إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تشومسكي.. قوة الحقيقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تشومسكي.. قوة الحقيقة

    تشومسكي.. قوة الحقيقة



    لماذا منعت السلطات الإسرائيلية، المفكر الأميركي اليهودي المعروف نعوم تشومسكي من الدخول إلى الضفة الغربية، وأجبرته على العودة ؟. وما الذي يجعل إسرائيل، تلك القوة النووية المصنفة سادسة حول العالم بحسب تقارير استخباراتية مؤكدة حديثة، تخشى من رجل عجوز لا يملك إلا بعض الصحف ومداد للكتابة؟
    ربما كان لدى نعوم تشومسكي بالفعل ما يجعل إسرائيل بجبروتها وغطرستها تخشاه، فالرجل يمتلك قوة الحقيقة في وجه حقيقة القوة.
    »بشاعة العدوان الإسرائيلي على غزة، جعلت لساني عاجزا عن إعطاء وصف دقيق لما يحدث هناك.. بحثت في القاموس عن لفظة تجسد هول ما يحدث، فلم أجد.. حتى مفردة «الإرهاب» أو «العدوان» غير معبرة عن حقيقة المأساة».
    هكذا تحدث تشومسكي غداة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، خلال محاضرة له في مركز «ستار» للدراسات الدولية في ولاية ماساتشوستس الأميركية، حيث تقع جامعة هارفادر وهناك يعمل أستاذا قديرا في علوم اللسانيات، وبهذه الكلمات أدان المحرقة الفلسطينية المتواصلة.
    بعد أن وصف «دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في عدوانها بأنه دعم للانحطاط الأخلاقي»، ناظرا إلى ما هو أبعد من مجرد القوة الطائشة التي تمتلكها إسرائيل، ومعتبرا أنه «حتى لو انتصرت آلة الحرب الإسرائيلية على غزة، فستبدو إسرائيل كوحش تلطخت يده بالدماء».
    لم تكن يهودية تشومسكي يومًا سدًا أو حدًا أمام رحابة تفكيره ونزاهة منطقه وتجرده عن الهوى، ورغبته في إماطة اللثام عن الحقائق وفضح الأكاذيب العنصرية، وتعرية الخدع والمؤامرات المتلبسة في أثواب أميركية غالبا.
    والواقع أن تشومسكي يمثل عن صدق «لا سامية الأنا»، وبالرغم من شيوع تهمة «يهودي يكره نفسه بين اليهود»، وبالرغم أيضًا من زيادة التجرؤ على توجيه هذه التهمة منذ قيام عصبة مكافحة التشهير اليهودية (ADL)، فإن هذا المصطلح لم يصل إلى الشهرة العالمية إلا عندما وصم به تشومسكي.
    والمؤكد أن نشأة تشومسكي الأولى كان لها دور مهم وحاسم في تشكيل رؤيته للعالم، فأسرة والده هي أسرة يهودية مهاجرة من أوكرانيا، حطت رحالها في بالتيمور الأميركية، وقد كانت أسرة يهودية أرثوذكسية إلى أبعد حد، وتوصف بأنها من الأسر «الالترا أرثوذكسي».
    وهم طائفة يهودية كانت تعادي الصهيونية بشدة وترفض فكرة «العودة إلى الوطن» في إسرائيل ولا تزال، طالما أن المسيح المخلص لم يظهر بعد، تلك الطائفة التي يقول تشومسكي إنها ازدادت في التعمق الثقافي اليهودي الذي ينتمون إليه في المهجر، رغبة في تقوية إحساسهم بالهوية في مناخ غريب.
    ومن هنا يفهم القارئ أية منهجية فكرية اتبعها تشومسكي، نأت به كثيرًا عن أسطورة «الشعب المختار» الذي من دونه شعوب العالم كلهم «غوييم» أغيار لا يتساوون في الدم ولا في القيمة، وأنهم خلقوا ليخدموا العالم اليهودي لا غير.
    ومن هذا المنطلق كذلك نفهم لماذا يرى تشومسكي أن إسرائيل بسياساتها العنصرية الراهنة ماضية إلى زوال، ويدعو لتحويلها إلى دولة ثنائية القومية ضمانا لاستمراريتها، وأنه لا حل أمامها سوى المساواة بين كافة مواطنيها والساكنين فيها.
    ويشير تشومسكي دوما إلى أن إسرائيل لا تلتزم ببيانات أميركا العلنية حتى لو شجبت إسرائيل، ما دامت أميركا تؤكد لحليفتها الاستراتيجية في مجالسهما الخاصة تأييدها لمواصلة عملها كيفما شاءت، وما دامت تدعم كل الخطوات الإسرائيلية حتى لو لم تحظ هذه الخطوات بدعم دولي.
    ولا يكتفي تشومسكي بأن يقدم مثالا صارخا على الالتزام بقضايا العدل والحرية، لكنه أيضًا يفضح المؤامرات السرية التي عانى من جرائها العرب والمسلمون كثيرا، والتي تخلقت في رحم العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فينقل عن ميرون بنفيتسي.
    وهو النائب السابق لرئيس بلدية القدس تساؤلاته ومنها: ما هو جيشنا إن لم يكن نتاج المساعدات الأميركية؟ ألم يعلن الرئيس ريغان أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ليست مخالفة للقانون؟ ألم يجز ألكسندر هيغ المرحلة الأولى من اجتياح إسرائيل للبنان؟
    ويصل إلى قناعة مفادها أن كل ما حدث في إسرائيل حتى الآن، قد ختم بموافقة أميركية، أو على الأقل احتملته الحكومات الأميركية، وأنه إذا كان المارد قد خرج من القمقم، فإن واشنطن هي التي ساعدت على الإطلاق.
    ويتساءل؛ إذا كانت الولايات المتحدة قد عجزت عن أن تضمن حياة أبرياء عزلا في مخيمات مدمرة، فهل ستنجح اليوم في أن تضمن عملية سلام عادلة في الشرق الأوسط؟ هل ستكون راعية محايدة بين العرب وإسرائيل وهي التي أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لغزو لبنان، ورفضت قرار هيئة الأمم المتحدة باستنكار المذبحة وكانت وحدها في رفضها هذا؟
    يصف تشومسكي كذلك جدار إسرائيل العازل بأنه علامة كراهية، إذ استحوذ حتى الآن على أكثر الأراضي خصبا في الضفة الغربية، وأهم من ذلك أنه وسع من سيطرة إسرائيل على مصادر المياه التي تعد أمرًا مهما للغاية، وهي المصادر التي تستطيع إسرائيل ومستوطنوها استغلالها بالشكل الذي يشاءون، في الوقت الذي لا يجد فيه السكان الفلسطينيون في هذه المناطق ماء للشرب.
    تشومسكي كاره للصهيونية المدمرة، ولا ينفك يسأل الطريق إلى البناء. ومع أن غالبية الإسرائيليين لا تزال مصرة على المساواة بين كره اليهودية وكره الصهيونية، فإننا نحن كعرب لنا مصلحة في استمرار هذا الإصرار، كونه العنصر التفككي الحقيقي للشيزوفرينيا الإسرائيلية، التي بدأت تترسخ ملامحها عبر تعميق صراع الهوية في إسرائيل، التي تختبئ يوما بعد الآخر وراء الجدران رافضة سياسة إقامة الجسور..
    وفي هذا السياق يبقى من الطبيعي أن تخشى إسرائيل قوة الحقيقة التي يحوزها تشومسكي، ويبقى إبعاده أمراً بدهيا في ظل عنصرية مقيتة سائدة.

    إميل أمين
    البيان الاماراتية




يعمل...
X