إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحاسة البصرية وحروفها (( الباء والجيم )) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحاسة البصرية وحروفها (( الباء والجيم )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحاسة البصرية وحروفها (( الباء والجيم ))
    - دراسة (( حسن عباس ))
    5- حرف الباء:

    مجهور شديد. يشبه شكله في السريانية صورة البيت. يقول عنه العلايلي: إنه (لبلوغ المعنى، وللقوام الصلب بالتفعل). ويقول عنه الأرسوزي: إنه (يوحي بالانبثاق والظهور). تعريف الأرسوزي أدق ولكنه قاصر.
    وعلى الرغم من بساطة صوت هذا الحرف، فهو متعدد الوظائف والخصائص الصوتية . بعضها إيمائي تمثيليّ ، وبعضها الآخر إيحائي.
    فإذا لفظ هذا الحرف منفرداً ممدود الصوت (با) كما كان يلفظ في مرحلة أصوات الحروف ، لم نجد ما هو أصلح منه لتمثيل الأشياء والأحداث التي تنطوي معانيها على الاتساع والضخامة والارتفاع ، بما يحاكي واقعه انفتاح الفم على مداه عند خروج صوته من بين الشفتين (باب)، وظيفة تمثيلية.
    وإذا لفظ في مقدمة اللفظة دونما مدّ فبحكم خروج صوته من انفراج الشفتين بعد انطباقهما على بعضها بعضا، هو أصلح ما يكون لتمثيل الأحداث التي تنطوي معانيها على الانبثاق والظهور والسيلان، بما يحاكي واقعة انبثاق صوته من بين الشفتين إيماءً وتمثيلاً، وليس من الصميم كالنون إيحاء.
    ولكن بحكم انفجاره الصوتي بانفراج الشفتين سريعاً بعد ضمَّة شديدة، فهو أوحى ما يكون بمعاني البعج والحفر ، والقطع والشق، والتحطيم والتبديد، والمفاجأة والشِّدة، وذلك (حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث)، وظيفة إيحائية.
    فما نصيب هذه الخصائص الصوتية غابيّها وزارعيّها ورعويّها في معاني المصادر التي تبدأ بحرف الباء؟ . فقد تعود أصول نشأته إلى الغابية أو الزراعية ولكنه لم يستوف مقومات شخصيته إلاّ في المرحلة الرعوية.
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط، عثرت على مئتين واثنين وتسعين مصدراً جذراً تبدأ بالباء. كان منها تسعة وثلاثون مصدراً تدل معانيها على الاتساع والامتلاء والعلو ماديّاً ومعنويا، بما يحاكي انفتاح الفم على مداه عند خروج صوت الباء منفردا ممدودا. منها:
    البأج (الغلام السمين). البجباج (السمين الغليظ). الببُّ (الغلام السمين). بجل (ضخم جسمه وعظم). بخدج في مشيه (فرشخ رجليه وباعد بينهما). برطم (انتفخ غيظاً وأدلى شفتيه). بلخ( تكبر وجرؤ على الفجور). بدن (سمن وضخم). بذخ الجبل (علا فبان) برج (ارتفع) . بسط الشيء (نشره). بسق (تم ارتفاعه) بشم من الطعام (أتخم).بضَّ البدن (امتلأ ونضُر). باك البعير (سمن) . تبلخص (غلظ وكثر لحمه).
    وكان منها سبعة وأربعون مصدراً تدل معانيها على الانبثاق والظهور والانفراج، بما يحاكي خروج صوت الباء من بين الشفتين بعد انطباق وانفراج . منها :
    بجس الماء (انفجر). بدا . بدر. بدح بالسر (باح به). برز (ظهر بعد خفاء). برق (بدا) . بسر (أظهر العبوس) بسم انفرجت شفتاه عن ثناياه). بصر. بصق . بصّ (لمع وتلألأ). بصع الماء (رشح) بعّ الماء (صبّه في سعة) بزغ النجم (ظهر)، بزق (بصق) .بزل الناب (طلع). بغشت السماء ( أمطرت). بقل الشيء (ظهر). بلج الصبح (أسفر). بلق الباب (فتحه كلَّه). باح (ظهر).
    وكان منها ثلاثة وخمسون مصدرا تتوزع معانيها بين الحفر والشق والبعج والقطع والشدة، بما يتوافق مع صدى صوته الانفجاري في النفس. منها:
    بأر (حفر حفرة) . بتّ الشيء وبتره، وبتعه، وبتكه، وبتله، وبركعه ، وبرشق اللحم، وبشقه وبضعه، جميعها بمعنى (قطعه). بجّ الشيء وبذحه، وبعج البطن وبقره ، وبحر الأرض، بمعنى (شقّها). بحث الأرض (حفرها وطلب الشيء فيها).بخص عينه (فقأها) . بدهه وبغته (فاجأه) . بذم (قوي ومتُنَ).بأش فلانا (صرعه بغتة) بعط الحيوان (ذبحه). بكّ الشيء (هشمه ومزّقه) . باغ (ثار وهاج) . بهس (جرؤ وشجع).
    وكان منها ستة عشر مصدراً تدل معانيها على البعثرة والتبديد بما يحاكي بعثرة النفَس بعد خروج صوته. هي:
    بثّ الشيء ، وبدّه، وبدّده وبرقطه، وبسّه ، وبلبل المتاع، جميعها بمعنى (فرقّه). بحثر الشيء، وبعثره، وباثه بوثا، وبعزقه، جميعها بمعنى (بدَّده وفرَّقه).ابزعرّ القوم وابزقرُّوا (تفرقوا). . بزر الحب (نثره في الأرض).بكش العقدة (حلّها . بذر الحب (القاه في الأرض للزراعة).
    وهكذا بلغت نسبة المصادر التي تأثرت معانيها بالخصائص التمثيلية لحرف الباء (35%).
    لتبلغ نسبة ما تأثر منها بالخصائص الإيحائية في صوته (18%)، بما مجموعه (53%).
    وهذه النسبة لا تؤهله للانتماء إلى الحروف القوية الشخصية، لولا أن معاني المصادر التي تبدأ به قد بقيت عند حدود الطبقة البصرية لم تتجاوزها إلا في ثلاثة للسمعية. بما يتوافق مع طبيعة صوت الباء والحروف المرافقة له. هي:
    بغمت الظبية (صوّتت). بعبع الماء (صوَّت حين يخرج من الإناء) ، بقبقت القدر (سمع صوت غليانها)، وذلك بشفاعة حرفي (القاف) الصوتية و (العين) الشعورية.
    كما تجاوزها في ثلاثة للمشاعر الانسانية : هي بغضه. بهته (حيّره وأدهشه). بهج (فرح وسُرّ)، وذلك بشفاعة حرفي (الضاد والهاء) الشعوريين.وهذا يقطع بصحة انتماء حرف الباء إلى الطبقة البصرية.
    ولقد لوحظ عدم وجود حرف الباء في أول أي لفظة تبدأ بحرف الميم، على غرار ما سبق وتبين لنا عدم وجود حرف (الراء) في أول أي لفظة تبدأ بحرف (اللام). فحرف (الباء) للانبثاق والانفراج والاتساع والشق، بما يحاكي انفراج الشفتين عند التلفظ به. وحرف الميم للانضمام والانجماع، بما يحاكي انضمام الشفتين وانغلاقهما عند التلفظ به. فيبدو أنَّ العربي لم يجد من الذوق الفني السليم أن يبدأ ألفاظه بالساكن لينتهي بالمتحرك، وان كان استساغ العكس كما لحظنا ذلك في حرفي (اللام والراء)، فكان ثمة ألفاظ كثيرة تبدأ بالباء وتنتهي بالميم بعد فاصل من الحروف كما في (بلم، بشم ، بكم ، بسم، برم ، بصم، بغم...). ، أما العكس فلا.
    6- حرف الجيم:

    مجهور. معناه في اللغة العربية (الجمل الهائج) . يشبه رسمه في السريانية صورة الجمل. قال عنه العلايلي:إنه (للعظم مطلقا) . وهو صحيح ولكنه قاصر ويعتبره الدكتور كمال محمد بشير من الأصوات المركبة انفجاري - احتكاكي).
    وقبل أن نتحدث عن إيحاءاته الحسية ، يجدر بنا أن نقطع أولاً في قضية النطق به، معطشاً على الطريقة الشامية، أو غير معطش على الطريقة القاهرية ، لعلاقة هذه المسألة بإيحاءاته الصوتية ، وبالتالي بشخصيته ومدى تأثيره في معاني الألفاظ التي يشارك.فيها.
    لقد أفرد الدكتور أنيس لهذه المشكلة بحثاً خاصا في كتابه (الأصوات اللغوية ص77- 83).كما أفرد له الدكتور كمال محمد بشير بحثاً خاصا في كتابه (علم اللغة- الأصوات ص160-166).
    وعلى الرغم من أن الدكتور أنيس يرجِّح مسبقا بأن الجيم التي يسمعها من مجيدي القراءة القرآنية ، هي أقرب إلى الجيم الأصلية (ص77)، أي إنها شامية معطشة بصورة ما من صور التعطش. فإنه يعود فيشكك في ذلك، لنقاش كان جرى بينه وبين أستاذ الأصوات في جامعة لندن (البروفيسور فرث) حول هذه المشكلة.
    فلقد أعلمه هذا الأستاذ أن هناك قاعدة صوتية مسلَّماً بها في اللغات الأوروبية تدعى (بقانون الصوت الحنكي)، تقرر : بأن الإنسان يميل بالفطرة عبر تطوره الحضاري إلى تسهيل النطق بالحروف الصعبة. ولذلك فان هذا الأستاذ يستطيع أن يفسر تطور الجيم من عدم التعطيش القاهرية إلى التعطيش الشامية ، أما العكس فلا. بمعنى أن الجيم القاهرية الأعسر نطقاً هي الأصل ، وقد تطورت إلى الجيم الشامية الأسهل نطقاً.
    وبما أن مخرج صوت الجيم القاهرية هو الأبعد عن الشفتين ، فقد حاول الدكتور أنيس إقامة الدليل على أنه زحزح إلى الأمام باتجاه الشفتين فتحول إلى الجيم الشامية المحدثة وقد لاحظ في كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن) أن الجيم قد حرِّكت بالفتحة والكسرة وهما أماميتان (1264) مرة، لتتحرك بالضم وهي خلفية (102) مرة فقط.
    وهكذا فان كثرة تحريك الجيم بحركات أمامية قد جذبت مخرجها من الخلف إلى الأمام، أي من عدم التعطيش إلى التعطيش .
    أما الدكتور (بشير) ، فهو يقرّ مبدئياً بأن الجيم الشامية المعطشة هي الجيم الفصيحة المعاصرة ، إلاَّ أنه يذهب مذهب الدكتور أنيس في اعتبار الجيم القاهرية هي الأصل. ولقد استشهد بما جاء به الدكتور (اتوليتمان) حيث يقول:
    (نعرف أن نطق هذا الحرف الأصلي كان جيما قاهريا، ، وكما كان ويكون في اللغات السامية الباقيه. مثلاً كلمة (جمل) العبرية (gamol). وفي السريانية (gamala) وفي الحبشية (جومال) (gomal) (ص162-163). بدعوى أن هذه اللغات هي أقدم في الزمن من اللغة العربية. وهذا عكس ما تبيّن لي في الحرف العربي ص (52) وما بعدها.
    ثم يقرر الدكتور بشير أن الجيم القاهرية قد تطورت إلى (دج) في نطق قريش. ولكنه يعترف كزميله الدكتور أنيس ، بأن علماء العربية وإن وصفوا الجيم الأصلية بما ينطبق على الجيم القاهرية، فإنهم نسبوها إلى المنطقة التي تخرج منها (الشين والياء) ، وهي (بين وسط اللسان، ووسط الحنك الأعلى). وهذه المنطقة برأيه هي للجيم القرشية (دج)
    ونحن لو رجعنا من عالم التخمين والفرضيات إلى واقع الإيحاءات الصوتية لحرف الجيم بمعرض تأثيره في معاني الألفاظ التي يتصدرها، اذن لعرفنا كيف نطق به مبدعوه الأوائل ، معطشاً شامياً أو غير معطش قاهريا. ولا عبرة بما يلفظ في (الساميات) لأن العربية هي الأصل.
    فإذا وجدناهم قد استخدموه للتعبير عن المعاني التي يوحي بها صوت الجيم معطشاً، فإنهم لاشك قد لفظوه معطشاً طوال مرحلة إبداع تلك الألفاظ ، وإلا فيكونون قد لفظوه قاهريا غير معطش. وذلك:( حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث).
    آ- الجيم المعطشة:

    نظرا لشدة تدافع النفس أثناء خروج الجيم الشامية،. وما يحدثه من ارتجاج في مساحة واسعة من سقف الحنك، كان لابد أن تتنوع إيحاءاته الصوتية.
    فالجيم الشامية المعطشة، توحي بالشدة والقوة والدفء والمتانة كأحاسيس لمسية، وبطعم الدسم ورائحته كأحاسيس ذوقية وشمية. أما إيحاءاتها البصرية فهي تتردد بين الفخامة والعظم والامتلاء. لتقتصر إيحاءاتها السمعية على شيء من الفجاجة ، وهي لا توحي بأية مشاعر إنسانية أصلاً.
    ب- الجيم القاهرية:

    صوتها الانفجاري يوحي بالقساوة والصلابة والحرارة والخشونة كأحاسيس لمسية، وبما يدل على أصوات مزيجة من الحدَّة والانفجار كأحاسيس سمعية، ولا إيحاءات أخرى في صوتها ، حسيةً أو شعوريةً.
    فلو أن العربي قد أبدع الجيم قاهرية غير معطشة كما يقول الدكتوران أنيس وبشير، إذن لكانت ندرت بصورة خاصة المعاني الدالة على العظم والفخامة والضخامة والارتفاع والفجاجة في الألفاظ التي يتصدرها.
يعمل...
X