إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق

    فصل
    غصن تدلـّى من إطار

    ما تكون الذاتُ التي تحيا في آنٍ ضحيةً وجلاّداً؟؛

    (ادونيس)


















    تلمّستْ خاتمها، أطبقت يداً على يد، تجوّلت عيناها في كل رجاء المعرض، تقادحت يداها كشعلة أوقِدت للتو، حرارة الكفين لم تجد الباب يُفتح على مصراعيه، شارحاً مفسراً ولو باختصار عن سبب تسمية إحدى اللوحات انبهروا بدمعة حائرة في عينيّ المرأة، استوقفه أحد المعجبين: إنها اكتمال النضج.
    - اسمحلي أطرح عليك بعض الأسئلة إن أمكن .
    وليد: بكل سرور.
    - أسئلـــتي عن ســر الدمعة، أهي دمعة فرح أم حزن، لقاء أم وداع؟ أم مدينة لم تجد من يكتشفها؟
    كلمات الرجل أعطت لروح وليد جناحين حلاّ وثاق قلبه المرتبك في لحظة عصيبة حرجة، ها هي حواء تحتلّ الصدارة، بهذا الحماس يقف متفرجاً أحياناً ومبتسماً ابتسامة المتفائل، ريشته ما عادت تسخر منه، قدرته في استيعاب اللمسة الأخيرة التي رسمتها بفطرتها سمراء اللوحة، رعشة النظرة المتوسلة بحبيب يجهل أضاميم باقات العشق، قولها له تعال وعش معي في كوني وهواي ، كل هذا يعني أن ريشته موج أناشيد من غزل ٍ ، ترجمت صمتاً تعرّق في ملامح امرأة ذات جمال خاص، إنه صمت رباني يتهدّج داخل الروح.
    نظرتها المحدّقة إلى المجهول كما لو أنها مغروسة بنار، خطـّت كحلتها ريشةٌ صدّاحة على مسرح التكوين، حين يرى معجباً بمحبوبته الشقراء ، يرشفه لهب الجســـــد، هاجـــــس الفوز يزيده توهّجاً، يزوّق تفاصيله شارحاً حالات انفعالاته ومعاناته ساعة متعة جنونية. جنون بلا حدود يملؤه بكلمة إطراء لصورة الشقراء.
    لوحة البحر تدفأت بزرقتها، أطبق الموج أجفانه وصفا في هدأته.. حين قال (غارسيا لوركا) مرة : (حتى البحر يموت)؛ لم يعرف أن وليداً أعطى جناحاً لكل رملة، وجعلها تحلـّق حول روح البحر كي لا يموت. هي أيضاً توقفت طويلاً عند اللون الأحمر، وميّزت بين اللون الذي شربه القماش واللون الذي امتزج البارحة، امرأة في نهاية الأربعين، شعر متوسط الطول، قامة بين الطول والامتلاء، ترتدي ملابس محتشمة، تحمل بيدها حقيبة رمادية، تستخرج منها قلماً ودفتراً صغيراً تدوّن عليه ملاحظاتها بين الفينة والأخرى.
    تخطو متباطئة، تصفو نظراتها، ثم تشوبها لحظة غموض، تنصت لمجادلات الزائرين .
    ـ هذا الفنان لم يقلّد الطبيعة كما هي، بل جنّد الطبيعة كلها لمنطقه، ليصرخ من خلال الطبيعة ذاتها ولتسبق الزمن صرخته المدوّية، في حركة البحر من تلك الزاوية يصوّر انفعالاته، يجوز لنا تسمية لوحة البحر هذه لوحة رواسب أعماقه، أعماق الأستاذ وليد.
    احتفظت برأيها الخاص، ولم تنخرط في الكلام معهما، كانت ترى ذات الرداء الأحمر كغصن تأرجح من إطار.
    تجمَّع بعض الأصدقاء حول وليد، استجابوا لدعوته بعد طول غياب واحتجاب عن الأنظار، صديــــــق قديم قبّله على جبينه، عانقه بقوة وحرارة،
    تنافست ثلاث نساء على عزلة نجمة في سماء لوحة (الوجوه الأربعة). قالت إحداهنّ :
    - إنها تمثل حالة الفنان، سمعت أنه منزوٍ لا يخالط أحداً حتى أقرب أصدقائه إليه.
    ردت عليها الأخرى :
    - عندما نعجز عن مواجهة الحقائق ننزوي مختبئين وراء لوحة أو قصيدة أو موقف بشجاعة كاذبة. ليس للفنان حق التقوقع على نفسه أو يجلس في غرفته يعدّ على أصابعه سنين عمره، الفنان مَن تعايش وأعطى.
    سمعهنّ عن بُعد، وابتسم في وجه السيدة بعد أن تبسّمت بدورها. رفع يده بالتحية المعهودة لديه، إذ يهزّ كفـّه ثلاث مرات متتالية معبّراً عن ودّه.
    عاشقان يحتضنان بعضهما أثارا إنتباه الجميع، شاب إنجليزي وفتاة عربية، التفّ ساعده حول خصرها مداعباً وسطها، تمادت يده وامتدّت إلى مفرق الورك. ألصقت ظهرها ببطنه وصدره، وتابعا خطوهما الجذل بين تجمهر المعجبين وعدسات المصوّرين.
    موعد للشوق ومساحة للروح، لقاءات خارج البيت، خارج الترقّب. إلتصاق جسدها بجسده أثار فضول العرب، خاصةً من لهم علاقة بأبيها. امتدّت يد الشاب داخل التنورة القصيرة، دنت من صورة ذات الرداء الأحمر، ارتجّ صدرها في قميص فضح الحلمتين. رقبتها السمراء امتدّت كجسر، فرّقت بين أصابعها المطليّة بصبغ لامع ومسّدت شعر الصورة.
    شاركهما وليد نظرات الإعجاب، كان يبدو أحياناً على بلاهــــة وذهول وكأنه يقول: من أين جاء كل هؤلاء؟
    عيناه تشوبهما لمعتان رماديتان، الإنهاك الشديد خطف بريقهما، بشرته مالت إلى الصفرة، فنان مهجور، غائر في جدب أيامه، ليس في حصيلته غير أيام طفولته العالقة بمخزون الذاكرة، إلى قربها نافذة معطـّلة بانتمائها الحزبي. الكلمات تحتاج اختراعاً وإعادة نظر في القواميس لتعيد إليه ما سُرق منه وما فاته من وقت.
    العمرلا يُعدّ بالسنوات، بل باللحظات الفاعلة.


    ***








    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X