إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرواية العربية إنجازاتها و مستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 2 - د.نضال الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرواية العربية إنجازاتها و مستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 2 - د.نضال الصالح

    الرواية العربية إنجازاتها ومستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 2 - د.نضال الصالح

    إنجازات الرواية العربية:‏
    مهما يكن من أمر فعاليات تحقيب الرواية العربية، أي نصيبها من الصواب أو الخطأ وتعدّد علاماتها اللغوية وتكثّرها أيضاً، فإنه يمكن التمييز بين مرحلتين مركزيتين في تاريخ المدوّنة العربية: تمتد الأولى ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر ونهاية الستينات من القرن العشرين، والتي يمكن الاصطلاح عليها بمرحلة النشأة والتأسيس، وتمتد الثانية ما بين نهاية الستينات إلى الآن، والتي يمكن الاصطلاح عليها بمرحلة التجريب والتأصيل.‏ كانت الستينات إيذاناً بتحوّلات جذرية في التجربة الروائية العربية، فعلى الرغم من محاولات التجديد التي أبداها عدد من الروائيين طوال المرحلة الأولى، فإنّ تلك المحاولات لم تستطيع تقويض التقاليد التي نشأت عليها تلك التجربة، أو التأصيل لتقاليد جديدة، على حين شكّلت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين منعطفاً حقيقياً في مسارها، وأحياناً غير منعطف في العقد الواحد نفسه. ويمكن إجمال الحدود الفاصلة بين المرحلتين بالسمات الثلاث التالية:‏
    1 ـ فورة الإنتاج الروائي:‏
    شهدت بداية السبعينات تزايداً لافتاً للنظر في كمّ الإنتاج الروائي العربي، بلغ في بعض الأقطار العربية، حداً تجاوز معه فيما بين نهاية الستينات ونهاية التسعينات ثلاثة أضعاف ما صدر من أعمال طوال ستة عقود أو تزيد. فبينما لم يكن عدد الأعمال الروائية الصادرة في سورية حتى نهاية الستينات، على سبيل المثال، يتجاوز مئة وخمساً وعشرين رواية، بلغ في العقود الثلاثة الأخيرة وحدها ما يزيد على ثلاثمئة وخمسين رواية، وتجاوز بين عقدي السبعينات والثمانينات وحدهما في مصر ما يزيد على ثلاثمئة رواية، ولم يكن قد تجاوز حتى نهاية الستينيات أكثر من مئة وستين رواية. والسمة نفسها تتجلّى، على سبيل المثال أيضاً في المشهد الروائي الفلسطيني على حين لم يكن عدد الأعمال الروائية الفلسطينية الصادرة حتى نهاية الستينيات أكثر من نحو خمسين رواية بلغ فيما بين عامي 1960 و 1999 أكثر من ثلاثمئة رواية على الرغم من الظروف الغاشمة التي كانت تعصف بالوطن الفلسطيني وبالمثقف الفلسطيني بآن.‏
    2 ـ تعدّد المغامرات الجمالية:‏

    لم تكن التحوّلات التي دفعت بالرواية العربية إلى الأمام وقفاً على المستوى الكمي بل تجاوزت ذلك إلى المستوى الفني الذي بدت العقود الثلاثة الأخيرة معه موّارة بالجديد دائماً، ولا تعني أجزاء بعينها من الجغرافية الروائية العربية، أو جيلاً بعينه من الروائيين، أو روائياً بعينه فحسب. فعلى حين كانت فعاليات التجريب حتى نهاية الستينات وقفاً على أجزاء محددة من المشهد الروائي العربي، مصر وسورية والعراق خاصة، امتدت تلك الفعاليات، مع نهاية الستينات، لتشمل، وبنسب متفاوتة، الأغلب الأعم، من الجغرافية الروائية العربية. وعلى حين كاد نتاج السبعينات يوحي باستفاد مجمل أشكال التجريب، تمخض نتاج الثمانينيات عن مغامرات فنية أكثر جرأة، وعزّز نتاج التسعينيات الثقة بمستقبل الإبداع الروائي العربي.‏ فمن تجديد الواقعية ومناوئة المقدّس بأشكاله كافّة، كما في "التفكيك" و"معركة الزقاق" لرشيد بوجدرة، و"الخبز الحافي" لمحمد شكري، وفي غير رواية لغالب هلسا: "الضحك"، و"الخماسين"، و"السؤال"، و"ثلاثة وجوه لبغداد"، ورواية سميرة المانع: "حبل السرة"، إلى استثمار العجائبي والغرائبي كما في: "الشيخ ومغارة الدم" لنذير العظمة، و"كوابيس بيروت" لغادة السمّان، و"فردوس الجنون" لأحمد يوسف داوود، فالأسطوري كما في "الأنهار" لعبد الرحمن مجيد الربيعي، وفي أعمال هاني الراهب: "التلال"، و"خضراء كالمستنقعات"‏ و"خضراء الحقول" وفي "الحنظل الأليف" لوليد إخلاصي، و"طائر الحوم" و"إنانة والنهر" لحليم بركات، إلى إعادة كتابة التاريخ كما في خماسية عبد الرحمن منيف: "مدن الملح"، وثلاثية خيري الذهبي: "التحوّلات"، ورباعية نبيل سليمان: "مدارات الشرق"، و"دفاتر الطوفان" لسميحة خريس، إلى استلهام سرد المتصوّفة كما في الأغلب الأعمّ من أعمال جمال الغيطاني: "التجليات"، و"رسالة في الصبابة والوجد"، و"شطح المدينة"، و"هاتف المغيب"، و"خلسات الكرى"، إلى استلهام التراث كما في: "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" لإميل حبيي، و"النفير والقيامة" لفرج الحوار، و"المقامة الرملية" لهاشم غرايبة، إلى استدعاء الموروث الحكائي من التاريخ والسرد الشعبي، كما في: "ما تبقى من سيرة الخضر حمروش" لواسيني الأعرج، إلى الاستفادة من تقنيات الصحافة والسينما والوثائق، كما في: "ذات" لصنع الله إبراهيم، إلى تقويض خطية الزمن، كما في: "امرأة للفصول الخمسة" لليلى الأطرش، فـ "رواية النصّ" أو "الميتا رواية"، إلى "رواية الضدّ" كما في: "أحياء في البحر الميت" لمؤنس الرزاز،وسوى ذلك كثير مما يؤكّد أنّ الرواية العربية "لم تعرف.. منذ مخاضها العسير المهادنة في تحرير نوعها من هيمنة النوع الأدبي الواحد، أو الاتجاه الأدبي الوحيد، أو التقنيات الثابتة" (2)، ومّما تجلّت معه ومن خلاله حاضنة حقيقية لمختلف إنجازات الإنسان من مغاراته الفكرية الأولى إلى الراهن، وحقلاً شاسع الإمداد للتجريب وخلخلة السائد.‏
    3 ـ بروز الصوت النسوي:‏
    أثبت المشهد الروائي العربي طوال تاريخه، وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الثلاث الأولى من هذا العقد خاصة، أنه مشهد متجدد. وإذا كان من أبرز ما ميزه في مرحلته الأولى ترجّح الخطّ البياني المحدّد لمساره بين انحناءات حادة، ومتعثّرة أحياناً، فإنّ من أبرز ما ميّز هذا الخط نفسه في المرحلة الثانية ليس تصاعده الدائم فحسب، بل إفصاحه أيضاً عن سمتين تكادان تكونان خاصتين به: حضور الصوت النسوي فيه بقوّة، ثمّ كفاءة عدد غير قليل من التجارب الروائية النسوية في صياغة مشهد جديد لم‏ تعد المكانة الممنوحة للمرأة العربية المبدعة فيه هامشية، أو تزينية، حسب نازك الأعرجي، بل مكانه دالّة على أنّ الإبداع النسوي مكوّن فاعل في حركته، وفي وسائل تجديده لنفسه على غير‏ مستوى. فبالإضافة إلى الأصوات النسوية التي أشرت إليها آنفاً (غادة السمان، وسميرة المانع، وسميحة خريس، وليلى الأطرش) وسواها، برزت أصوات: أنيسة عبود وأميمة الخش وماري رشو وسمر يزبك من سورية، وهدية حسين من العراق، وفيروز التميمي من الأردن، وميرال الطحاوي ونجوى شعبان ونورا أمين من مصر، وياسمينة صالح من الجزائر وفوزية شلابي وشريفة القيادي من ليبيا، وهدى ونجوى بركات وعلوية صبح وإلهام منصور من لبنان وعروسية النالوتي ومسعودة أبو بكر من تونس، ورجاء عالم وليلى الجهني من السعودية، ودلال وشعاع خليفة من قطر، وفوزية شويش السالم من الكويت، وسوى ذلك.‏ وإذا كان ذلك كلّه، وسواه بآن، هو ما جعل التجربة الروائية العربية فضاء مفتوحاً على الاحتمالات دائماً، فإنه وسواه ما يجعلها فضاء واعداً بالاحتمالات أيضاً.‏
يعمل...
X