إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منحة مصرية لجنوب السودان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منحة مصرية لجنوب السودان

    منحة مصرية لجنوب السودان

    رأي القدس


    ان تقدم الحكومة المصرية منحة، مقدارها ثلاثمئة مليون دولار لحكومة جنوب السودان، تخصص لتنفيذ مشروعات تنموية في مجالات الموارد المائية والري، فهذه خطوة تعكس اهتماماً مصرياً رسمياً مفاجئاً بدول منبع النيل، ومحاولة لاصلاح قصور استراتيجي استمر لسنوات، ولكن هذه المنحة قد تؤدي الى كسب جنوب السودان وخسارة شماله في الوقت نفسه.
    فالحكومة السودانية قد ترى في هذا التحرك المصري السابق لاوانه تدخلاً في الشؤون السودانية الداخلية، وتحريضاً لشعب جنوب السودان على التصويت لصالح الانفصال في الاستفتاء المزمع اجراؤه في كانون الثاني/يناير المقبل.
    شعب جنوب السودان بحاجة الى مساعدات فنية ومالية من معظم جيرانه، فالبلاد لا تملك اي امكانيات مالية حقيقية تساعدها على تأسيس البنى التحتية للدولة في حال التصويت لصالح الاستقلال، ولكن ليس من عادة مصر الرسمية تقديم مساعدات مالية بمثل هذا الحجم الى دول اخرى، خاصة ان المبلغ المقدم لجنوب السودان ضخم جداً بالمعايير المصرية، ولا نبالغ اذا قلنا ان احوال الشعب المصري لا تقل سوءاً عن أهل جنوب السودان ان لم تكن اكثر.
    الاعلان عن هذه المنحة المالية التي لا ترد يتزامن مع توتر في العلاقات بين مصر والسودان، على ارضية تصريحات ادلى بها السيد احمد ابو الغيط وزير الخارجية المصري وقال فيها، ان بلاده ستعترف بجنوب السودان كدولة مستقلة، اذا ما قرر الجنوبيون الانفصال. فاذا كانت مثل هذه التصريحات توتر العلاقات، وتعتبر تدخلا في الشأن الداخلي السوداني وتحريضا على الانفصال فكيف سيكون الحال بعد الاقدام على خطوة اعمق، مثل تقديم هذا القدر من المساعدات المالية للدولة التي ما زالت 'نطفة' ولم تخرج من رحم السودان الموحد؟
    لا بد ان الدولة المصرية تملك معلومات مؤكدة من خلال اجهزتها الامنية المتغلغلة في السودان وغيره من دول منابع النيل بان استقلال الجنوب عن الوطن الام بات مسألة وقت لا اكثر ولا اقل، ولهذا قررت الاسراع بتوثيق علاقاتها مع الدولة الوليدة لكسب ودها، والحيلولة دون انضمامها الى الدول الافريقية الموقعة على اتفاقات تقاسم مياه النيل او 'اتفاق عنتيبي' نسبة الى المدينة الاوغندية التي احتضنت ممثلي الدول الموقعة.
    ان تكسب مصر جنوب السودان وتخسر شماله ربما يكون الامر مغامرة او مقامرة مكلفة على المدى الطويل. فشمال السودان اكثر اهمية بالنسبة الى مصر من جنوبه، ليس لانه عربي مسلم، وانما لان جميع مياه النيل تمر عبره، كما ان النيل الازرق الذي يرفد النيل باكثر من ثمانين في المئة من مياهه يلتقي بالنيل الابيض في الخرطوم، وليس في جوبا عاصمة الجنوب.
    السودان دولة ممر ومصر دولة مصب وغياب التعاون والتنسيق، ناهيك عن التحالف بين البلدين قد يؤدي الى اضعاف موقفيهما التفاوضي مع دول المنبع اولا، وتصعيب اي عمل عسكري مستقبلي ضد هذه الدول في حال وصول الجهود السلمية الى طريق مسدود.
    مصر ابتعدت لاكثر من ثلاثين عاما عن ملف دول المنبع، وغفلت طوال هذه السنوات عن التغلغل الاسرائيلي فيها، ولا نعتقد انها ستتضرر كثيرا اذا ما صبرت بضعة اشهر، وقررت مراقبة الوضع في جنوب السودان، حتى تتضح نتائج الاستفتاء على الانفصال ثم تبادر الى تقديم المساعدات المالية او غيرها. نأمل ان تكون الحكومة المصرية قد اجرت حسابات دقيقة تجاه هذا الملف الحساس، ولم تتسرع بتقديم هذه المنحة في هذا التوقيت الحرج.

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر
يعمل...
X