إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الحاء )) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الحاء )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الحاء ))
    - دراسة (( حسن عباس ))
    2- حرف الحاء:

    في كيفية التلفظ بصوته:

    حرف الحاء مهموس رخو، يحدث صوته باندفاع النّفَس بشيء من الشدة مع تضيِّقٍ قليل مرافق في مخرجه الحلْقي، فيحتك النفَس بأنسجة الحلْق الرقيقة، ويحدث صوتُ هو أشبه مايكون بالحفيف.
    وهكذا.. شذّ صوت هذا الحرف عن الحروف الحلْقية جميعاً، بأن تحولت اهتزازاته الصوتية الواهية المضمرة إلى حفيف وصحل. وإخراج صوت الحاء من على صفحات الأنسجة الحلْقية دون اهتزاز أو اضطراب، يتطلب مهارة عفوية فائقة في التحكم بخلايا هذه الأنسجة الحساسة لمنع النفَس من الاهتزاز والاضطراب لحظة احتكاكه بها، فيخرج مع هذا التحكُّم الدقيق بما يشبه الحفيف. ولذلك يستحيل على غير السامي العربي أن يلفظ صوت الحاء لفظاً معافى. فهو إما أن يلفظه مشوباً بهاء مخففة، وإمّا بهمزة مفخمة، أو خاء صريحة. ولهذا السبب من الصعوبة الفائقة في النطق بصوته، لم تستطع الشعوب الأوروبية أن تأخذه عن الأبجدية الفينيقية خلال الألف الثانية قبل الميلاد. كما أن الشعوب الإسلامية الشرقية لا تزال تلفظه في تلاوة القرآن الكريم مفخماً مجعجعاً به قليلاً، وكأنه يخرج من جوف الفم لا من جوف الحلْق.
    في إيحاءاته ومعانيه:

    يقول العلايلي عنه: إنه (للتماسك، وبالأخصِّ في الخفيات، ويدل على المائية).
    وهذا التعريف المبهم الذي استخلصه العلايلي من (النصوص المحفوظة)، أي من معاني الألفاظ التي يدخل في تراكيبها، يشير إلى عدم التزام العربي بالخصائص الصوتية لهذا الحرف بمعرض استخدامه في التعبير عن حاجاته ومعانيه، فغابت عن العلايلي خصائصه الفعلية.
    ولكن ماهي المعاني التي يمكن استخلاصها من صدى صوت الحاء في النّفْس (بتسكين الفاء)، وفقاً للنهج الذي اعتُمد في هذه الدراسة؟..
    إذا لفظ صوت الحاء مشدداً مفخماً عالي النبرة، أوحى صوته بالحرارة، وبأصوات فيها شيء من الحدّة، وبمشاعر إنسانية لا تخلو من الحدّة والانفعال.
    أما إذا لفظ صوته كما نلفظه اليوم بحناجر حضارية رخوة مرققاً مرخَّماً، أوحى لنا بملمس حريري ناعم دافئ، وبطعم بين الحلاوة والحموضة، وبرائحة ذكية ناعمة، يطوف السمع فيه على مثال مايطوف النظر في سفح معشب خَضِر تتلاعب بأزاهيره نسيمات الربيع. وهو بحفيف النَفَس أثناء خروج صوته من أعماق الحلْق، يرفد اللسان العربي بأعذب أصوات الدنيا قاطبة، وأوحاها بمشاعر الحب والحنين.
    وهكذا كان الصوت الغِنائي الذي يتصف بخصائص صوت الحاء هو أغنى الأصوات عاطفة وأكثرها حرارة، وأقدرها على التعبير عن خلجات القلب ورعشاته. ليتحول مثل هذا الصوت مع البحّة الحائية في طبقاته العليا، إلى ذوب من الأحاسيس وعُصارة من عواطف الحب والحنين والأشواق (أم كلثوم في الطبقات العليا من صوتها ونجاح سلام في شبابها).
    وماكان أجدر بالإنسان العربي أن يجعل من الحاء واحة عاطفية ظليلة لهذه المعاني من الرقة والشفافية والعذوبة وحكايات الحب والغزل. وذلك بمقابل ماجعل من جاره حرف الخاء سلة للنفايات، من معاني القذارة والبشاعة والعيوب الجسدية والعقلية والنفسية.
    فهل فعل الإنسان العربي ذلك؟
    إيضاح لابد منه:

    يلاحظ في المصادر التي تبدأ بحرف الحاء أن ثمة للواحد منها معاني مختلفة تتعدد بحسب استعمالاته، لتتشتت بذلك معاني مشتقاته إلى أغراض قد تبلغ العشرات. ولذلك كثيراً ماتنعدم الرابطة الحسية أو المعنوية، سواء بين معاني المصدر الواحد أم بين معاني مشتقاته. وهذا يجعل مسألة اختيار المصدر الجذر والمعنى الأصل في غاية الصعوبة والمخاطرة.
    فمن مصدر حفَّ الشيء حفيفاً بمعنى (سُمع له صوت كالذي يكون من جَناحي طائر، أو تلهب النار، أو مرور الريح في الشجر)، نجد له ولمشتقاته تسعة وأربعين معنى واستعمالاً. منها: حفَّتِ الأرض حفوفاً (يبس بقلها)، حفّ عيشه (كان ضيِّقاً خشناً). حفّ بطنه (يبس من عدم أكل الدسم واللحم). حفّ شعره أو رأسه (شعُث من عدم الادِّهان). حفّ الشيء حفّاً وحَفافاً (استدار حوله وأحدق به). حفّ فلاناً (اعتنى به ومدحه). حفّ الشيءَ (قشره). حفّت المرأة وجهها (أزالت ماعليه من الشعر). حَفَّتْهُ الحاجة (أصابته). أحفّ الثوب (نسجه، وفلاناً ذكره بالقبيح). احتفّ النبات (جزّه). حِفاف الشيء (مااستدار حوله وأحدق به). جاء على حِفاف ذلك (في حينه وإبّانه). الحَفاف (ماتساقط من الشعر المحفوف وبقية العانة)، هو حَفٌّ بنفسه (معنيٌّ بها). الحَفف (الحاجة وضيق العيش)، الحَفّاف (اللحم اللين الذي في أسفل الحنك إلى اللهاة). الحَفاف (صغار الحيوان، والخدم)، الحَفَّة بفتح الحاء (آلة النسج). الحِفّة (قبضة كالسيف يضرب بها الحائك). المحَفّة (هودج لا قُبَّة، له تُحمل فيه المرأة).........الخ.
    وهنا نلاحظ أن ثمة أكثر من مصدر وأكثر من معنى تزاحم على زعامة هذه الأسرة من المشتقات والمعاني. ولقد كان المصدر الذي وقع الخيار على معناه، أقلها أشقاء وأبناء عم وأخوالاً وأصهاراً، وذلك لأن الصورة الصوتية للفظة (حفّ) من صوتي حفيف الحاء وحفيف الفاء هي أشد ماتكون محاكاة لصوت مرور الريح في الشجر.
    وواضح أنه كان بالإمكان اختيار المعاني التالية:
    حفّ الشيء حفوفاً (يبس). وحف الشيء حفاً وحفافاً، بمعنى (استدار حوله وأحدق به). أو بمعنى (قشره).
    أسوق هذا المثال بشيء من التفصيل لأمرين اثنين:
    آ- لإعطاء القارئ فكرة واقعية عما لاقيته من العناء في اختيار المصادر والمعاني من بين عشرات ألوف المصادر والمشتقات والمعاني، بمعرض التقصي عن خصائص أصوات الحروف ومعانيها.
    ب- للاعتذار عن أي خطأ أو سهو قد وقعت فيه بمعرض اختيار المصدر أو المعنى في الأمثلة المضروبة، ولحمل القارئ في الوقت ذاته على أن ينعم النظر جيداً في كل خلاف قد يقع بيننا بصدد أي مصدر، أو معنى قد اخترته، قبل أن يطلق بشأنه أحكام الإدانة: (وفوق كل ذي علم عليم).
    حول خصائص حرف الحاء ومعانيه:

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط، عثرت على ثلاثمئة وثمانية مصادر تبدأ بحرف الحاء. كان منها اثنان وعشرون مصدراً تدل معانيها على مشاعر (إنسانية) أصيلة تؤهله للانتماء بجدارة إلى زمرة الحروف الشعورية. منها مايتوافق مع صوت الحاء مرققاً منعماً مرخماً، ومنها مايتوافق مع صوته مشدداً مضغوطاً على مخرجه. هي:
    الحُبّ . حبره (سرّه ونعّمه). حجأ به (تمسك به وفرح). حذِره (خافه واحترز منه). حرِب، (اشتد غضبه). حرِد (غضِب). حزِنه الأمر (غمّه). الحسد. الحسرة (الغيظ، العداوة). حسِف عليه، (حقِد). الحساكه (الحقد والعداوة). حشِم (خجل وغضب). أحشبه (أغضبه). الحقد. حلط (غضب). حمِر فلان (تمزّق غضباً وغيظاً). حمس فلاناً حمساً (أغضبه). حمِس فلان حماسة (شجع). الحنين (الشوق). حنِق (اشتد غيظه). حاش حيشاً (فزع).
    وكان منها أحد عشر مصدراً تدل معانيها على أصوات يتوافق معظمها مع صوت الحاء مرقَّقاً منعَّماً مصحوباً ببُحة: هي:
    حأحأ بالحمار (صوَّت لحثه على السير). حبص الوتر (انطلق بشدّة فصوَّت). الحجيف (صوت يخرج من الجوف). حشرج (ردَّد نفسَه في حلْقه). حفْ حَفْ (اسم صوت يُزجر به الدجاج. حفّ الشيء حفيفاً (سُمع له صوت كمرور الريح في الشجر). حمحم الفرس (صوَّت صوتاً دون العالي). حنّ حنيناً (صوّت). الحوشكه (غوغاء حول الدار). حيجم الرجل (تكلم همساً). الحُداء (غناء للإبل).
    وكان منها أحد عشر مصدراً تدل معانيها على الحرارة، بما يتوافق مع صوت الحاء مشدداً مضغوطاً عليه. هي:
    حدمه (أحماه بالنار أو الشمس إحماءً شديداً، لاجتماع الحاء مع الميم للحرارة، والدال للشدّة). حرّ الماءُ (سخُن، لاجتماع الحاء والراء). الحريق. حشأ النار (أوقدها). حضأت النار (التهبت واستعرت). حضب النار (ألقى عليها الحطب لتتقد). حمت الشمس (اشتدّ حرّها). حنذ الحرّ (اشتد، ومنه حَناذِ اسم للشمس). حضا النار حضوا (حضأها).
    وكان منها ثلاثة وعشرون مصدراً تدل معانيها على الرقة والكياسة والجمال بما يتوافق مع صوت الحاء مرققاً مرخماً. منها:
    حبحب الماء (جرى قليلاً قليلاً). الحدج (الهودج للنساء). الحرّية. الحُسن. الحِشمة. الحلال. الحِلم. الحِليّ. حنط الزرع (نضج). حنت المرأة على ولدها حنّوا (عطفت وأشفقت فلم تتزوج بعد أبيهم). حنأ المكان (اخضرّ والتفّ نبته). حمده (أثنى عليه). حَوِرَتِ العين (اشتد بياضها وسوادها واستدارت حدقتها ورقت جفونها وابيض ماحواليها). الحياة.
    وهكذا تبلغ نسبة المصادر التي تأثرت معانيها بخصائص صوت الحاء، مرخماً وغير مرخم (22%) فقط، وما أقلها.
يعمل...
X