية أدب الطفولة ووسائل إعلامه المتعددة التي نقف حيالها عاجزين عن رفضها برغم اشكالياتها المتعددة لأننا نعدّها مؤشر تنوير وإنها أفضل من لا شيء، وعندما ندعو إلى ارتقائها وأداء دورها على نحو أفضل ما يكون؟ تواجهنا الردود، بأن ضياع حقوق القائمين والمشرفين عليها سبب من أسباب ترديها.
    كل يشكو: الكاتب والرسام والناشر من فقدان حقوقهم المادية والمعنوية وزيادة عليها رقابة بعض الدول على موضوعاتها ورسوماتها، ومن ثم اختلاف الآراء حول العلاقة بين النص والصورة والألوان. وهذا يحيلنا بدوره إلى المناهج التعليمية والسؤال مجدداً فيما إذا كانت قادرة على النهوض وتحقيق مستقبل أفضل، تدعو للقراءة والمتابعة من خلال التعلم الذاتي واستمراريته مدى الحياة ما يؤكد على المشاركة والفاعلية والتأثير وليس التلقي وحسب.
    لو تناولنا أي مجلة للأطفال وقلبنا صفحاتها لوجدنا أنها تحفل بالنصح والإرشاد أقرب إلى الشعارات تمجد الايجابيات وتغفل السلبيات وإن وجدت فإن الطفل يحمل مسؤوليتها.
    هل يكفي أن نقول للطفل اقرأ وارسم ولون، وهي مفاهيم لم تخرج من صيغة الأمر والتلقين، ناهيك ببعض المجلات المغرقة في محليتها بدلاً من تنمية مشاعر الانتماء وتعريفهم بمنجزات الأقطار العربية الأخرى، بعد أن كنا قد سمعنا كثيراً عن ضرورة التنسيق والتعاون بين مختلف الدول العربية لتحقيق مشروع قومي عربي يتبنى فكرة إعداد عدد من مجلات الأطفال ذات الطابع القومي لمختلف الأعمار ما قد يساهم في تنمية الوجدان العربي والشعور القومي، وهنا لا بد من الإشارة إلى الرأي القائل: إن تدهور مستوى الثقافة بشكل عام انعكس على ثقافة الطفل بوجه خاص، وإن أزمة القراءة عربياً هي إحدى المشكلات التي يجب تداركها من خلال ترسيخ عادة القراءة منذ الصغر فلا تبقى مجرد وظيفة يناط بها النجاح وإنما ضرورة تضعها في رأس قائمة الاهتمامات وتمهد لها الكتب والمجلات والإعلام التي تواكب التنوع والتعدد وتباين الأعمار.
    وحتى لا يقال: إننا نغرق في السواد، على المنهج نفسه الذي نسلكه في الإطلاق والتعميم وتفخيم الايجابيات نؤكد على الدور المهم لبعض المؤسسات العربية، والأدباء والرسامين الذين أسسوا لثقافة الأطفال بعيداً عن الوقوع في فخ التجارة والتعامل مع مواهب الصغار –بحسب إمكاناتهم- بكل مسؤولية، وحضر التراث على أيدي بعضهم بقيمته وغناه رافداً للمكتبة العربية بما تقوم عليه من احترام لوعي الطفل وتقدير حسه الجمالي ورغبته في الاستكشاف والتعلم، ونزوعه إلى الحرية، وإشراكه في المساهمة من خلال إتاحة الفرصة له في الرأي والتعبير، ورفض ما لا يريد، من خلال حضور ايجابي يهيئ الطفل لدخول الواقع وترسيخ المفاهيم التي تقوم على التسامح من غير تفريط في الحقوق، وقبول الآخر من غير هيمنة وإن أسرار الإنسانية تكمن في التنوع والتعدد، والقبول كما الاختلاف، الأمر الذي يغني التجربة الثقافية المحلية والإنسانية ما يعزز نصرة الحقوق والديمقراطية.
    مدعاة الحديث عن الأطفال وكتبهم ومجلاتهم هو أن التحديات قائمة، والاشتباكات وقعت، والحالة الكارثية التي نعيشها اليوم، بكل آلامها وأحزانها، تستنطق أسئلة الصغار، وتثير خوفهم وتسهل تبعيتهم ولا بد من الإنقاذ السريع بالحث على المزيد من متطلبات الأطفال وإغرائهم بالقراءة وتزويدهم بكل ما هو مفيد ونافع لتنشئتهم مشاركين وفاعلين في محيطهم وفي كل مكان يوجدون فيه من خلال إطلاق العنان لخيالهم وتجاربهم وتدريبهم المستمر في عالم متغير متطور يتطلب المواكبة والفاعلية من خلال المثابرة والسعي لتحقيق الدقة والمبادرة والمشاركة والتعاون وهذا يتطلب توفير الراحة والأمان والرعاية وإفساح المجال للفرح والتسلية والتواصل مع الآخرين بالعطاء والمحبة.
    الحديث عن الطفل وما يقدم ذو شجون يحتاج إلى البحوث والدراسات وزيادة الاهتمام بكل ما يتعلق بوجوده، فالطفل الذي يقضي ثماني ساعات في المدرسة، ويقدم الامتحان في أكثر من (15) مادة... كيف له أن يقرأ ويشعر بالرغبة في المطالعة بعد أداء فروضه وواجباته ومن سؤال إلى سؤال، لماذا لا تجد مجلات الأطفال مساندة من الحكومات العربية على غرار صحف الكبار ومجلاتهم التي تجعل مهمتها الدفاع عن أوضاع البلاد وتتملق الأنظمة القائمة وتمجد الإيجابيات وتغفل السلبيات؟
    الأمل معقود على التركيز في تطوير المناهج وأساليب الثقافة والتعلم من خلال الاستثمار البشري على نحو واع وراق للخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها الكبار والصغار والتي نرجو أن تشكل عبوراً إلى مجتمع جديد يواكب العصر ومتطلباته، وبداية نظام حياة قوامها قيمة الفرد وإنتاجه وكفاءاته وليس أي انتماء آخر، وإفساح المجال للمبادرة والتقدم الذي تسانده القراءة وإصدار الكتب والمجلات واستهلاك الورق ومستلزمات الطباعة التي تعد مؤشراً مهماً لسبر الوعي والانطلاقة المعقولة.
    إن حب الاطلاع والتعلم فطرة لابد من أن تتم رعايتها بالفائدة والمتعة وهذا ما أذكته بعض كتب الأطفال ومجلاتهم العربية التي أضافت إلى المكتبة العربية سنداً لمرحلة قادمة.. وهي بحاجة اليوم إلى تجديد وإلى المزيد.. يرافقها الحسن والتقويم.
    ويبقى التساؤل برسم الجهات المعنية:
    هل نكون أوصياء على الطفل أم أصدقاءه وأساتذته؟ وكيف نقدم له المنظومة التربوية والثقافية الإنسانية التي تتيح له فرص النمو المعرفي والتواصل المستدام مع محيطه والعالم؟.
يعمل...
X