ثمانون حولا ثمانون حولا
بقلم الدكتور : عبد الله نزهة
أشفقت على شاعرنا العربي زهيرٍ بن أبي سلمى صاحب البيت الشهير :
سئمتُ تكاليفَ الحياةِ و من يعشْ
ثمانينَ حولاً لا أبالك يسأمِ
بل و أشفقت على نفسي أيضاً و أنا أقرأ خبراً علمياً يقول : إنّ العلماء في ولاية أركنساس الأمريكية سوف يتوصّلون في مدّةٍ تتراوح بين ثلاثٍ أو خمس سنوات إلى صياغة جينات البقاء في الجسد البشري ، بحيث يكون الإنسان قادراً
(( على مزاولة أعماله كالمعتاد و هو في التسعين من عمره )) ، وضعت هذه العبارة الأخيرة بين قوسين كما وردت في التقرير العلمي الّذي نقلته صحيفة الصانداي تايمز البريطانية في تقريرٍ لمراسلها العلمي في أمريكا .
أشفقت على صاحب المعلّقة الّتي حفظناها عن ظهر قلب في المدارس ، و كنت أتعجّب دائماً من اسمه الّذي جمع بين الابن
و الأب لينتهي بالأم " سلمى " من دون أن أجرؤ على سؤال الأستاذ عن تفسيرٍ لهذا الجمع النادر حتّى الآن ، إذ أنّ قِلّةً من الناس تقبل أن تُكنّى باسم البنت ، كأن يُنادى " يا أبا فلانة " و كأنّ الكنية تنقص من رجولته ، بينما لا يمانع كثيرون من الثوريين العرب في أن يحملوا أسماءً من نوع " أبي الجماجم " أي أن يُنسبوا إلى الأموات خيرٌ من نسبتهم إلى البنات .
و أعود من هذا الاستطراد و هو في محلّه ما دمنا نتحدّث عن شاعر ، فأقول أشفقت على زهير بن أبي سلمى لأنّه سئم الحياة بعد أن عاش ثمانين عاماً فقط لا غير ، و لا أدري أية معلّقةٍ يمكن أن يقذفنا بها لو أخبره أحدهم أنّ عليه لا أن يعيش فقط حتّى الثمانين ، بل أن يعمل وهو في التسعين أيضاً ، ولا أعرف حتّى الآن ماذا كان يعمل ابن أبي سلمى في حياته ، و هل كانت مهنته أن يقرض الشِّعر فحسب ، ولكن حتّى في هذه الحالة فإنّ القرض يحتاج إلى أسنانٍ من النادر أن تجد حتّى بقاياها لدى ابن التسعين .
أشفقتُ على نفسي ليس خوفاً من " لا أبالك يسأمِ " فأنا أخوض معارك يوميّة لا تنتهي دفاعاً عن حقّي في دقيقة سأم ، وهو ما يجب أن تلحظه وثيقة حقوق الإنسان، لكنّ ظروف العمل لا تمنحني هذا الحق ، خاصة مع وجود الهاتف النقال ، وابن الجيران الّذي لا يحلو له أن يلعب الكرة مع رفاقه إلاّ تحت نافذتي و في ساعة القيلولة ، أقول : أشفقتُ على نفسي و أنا لم أقطع عامي الثلاثين ، شهدتُ أحداثاً في الكويت و العراق أعادتني إلى عصر الحجّاج بن يوسف الثّقفي ، وأخشى مع تسارع التطورات أن يعيدني نصف القرن المقبل إلى عصر سيدنا نوح ، فأخسر المستقبل من دون أن أكسب الماضي ، فأنا حتّى الآن السباحة ، ومن المشكوك فيه أنّ أجدَ و أنا في التسعين رفيقةً إلى سفينة نوح الّتي لا تقبل إلاّ زوجين ، ولعلّني أحتاج إلى حجز موعدٍ منذ الآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمانون حولا - بقلم الدكتور : عبد الله نزهة
بقلم الدكتور : عبد الله نزهة
أشفقت على شاعرنا العربي زهيرٍ بن أبي سلمى صاحب البيت الشهير :
سئمتُ تكاليفَ الحياةِ و من يعشْ
ثمانينَ حولاً لا أبالك يسأمِ
بل و أشفقت على نفسي أيضاً و أنا أقرأ خبراً علمياً يقول : إنّ العلماء في ولاية أركنساس الأمريكية سوف يتوصّلون في مدّةٍ تتراوح بين ثلاثٍ أو خمس سنوات إلى صياغة جينات البقاء في الجسد البشري ، بحيث يكون الإنسان قادراً
(( على مزاولة أعماله كالمعتاد و هو في التسعين من عمره )) ، وضعت هذه العبارة الأخيرة بين قوسين كما وردت في التقرير العلمي الّذي نقلته صحيفة الصانداي تايمز البريطانية في تقريرٍ لمراسلها العلمي في أمريكا .
أشفقت على صاحب المعلّقة الّتي حفظناها عن ظهر قلب في المدارس ، و كنت أتعجّب دائماً من اسمه الّذي جمع بين الابن
و الأب لينتهي بالأم " سلمى " من دون أن أجرؤ على سؤال الأستاذ عن تفسيرٍ لهذا الجمع النادر حتّى الآن ، إذ أنّ قِلّةً من الناس تقبل أن تُكنّى باسم البنت ، كأن يُنادى " يا أبا فلانة " و كأنّ الكنية تنقص من رجولته ، بينما لا يمانع كثيرون من الثوريين العرب في أن يحملوا أسماءً من نوع " أبي الجماجم " أي أن يُنسبوا إلى الأموات خيرٌ من نسبتهم إلى البنات .
و أعود من هذا الاستطراد و هو في محلّه ما دمنا نتحدّث عن شاعر ، فأقول أشفقت على زهير بن أبي سلمى لأنّه سئم الحياة بعد أن عاش ثمانين عاماً فقط لا غير ، و لا أدري أية معلّقةٍ يمكن أن يقذفنا بها لو أخبره أحدهم أنّ عليه لا أن يعيش فقط حتّى الثمانين ، بل أن يعمل وهو في التسعين أيضاً ، ولا أعرف حتّى الآن ماذا كان يعمل ابن أبي سلمى في حياته ، و هل كانت مهنته أن يقرض الشِّعر فحسب ، ولكن حتّى في هذه الحالة فإنّ القرض يحتاج إلى أسنانٍ من النادر أن تجد حتّى بقاياها لدى ابن التسعين .
أشفقتُ على نفسي ليس خوفاً من " لا أبالك يسأمِ " فأنا أخوض معارك يوميّة لا تنتهي دفاعاً عن حقّي في دقيقة سأم ، وهو ما يجب أن تلحظه وثيقة حقوق الإنسان، لكنّ ظروف العمل لا تمنحني هذا الحق ، خاصة مع وجود الهاتف النقال ، وابن الجيران الّذي لا يحلو له أن يلعب الكرة مع رفاقه إلاّ تحت نافذتي و في ساعة القيلولة ، أقول : أشفقتُ على نفسي و أنا لم أقطع عامي الثلاثين ، شهدتُ أحداثاً في الكويت و العراق أعادتني إلى عصر الحجّاج بن يوسف الثّقفي ، وأخشى مع تسارع التطورات أن يعيدني نصف القرن المقبل إلى عصر سيدنا نوح ، فأخسر المستقبل من دون أن أكسب الماضي ، فأنا حتّى الآن السباحة ، ومن المشكوك فيه أنّ أجدَ و أنا في التسعين رفيقةً إلى سفينة نوح الّتي لا تقبل إلاّ زوجين ، ولعلّني أحتاج إلى حجز موعدٍ منذ الآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمانون حولا - بقلم الدكتور : عبد الله نزهة