إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحاسة الذوقية وحرفاها (( اللام - الراء )) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحاسة الذوقية وحرفاها (( اللام - الراء )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحاسة الذوقية وحرفاها (( اللام - الراء ))
    - دراسة (( حسن عباس ))



    الفصل الثاني:

    الحاسة الذوقية وحرفاها



    الحاسة الذوقية:

    إذا كان التنبيه اللمسي ميكانيكياً، فالتنبيه الذوقي كيميائي كالتنبيه الشمي. الكيفيات الذوقية الرئيسة أربع هي:
    الحامض والمالح والحلو والمر. ولكل كيفية منها حليمات ذوقية خاصة منتشرة بطريقة منظمة على غشاء اللسان. فطرف اللسان يجيد الإحساس بالحامض، وهو ضعيف الإحساس بالمالح والحلو، ومعدومه بالمر. وجوانب اللسان تجيد الإحساس بالحلو والحامض والمالح. والإحساس بالمر هو أقوى ما يكون في مؤخرة اللسان. أما المنطقة الوسطى من اللسان فالإحساس الذوقي معدوم فيها.
    وغشاء اللسان يحسّ بالتماس والضغط والحرارة والبرودة . وتمتزج هذه الإحساسات بالإحساسات الذوقية فينشأ عنها كيفيات مركبة كالحار والبارد والحريف والحامز والعفص والقابض والمعدني.
    الحرفان الذوقيان هما: اللام والراء.
    1- حرف اللام

    مجهور متوسط الشدة. شكله في السريانية يشبه اللجام. يقول عنه العلايلي: إنه (للانطباع بالشيء بعد تكلفة). تعريف مبهم.
    إن صوت هذا الحرف يوحي بمزيج من الليونة والمرونة والتماسك والالتصاق. وهذه الخصائص الإيحائية لمسية صرفة.
    ولكن يلاحظ أن صوت هذا الحرف يتشكل على مرحلتين اثنتين:
    الأولى: بالتصاق اللسان بأول سقف الحنك قريباً من اللثة العليا حبساً للنفَس
    والثانية: بانفكاك اللسان عن سقف الحنك، وانفلات النفَس خارج الفم
    وهكذا فإن طريقة النطق بصوت (اللام) تماثل الأحداث التي يتم قيها الالتصاق مما يجيز تصنيفها في فئة الحروف الإيمائية التمثيلية، وهي هنا لمسية.
    كما أن طريقة النطق بصوت (اللام) تماثل الأحداث التي تتم فيها الاستعانة باللسان في عمليات اللوك والمضغ واللحس وما إليها، مما جعلها ألصق ما يكون بالذوقيات، فصنفتها حرفاً ذوقياً.
    وإذن أي الخصائص هي الغالبة على معاني المصادر التي تبدأ بها: أللمسي المزيج هنا من الإيمائي والإيحائي؟ أم الذوقي الإيمائي الصرف؟
    1- فماذا عن اللمسي؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين واثني عشر مصدرا، تبدأ بحرف اللام، كان منها اثنان وثمانون مصدراً تدل معانيها على التماسك والالتصاق، بما يتوافق مع واقعة التصاق اللسان بأول سقف الحنك قريباً من اللثة العليا. منها:
    لبّ بالمكان لبا (أقام فيه) . لبث بالمكان (مكث وأقام) . لبد بالمكان (أقام به ولزق). لثم.لثب بالشيء (لصِق به). لثَّ ولثلث بالمكان (أقام). لجم الثوب (خاطه). لحف. لحقه. لحم.لحك الشيء بالشيء (ألزقه به) . لذب بالمكان (أقام فيه) لذِي بالأمر (لزمه ولم يفارقه) لزَّ. لزب بالشيء (لصق به).لزِج. لزِق. لزِم. لزن القوم (تزاحموا) . لصّت المرأة (التصق فخذاها حتى لا يُرى بينهما فرجة). لصب الجلد بالعظم (لزق به هزالا). لطم الشيء بالشيء (ألصقه به) . لكد عليه الوسخ ولكع (لصق به ولزمه). لاط الشيء لوطاً وليطا (التصق به) لصق. لطا بالأرض (التصق بها). لفق (ضمَّ) . لقح. لَمّ. لمس. لاق الشيء به ليقاً (لصق). (لِكي به لكىً (أولع به ولزمه). التكَّ (تضامَّ وتداخل). لزّه (شدّه والصقه).
    وبسبب من خاصية الالتصاق في حرف اللام، قد استخدمه العربي للنسبة والتملك .( له لي..). كما استخدم مقطع (الـ) التعريف للتعبير عن ارتباط الأسماء التي تدخل عليها بمعرفة سابقة عنها. لتخرج تلك الأسماء بذلك من عالم النكرة إلى عالم المعرفة، وياله من انتباه ذكي لوظائف (اللام) . وكذلك الأمر صراحة مع الأسماء الموصولة (الذي- التي..).
    2- ثم ماذا عن الذوقي:

    لقد كان ثمة ثلاثة وخمسون مصدراً تبدأ باللام تتعلق بعمليات الأكل والتذوق وأنواع الأطعمة وأوصافها موزعة كما يلي:
    1- كان منها اثنا عشر مصدراً تدل معانيها على استخدام اللسان للتذوق واللحس وسواهما . هي: لحس. لسَّ الطعام (لحسه). لطع (لحس) . لعق. لمج الطفل أمه (رضعها) . تلمظَّ الطعام (ذاقه) . لاس الحلاوة (ذاقها) . لبلبت الشاة بولدها (لحسته والطفتة بشفتيها ). لثغ ( تحول لسانه من حرف إلى حرف). لهث الكلب ( أخرج لسانه من حرّ وعطش). لهج الفصيل أمه (تناول ضرعها يمتصه).
    ب- وكان منها عشرون مصدراً تدل معانيها على المضغ وكيفية تناول الأطعمة هي:
    لأف الطعام ( أكله جيداً) . لجلج الشيء في فمه (أداره للمضغ) . لسد العسل ولسبه ولمصه (لعقه) . تلعَّس فلان ( اشتد أكله). لعص (نَهِم في الأكل والشرب) . لبي من الطعام لبيا ( أكثر منه). لغوس ( أسرع في الأكل). تلغف الطعام (تناوله بكفه وازدرده). لقِم الشيء (اكله بسرعة). لقِف الطعام (بلعه). تلَّمق (أكل ما يتعلل به قبل الطعام).لهمس ( أكل ما على المائدة). لهِم الشيء ( ابتلعه) . لاكه. لاز الشيء لوزا ( أكله). لاس اللقمة (مضغها أهون مضغ).
    وكان منها خمسة مصادر تتعلق بوصف الأكول هي:
    اللحُوس (من يتبع الحلاوة ، كالذباب ). اللحْوس (الأكول من الناس). اللعو واللعا (الشره الحريص). اللعمِظ (الشهوان إلى الطعام).
    جـ- وكان منها أحد عشر مصدراً تدلّ معانيها على أنواع الأطعمة وكيفيتها وأوصاف اللقمة. هي: اللبأ (أول اللبن عند الولادة قبل ان يرقَ). اللبن . اللُّقمة. اللُّعاق (بقية اللقمة في الفم). اللُّغفة (اللقمة).اللُّعاع (الجرعة من الشراب). اللماك (مايذاق من الطعام). اللُّهجة واللُّهنة (ما يتعلل به قبل الطعام). لغلغ الطعام (روّاهُ من الأدم). اللوقة (الزُّبدة) . لبَّق الثريد (خلطه ولينه).
    وكان منها ثلاثة مصادر تدل معانيها على مستلزمات عمليات الأكل. هي:
    اللسان. اللعاب. اللطع (الحنك).
    وكان منها خمسة مصادر تدلّ معانيها على المرونة واللين ، بما يتوافق مع إيحاءات صوت اللام . هي:
    لان . لدن. لخِي البطن (استرخى) . لطف . لواه.
    وهكذا تبلغ نسبة المصادر التي تدل معانيها على الالتصاق والتماسك بما يتوافق مع واقعة التصاق اللسان بأول سقف الحنك أثناء خروج صوت اللام 38.5% أما المصادر التي تتوافق معانيها مع تلاعب اللسان في عمليات المضغ والتذوق ومتعلقات الأطعمة ، فقد بلغت (25%)، مما يؤكد صحة انتماء هذا الحرف إلى الحاسة الذوقية.فلم يتجاوز هذه الطبقة إلا في ستة مصادر . واحد للشمية (لخن) بمعنى أنتن ، بتأثير حرف الخاء. وثلاثة للبصرية. لمع النجم (تلألأ) ، بتأثير حرف العين. لألأ النجم ولاه، السراب بمعنى (اضطرب ولمع)، وحدس الاضطراب فيهما أغلب من حدس اللمعان. وواحد للسمعية: لغط القوم (اجلبوا) . وواحد للمشاعر الإنسانية ، لهِف بمعنى (حزن وتحسَّر) ، وذلك بتأثير حرف الهاء ، كما سوف نرى
    وهكذا يصدق تصنيفنا الهرمي المنكوس للحواس الخمس مع حرف اللام. فالعربي لم يجد في صوت اللام (ل. ل. .) مسوغا فنيا لاستخدامه في التعبير عن أحاسيس الحواس الأعلى، لولا تدخل بعض الحروف التي تنتمي أصلاً إلى الطبقات العليا، كما سنرى في دراسة أحرف (خ. ع. هـ). وقد يتساءل القارئ عن السبب في تصنيف حرف اللام ذوقياً ، وليس ثمة أيُّ مصدر يبدأ به مما يدلّ معناه على طعم أو مذاق، من حلاوة أو مرارة أو حموضة أو ملوحة، وما إليها؟
    فما دامت غالبية المصادر التي تبدأ (باللام) قد اقتصرت معانيها على اللمسيات من التصاق وتماسك وليونة ، وعمليات مضغ وبلع وما إليها من متعلقات الأطعمة ، ألم يكن الأجدر بنا أن نصنفه في زمرة الحروف اللمسية ؟.
    وردا على هذا التساؤل أقول:
    لقد بلغت نسبة المعاني الدالة على الالتصاق وعمليات المضغ والتذوق في المصادر التي تبدأ بحرف اللام (5،63%) وهذه الأحداث كما يلاحظ القارئ تتوافق مع واقعة التصاق اللسان بسقف الحنك ومع تلاعبه باللقمة ، تذوقاً ومضغاً وبلعاً.
    وإذن من المرجح أن الإنسان العربي قد بدأ في المرحله الغابية ، أو في المرحلة الزراعية بالتعبير عن هذه الأحداث بالحركات المناسبة من اللسان والأسنان والشفاه والفم وغيرها ، إيماء وتمثيلاً. فكانت هذه الحركات بصورة مبدئية أسبق في الزمن من صوت اللام .
    ولقد عمد العربي في المرحلة الرعوية إلى تهذيب صوته والتخلص من الإشارات والحركات المرافقة له، فلم يبق منها إلا التلاعب باللسان والفم بالقدر الكافي لخروج صوته.
    وإذن لما كانت العلاقة الفطرية بين حرف اللام وبين عمليات التذوق والمضغ والبلع هي علاقة إيمائية صرفة، وكان من المتعذَّر التعبير إيماء وتمثيلاً عن المذاقات، فان صوت اللام المتأتي من تطور تلك الحركات الإيمائية لا يمكن ان يوحي أصلاً بأي مذاق معين من حموضة أو ملوحة أو مرارة وما إليها.
    وهذا يؤكد صحة ما ذهبت إليه في بحث (الجذور الغابية والزراعية والرعوية في أصوات الحروف) من حيث نشأة الحروف الإيمائية (المرجع السابق ص125-145).
    وهكذا ، لما كان حرف اللام لسانيا صرفا، واللسان هو عضو الحاسة الذوقية ، وكانت معاني المصادر التي تبدأ به لم تتجاوز الطبقة الذوقية إلا بنسبة أقل من (3%).فإنه ليس ثمة أي محذور من رفع مرتبة هذا الحرف من الطبقة اللمسية إلى الطبقة الذوقية لتعامله أصلاً مع المطاعم تذوقاً ومضغاً ولوكاً وبلعاً.
    وهكذا فإن هذا الحرف الإيمائي الإيحائي ، موزع الخصائص والمعاني بين اللمسي والذوقي، كما يتمتع بشخصية جيدة ، سواء من حيث التزامه بطبقته الهرمية، أو من حيث نسبة تأثيره في معاني المصادر التي تبدأ به وقد بلغت (65%).
    وبملاحقة اللام في نهاية الألفاظ عثرت على (306) مصادر، لم تتأثر معانيها بخصائص اللام إلا بنسبة (8%). وذلك لأن اللسان لا يتلاعب بحرف اللام في نهاية الألفاظ كما يفعل في بدايتها . فتخلّى هنا عن وظيفته التمثيلية الإيمائية مما أفسح المجال للحروف الأخرى التي شاركت في تراكيب هذه المصادر.
    2- حرف الراء:

    مجهور متوسط الشدة والرخاوة. شكله في السريانية يشبه الرأس . قال عنه العلايلي: إنه (يدل على الملكة وعلى شيوع الوصف). تعريف مبهم.
    لئن كان بعض أصوات الحروف العربية يماثل عظام الإنسان في قساوتها ، وبعضها يماثل عضلاته في قوتها ومرونتها ، وبعضها الآخر يماثل لحمه في ليونته وطراوته ، و غيرها يماثل أعصابه في حساسيتها ورهافتها وما إلى ذلك من وظائف أعضاء البدن وخصائص الحروف ، فإن صوت حرف الراء من أصوات الحروف هو أشبه ما يكون بالمفاصل من الجسد.
    وانطلاقاً من خاصية التمفصل هذه في صوت (الراء) وفي مفاصل الجسد، قد ادخل العربي هذا الحرف في معظم الأعضاء التي تتصل بغيرها بمفاصل غضروفية. منها:
    الرأس . الرقبة . المِرفق . الركبة . الرضفة . الرِّجل. الرسغ. الوِرك. الورّ (الورك) . الفقرة. ويلحق بها الأعضاء التي تتوافق معها في ظاهرة التحرك . هي:
    الخصر (لتأوده وتثنيه) . الرئة (كعضو للتنفس). الصدر (لظاهرة تحركه أثناء الشهيق والزفير، صعوداً وهبوطاً). الشَّعر (لظاهرة نوسانه مع الانسام أو حركة الجسم). البصر والنظر (لتنقلهما المستمر بين المرئيات).
    وفي الحقيقة، إن حاجة اللغة العربية إلى حرف الراء لاتقل عن حاجة الجسد للمفاصل. فلولا صوت الراء لفقدت لغتنا الكثير من مرونتها وحيوتها وقدرتها الحركية ، ولفقدت بالتالي الكثير من رشاقتها، ومن مقومات ذوقها الأدبي الرفيع.
    فكما أن مفاصل الجسد تساعد أعضاءه على التحرك بمرونة في كل الاتجاهات، وعلى تكرار الحركة المرّة بعد المرّة ، فإن حرف الراء بتمفصل صوته (ر. ر. را) ، وبرشاقة طرف اللسان في أدائه، قد قدَّم للعربي الصور الصوتية المماثلة للصور المرئية التي فيها ترجيع وتكرار، وتأرجح ذات اليمين وذات الشمال ، وذلك" حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث"، كما قال ابن جني:
    فليس هناك أيُّ حرف في الدنيا يستطيع صوته أن يؤدي بعض هذه الوظائف، فهو من المقومات الأساسية للغة العربية . لابل ما أحسب أن ثمة لغة يمكن أن تخلو منه.
    ولعل الفرنسيين قد انتبهوا إلى وظيفة حرف الراء في الترجيع والتكرار، فجعلوا مقطع (ر و) - re)، الملحق في أول الأفعال ، للعودة والتكرار. ولكنهم لم يدخلوه في صلب اللفظة الفرنسية للقيام بهذه المهمة ، كما فعل العربي إلا نادراً . ولعّلهم قد انتبهوا إلى هذا النقص الأساسي في لغتهم في مرحلة راقية من مراحل تطورها، فابتدعوا هذا المقطع، وذلك على مثال ما ابتدعوا مقطع ( ان-in) للصميمية والبطون، ليقوم بوظيفة حرف (النون) في اللغة العربية ، كما سيأتي:
    فما رصيد هذه الخصائص في صوت (الراء) على واقع المعاجم اللغوية ؟.

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثمئة وثمانية وعشرين مصدراً تبدأ بحرف الراء.
    كان منها مئة وثمانية وسبعون مصدراً تدل معانيها على التحرك والتكرار والترجيع، بما يتوافق مع الخصائص الحركية في صوت الراء، منها، مع بيان أسباب تصنيف بعضها في هذا الجدول:
    رأرأ الحيوان بذنبه (بصبص). رؤُد الغصن (تمايل يمنة ويسرة). رابل (مشى متمايلا).
    ربك الشيء (خلطه). رتك البعير (ركض بخطى متقاربة). رثى الميت (عدد محاسنه، للتكرار). رجّه (هزّه وحركه بشدة). الأرجوحة. رجرج (تحرك واضطرب). الرَّحى والرحا (أداة الطحن ، للدوران). المِردن (المِغزل، للدوران). ردفه (تبعه ، ركب خلفه). رزف الإنسان ( أسرع من فزع). رضخت التيوس (تناطحت). رضع. أرضك عينيه (أغمضهما وفتحهما). ردهّ (أرجعه). رعج البرق (اضطرب). رعرع الشيء (حرَّكه وزعزعه).رعس (رعش). رغست المرأة (كثر ولدها، للتكرار). رعص(ارتعد تحرك). رعض (انتفض). الرفث. رفّ ورفرف. الرعْون (الكثير الحركة، ومنه الأرعن بمعنى الأهوج). ترافصوا الماء بينهم (تناوبوه، للتكرار). رقص. أرقل (أسرع). ركض. رمع (اضطرب وتحرك). رمل (هرول). رنح(تمايل لسكر). ترهره السراب (تتابع). ارتهش (ارتعش). ترهيأ( تحرك واضطرب). الريح. الروح (مابه حياة النفس ، لقدرتها المطلقة على التحرك). راد (جاء وذهب) . راغ (ذهب يمنة ويسرة لخديعة). راع ريعا (عاد ورجع). راه السراب (اضطرب).
    كما عثرت على اثنين وأربعين مصدراً تدل معانيها على الرقة والنضارة والرخاوة بما يتوافق مع هذه الموحيات في صوت الراء إذا لفظ مخففا بعض الشيء منها:
    رأف به. الرحيق. الرخص. الرحمة. رخُم الصوت (لان وسهل). الرخاوة. رغد العيش. الرفاهية. الرَّقة. رهِل لحمه. راق روقا( صفا ) . راخ ريخا (لان واسترخى). ران عليه النعاس.
    كما عثرت على تسعة مصادر تدل معانيها على أصوات فيها ترجيع وتكرار، بما يتوافق مع هذه الخصائص في صوت الراء هي.
    رجس البعير (هدر شديدا) الرَّز ( صوت الرعد وهدير الجمل). رزف البعير (صوت) الرعد. رعقت الدابة (صوّت بطنها في العدو). رنّم (رجّع صوته). الرغاء (صوت الإبل). الرنين. الرطيط (الجلبة والصياح). مع ملاحظة مشاركة حرفي (ز،ن) للصوت والرنين في أربعة منها.
    وكان منها أربعة مصادر للفزع والخوف في توافق بين مظاهر الاضطراب التي تنتاب من يتعرض لهذه الحالات الشعورية ، وبين ظاهرة الاضطراب والتكرار في صوت الراء هي:
    رجب رجبا ورجوبا (فزع) . رعب. راع روعا (فزع) . رهبه (خافه) . مع ملاحظة مشاركة حرفي (ع. هـ) في ثلاث منها وهكذا إذا لحظنا أن المصادر التي تدل معانيها على أصوات ومشاعر إنسانية قد تأثرت بالخصائص الصوتية لحرف الراء ، فإن نسبة تأثيره في معاني المصادر التي تبدأ به تبلغ (70%).
    ومما يلفت النظر أنني عثرت على تسعة وعشرين مصدراً تدل معانيها على الثبات والاستقرار والربط وضمّ الأشياء إلى بعضها بعضا والإقامة، مما يتناقض مع الخصائص الحركية في صوت الراء.
    فما علة ذلك ؟ لقد لحظت في الجداول السابقة أنَّ العربي قد استخدم خاصيَّة التحرك والترجيع والتكرار في صوت الراء بمعرض التعبير عن معانيه برهافة سمع ونباهة ذهن، يستبعد معهما أن يقع في مثل هذا التناقض . وإذن ما علَّة ذلك؟
    بتأمل معاني هذه المصادر ومشتقاتها يلاحظ أن العربي قد جعل حرف الراء في مقدمة بعضها للكشف عن واقعة التحرك والاضطراب التي يبدأ الحدث بها. وذلك (سوقا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد)). كما قال ابن جني. وهي:
    ربضت الغنم (طوت قوائمها ولصقت بالأرض وأقامت). ربط الشيء (شدّه بالرباط). ربقه (ربطه بالرّباق، وهو ذوعرى لربط الدواب) رزح البعير (ضعُف ولصق بالأرض إعياءً أو هزالاً) . رزى على الأرض (لزم فلم يبرح). رسب (انحطّ وذهب إلى أسفل).
    رسخ (ثبت في موضعه متمكناً ، ومنه رسخ المطر ، غاص نداه في الأرض). رسّ الشيء في الشيء (دخل وثبت). رسا رسوا (ثبت ، وأرسى الوتد في الأرض، ضربه فيها). رقد (نام، ولكن بعد تقلب) . ركد (سكن وهد أ وثبت، ولكن بعد تحرك واضطراب). ركز الشيء (أقرّه وأثبته). ارتكف الثلج (وقع وثبت في الأرض).رمس الميتَ (دفنه وسوّى عليه التراب). رثد المتاع(ضم بعضه إلى بعض متسقاً أو مركوماً).
    رصّه، ورصرصه، ورضنه (ضمَّ بعضه إلى بعض). رصف الحجارة (ضمَّ بعضها إلى بعض).
    أما المصادر الباقية فقد جعل العربي حرف الراء في مقدمتها للكشف عن خاصية التكرار في الحدث المعبر عنه على الوجه التالي:
    ربغ في النعمة (أقام فيها). رتب الشيء (أثبته، ومنه رزق راتب، أي ثابت دائم، للتكرار). رجن بالمكان (أقام، ومنه رجن الحيوان أي ألِف البيوت ، للتكرار). ربد بالمكان وردح به، وركا ركوا ورمأ رموا ورزن به ورمك فيه (أقام) .
    وذلك لأن الإقامة في المكان تتضمن التكرار والاستمرار بداهة ، ولولاه لكان دخول المكان تعريجا أو زيارة أو مرورا عابرا ، وما إلى ذلك من النعوت.
    ولكن ماذا عن المصادر التي تنتهي بحرف الراء؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثمئة واثنين وخمسين مصدراً تنتهي بحرف الراء .
    كان منها مئة واثنان وسبعون مصدراً تدل معانيها على التحرك والترجيع والتكرار. منها:
    . أشر الخشبة ووشرها بمعنى (نشرها). أكَرَ (حرث الأرض وزرعها).أفر (نشط ووثب في عدوه). بحر الأرض (شقها) . بذر الحبَّ( ألقاه) في الأرض للزراعة) بَزَرَ الحبّ ألقاه في الأرض للانبات).بصر (نظر). بطره (شقه). بغرت الريح (هاجت فأمطرت). بعثره (فرقه وبدَّده).تار الماء توراً ( جرى). التيار ( شدة جريان الماء)
    ثار ثوَراناً وثورا وثورة (هاج وانتشر). الجذر (لحركة انتشاره في الأرض).
    جرّه. حدر السفينة (دفعها من أعلى إلى أسفل). حطره (صرعه) . حفر . حمر الشيء (قشره). حار حورا (رجع). حار الماء حيرا (اجتمع ودار) . خشر (هرب جُبْناً).خطر (اهتز وتبختر). دبر (ذهب وولى). درّ الحليب (كثر ، جرى وسال). دغر عليه (اقتحم من غير تثبُّت). دعثره(صرعه وهلكه). دمره. دار (طاف حول). . زفر(أخرج نفسه بعد مدِّه إياه). سعر الفرس (عدا شديدا). سار. شتره (قطعه). تشذَّر القوم (تفرقوا واختلفت مذاهبهم).شرّ الماء (خرّ وتساقط قليلاً). صار صيرورة ( تحول من حال إلى حال). ضبر (جمع قوائمه ووثب) ضفر (وثب عدوا). طفر (قفز).عبر. عثر. عصره (استخرج ماءه). عار عيرا وعيرانا (ذهب وجاء مترددا). فأر التراب (حفره). فرّ فرفر.
    فار الماء. قشره. قطر الماء. الكتر (مشية فيها تخلّج كالسكران). كرّ الفارس (عاد مرّة بعد مرّة). كوَّر العمامة (لفها). مخرت السفينة (جرت تشق الماء).مصر الناقة (حلبها). مغر في البلاد (ذهب وأسرع). مار الشيء مورا (تحرك وتدافع).
    نثره (رمى به متفرقاً). . هبر اللحم (قطعه قِطعاً كباراً). هشر الناقة حلب ما في ضرعها). همر الماء (انصبّ) . وثر الشيء (وطِئه). وهر الرملُ (انهار).
    وكان منها اثنان وعشرون مصدراً تدل معانيها على الرقة والنضارة والرخاوة. منها:
    البِشر. الثمر. الخضرة. الزهر. سكر (سكن وفتر). العِطر . الغضارة. القمر.الوبر. طرّ (كان ذا رواء وجمال). النضارة. اليسر.
    وكان منها عشرون مصدراً لأصوات فيها ترجيع وتكرار بما يتوافق مع الخصائص الصوتية لحرف الراء . هي:
    أرّ أريرا (صوَّت). جأر (للبقر). الخرير (للماء). خار الثور. دردر الماء (صوت أثناء تدافعه في بطن الوادي). زحر. طحر.. زمجر (ردد صوته).زمخر الصوت (اشتد). زمر (صوَّت). شخر (تردد صوته في حلقه). الصفير . صار صورا (صوَّت). عرّ الظليم (صاح). قرّ قريرا (صوّت). قرقر الشراب في حلقه (صوّت). نعر (صاح وصوّت). هرّ الكلب (نبح). هزر (ضحك). هدر الجمل (ردّد صوته في حنجرته).
    وكان منها ثلاثة مصادر لمشاعر الغضب من اضطراب وانفعال نفسي وجسدي يحاكي ما في صوت (الراء) من تردد واضطراب . هي:
    ذئِر (أنِف وغضب). ذمر الأسد (غضب). الوحر (الحقد، الغيظ، أشد الغضب). ويلحق بها لفظة (السرور) لمشاعر إنسانية مبهجة لا تخلو من رقة (الراء) ونضارتها وحلاوتها.
    لتبلغ نسبة تأثير الراء في المصادر التي تنتهي بها (62%).
    ولكن لوحظ أن ثمة عشرة مصادر أخرى تدل معانيها على الستر والاختفاء، مما يتناقض أصلاً مع خاصية الظهور والعيانية في التحرك . هي:
    خدره ، وخمره ، وطمره ، وغفره وغمره بمعنى (ستره). كفر الشيء (غطاه).ذخره (خبأه) . طبر (اختبأ واختفى). قبره (دفنه).
    ولئن كان العربي قد جعل حرف الراء في بداية بعض المصادر التي تدل على الثبات والاستقرار وضم الأشياء إلى بعضها، مضاهاة منه لتلك الأحداث التي تبدأ أصلاً بالحركة كما مر معنا آنفا،
    فإن العربي قد جعل الراء بالمقابل في نهاية هذه المصادر لأن أحداثها تنتهي بحركة ما، وذلك (سوقا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد).
    فلفظة خدر الهودج مثلاً (ألقى عليه الستر) ، تدل على حدث يبدأ بالإمساك بنسيج فيه رخاوة (للخاء) ، ولا يخلو من شدة ممسك (للدال)، لينتهي هذا الحدث بحركة إسدال الستر على باب الهودج (للراء).
    ولفظة خمرت المرأة رأسها بالخمار (غطته) ، تدل على حدث مماثل لما قبله في مراحله جميعا. ولكن بفارق أن الخمار هو أرقّ نسيجاً وأشف من ستر الهودج. وذلك لأن الميم في (خمر) أرق وأشف وأكثر إحاطة من الدال في (خدر) كما مر معنا في الحروف اللمسية.
    ولفظة كفر الزارع البذر بالتراب (غطاه)، تدل على حدث يبدأ بحك الأرض بأداة أو باليد (الكاف)، ثم بإحداث حفرة في الأرض (للفاء) ، لينتهي الحدث بحركة تغطية البذر بالتراب (للراء).
    ولفظتنا (طمر وقبر) يتماثل معنياهما من حيث الوقائع والتسلسل الزمني ، ولكن بفارق أن الطمر يكون في رمل أو أرض طرية (للطاء)، وفي حفرة سطحية (للميم). بينما القبر يكون في أرض قاسية شديدة المقاومة (للقاف) ، وفي حفرة عميقة (للباء). والراء. لحركتي تغطية المطمور والمقبور.وهكذا بقية المصادر.
يعمل...
X