Announcement

Collapse
No announcement yet.

كتاب جواهر الأدب-مقدمة في علم الإنشاء-3-

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • كتاب جواهر الأدب-مقدمة في علم الإنشاء-3-

    تقسيم الإنشاء إلى فني النظم والنثر
    اعلم أن لسان العرب وكلامهم يدور على فنين. فن الشعر المنظوم وهو الكلام المقفى الموزون بأوزان مخصوصة. وفن النثر وهو الكلام غير الموزون فأما الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء. وأما النثر فمنه ما يؤتى به قطعا ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة ويسمى سجعا وهو ثلاث أقسام القسم الأول أن يكون الفصلان متساويين لا يزيد أحدهما على الآخر كقوله تعالى: (فَأَمّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ {9} وَأَمّا السّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ) [الضحى: 9، 10] وهو أشرف السجع منزلة للاعتدال الذي فيه: القسم الثاني أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول لا طولا يخرج به عن الاعتدال خروجا كثيرا فإنه يقبح عند ذلك ويستكره ويعد عيبا فمما جاء من ذلك قوله تعالى: (بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً {11} إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً {12} وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان: 11 13] فالفصل الأول ثمان لفظات والثاني والثالث تسع تسع: ويستثنى من هذا القسم ما كان من السجع على ثلاث فقر فإن الفقرتين الأوليين تحسبان في عدة واحدة ثو تأتي الثالثة فينبغي أن تكون طويلة طولا يزيد عليهما وقد تكون الثلاثة متساويات كقوله تعالى: (فِي سِدْرٍ مّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مّنضُودٍ وَظِلّ مّمْدُودٍ) [الواقعة: 28 30] القسم الثالث : أن يكون الفصل الآخر أقصر من الأول وهو عيب فاحش وأما النثر فهو ما يؤتى به قطعا من غير تقيد بقافية ولا غيرها وهو الذي يطلق فيه الكلام إطاقا ولا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية ولا غيرها.
    (انتهى من المثل السائر باختصار)

    كيفية عمل الشعر
    اعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطا أولها الحفظ من جنسه (أي من جنس شعر العرب) حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من فحول الإسلام مثل ابن أبي ربيعة وكثير وذي الرمة وجرير وأبي نواي وأبي تمام والبحتري والشريف الرضي وأبي فراس وأكثره شعر "كتاب الأغاني" لأنه جمع شعر أهل الطبقة الإسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية.

    ثم لابد من الخلوة واستجادة المكان المنظوم فيه باشتماله على مثل المياه والأزهار وكذا استجادة المسموع لاستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور: ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه: قالوا وخير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة ونشاط الفكر: ورما يكون من بواعثه العشق والانتشاء قالوا فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولا يكره نفسه عليه: وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغة ونسجه يضعها ويبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولايضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو بنات فكره واختراع قريحته ولايستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة، وقد حظر أئمة اللسان على المولد ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده بحيث تكون ألفاظه على طبق معانيه
    ومعانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم ويجتنب أيضا الحوشي من الألفاظ والمقصر وكذلك السوقي المبتذل فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضا فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الإفادة وفي هذا القدر كفاية.
    قيمة المرء ما يحسنه
Working...
X