إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حسن الحسن الكاتب السوري ( حوار : خالد عواد الأحمد )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حسن الحسن الكاتب السوري ( حوار : خالد عواد الأحمد )

    مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - ضيوف السنونو وجها لوجه
    حوار مع الكاتب السوري حسن الحسن ( حوار : خالد عواد الأحمد )

    ·" المبدع الحقيقي هو رسول الأمل والإنسانية ..."
    ·" الكاتب ليس له وطن، إذ وطنه الكلمة ومنفاه الكلمة"
    ·" إن الإنسانية كلها مغتربة تبحث فردياً وجماعياً عن الوطن الأصلي"




    حوار مع الكاتب السوري حسن الحسن
    إلى أي حد تعتقد إن هجرتك بين مكانين ولغتين قد أفادت في إغناء تجربتك الإبداعية وعملت على توسيع معرفتك و أفقك ؟
    إن الهجرة بحد ذاتها تجربة غنية, وهي ظاهرة اجتماعية قديمة قدم التاريخ فكل الأنبياء و المبدعين, والذين حملوا هم تغيير العالم قد هاجروا أو هجّروا أي مروا بمحرقة الهجرة. لقد كنت قبل الهجرة أنشر بعض القصائد في الدوريات العربيَّة ,وفي فترة المراهقة كنت أشعر بإحساس غريب يشبه الاختناق . كنت أشعر بأنني حبيس هذا العالم.
    لست أدري, وقد قذفت بي كف الحياة إلى أفريقيا ...في مطلع السبعينات و لم أكن أملك شروى نقير، وبعد قضاء ثمانية أشهر في القَّارة السمراء, ركبت الباخرة قاصداً أرضاً جديدةً وقارة جديدة و يممت شطر أوروبا ... حيث وصلت باريس عاصمة النور في يومٍ ضبابي كثيف و سحرت بهذه المدينة الخلاَّبة الرائعة و لذا قررت أن أستقر فيها
    ولم أجد مشقَّة في تأمين عمل مناسب يهيىء لي أسباب العيش الكريم . وبدأت شيئاً فشيئاً أقرأ الشعر الفرنسيِّ و الروايات, وقد تأثرت جداًّ بروائيي فرنسا في القرن التاسع عشر لأن عصر الرواية الذهبي هو القرن الماضي. تحديداً في النصف الثاني منه, فقرأت كل أعمال فلوبير وبلزاك ثم قرأت لعمالقة الشعر الفرنسي في القرن ذاته وأذكر من هؤلاء بودلير و نرفال و رامبو وفيرلين و معظم هؤلاء الشعراء و الكتاب قد زاروا الشرق و دهشوا بسحره. إنّ إطلاعي على أدب جديد قد فتح لي آفاقاً جديدة ومواضيع جديدة , وهموماً جديدة وهذا الإطلاع لم يكن ليتيسر لي لو كنت بقيت في موطني و من هنا تحصلت لديّ الرؤيا الإنسانية الشاملة.

    في خضم الواقع العربيِّ الساخن ... كيف تنظر إلى هاجس الكاتب العربيِّ في البحث عن لغة و عن خط مفتوح على العالمية؟
    - قبل الإجابة على هذا السؤال أرجو أن نتوقف قليلاً عند ظاهرة أدبية عرفتها كل الآداب العالمية في كل العصور وركنتها في المتاحف, إلاَّ أدبنا العربيِّ الذي يعض عليها بالنواجذ ... هذه الظاهرة هي النزعة التكسبيَّة في الشعر و هي ما تزال تلازم أدبنا الحديث إذ هناك شعراء جعلوا من شعرهم تجارة تباع و تشترى ناحين منحى الحُطيئة الذي كان أهم من شق طريق الشعر الارتزاقي في تاريخ الأدب العربيِّ ... إن شعراء التكسب و البلاط كثيرون يطرقون أبواب الأمراء و الملوك من أجل اكتساب جاه هائل أو مال زائل . فهم يمدحون من يدفع أكثر و من يكون في موقع أقوى ... فليس لهم هاجس إلاَّ إرضاء السلطان . إنَّهم لا يبحثون لا عن لغة ولا عن أي انفتاح على العالمية. والمدهش في هذا الأمر أننا حين نقرأ أشعارهم التي تطبع و تنشر بسهولة يخيل إلينا أننا قد تخلصنا من كل أشكال الفقر والتخلف و الجهل و لم يبقَ لنا إلاَّ المديح المجانيَّ ... حفاً هناك كتَّاب عرب يجعلون هاجسهم البحث عن لغة جديدة وعن خط جديد ,ولكنهم مقيَّدون حتَّى في مواضيعهم فالبحث عن لغة جديدة يعني التحرر من مواضيع كلاسيكيَّة تقيد الشعر ,ويعني زوال نظرة الحنين إلى الماضي و استيلاد رؤية مستقبليَّة و شاملة . و يجب ألاّ يكون الهم الشاغل للأمة التغني بالماضي بقدر ما يهمها المستقبل . إنَّ مشكلة الكتّاَب العرب هي مشكلة تنحصر في كلمة واحدة : الخوف . فكيف يمكن للشاعر أن يبدع و هو خائف ؟ إنَّ الإبداع مرتبط دائماً بالحريَّة .و بدون حريَّة للنقد لا يوجد إبداع0
    اغتراب الكاتب في نصه الإبداعي اغتراب الكاتب في أرجاء المسكونة .. أي الاغترابين أعمق في النفس و أبعد أثراً ؟
    الاغتراب ظاهرة اجتماعية مرتبطة بتاريخ الإنسانية و قديمة قدم الإنسان. لقد ذكرت في إجابة سابقة أنَّ كل الأنبياء و المبدعين و الثوريين قد عرفوا الاغتراب فحسب الديانات الموحدة, إنَّ أول مغترب هو آدم و زوجته حوَّاء، لقد طردا من جنَّة النعيم أي هجرا من وطنهما الأصلي بسبب اقترابهما من الثمرة المحرمة . لذلك في التاريخ الإنساني, و من وجهة نظر دينيَّة , أنَّ الإنسانية كلها مغتربة تبحث فردياً و جماعياً عن الوطن الأصلي .
    إذن قضيَّة الاغتراب قضية جوهرية ورئيسة في حياة البشرية .
    وأول من تحدَّث عن ظاهرة الاغتراب بمفهومها العلمي هو الكاتب الفرنسي جان جاك روسو الذي عاش في القرن الثامن عشر, ثمَّ تلاه العالمان ديكارت و فرويد و المفكر سارتر, أمَّا عن اغتراب الكاتب في نصه, واغترابه في أرجاء المسكونة كما ذكرت فهما ظاهرتان صحيتان و ضروريتان لا يعرف قيمتهما إلاَّ المبدعون فالكاتب ليس له وطن, فوطنه الكلمة ومنفاه الكلمة. الكلمة هي الوطن والمنفى .
    إن عجز الكاتب والمبدع عن الاغتراب في وطنه أي في عمله الإبداعي يلجأ إلى نوع آخر من الاغتراب أو الترحال و التنقل, و كثير من الشعراء و الكتاب في الأرض قاطبة يعيشون هذه الحالة، وأنا شخصياً التقيت في مقاهي سان جيرمان بكثير من الشعراء العرب ومنهم أحمد عبد المعطي حجازي و أدونيس و عبدالوهاب البياتي ومظفر النوّاب، وكل هؤلاء الشعراء يغتربون فكرياً وجسدياً, أليست الحرية مرتبطة بالترحال, والأسر مرتبط بالاستقرار؟ إنَّ أصعب حالة, وأمتع حالة أن يعيش الكاتب حالة الاغتراب في الاغتراب, أي المنفى في المنفى بمعنى أن يبدع و لايفهم في عصره لأن كثيراً من الفنانين و الشعراء لم يفهموا و لن ينالوا التكريم إلا بعد وفاتهم.
    يقول الطاهر بن جلون الكاتب المغربي (الفرنسية منفاي) فهل هي كذلك بالنسبة لك ؟
    هناك أكثر من نوع للمنفى, المنفى المادي أو الجسدي أي التنقل في أرجاء هذه المعمورة . المنفى المعنوي أي الوحدة في الحياة و الإبداع و هو أقل جمالاً و أكثر قسوةً من المنفى الأول أي أن يعيش المبدع حالة وطن في الوطن أو وحدة في الوحدة .
    مفهوم الوحدة في الأدب العالمي هو مفهوم قديم قدم الأدب شفهيَّاً كان أم كتابياً ,فالكثير من الأدباء العالميين قد هاجروا و كتبوا بلغة وطن المهجر, وهذه ظاهرة سادت في كل الحضارات بما فيها حضارتنا العربية, وأول من تكلم عن( المنفى الطوعي ) في الأدب القديم هما أوفيد و فرجيل.
    أما في العصر الحديث فالمنفى قد أثر على الأدب العالمي برمته من حيث المواضيع و الأسلوب و الصور البلاغية فهناك كثير من الكتَّاب قد هجروا من بلادهم لأسباب اقتصادية و اجتماعية وسياسية منهم (كندرة) (وميلان).
    وهناك كتَّاب ألمان قد فرُّوا من النازية و منهم بريشت و معظم هؤلاء قد تبنُّوا لغة بلد المهجر,
    وقلَّة من حافظ على لغة الأم أن قول ابن جلون: الفرنسية منفاي هو جميل و مؤثر جداً وأنا أشاطره الرأي .....
    ومن وجهة نظر شاعريَّة :المنفى هو أصل الإبداع الأدبي و أصل الإبداع الفني, فالشاعر مسافر على الدوام بين الكلمات والأشياء مسافر على طريق النحو والقواعد,فهو لا ينهي قصيدته أبداً بل يهجرها.
    أسوأ أنواع الهزائم استسلامنا الصامت لانكساراتنا ,إلى أي حد تعتقد أن الشاعر العربيِّ استطاع الحفاظ على البقيَّة الباقية من أحلام هذا الجيل المهزوم (اقتصاديَّاً ,اجتماعياً , روحيَّاً وسياسيَّاً)؟
    - نعم نحن جيل النكبة, وجيل الهزائم ولعل أصدق صرخة وأكثرها تعبيراً تلك التي تنطلق من الصمت الذي يلي الهزيمة ,صرخة تقول لا....لا....لم نُهزَمْ ولن نُهزَمْ .
    إنَّ الكابوس الذي يجثم على الصدور هو كابوس مخيف .من هنا أتت ضرورة الشاعر لكي يعمل على إعادة الثقة بالنفس وبالآخرين لخلق عالم آخر لكن هذا ليس بالأمر السهل ,فالكاتب ليس مشرعاً ولا سياسياً ولانبيَّاً ,وإنما هو رجل يخاطب الروح في قيمتها الباقية و الخالدة, ويشارك الآخرين مشاركة إنسانية واجتماعية نحن بحاجة إلى مبدعين تكون لغتهم بسيطة ... مفهومة حتَّى من قبل الأطفال محولين هذه البساطة إلى مهارة وغنى وعمق يبعثون في إهابها رؤية إنسانية كونية شاملة . والمبدع الحقيقي هو رسول الأمل و الحرية, لا يستسلم أبداً للأحكام الهشة ولا للأفكار السطحية إنه ينظر دائماً إلى ما وراء الأفق ويستشرف متسلحاً برؤى تنبُّئيَّة.
    حدثنا عن النادي الشعري الفرنسي ((La lyre de Calliope الذي أسهمت في تأسيسه في باريس؟
    - نظراً لاهتمامي الشديد بالشعر ,ولكوني عضواً في اتحاد كتاب وأدباء فرنسا وعضواً في جمعية الشعراء الفرنسيين ,أحببت أن أؤسس ملتقى شعرياً وكان ذلك عام 1988 بمعيَّة أصدقاء فرنسيين ,وبما أنني صاحب الفكرة فقد تم انتخابي رئيساً لهذا النادي. ولنتوقف قليلاً عند هذه التسمية (لالير) تعني شعراً أو قيثارةً حسب الموضوع و كاليوب هي آلهة الشعرو الفصاحة عند الإغريق.
    في البداية حددت أهداف النادي ونشاطاته الثقافية و الفكرية منها أن يكون جسراً ثقافياً بين العالم العربي و فرنسا , وفي الحفلة الافتتاحية التي حضرها كل الأعضاء و كثير من شعراء بيت الشعر الفرنسي , ألقيت كلمة ترحيبية أَكدتُ فيها من جديد على دور النادي الثقافي ثم أُنشدتْ بعض لقصائد لبعض الأعضاء في أجواء موسيقية هادئة ,وأُدخلتُ في البرنامج قصيدتين عربيتين لخليل جبران و لنزار قباني . وقامت ممثلة جزائرية بإلقاء القصيدتين باللغة العربية على أنغام من موسيقى الأخوين رحباني ,وقد أُعجب الحضور بهاتين القصيدتين وإن لم يفهم الكلام .
    عدت للاستقرار في بلدك الأم سورية بعد اغتراب دام ثلاثة عقود , ماهي دوافع هذه العودة, وما الدلالات التي تحملها على الصعيد الروحي والفكري؟
    - كان اغترابي عن الوطن اغتراباً جسدياً و ليس روحياً و على مدى ثلاثين عاماً ظلت مشيمة الروح تربطني بأمي الثانية (الوطن ) و لذلك عندما بدأت أنشر قصائد وأعمالاً أدبية باللغة الفرنسية وذلك في بداية الثمانينات تحت اسم مستعار هو آرام , قال لي بعض الشعراء الفرنسيين أن قصائدك تعكس نور الشرق و روحانياته و حنينه وأن اسمك الفني هو بحد ذاته قصيدة يرمز لوطنك سوريا مهد الحضارات . لقد دافعت و سأدافع عن وطني بقلمي مادمت على قيد الحياة .
    وأذكر مرةً عندما كنت مدرساً في معهد العلاقات الدولية في باريس أن طالبة قد قرأت لي قصيدة في مجلة أدبية وأعجبت بها, قد قالت لي أردت أن أعرف من أين أتى اسمك المستعار آرام , فبحثت في قواميس الأعلام فوجدت أنه ابن سام ابن نوح وأبو الشعوب الآرامية أي السورية , وهو الاسم الذي أطلقه الأقدمون على بلاد سورية وبعضهم على ما بين النهرين أيضاً .
    ما الآن فأريد أن أستقر في وطني محققاً حلماً آخر وهو أن أقضي الشتاء في بلد النور والصيف في مدينة النور باريس , وهذا حلم قد راود معظم الشعراء الفرنسيين في القرن التاسع عشر لأنني لا أستطيع العيش من دون السفر و التنقل , و لأنني في بحثٍ دائم عن النور ,وقد لخصت كل هذا في جملة أصبحت معروفة :
    (La France est ma lumiere et la Syrie est dans mon coeur)
    فرنسا هي النور الذي أستضيء به , وسورية هي القلب الذي يخفق في أعماقي.
    عندما يعود المغترب إلى وطنه الأم تتساقط دموعه فرحاً ويبتسم الموظف هازئاً تماما ً كما يبكي الشاعر أمام قصيدةً لم تنتهِ, و يضحك الجاهل .
يعمل...
X