إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق (فصل فكرة اللون جزء4

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق (فصل فكرة اللون جزء4

    رجع الى جلسته، استحضر أعزّته، كانت أمه تبتسم والمغزل بيدها على آخره. سمع طقطقة صفائح النفط، ابتسامة "علية" الأخيرة، نظرة طفلتها الجميلة. صديقة تعرف عليها أول مجيئه الى لندن، بعد فترة اكتشف أنها تتجسس عليه، وكانت تعامله كامرأة مثلها، لم تكن تحب الرجال، أسرّت اليه:
    - أنها تعرفت على غانية مغربية تعمل سكرتيرة لدى ثري إنجليزي، بعد أن أغوته وتزوجته، كما ذكرت له علاقتها بامرأة ذات ثراء وزوجها الثري، كلاهما في الإمارات. ولمعرفته الجيدة بالناس وتجاربه الحياتية استنتج من أحاديثها أنها لا تصادق إلا من تجد لديهم ما تحتاجه وتصبو اليه، لا يهم إن كانت غانية سيئة السمعة ، من اجل حاجتها تترك أولادها وتبيت في بيتها ثلاث ليالٍ، المهم كم تستفيد من علاقتها بها. ومن تلك النظرة المصلحية وطـّدت علاقتها بالخليجية، التي بحكم الطيبة المعهودة في بلادها شربت المقلب.
    استحضر من يحب ومن لا يحب، تنفست مسام جلده إثر ابتسامة تلتها ضحكة عالية، إذ طرأت عليه فكرة ذات يوم للتنزّه في شارع (هاي ستريت كنزكتن) استقل الحافلة (72) ثم أخذها مشياً ممشطاً الشارع ومحلاته وفنادقه ومقاهيه، الشقق الفاخرة، محلات البضائع النسائية والرجالية، مكاتب العقارات. شم رائحة بخور هندي ، استدرجته الرائحة ودخل المحل ذا الطابع الشرقي، الديكور الهندى بألوانه الزاهية بين الأحمر الناري والأزرق الفاتح، بضائع حريرية، ملابس نسائية وحلي، حقائب حريمية يدوية.
    دخل فاتــــحاً منخاريه على آخرهما، لم يقصــــد التبضع أو التجــــوال في الشوارع، بل رغب في رؤية وجوه النساء لعلـّه يجد من يتمنى رسمها. ابتسم له صاحب المحل، ردّ على ابتسامته، لحقه البائع الشاب عارضاً عليه خدماته. شكره، ثم ردّ على سؤال طرحه البائع حول مسقط رأسه :
    I am from Iraq)- )
    ـ ( أوه.. صدام.. You are from Saddam)
    هزّ رأسه مؤكداً :
    - لكن كما لديكم (غاندى)؛ لدينا......(مبتسما)، مع الفارق طبعاً. وبما أن في بلادكم حكمت امرأة مثل (أنديرا غاندى )منذ زمن، نحن جاءنا الفرج، لقد رفعت نزيهة الدليمي ورفيقاتها صوت المرأة عالياً. وطبعاً مع فارق الزمن.
    - اسمح لي ، أظنك فخوراً (بطاغور) ، ونحن فخورون بالسيف الذي تغني به المتنبي. أنتم تعودتم لغة السلام ونحن بلغة السيف نتمنطق، تفننتم بالتجارة والزراعة والعلم والفن وكل ما يحتاجه الإنسان، ونحن قمنا بطمر الإنسان ووسعنا قبره.
    وضع يده على وليد: ( Don't bepes simistic)
    ـ (أوه.. (I will I will. (مستهزئاً).
    ثم خرج مودعاً، كأنه يبحث عن شيء فقده .
    استوقفه محل للوشم.. طوابير الفتيات المراهقات، النساء والرجال. دفعه حب الاستطلاع الى الدخول،غرفة ذات أربع كنبات حُشرت عليها أجساد الفتيات المنتظرات دورهن، صور معلقة على الحائط بكل الرسومات الصغيرة والكبيرة مستعرضة الأشكال والمواقع الموشومة، على السرّة والأفخاذ والأوراك والأثداء.
    شاهد صورة امرأة تفتح ساقيها كأنها بصورة جماع وصورة صليب موشوم على جبهة عورتها، بينما صورتان لرجلين أحدهما جالس على ركبتيه الموشومتين والرسومات تملأ فخذية وعلى قضيبه المنتصب رُسمت حلقات دائرية وكأنه أدخل قضيبه من خلال سلك متعرج، بينما وقف الثاني منتصب القامة كأن القضيب الموشوم يقول ها أنذا برجولتي المزخرفة.
    مدّ يده الى بنطاله يتحسس شيئاً فقده منذ زمن، وفكر؛ ماذا لو حجزت لي موعداً مع الوشّام، لربما نغز الإبر يوقظ المقتول بين فخذي، هزّ يده مستنكراً، وخرج*
    شعر بحرارة الكرسي تحته، كان الوقت يُغرقه بالذكريات، وكانت الساعات الثلاث التي قضاها على جلسة واحدة قد تركت النمنمة والخدر يدبّان في قدميه حتى لم يعد قادراً على تحريكهما. فركهما بيده، شعر بوخزة قوية في رجله اليمنى، فركها أكثر، دعك ساقه اليسري وقدمها، اعترف بالخطأ الجسيم أمامها:
    - ((من حقك أن تخدري، أكو مجنون يجلس ثلاث ساعات مرة واحدة؟ أي وين كنت يا ابن الكلب أكو واحد يسوّي عملتك هذه؟ إي ما جعت؟ ما عطشت؟ ما انحصرت؟ إي انت شنو؟))
    - أدري بأنك كنت ترسم صورة في خيالك، تستحضر كل الوجوه في (هاي ستريت كنزكتن)، تتفحصها وجهاً وجهاً، ثم ما الذي استفدته من اجترار أشعار عبد الحق؟
    حتى التليفون كان مصـــراً على الصمــت، كان متواطئاً مع ساعاته. نهض متعباً، لم يكن راغباً بفتح التلفاز، ولم يستحضر امرأة بباله. وقف أمام المرآة في مدخل الشقة، تفحص عينيه المحمرّتين، ثم أشار بإصبعه: نعم، مازلت تشبه وليداً الذي عرفته. وليد بائع النفط، وليد الرسام، وليد الذي لم يساوم.. انتبه فجأة.. ووليد النصف، وتريد أن تهواك امرأة؟
    - النساء تحب الرجل الكامل، المرأة أيها النصف تحب أن يمسك ثدييها بكلتا يديه، يطبقهما ويتفحص الجسد، يتنقل من نقطة الى نقطة،يرتجف عشقا ورغبة فأين يداك؟
    ثم أنت فاقد لحاسة الشم، تشم ماذا؟ ها. كيف تتغزل بعطرها؟ وعضوك المخذول ماذا تفعل به؟ هل تتذكر أول ( قحبة) جئت بها من (البيكاديللي)الى هنا؟
    هل نسيت ما قالته لك؟ أنا أذكّرك، قالت لك؛ لا جيب ولا رجولة أحضرتني هنا لتمصّ ثديي، طيّب هات نصف أجرة إذاً؛ ودفعت لها أجرة كاملة لتغطى عيبك.
    ماذا لو كانت "علية" الآن أمامك، وأنت لا جيوب ممتلئة ولا سيارة فارهة ولا رجولة؟ مجرد زبالة تتصورها وليداً، (تف عليك..)
    بصق وراح يتابع بصقته كيف تنزلق على سطح المرآة، حتى وصلت الى النصف؛ نعم:
    -استقرّي هنا. (وينك يا علاّوي تشوف صاحبك، حتى التفلة عرفت وين تستقر)

    ***

















    علاوي أحد أصدقائه الذين استقروا في الإمارات منذ السبعينات، وأصبح تاجراً الآن وذا نفوذ في البلد. كاد أن يُغمى عليه فرحاً حين شاهده ذات يوم
    صدفة، وهو يتجول في محلات (ماركس أند سبنسر)؛ في شارع أوكسفورد).
    ـ علاّوي.. ماذا تفعل هنا؟ متى وصلت؟ ما هي أحوالك؟ هل أنت وحدك أم مع نسوان؟
    ـ وليد.. يا للصدفة الجميلة، وأنت ماذا تفعل هنا؟
    ـ جئت لأبحث عن امرأة أرسمها، وأنت؟. للتبضع أكيد.
    خرجــا معاً، كانــت سيارة بسائقها في خدمته، أشار للسائق بالانطلاق والتوجــه الى مطعــم (مســـقوف ) .
    بعد تذوق أطيب الأكلات وألذها قررا أن يلتقيا ليلاً في دار مراكش، هناك ألذ المأكولات المغربية والشيشة. هل تعرف المكان جيداً يا وليد؟ في (Trocadero Center, Piccadilly). ودعه وليد مؤكداً على الذهاب الى هناك لانتظاره في التاسعة مساء.
    معدته لم تألف مثل هذا الأكل، فثارت عليه مترجمة رفضها بآلام حادة، صاحبها قيء وصداع. فقرر عدم الذهاب حسب الموعد قائلاً:
    -هذا أحسن، ألم معدتي لم يكن من التخمة بل من فراغ الجيب.
    المفروض أنا من يضيّف علاّوي، هو الزائر وأنا ابن البلد. ثم إذا ذهبت هناك هل أتركه يدفع عني، وأنا لا أملك سعر علبتين من البيرة ؟ ياالله، هذا أفضل. شكراً لك أيها المغص المنقذ، خلصتني من ورطة كبيرة،من الدفع ومن سيل لعابي على النساء وعلي حديثي عنهن:
    -الصدر بضّ، الشعر ناعم، المؤخرة مدوّرة، تفعل لك ما ترغب به، هي في خدمتك، بينما زوجتي.. ثم يصمت علاوي.
    التقط قطعة لحم بالشوكة وقبل ان يضعها بفمه يبرر لي سبب خيانته لزوجته:
    صحيح أنا أحبها بجنون، لكنها أكلة واحدة، يا أخي ملــّيت كل يوم بامية، بامية.. إي هم يشتهي الواحد اللحم الروسي الذي غزا شوارع الإمارات ودوائرها ومحلاتها؛ ثم أنا مللت من اللحم الفلبيني.
    ( حين كانا في المطعم ، كان يضع قطعة من لحم الكباب في صحن وليد ويقول له) :
    - كُل يا وليد، كل. هذا لحم إنجليزي.. ويغمز له، أكيد ذقت اللحم الإنجليزي؟
    تمدّد وليد على فراشه، وراح يقرأ رسالة عبد الحق التي وصلت صباحا، قرأها أربع مرات، ثم الخامسة، استفزه شعر عبد الحق، تخيل صورة ما، ودخل المرسم، يستعيد الكلمات ثم يرسمها. يتناول الألوان، ويضع حرفاً على شكل قوس، وتمرّ الساعات.. يقف يتطلع ، يرسم، يشعل سيجارة ، يشرب قليلاً من البيرة، يضعها أرضاً ويواصل .
    أذهله سحر اللوحة، إنها كيان وليست ألواناً فقط، لا بل قصيدة، لغة بالألوان. يحدث لوحته، يقف وهو يسند ظهره الى الحائط : وينك يا عبد الحق، وينك تجي وتشوف بيت الشعر الذي قلت فيه:
    خضّبتُ المستباحَ
    حمّلتُه ميعادكَ وانفلقتُ.
    - ها هي انفلقت..
    كل المستباح، من رجولتنا الى أرضنا. ثورة ألوان.
    أحمر، أخضر، أصفر، أزرق؛ سأسمّيها المستباح؛ ولن أعرضها في أي معرض، هي لي.. يجب أن أعلّقها على هذا الحائط. لا، في غرفة نومي، لا.. هي لك يا عبد الحق، هدية لك.
    وراح وليد يدير قرص التلفون، بعد ثلاثة أرقام تطلـّع الى ساعته، وجد أن الوقت غير ملائم، فقرر الاتصال بعبد الحق غداً.
    لم يلتقِ بعبد الحق في سوريا، لكنه التقى به في كلية الآداب في بغداد، وتصادقا بعد أن التقت أفكارهما وآلامهما. كان يلحظ ألماً دفيناً في عيني عبد الحق، وبعد توطد الصداقة حكي له كل شيء، وصارا لا يفترقان. لكن فرّقهما السجن، من وقتها لم يسمع عنه أي شيء، إلا مفاجأة عبد الحق له عبر الهاتف في لندن.

    ***

    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X