إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المقهى الدمشقي (القهوة الدمشقية) للترفيه والسياسة - شمس الدين العجلاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المقهى الدمشقي (القهوة الدمشقية) للترفيه والسياسة - شمس الدين العجلاني

    مقاهي الشام أيام زمان
    تشكلت فيها الأحزاب ومنها انطلقت الثورات ضد الاستعمار

    شمس الدين العجلاني - أثينا
    المقهى الدمشقي (أو القهوة الدمشقية) كان إحدى سمات الحياة الاجتماعية في دمشق حيث كان يرتاده أهل البلد للترفيه عن النفس من خلال لقاء بعضهم البعض

    والاستماع إلى قصص (كركوز وعواظ) والحكواتي وتناول النارجيلة والقهوة والشاي، والحديث عن الأحوال العامة للبلد. لقد كانت شخصيتا (كركوز وعواظ) وشخصية الحكواتي هي المحور الرئيسي للمقهى، وهذا الحكواتي هو الشخصية الثقافية في المقهى وتعتبر شخصيته من أهم الشخصيات العاملة في هذه المقاهي، إذ وجب عليه أن يكون حافظاً للقصص التراثية، والملاحم والسير البطولية من التراث ومن الواقع والأسطورة، وملما بالشعر وفصيح اللسان، وحافظا لنوادر العرب والعجم.
    عرفت دمشق عدداً كبيراً من المقاهي أيام زمان، ولم تكن هذه المقاهي مجرد مكان للتسلية وشرب القهوة أو الشاي، بل كانت مكاناً اجتماعياً وفكرياً وسياسياً لعبت الدور المنوط بها على الصعد كافة.. فشهدت معظم هذه المقاهي أحداثا مهمة، تشكلت فيها الأحزاب والمنتديات الثقافية والفكرية والسياسية، وانطلقت منها الثورات ضد الاستعمار.
    شهدت المقاهي الدمشقية ازدهاراً كبيراً، وكان معظمها يقع على ضفاف نهر بردى وبغياب المراكز الثقافية آنذاك أصبحت هذه المقاهي مكاناً لتجمع الشباب المثقف الذي تحزب خلف رايات وطنية وفكرية متباينة، وعرفت عدة مقاه في تلك المرحلة على أنها عنوان للمفكرين والمثقفين والسياسيين، ومكان ملائم للقائهم. هذه المقاهي لم يقتصر ارتيادها على عامة الناس، بل كانت أيضاً ملتقى الأدباء والشعراء وحتى العلماء وشيوخ الطرق الصوفية نزلوا إليها وجلسوا فيها على الرغم من انتقادهم لها؛ إذ اعتبر النزول إلى المقاهي من العلماء سببا في زوال هيبتهم. يقول المؤرخ المرادي في ترجمته للشيخ إبراهيم بن مصطفى الجباوي (توفي:1135هـ/1722م) أن ارتياده للمقهى «أزال عن نفسه هيبة المدرسين».

    الولاة والمقاهي
    ساهم ولاة دمشق في تأسيس المقاهي فانتشرت المقاهي في جميع أنحاء المدينة وخاصة في منتصف القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وقد ساهم في ذلك الوالي (درويش باشا) الذي بنى مقهى بالقرب من سوقه الدرويشية، وسمي هذا المقهى (مقهى الدرويشية) ثم جاء الوالي سنان باشا فأمر سنة 599 هجرية ببناء مقهى بالقرب من جامعه وسوقه المعروفين، وقد ذاع صيت هذا المقهى فيما بعد وقيل عنه: إنه من أجمل مقاهي دمشق،
    أما الوالي أسعد باشا العظم في عام 1167هـ /1753م، فكان قد رمّم على نفقته مقهى المناخلية، وكذلك الدكاكين المجاورة ومجاري الماء التي تغذي المنطقة. وبعد عامين، أي عام 1169هـ- 1755م، بنى أسعد باشا مقهيين جديدين، أحدهما في «باب سريجة» والآخر أمام «باب مصلّى» إضافة الى ذلك أكمل بناء مقهى يسمى الصاغور كان قبلُ استراحةَ شيخ حي الساروجة. ‏ فقد بنى العديد من المقاهي في أنحاء دمشق، عرف منها(مقهى الشاغور) بالقرب من مقام الشيخ السروجي، وبنى أيضاً مقهى في محلة باب مصلى بالقرب من جامعها الشهير، وبنى أيضاً مقهى في محلة باب السريجة. ثم تابع بعدهم كبار قادة الجيش والفرق العسكرية المقيمون في دمشق بناء عدد من المقاهي ففي حي الميدان بنى الدفتردار (محاسب ولاية دمشق) فتحي القلاقنسي مقهى بالقرب من حمامه المعروف بـ(حمام فتحي)، وبنى الأمير حسن كتخدا التركماني عدة مقاه في حي الميدان عرف منها مقهى في حي زقاق الوسطاني، ومقهى آخر في زقاق الجواني..
    انتشرت المقاهي وازدهرت بدمشق مع مرور الأيام والسنين وحفلت شوارع دمشق وأسواقها الرئيسية والشعبية بالعديد من هذه المقاهي، منها المتواضع ومنها الفخم، ولفت هذه المقاهي انتباه الرحّالة الأوروبيين والمختصين العرب.
    ومن هذه المقاهي حسبما يروي عدد من المهتمين العرب والأجانب هي:

    نعمان قساطلي
    يشير المؤرخ نعمان قساطلي عام 1879 م في كتاب (الروضة الغناء في دمشق الفيحاء) إلى أنه كان بدمشق 110 مقاه في القرن التاسع عشر بين كبيرة وصغيرة، وهي برزت كمتنفس شعبي لكل فئات الشعب وطبقاته وانتشرت في أنحاء المدينة، ومن أشهرها قهوة ( السكرية) في باب الجابية، وقهوة (القماحين) بالقرب منها، وقهوة (العصرونية) قرب قلعة دمشق وهي من أهم واعرق مقاهي دمشق ويقال: إن هذا المقهى استقدم في نهاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي فنانا وممثلا ومغنيا فرنسيا ذائع الصيت يدعى(مالديس) قدم فيه عدة حفلات فنية.. وقهوة (المناخلية)، وقهوة (الجنينة) في سوق الخيل، و(جاويش) في القيمرية، و(الرطل) في باب توما، و( المشيرية) قرب القصر العدلي، ‏ومقهى (علي باشا) الشعبي على ناصية ساحة المرجة، وقهوة (الحجاز) التي لا تزال قائمة حتى الآن، وفي المرجة كانت هناك عدة مقاهٍ أشهرها مقهى (القصارين)، و(مقهى العباسية) على ضفة بردى والذي اقيم مكانه فندق سمير أميس الحالي، ومقهى الشيخ محمد اليتيم في السويقة، وكانت هناك أيضاً مجموعة من المقاهي المنتشرة ضمن حدائق ومنتزهات دمشق. ‏ كمقهى (حديقة الأفندي) و(حديقة الصوفانية) في محلة باب توما.

    جان تيفينو
    يذكر الرحالة الفرنسي جان تيفينو بعد أن زار دمشق عام 1664م: (كل مقاهي دمشق جميلة، ولكن أجمل المقاهي تجده في الضواحي، أي خارج سور المدينة القديم، وبينها مقهى السنانية ويطلق عليه اسم القهوة الكبيرة لاتساع مساحته، ويزيد من رونقه ذلك العدد الكبير من النوافير الدافقة في بحراتها الكبيرة).

    راندي ديغويلهم
    وتبقى دراسة الباحثة الأميركية راندي ديغويلهم التي أعدتها عن تاريخ مقاهي دمشق ونشرت في نشرة الدراسات الشرقية، إصدار المعهد الفرنسي بدمشق من أهم الدراسات التي وضعت عن مقاهي دمشق فتقول الباحثة:
    تحتل المقاهي مكاناً وسيطاً في المخطط المعماري للمدينة المسلمة. وهي ليست ساحات عامة كالمساجد الكبرى، وليست أماكن شخصية كالمنازل، فساحات المقاهي تشابه غالباً ساحات الحمامات. وهي مفتوحة للناس كلهم تقريباً، ولكن الذين لم يألفوا ارتيادها يبدون غرباء في أعين الرواد الدائمين. وبفضل دراسة مستقصية للمصادر من أصولها نستطيع أن نعيد بناء الحياة الاجتماعية -الاقتصادية، وكذلك السياسية، التي كانت تجري في محيط المقاهي. ومن هذه المصادر المحاضرُ، المحررة في سجلات المحاكم الشرعية، وجرد البيانات بعد الوفاة، ووثائق الأوقاف، والمحاضر الشرعية الأخرى التي تسرد فيها المعلومات التي تخص أبنية المقاهي وبيعها وشرائها ووقفها وإيجارها. ومن جهة أخرى فالأبحاث التي كتبها العلماء، والمذكرات والصور الفوتوغرافية القديمة، والرسوم اللاذعة غالباً، والمنشورة في صحف العصر ومجلاته... لها أهمية رئيسة في هذا الصدد. ‏
    البديري الحلاق

    يقدم المؤرخ «البديري الحلاق» بعض المعلومات عن مقاهي دمشق في منتصف القرن السابع عشر، فيذكر في مذكراته، أنه في هذا العصر كان مقهى الخنديزاتية (الموصوف كما لو كان قريباً من بيت السفرجلاني) مكاناً هاماً محاطاً بدكاكين، ومقهى المناخلية (الذي استمر قرنين فيما بعد) كان يقع قرب القلعة، وقد قاسى كثيراً من الأمطار الغزيرة التي هطلت عام 1160هـ =1747م عندما تسرب الماء إلى داخله إلى ارتفاع ذراع رجل. وكان العسكريون خاصة هم الذين يرتادونه لوقوعه قرب القلعة. ‏

    جمال الدين القاسمي
    وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر، يقول الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه، تشهد المصادر أنه كان في دمشق بين مئة وعشرة مقاهٍ إلى مئة وعشرين، نذكر منها مقهى السكّرية ومقهى القماحين اللذان يقعان في باب الجابية، والدرويشية في الحيّ الذي يحمل اسمه، والعصرونية الذي استغرق بناؤه أربع سنوات، والرطل في باب توما، والصوفانية خارج باب توما تماماً، والمناخلية قريباً من القلعة، والجنينة، وكازينات في سوق الخيل، وجاويش في القيمرية، والعمارة في الحي الذي يسمى باسمه، ومقهى باب السلام.. ‏
    وكان سعر مشروب القهوة يتراوح بين 5-20 قرشاً (بارة) حسب غلاء المكان. ‏ أما التسليات المقدمة في المقاهي فمعلوماتنا قليلة عن ضروب النشاط الدقيقة التي كانت تمارس في هذا المقهى أو ذاك طوال القرون السابقة. أما في مقاهي مطلع القرن العشرين فإن الذكريات الشخصية تساعد على ملء هذه الفجوات. وعلى سبيل المثال، ووفقاً لذكريات أحد الدمشقيين، ففي مقهى كريستين، في حي المرجة بدمشق، الذي اكتسب تسميته من الراقصة والمغنية الأرمنية، كان الاستمتاع برقص مدام كريستين والاستماع إلى أغانيها في المقهى (الذي يملكه زوجها) شيئاً مطلوباً جداً بين البرجوازيين، في حين لا يملك الآخرون تكاليف الدخول. ‏
    أما عن أوصاف المقاهي الكبرى فقد كانت الجدران الخارجية مدهونة غالباً بألوان زاهية، والداخلية مجهّزة بديكور مدهش. والوصف التالي لبناء مقهى كبير بدمشق مستخلص من وثيقة رسمية حُرّرت عند القاضي خورشيد أفندي عام 1914م بدمشق، تتعلق بمقهى (قهواخانة) مملوك بالوقف من أسعد باشا العظم، ومؤسس في منتصف القرن الثامن عشر. يهمنا وصفُ المقهى من الداخل، وهو خارج السور في سوق الجمل قريباً من سوق الخيل، وكلا السوقين في منطقة سوق ساروجة، يطل جانبه الجنوبي على بردى. يقول الوصف: طابقان مجهزان بمرافق المياه، ينفتحان على فناء مغطى، في كل طابق غرف خاصة بالزُبُن. ‏ يمكن، وفقاً لنص الوثيقة، التحقق من كثير من الأشياء انطلاقاً من وصفها الموجز لما في داخل مقهى كبير، فوجود طابقين للمقهى وغرف متنوعة يدل على أنه كان للبناء وجوه استعمال متعددة. كان يستخدم طبعاً بوصفه مقهى عدة ساعات في اليوم، لكن لغرف الطابقين استعمالاً إضافياً، فربما تؤجر لبعض الناس ممن يحتمل أن يكونوا من عُزاب المدينة أو أشخاصاً عابرين. وفي هذه الحالة يترافق المقهى بفندق. وكذلك يمكن أن تستعمل هذه الغرف أماكن للألعاب أو للقاءات عاطفية ومن جهة أخرى كان فناء المقهى مغطى، في حين أن معظم الفنادق الكبيرة، وفقاً للصور الفوتوغرافية المأخوذة في القرن التاسع عشر، كانت أفنيتها مكشوفة. وهذا الاختلاف يشهد على تنوع فن عمارة الفنادق الكبرى في نهاية العصر العثماني في دمشق. ‏

    الرحالة جان تيفينو
    زار الرحالة الفرنسي جان تيفينو دمشق عام 1664م، ووصف مقاهيها فقال عن مقهى السنانية: إنه يحتوي عدداً كبيراً من النوافير الدافقة في بحرته الكبيرة، ومقهى الدرويشية كان يحوي جدولاً وأشجاراً كبيرة، وهما كانا حسب وصف الرحالة مجاورين لجامعي السنانية والدرويشية اللذين لا يبعدان عن بعضهما سوى أمتار قليلة. ويتحدث عن قهوة بين النهرين التي كانت تقع في منطقة المرج حيث يتفرع بردى إلى فرعين بينهما جزيرة. ويصفها جان تيفينو بأنها «مكسوة بالزهور والنباتات الأخرى... أن هذه الخضرة والألوان المرقّشة إضافة إلى أريج الأزاهير العديدة تضفي الكثير من البهجة على تلك المشاهد... نعم فإنها حَرِية بتعزيز الإمتاع الذي تشعر به في أي مكان يتصف أصلاً بالجمال».

    الليدي استانهوب
    أما الرحالة الإنكليزية الليدي استانهوب التي زارت دمشق في القرن التاسع عشر نحو عام 1810 فكتبت تقول: «وفي المقاهي يتربع الدمشقيون بوقار على مصاطب غطيت ببسط خشنة يدخنون النارجيلة أو يرتشفون القهوة المعطرة بالعنبر الأصفر الذهبي في فناجين صغيرة، وإذا ما عطش الزبائن يستوقفون سقاءً عابراً أو بائع الجلاب أو العنب، ومن حين لآخر يتصدر(الحكواتي) المقهى ويشرع في سرد حكاية من حكايا ألف ليلة وليلة.. ». سقى اللـه تلك الأيام، وسقى أيام كانت فيها مقاهي الشام شاهدا على حراك ثقافي سياسي اجتماعي، بعد أن أضحت اليوم مكانا لملء الفراغ وهربا من الثقافة والحراك الاجتماعي.!؟
يعمل...
X