Announcement

Collapse
No announcement yet.

بين الفن والمنفعة عالم التصميم - علي النجار

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • بين الفن والمنفعة عالم التصميم - علي النجار

    عالم التصميم بين الفن والمنفعة

    علي النجار





    على امتداد عمري الفني الذي تجاوز الاربعون عاما, كنت خلالها ارسم رسوما باساليب وبمفاهيم مختلفة. وفي السنوات الاخيرة نفذت بعض الاعمال التركيبية. لكني وفي كل هذه الاعمال, وفي كل لحضات اتخاذ القرارات التنفيذية. من شطب بعض الاجزاء, او اظافة اخرى على مساحة سطح او فضاء العمل. لم تكن من اوليات عملي ان ابحث عن كيفية حدوث التوازن او ما نسميه الاستقرار المطلوب لعناصر العمل او تفاصيله, لتاخذ مكانها في الفضاء المقرر بدون ان يخل بتوازن فضاءاته الداخلية او المحيطة. بالتاكيد هناك طرق شتى لفعل ذلك. كأن مثلا ان يكتض العمل بتفاصيله المختلفة, طاردا الفراغ من مجمل سطح العمل. وكما في الارابسك. لكني فضلت المغامرة غالبا, لادع نسبة ما من الفراغ تتخلل تفاصيل اعمالي, او تحيطها, وبالقدر الذي يمكنني من معالجة تصوري الخاص في اعمالي. وغالبا ما كانت معالجاتي توفر لي حرية التصرف في انشاءات هذه الاعمال. اذا ثم ميكانزم لا شعوري(بالنسبة لي) يتحكم في صياغة تنفيذ اعمالي. لكنه مع ذلك لم يخل بتوازن مفرداتها ومناورة فضاءاتها.رغم ان هذا الامر يشكل احد شروط العمل التصميمي, ومنه الفوتوغرافي, واللقطة السينمائية. لكن الفرق يكمن في ان اعمال التصميم تحتكم الى الارادة في تنفيذها, وليس كما هو الحال في الغالبية من الاعمال الفنية التي هي من ثمار الموهبة الذاتية ورهافة ادراك الفنان.
    تتشابه بعض عناصر العمل التصميمي والفني كثيرا. فهي كما ذكرت تعالج الفضاء(كنسبة ذهبية) تكفل توازن وثقل العمل وراحة الابصار. مثلما تراعي الفضاء المحيطي الحاضن. كذلك بالنسبة للخط ومساراته واللون واهميته الايحائية. سواء كان مفردا او اساسيا او ثانويا, لتحقيق متعة الابصار ومراعاة العامل النفسي(الدفء والبرودة) والايحاءات الطبيعية او الذاتية. مع التركيز على منطقة جذب انتباه معينة. كذلك الاعتناءبما يخص نسيج العمل وايحاءاته الفنتازية والمادية. الصناعية والطبيعة. الشكل والتشكيل الهندسي او العضوي وبملمسه وانماطه المختلفة. ثم قيمة العمل التي تتمثل في قدرة تعاطيها والذات الانسانية وفضاءاتها المختلفة الفيزيائية والذاتية, وصولا لتحقيق المنفعة او الغاية التي اشتغل على تحقيقها العمل التصميمي .
    ثمة قواسم مشتركة او مختلفة ما بين عالم الفن وعالم التصميم, تنسحب على مجمل عمليات اشتعالاتهما , ربما اندماجا او تقاربا, اوافتراقا. لكن كلاهما تشكل ضمن حاضن النتاج الثقافي الانساني. وان كان الفن ذاتيا وفرديا بامتياز على امتداد تاريخه الطويل. فان التصميم وكعملية متكاملة يخضع لشروط مجتمعية عامة, واجراءات جماعية(فريق عمل بمواصفات وشروط انتاجية وتسويقية معلومة). وان احتفظت المتاحف الانثروبولوجية بلقى اثرية هي عبارة عن ادوات للاستعمال اليومي او الطقوسي, صنعت من الحجر او البرونز او الذهب ولا تخلو من اهمية فنية. فاعتقدها كذلك, لكونها نتاج فردي جمعت ما بين الوظيفة والتزيين المفرط كهاجس وجداني او فني استحواذي. فان اجمعنا على انها اثارا فنية. فليس من السهولة اعتبار الاعمال التصميمية الحديثة كذلك, سواء كانت اعلانات تجارية, او تصاميم الازياء اوالاثاث وغيرها من الادوات والمجالات. لكن نحن لا نستطيع ان نتنبأ بالمستقبل البعيد, والذي من خلاله سوف ينظر لعصرنا باعتبار مخلفاته من هذه المصنوعات اثرا. ان لا ينظر الى لقى تصاميمنا المتنوعة, على انها اعمال فن, بعد ان يقصى او يندرس عامل ادراكها كادوات استهلاكية او ترفيهية او وسائل اتصال مجتمعية. وذلك لما لتدخلالت التصورات والموهبة الفنية من دور في عملية انتاجها. زكما هو الامر بالنسبة لمتاحف(الأنتيك) لسلات الملوك والاباطرة.
    العمارة كونها جامعة لعدة فنون تطبيقية وذوقية مشتبكة بشكل اكبر والفنون. وتكمن اهمية اكتشافات فناني الباوهاوس التصميمية بانهم سعوا لتسريع عملية تحديث المنتج الصناعي النفعي بمزاوجة خبراتهم البصرية الفنية التجريدة والتكعبية والفنتازية. هنا تتداخل الخبرة والذوق والمنفعة. العمارة استفادت من هذه الخبرات(مثلما استفادت من خبرات الفنانين للعصور السابقة). لكن ليس هذا هو العامل الوحيد الذي بنت تصوراتها عليه. بل من خلال استفادتها ايضا من الطروحات النظرية الفلسفية الحداثوية والمعاصرة(كما الفن المعاصر). وما العمارة التفكيكية الا جزء من حراك الزمن الفلسفي التفكيكي المعاصر. فلو نظرنا على سبيل المثال الى تصاميم منشات المعمارية(زهاء حديد) لاكتشفنا اشكالا(فورمات) فنية لا تختلف كثيرا عن اشكال منحوتات المواد(المتريال) المعاصرة. وبشكل خاص تمارينها(ماكيتات) الغير منفذة. او كما هو شكل مبنى عمارة(مبنى هيرست) في نيويورك للمعماري(نورمتن فوستر), او بناية اوبرا سدني. هنا وبتجازونا للهدف النفعي. يصعب التفريق مظهريا ما بين اعمال الفن وهذه الاعمال او المشاريع المعمارية. وخاصة لوجود اعمال فنية مجسمة عامة(في ساحات او فراغات المدن الكبرى) مقاربة لفورمات هذه الانشاءات. مثلما هناك شواهد من فن النحت الحركي حديثه ومعاصره.
    الهاجس النفعي متوفر في التصميم بشكل مباشر, فهو من الاهداف الاولى للعملية التصميمية . اما بالنسبة للفن, فهو غير وارد. لكنه تحصيل حاصل لادامة عيش الفنان. بعد انهائه عملية الابداع الفني, لا قبلها, اذا توفر له ذلك. هذا هو حال واقع الفن على امتداد العصور. اذا هنا عامل ذاتي, وهناك عامل مؤسساتي عام, وليس خاص. فالمنفعة المادية هي السابقة في الاعمال التصميمية. اما بالنسبة للفن فهي عرضية وليست قصدا. كما ان في معظم الاعمال التصميمية توجد خطة او اتفاقية لبناء نظام او كائن((كما هو الحال في المخططات المعمارية والرسم البياني والهندسة، والعمليات التجارية، ومخططات الدوائر الكهربائية وأنماط الحياكة صناعة الفخار، والهندسة، والإدارة، وغيرها). ويتم تنفيذها بتشاور العديد من الاطراف. صاحب العمل الممول المستثمر وشروطه. صاحب الفكرة ومكتب التمصمم والمنفذين مع توفر خط انتاج. ثم
    وسائل الدعاية المتداخلة, واخيرا العميل. ربما بعض من الانتاج الفني المعاصر يحتاج لنفس شروط الانتاج هذه, او بعضها. لكن تبقى الاهداف التسويقة والمنفعة العامة المباشرة او المجانية او المدفوعة الثمن مختلفة فيما بينهما.
    مراحل انتاج العمل التصميمي لا بد ان تكون من خلال التقنية العقلانية التي لها شروطها الخاصة التي تختلف عن شروط مراحل انتاج العمل الفني. فالابعاد الفنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسة مطلوبة في عملية التصميم, حيث تتطلب قدرا كبيرا من البحث والنمذجة والتكيف التفاعلي وحتى لو تطلب الامر اعادة المحاولة لايجاد الحلول التصميمة لاكثر من مرة حتى تتوافق وشروطها النموذجية . ثم متابعة نتائج ما بعد الانتاج لتتماشى وفلسفة العمل التجريبي, ومحاولة التطورير المستمر لديمومة الانتاج او لزيادة ارباح الاستثمار. التقنية العقلانية هنا بتفاصيلها الموجبة, غير واردة في انتاج العمل الفني. بما ان مراحل هذه التقنية هي من اساسيات انتاج العمل. وصولا لتحقيق الغرض منها, وهو التركيز على رغبات واحتياجات المستخدم للقطعة المصممة.
    للتصميم مجالات عمل مختلفة ومتشعبة تختلف عن مجالات الفن, منها(التسوق, الترفيه, الهوايات, التعليم, التكنولوجيا). كما انه خاضع في سلوكياته الاجرائية لشروط فلسفتة البراكماتية. وحتى لو كان هناك خيال وتصور وحتى مفاهيمي(يتماشى والزمن المعاصر) في ابتكار نماذج معينة تتوافق وشروط واهداف التنفيذ. أي بمعنى ما, ان ادوات التصميم تسطو على المنطقة الفنية(الذاتية, الخيالية) وتوظفها لمصلحتها المهنية. اذا ما عرفنا بان هناك تداخل لبعض الادوات التنفيذية ما بين الفن والتصميم وخاصة في مجال التصميم الجرافيكي, الازياء, الديكور, الاعلان, ومنه الفوتوغرافي, الرسوم الشعبية(البوب ارت). اظافة الى الايحاءات المتبادلة فيما بين العمارة والفن والفنون التطبيقية واعمال الترفيه الاكترونية. في عصر اشاعة التقنية الرقمية. من هنا نرى ان الفروق تكمن في اختلافات سياقات انتاج واهداف كل من الفنون الجميلة والفنون التجارية وكيفية تداولها, والتي تبلغ احيانا, في وقتنا الحالي, حدا لا نستطيع في بعض الاحيان من التفريق ما بين بعض اعمالهما. وحتى في مجال سلوكيات تسويق الاعمال. اذ يتعرض العمل الفني احيانا لمضاربة السوق الفني. حاله حال السلع ذات المهارة التصميمية والجمالية النادرة.
    غالبا ما يردد بعض الفنانين بان عملهم يقوم على افتراض وجود مشكلة ويسعون الى حلها ليكتمل العمل الفني عند حد معين لا يتعداه. افتراض المشكلة, هي اساسا بعض من مراحل تكون الفكرة. وبالنتيجة سوف يصبح العمل الفني حاضنا لفكرة الفنان المعالجة بجدلية, او بمعنى ما فكرة العمل الفني الخاصة التي نضجت باكتشاف حلولها الذهنية على وجه التحديد. المصمم هو الاخر يقترح افكارا, ويبتكر لها حلولا. لكنه يحولها الى افكار اتصالاتية بصرية تلبي اغراض وحاجات الاخرين. فهو ينطلق من الذاتي الى العام. على العكس من الفنان. بالرغم من كون الاثنين وظفوا الفكر, او الفكرة اداة لتنفيذ اعمالهم. لكن يبقى ما يسعى البه الفنان اليه من اجل هو السعي لتحقيق منطقة ابصاره الخاصة والمختلفة عن الاخرين. المصصم هو الاخر يسعى الى ذلك. لكن ليس من باب الاختلاف الكلي. بل من خلال المتوفر المشغول عليه بتنويعات متصلة ومستجدة, حتى ولو استعمل نفس المفردات من رسوم وصور ومجسمات وتقنيات خاصة او معملية.
    اعتقد ان عاملا اخر يلعب دوره في لفت الانتباه الى الفروقات ما بين مهنة العمل التصميمي والعمل الفني, هو العامل الاعتباري الموروث عن العمل الفني. فمجرد كون العمل يحمل صفته الفنية. سوف يكون محل التفات وتأمل متأني, مع متابعة لرأي النقد احيانا ان لم يكن غالبا في الوسط الذي يروج له, واهمية صالة العرض او المتحف, وحيز العرض واهميته التواصلية. كل ذلك بمصاحبة اثارة الاسئلة وعلامات الاستفهام في حالة غموض المعنى الافتراضي او العامل الجمالي او الدلالي. وكثيرة هي الاعمال الفنية التي كانت رائجة سوقها الفنية تعرضت لهزات لاحقة تشكك في قيمتها. او العكس. في مجال مقارنتنا هذه لا بد وان نأخذ هذا العامل محل اعتبار. لما له من اهمية تفاضلية مفترضة, يجب ان لا نتجنبها في محالة المقارنة. وخاصة في زمننا المعاصر المختلط الوسائل والمدارك والمتعدد التقنيات التي تتنافذ فيما بين وسائطها المختلفة.
    بالتأكيد يتطلب من المصمم ان يمتلك حرفية عالية ليحقق نتائج افضل لانماطه التصميمية. لكن هذه الحرفية اعتقدها تمر الان عبر مرشح اختزالي يمكنه من الاشارة الذكية وبتقليلية الى الفكرة وادوات تصورها ومعالجتها الصورية او التجسيدية. وافضل المصممين حققوا نتائجهم بهذه الالية, وكما في الاعمال الفنية التقليلية المعاصرة المتميزة. وليس على المصمم الا الانتباه لحراك عصره الثقافي الفني ومواصلة تطوير ميراثه و مبتكراته. فهو لا يكتشف(كما الفنان) بقدر ما يطور من خلال مقدرته الابداعية وحتى العاطفية ولذلك فهو اكثر تحفظا في هذا المجال من الفنان, بسبب من متطلبات مهنته التي تحتكم الى الياتها ونتائجها العامة, وليست نوازعها الخاصة الذاتية. وبما ان المصممين يخلقون اعمالا بصرية متميزة وحتى مذهلة احيانا, تخلق قناعة عند بعضهم بكونهم فنانين لا مصممين, ما دامت اعمالهم تنال تقدير الاخرين كما الاعمال الفنية. مثلما يعتبر بعض الفنانين انفسهم مصممين, خاصة في زمننا الرقمي هذا. اخيرا فلابد ان نقر بان هناك خط واضح يفصل التصميم عن الفن بشكل عام. لكن ليس بامكاننا ان لا نعترف بالعدبد من الاعمال التصميمية المعاصرة المختلفة الاغراض بكونها تحفا فنية, وكما اللقى الاثرية.

Working...
X