إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نحات عظيم إسمه الريح كعامل في تشكيل لوحة سطح الأراضي الجافة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نحات عظيم إسمه الريح كعامل في تشكيل لوحة سطح الأراضي الجافة

    نحات عظيم إسمه الريح كعامل في تشكيل لوحة سطح الأراضي الجافة
    مظاهر النحت بواسطة الرياح
    إن أي مسافر أو رحاله يجتاز نطاقا صحراوية سرعان ما يتبين أن الرياح لابد وأن تكون بذات أهمية كعامل في تشكيل سطح الأراضي الجافة . ولا شك أن العواصف الترابية الصغيرة الدائبة الهبوب في الصحاري والتي تنشأ عن تيارات هوائية صاعدة أو هابطة محلية ، (رياح الجنوب) في ليبيا ، والهبوب في السودان وغيرها من رياح الصحاري الساخنة المتخمة بالرمال وبسحب الغبار ، التي تملأ الجو فتتعذر معها الرؤية لأمتار قليلة ، كل ذلك قد ترك انطباعا قويا في أذهان الدارسين الأول للأشكال الأرضية في الصحاري ، وجعلهم يقيمون الوزن كله لأنماط الهواء المتحرك كعامل مورفولوجي في الصحاري ، بينما لم تحظ الفيضانات العارضة الفائقة القدرة بما تستحق من دراسة واهتمام .
    وبالمثل فإن بحار الرمال الكبرى ، وهى نتاج عمل الرياح كعامل نقل و ارساب قد شدت انتباه البحاث منذ البداية . ومن هنا تأصل الاعتقاد العام البعيد عن الصواب بأن الصحراء النموذجية هي أرض الكثبان الرملية المترامية الأطراف حقيقة أن الصحراء تحوى من العروق و الغرود المنفردة ما تصل أبعاد كل منها مئات الكيلو مترات وتعطي مساحات تبلغ آلاف الكيلو مترات المربعة ، لكن قد تبين أن بحار الرمال لا تشغل من سطح الصحاري العالمية سوى العشر (10%) فقط بينما تشغل الحمادة والرق ، وهى أصقاع صخرية قد تحوى رمالا لكن بكميات صغيرة ، نحو 90% من جملة مساحة سطح الأراضي الجافة في العالم .

    1- السهول التحاتية والجبال الجزيرية (المنفردة) :

    في عام 1904 ، رجع الجيولوجي الألماني بسارجي Passarge أن السهول التحاتية الواسعة الانتشار ، التي تعلوها التلال الجزيرية المنفردة Inselberge (كلمة ألمانية مكونة من شقين Insel ومعناه جزيرة ، Berg ومعناه جبل أو تل) شديدة انحدار الجوانب ومناطق السفانا في غرب أفريقيا ، ما هي الإ نتاج تعرية عصور رطبة وجافة متعاقبة في الماضي .
    ففي أثناء فترات الرطوبة كانت تسود تجوية كيميائية عميقة ومؤثرة كانت تنشأ عنها طبقة صخرية متحللة سميكة ، ما تلبث أن تكتسحها الرياح أبان مرحلة جفاف لاحقة . وتنشأ التلال الجزيرية في الأماكن التي استطاع فيها الصخر الصلد أن يعرقل أو يمنع تداخل التجوية الكيميائية في عمق الصخور ، بينما تتشكل السهول في المساحات التي كانت تغطيها الطبقة المفتتة المتحللة السميكة والمستوية السطح (شكل 2) .



    شكل (2) جبال جزيرية
    وتتفق نظرية بسارجي هذه في بعض مفاهيمها مع الأفكار الحديثة لتفسير الأشكال الأرضية بمناطق السفانا . وتختلف عنها في أن الفكر الحديث يؤمن بأن فيضانات الفصل الممطر هي المسئولة عن اكتساح و إزالة الطبقة الصخرية المفتتة المجواة وبالتالي عن كشف السطح الأساسي وهو سطح التعرية وما يبرز فيه من قباب صخرية لم تستطع التجوية تفتيت صخرها ، وهى التي تظهر في صورة الجبال الجزيرية .
    ونحن لا نظن أن أحدا من الجيومورفولوجيين الحديثين يرتضى القول بأن فعل الرياح كان له أية أهمية حقيقة في نشوء وتطور ظواهر مورفولوجية كالجبال الجزيرية ، و البيديمنتات وسهول التعرية المترامية الأطراف . مثال ذلك كينجL.C.King (1948)8 الذي يقول في معرض شرح نظريته الخاصة بدورة تشكيل البيديمنت بأن التقطيع الأصلي للبيئة الطبيعية إنما يرجع إلى تعرية نهرية أثناء عصر انخفض أثناءه مستوى القاعدة العام ، وهو التقطيع الذي ترتب عليه تشكيل الكتل الهضبية المرتفعة التي بمرور الزمن تتضاءل بفعل التجوية وبتراجع الحافات ، وتتحول إلى جبال جزيرية وكتل صخرية منفردة أوتور Tors وأعمدة جلمودية مدورة – أو كوبي Koppies (ناشئة من طول تعرض الجبال الجزيرية للتجوية والتحطيم) .
    2- بري الصخور وتكوين الوجه ريحيات :

    يؤدي النحت بواسطة الرياح إلى تكوين أشكال صخرية في غاية الغرابة تبدو بهيئة البشر أو الحيوان ، وتستقيم منتصبة فوق أسطح بعض الصحاري .
    ذلك أن حركة حبيبات الرمال بواسطة الرياح تأخذ شكل الزحف Creep على طول السطح أو الفقر ، وهى عملية تتضمن وثب حبات الرمل بتأثير هبوب رياح مضطربة . وينشأ عن حركة الرمال المركزة في نطاق بضع ديسيمترات فوق مستوى الأرض وضربها بشدة لقواعد الكتل الصخرية الواقعة في مجال هبات الرياح ، تأثير تحاتي فعال .
    مثل هذا البري Abrasion بواسطة الريح التي تهب في شكل عصفات رمليه كفيل بصقل وبري الصخور الصلدة ، وتقويض ونحت أسافل أو قواعد الصخور اللينة ، وتشكيل الجلاميد المنفردة ، وتحويل الأحجار الصغيرة إلى ما يسمى "الوجه ريحيات" أي إلى الحصى المضلع ذي الأوجه المصقولة Venti Facts ومنها الحصى ذو الأضلع والأوجه المشهورة في اللغة الألمانية باسم Windkanter .
    والوجه ريحيات عبارة عن حصى أو قطع صخرية تمزقت من الصخر بتأثير التجوية ، ثم تعرضت لانقضاض حبات الرمال فترة طويلة ، فينشأ عن ذلك بري وصقل أحد جوانبها ، وتعرف بذات الوجه الواحد Einkanter الذي تتعامل حافته مع اتجاه الرياح .
    وحين يتغير وضع الحصوة لسبب أو لآخر كأن تدور أو تنقلب بفعل هبوب الريح ، يتعرض جانب ثان وثالث لهبوب الريح المحملة بالرمال ، فتتكون عدة أوجه تصقلها وتبريها الرياح ، فينشأ عن ذلك أن يتحول الحصى إلى أشكال مثلثة أو رباعية أو خماسية أو متوازية الأوجه والحواف ، وقد ينشأ مثيل لتلك الأشكال حينما يتغير اتجاه الرياح بانتظام ويبقى الحصى ثابتا .

    3- القواعد الصخرية والموائد الصحراوية والشواهد :

    لقد كان يعتقد فيما مضى أن الأشكال الصخرية الصحراوية التي تشبه قواعد التماثيل Pedestal وما يسمى مشروم Mashroom الذي يمثل صخرة تشبه المائدة القائمة على عمق واحد ، تنشأ نتيجة لبري حضيض الصخور بواسطة الرياح ، لكن يرجح الآن تأثير التجوية الكيميائية حول التقاء حضيض الصخور بسطح الأرض المبتلة .
    والواقع أن القواعد الصخرية والموائد الصحراوية وغيرها من أشكال الشواهد Zeugen لا يقتصر وجودها على الصحاري وحدها ، بل تمكن رؤيتها مرارا في جهات أكثر رطوبة بكثير ، حيث لا يمكن أن نجد لفعل الريح أثراً ، وأمثلة ذلك عديدة في إقليم يوركشير بإنجلترا ، فيما يعرف هناك باسم صخور بريمهام Brimkam Rocks وفي منطقة فاريايجيل لبنان وفي الجور السويسرية والفرنسية (شكل 3 أ ، ب) . "تأثير التعرية الهوائية في الكتل الصخرية"







    4- تضاريس الياردانج (الكدوات) :
    ولعل الشكل الأرضي الوحيد الذي يمكن إرجاع تكوينه لفعل الرياح بشيء كثير من التأكيد وهو ما يسمى ياردانج Yardang وما يصحبه من ظواهر الحافة و الأخدود Ridge-and-Furrow وتتضمن هذه الظواهر منخفضات ممدودة مطولة حفرتها الرياح على طول امتداد خطوط ضعف في الصخور ، ويكون توجيهها عادة في نفس اتجاه الرياح السائدة .
    ويفصل بين هذه المنخفضات كتل وحافات صخرية صلدة مقاومة لفعل الرياح تبدو بشكل ضلوع الحيوان ، وتلك هي الياردانج .
    ولا يزيد ارتفاع الياردانج عن تسعة أمتار إلا فيما ندر ، وكثيرا ما يقل علوها عن ذلك ، وتظهر عند قواعدها آثار بري بواسطة الرياح (شكل 4) .
    ولهذه الظاهرة أمثلة واضحة في قاع منخفض الخارجة حيث تعرف هناك باسم "الكدوات" ، (امبابي 1970) . رسم شكل 4 (تضاريس الياردانج)



    شكل (4) (تضاريس الياردانج)
    5- المنخفضات الصحراوية :

    وهناك نمط مهم واحد من أنماط الأشكال الأرضية في الصحاري ، يمكن اعتباره حصيلة لتعرية الرياح . انه المنخفض المغلق ، الذي يمثل ظاهرة لكل الأراضي الجافة والذي يتفاوت في مساحته تفاوتا كبيرا .
    فلقد لا تتعدى مساحته بضعة أمتار مربعة في بعض الصحاري ، بينما تصل بضع عشرات أو مئات من الكيلو مترات في تجاويف بانج كيانج Pang Kiang في صحراء منغوليا ، بل أن منخفض القطارة في صحراء مصر الغربية ، والذي يرجع البعض تشكيله لفعل الرياح وحدها أيضا ، تزيد مساحته عن 51000 كيلو مترا مربعا (عرضه 160 كيلو مترا ، وطوله 320 كيلو مترا) وعمقه عن 135 مترا . وقد نشأ عن طريق إزالة نحو 3300 كيلو مترا مكعبا من المواد الصخرية كما يذكر بيل Peel (1960،1966)6 .
    ومن المعروف أن بعض المنخفضات المغلقة ذات نشأة تركيبية تكتونية فلقد يتكون المنخفض نتيجة لعيب أو انكسار ، أو يتشكل في ثنيه التوائيه مقعرة ، أو يشغل مكان تقوس إلى أسفل إقليمي عريض .
    لكن النشأة التكتوتية لا يمكن تطبيقها على كل المنخفضات الصحراوية . ونحن نرى لغالبية المنخفضات الصحراوية الكبيرة نشأة مركبة (جودة 1972،1975) ويبدو أن معظمها قد تشكل منذ البداية في مناطق تلامس جيولوجي ، تتألف من صخور قابلة للتجوية وحيث الرطوبة كانت متوفرة وبالتالي سهل تحطيم الصخور وتفتيتها .
    والمواد التي تفككت وتحللت بهذه الواسطة أمكن تذويبها واكتساحها بواسطة الرياح ، وبذلك كان يبدأ تشكيل المنخفضات .
    ويبدو أن العملية برمتها كانت تقوى ويشتد ساعدها تلقائيا ، ذلك أن التجويف الآخذ في الاتساع يعمل على زيادة تراكم الرطوبة ، ومن تزداد سرعة تأثير التحلل الكيميائي . وتدأب عمليات التذرية والاكتساح في تعميق التجويف ، حتى يظهر وينكشف الماء الأرضي . وحالما تصل عملية الاكتساح إلى هذا الحد كانت الواحات تتشكل ، أو قد كان ينشأ عن التبخر تكوين غطاء عازل من الأملاح يمنع استمرار فعل الرياح .
    رسم شكل 5 "تكوين المنخفضات الصحراوية"



    شكل (5) "تكوين المنخفضات الصحراوية"
    ويبدو أن تجاويف اكتساح الرياح تعاني النحت الرأسي (التعميق) والنحت الجانبي (التوسيع) كليهما . ذلك أن بعض منها تكتنفه جروف أو حافات شديدة الانحدار ، وهى بمثابة شواهد على عمليات التراجع النشطة . وغالبا ما تشاهد دلائل لعمليات نحت سفلي عند قواعد الجروف يعزوها بعض البحاث لفعل الدوامات الهوائية والنحر الراجع إلى تأثير جوانب الجروف المحجوبة عن الرياح . بينما يردها آخرون لتأثير التجوية الكيميائية عند منسوب أرضية المنخفض المبللة بالمياه .
    ولقد تكون العملية الرئيسية المسئولة عن تراجع الجروف أو الحافات هي الجدولة أو التخديد Gullying بواسطة الجريان المائي السطحي ، أو قد يحدث تراجع الحافات المشرفة على المنخفضات الصحراوية بواسطة هذه العوامل مجتمعة ، وهذا ما شاهدناه في منخفضات صحاري مصر وليبيا وأشرنا إليه في أكثر من مقال (جودة 1972 ، 1975 ، 1980) . شكل 6 "منخفضات الواحات بصحراء مصر الغربية"




    شكل (6) "منخفضات الواحات بصحراء مصر الغربية"


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعمل...
X