إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحادي عشر من أيلول - نعوم تشومسكي - ترجمة محمود علي عيسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحادي عشر من أيلول - نعوم تشومسكي - ترجمة محمود علي عيسى

    نعوم تشومسكي



    الحادي عشر من أيلول

    9 \ 11

    ترجمة محمود علي عيسى

    أود أن اشكر ديفيد بترسون و شيفرا ستيرن لمساعتدهما التي لا تقدر بثمن في البحث الإعلامي الجاري الآن بشكل خاص .
    نعوم تشومسكي
    إلى الانتفاضة .
    و أود أن أشكر كل من ساهم في إنجاح هذا العمل .
    محمود علي عيسى
    الفهرس
    1) ما لم يحدث منذ حرب عام 1812
    2) هل يمكن كسب الحرب ضد الإرهاب ؟
    3) الحملة الأيديولوجية
    4) جرائم الدولة
    5) اختيار الفعل الجرمي

    6) حضارات الشرق و الغرب

    7) التقييد الجدير بالاعتبار
    الملحق رقم ( 1 )
    ملحق رقم ( 2 )
    حول المؤلف
    ملاحظة للناشر
    ملاحظة للناشر
    هذا الكتاب مجموعة مقابلات أجراها مع نعوم تشومسكي عدد من الصحفيين بعد شهر واحد من الاعتداءات على مركز التجارة العالمي و البنتاغون في 11 أيلول . و قد تم عدد من الحوارات المنشورة هنا عبر البريد الإلكتروني ، و أجرت بعضها مجموعة من الصحفيين الأجانب الذي يتكلمون و يكتبون باللغة الإنكليزية لغةً ثانية . و على الرغم من أن بعض هذه الحوارات قد أجريت في الأيام الثمانية التالية للاعتداءات ، فإن الإضافات ، و المراجعات المرتبطة بالأحداث الأخيرة استمرت حتى قُدم الكتاب للنشر في 15 تشرين أول . و لذلك ، قد تحوي بعض الحوارات المؤرخة في أيلول بعض الإشارات المرتبطة بأحداث تشرين أول . إضافة إلى ذلك ، فقد تم خلال عملية الطباعة حذف بعض الأقسام من الأسئلة أو الأجوبة التي تم الإجابة عنها في سياق الحوارات السابقة . و على كل حال ، قد تجد مقولة أو فكرة تكراراً لها على نحو متعمد بهدف تأكيدها .
    و قد كتب لي تشومسكي أثناء عملية الطباعة " لقد أزيلت هذه الحقائق من التاريخ تماماً . و على المرء فعلياً أن يصرخ بها من أعلى المنابر " .
    غريك روجيرو - مدينة نيويورك

    -1-
    ما لم يحدث منذ حرب عام 1812
    مادة بنيت على مقابلة مع إل مانفيستو ( إيطاليا )
    في 19 أيلول 2001
    سؤال : لم يحتج سقوط جدار برلين إلى أي من الضحايا ، لكنه غير بعمق المشهد الجيوسياسي . فهل تعتقد أن اعتداءات 11 أيلول يمكن أن تؤدي إلى نتيجة مماثلة ؟
    تشومسكي : كان سقوط جدار برلين حدثاً ذا أهمية بالغة و قد غير بالفعل المشهد الجيوسياسي ، و لكن - برأي - ليس بالأشكال المزعومة عادة . و لقد حاولت جاهداً أن أشرح أسبابي في مكان آخر و لن أدخل في تفاصيله الآن .
    إن الاعتداءات المرعبة في 11 أيلول حدث جديد تماماً في القضايا الدولية ، ليس في حجمها و رمزها فقط بل في هدفها . فالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، إنها المرة الأولى منذ حرب عام 1812 تتعرض فيها الأرض الوطنية للهجوم ، أو حتى للتهديد بالهجوم . أما المقارنة التي شاعت بين بعض المعلقين ، مع بيرل هاربو ، فإنها مضللة . إذ استهدف اليابانيون في 7 كانون أول عام 1941 ، قواعد عسكرية في مستعمرتين كانت استولت عليهما الولايات المتحدة و ليس الأرض الوطنية ، التي لم تهدد أبدا . و كانت الولايات المتحدة تفضل أن تطلق على هاواي صفة " مقاطعة " ، و لكنها في الواقع مستعمرة . و قامت الولايات المتحدة خلال مئات السنين الماضية بإبادة السكان الأصليين ( الملايين من الناس ) و فتح نصف المكسيك ( مقاطعات السكان الأصليين فعلا ، و هي مسألة أخرى ) ، و تدخلت بعنف في المنطقة المحيطة ، و احتلت هاواي و الفلبين ( موقعة مئات الآلاف من القتلى الفلبيين ) ، و في نصف القرن الماضي تحديداً ، وسعت لجوءها لاستخدام القوة على معظم العالم . إن عدد القتلى هائل جدا فهي المرة الأولى ، التي تصوب فيها البنادق بالاتجاه المعاكس . ذلك هو التغيير الداراماتيكي .
    و ينطبق الشيء ذاته ، و ربما أكثر دراماتيكية ، على أوروبا . التي عانت عدداً من التدميرات الضخمة ، سببتها الحروب الداخلية . و في الوقت نفسه احتلت القوات الأوربية معظم العالم بوحشية متطرفة . و مع بعض الاستثناءات النادرة ، لم تتعرض أوروبا للهجوم من ضحاياها الأجانب ، فلم تهاجم الهند بريطانيا ، فالكونغو لم تهاجم بلجيكا و لا أثيوبيا هاجمت إيطاليا ، و لا حتى فرنسا هوجمت من الجزائر ( التي لم تعتبرها فرنسا " مستعمرة " ) . و لذلك ، فليس من الغريب ، أن تصدم أوروبا تماماً بالجرائم الإرهابية في 11 أيلول . وليس هذا -مرة أخرى- بسبب حجمها المؤسف فقط.
    و لا يمكن لأحد أياً كان أن يتكهن بما تنذر به هذه الجرائم بدقة . لكنها شيء جديد و لافت للنظر بوضوح تمام .
    سؤال : لدي انطباع بأن تلك الاعتداءات لن توفر لنا مشهداً سياسياً جديداً ، لكنها ستؤكد لنا وجود مشكلة داخل " الإمبراطورية " . و المشكلة تتعلق بالسلطة السياسية و بالقوة . فماذا تعتقد أنت ؟
    تشومسكي : إن المنفذين المحتملين هم فئة من الصنف ذاته ، ولكنهم استفادوا وهذا لا يحتاج إلى نقاش- من مخزون المرارة و الغضب الناتج عن سياسات للولايات المتحدة في المنطقة ، عمقت سياسات سادتها الأوربيين السابقة . و هناك بالتأكيد نقطة فاصلة ، هي " السلطة السياسية و القوة " . وقد أجرت صحيفة وول ستريت جورنال في أعقاب الهجمات الأخيرة ، مسحاً لآراء " المسلمين الأغنياء " في المنطقة : المصرفيين ، و المهنيين ، و رجال الأعمال بما يخص الوضع في الولايات المتحدة . و لقد عبر هؤلاء عن اليأس و الغضب من دعم الولايات المتحدة لأنظمة و حكومات مستبدة و للحواجز التي تقيمها واشنطن في وجه التنمية المستقلة و الديمقراطية السياسية عبر سياساتها بـ " دعم و مساندة أنظمة قمعية " . و كان موقفهم الرئيسي ، على كل حال مختلفاً : بشأن سياسات واشنطن تجاه العراق و تجاه الاحتلال العسكري الإسرائيلي . لكن العواطف المشابهة أشد مرارة بين فئات الفقراء و الجماهير البائسة ، و لن تكون هذه الفئات سعيدة وهي ترى خيرات بلدانها تتدفق إلى الغرب و إلى نخب مختارة من الغرب و إلى الحكام الفاسدين و القمعيين المدعومين من السلطة الغربية . و قد أدى هذا إلى مشاكل سببها استخدام السلطة و القوة . و كان رد فعل الولايات المتحدة المعلن فوراً التعامل مع هذه المشاكل عبر تعميقها ، وليس هذا حتمياً بالطبع ، لأن جزءاً كبيراً منه يرتبط بنتائج الاعتبارات السالفة .
    سؤال : هل لدى أمريكا مشكلة في إدارة عملية العولمة ؟ و لا أعني بهذا ما تعنيه لغة الأمن القومي أو أجهزة المخابرات فحسب .
    تشومسكي : إن الولايات المتحدة لا تسيطر على مشروع " العولمة المندمجة " بالرغم من أن لها دوراً رئيسياً فيه . و أثارت هذه البرامج معارضة واسعة ، و تحديدا في الجنوب حيث يمكن أن تقمع فيه احتجاجات الناس أو يتم تجاهلها . و في الأعوام الماضية ، وصلت الاحتجاجات إلى البلدان الغنية أيضاً ، و منذ ذلك الحين أصبح مركز الاهتمام موجهاً نحو الأقوياء ، الذين يشعرون أنهم في وضع دفاعي ، و ولهذا مبرراته . فهناك أسباب جوهرية للمعارضة العالمية الواسعة للشكل المحدد من حقوق الاستثمار " العولمة " المفروضة ، و لكن ليست مجال بحثنا هنا ..
    سؤال : استخدما الولايات المتحدة تعبير " القنابل الذكية " في العراق ، و " التدخل الإنساني " في كوسوفو . و لم تستخدم في وصفها كلمة " الحرب " أما الآن فإنهم يتحدثون عن حرب ضد عدو مجهول . فلماذا ؟
    تشومسكي : في البداية استخدمت الولايات المتحدة كلمة " حملة صليبية " ، لكنهم أدركوا فوراً فيما إذا أرادوا إدراج حلفائهم في العالم الإسلامي ، ستكون خطأ كبيراً ، لأسباب جلية و واضحة . و تغير الخطاب عندئذ ليصبح " الحرب " . و لقد دعيت حرب الخليج في عام 1991 بـ " حرب " . أما قصف صربيا بالقنابل فدعي بـ " تدخل إنساني " ، و بأية حال ، فإنه استخدام غريب . إذ أنه كان الوصف النموذجي للمغامرات الأوربية الإمبريالية في القرن التاسع عشر . و لكي نورد بعض الأمثلة الأكثر حداثة ، فإن العمل العالمي الرئيسي الآن فيما يخص " التدخل الإنساني " يذكر بثلاث أمثلة منه في فترة ما قبل الحرب العامية الثانية و هي : احتلال اليابان لمنشوريا ، و احتلال موسليني لأثيوبيا ، و ضم هتلر لـ سوديتن لاند . و لا أعتقد أن المصطلح مناسب ، لأن ، الجرائم كانت مُقنعة بـ " الإنسانية " .
    و إذا كان التدخل في كوسوفو " إنسانيا " حقاً فإنه الأول من نوعه في التاريخ ، و هل هو فعليا كذلك : فإن الإعلان العاطفي و الخطابي غير كاف لوحده ، لأن كل استخدام للقوة يبرر فعلياً بهذه المصطلحات . و إذا كان كذلك فإنه استثنائي تماماً مهما كانت الحجج ضعيفة بالادعاء بالقصد الإنساني في قضية كوسوفو ، و بشكل اكثر دقة ، و نادراً ما وجد ، و إن أسباب الحكومة الرسمية مختلفة تماماً . إلا أنها مسألة أخرى مختلفة ، و لقد كتبت عنها بشيء من التفصيل في موضع آخر . إلا أن ذريعة " التدخل الإنساني " لا يمكن استخدامها بالطريقة المعتادة في مثالنا الراهن . و لذلك تم استخدام مصطلح " الحرب " .
    إن التعبير المناسب لمثالنا يمكن أن يكون " الجريمة " ربما " الجريمة ضد الإنسانية " ، كما شرحها و أكدها روبرت فيسك . أي إن هناك قوانين لمواجهة الجرائم و معاقبة المجرمين و هي : معرفة الفاعلين ، و من ثم محاكمتهم ، و هو ما أوصى به العديد من الناس في الشرق الأوسط و الفاتيكان ، و آخرون . و لكن ذلك يحتاج إلى برهان قوي ، و إنه يفتح الباب على أسئلة خطيرة : و لنحدد المثال الأكثر بروزاً و وضوحاً ، من هم مرتكبو جريمة الإرهاب الدولي التي أدانتها محكمة العدل الدولية منذ خمسة عشر عاماً مضت؟
    و لهكذا أسباب ، فمن الأفضل استخدام مصطلحاً غامضاً كـ " الحرب " . و تسميتها بـ " حرب ضد الإرهاب " على كل حال ، فإنه أكثر دعائية ، إلا إذا كانت " الحرب " تستهدف فعلاً الإرهاب . و لكن ذلك لم يفكر به بوضوح لأن السلطات الغربية لا يمكن لها أن تلتزم بتعاريفها الرسمية للمصطلح،كما في دستور الولايات المتحدة الأمريكية أو الكراسات العسكرية الأمريكية (1) .
    ______________________________
    (1) فالإرهاب هو كل عمل 1-" يقوم بعمل العنف أو يشكل خطرا على الحياة الإنسانية و يعني أي انتهاك للقوانين الجنائية للولايات المتحدة ، أو أي ولاية من ولاياتها ، و إلا سيكون انتهاكاً جنائياً إذا ما اقترف داخل السلطة القضائية للولايات المتحدة أو أية ولاية . 2- " كل فعل يقصد " أ- على تخويف أو إكراه السكان المدنيين " ، ب- " محاولة التأثير على سياسة الحكومة بالرعب أو الإكراه ، أو ج- " التأثير على إدارة الحكومة بالاغتيال أو بالخطف " . ( القاعدة المعيارية للعمل الارهابي كما اقرها الكونغرس الامريكي في جلسته الثانية التي انعقدت بتاريخ 19/10/1984 )
    وإذا تم مراجعتها فسيكشف حالاً بأن الولايات المتحدة دولة إرهاب رائدة ، كما كل الحكومات التابعة لها.
    يمكن أن أقتبس من قول للعالم السياسي مايكل ستوهل الآتي : " يجب أن ندرك بالعرف و ينبغي أن يؤكد بالاتفاقية أن لجوء الدولة العظمى و تهديدها باستخدام القوة يوصف بشكل عادي على أنه دبلوماسية ممانعة و ليس شكلا من الإرهاب " ، بالرغم من أنها تتضمن عموماً " التهديد و أحياناً استخدام العنف بما يوصف كأغراض إرهابية إذا لم تكن الدول العظمى هي التي تنتهج نفس التكتيك " ، طبقاً للمعنى الحرفي للمصطلح . و في ظل الظروف ( التي لا يمكن تصورها و باعتراف الجميع ) فإن المثقفين الغربيين راغبون تبني المعنى الحرفي ، فإن الحرب ضد الإرهاب ستأخذ شكلاً آخر ، على طول خط المواقف المعبر عنها بتفصيل شديد في الأدب الذي لا يدخل في المعيار المحترم .
    إن الاقتباس الذي أوردته للتو جاء في ملف مسحي يدعى إرهاب الدولة الغربية ، حرره اليكس جورج و نشره ناشر كبير منذ عشر سنوات مضت ، لكنه لا يصح ذكره في الولايات المتحدة و إن نقطة ستوهل موضحة بالتفصيل في الكتاب . و هناك امثلة اخرى كثيرة مأخوذة عن المستندات الأكثر ثقة و وثائق الحكومة الرسمية و لكنها غير مأخوذة في الولايات المتحدة ، بالرغم من أن التابو ليس صارماً في البلدان الأخرى التي تتحدث الإنكليزية أو في أي مكان آخر .
    سؤال : يستمر حلف الناتو بالمحافظة على الهدوء إلى أن يكتشف هل كان الهجوم داخلياً أم من الخارج . فكيف تفسر هذا الموقف ؟
    تشومسكي : لا أظن أن هذا هو السبب وراء تردد الناتو . فليس هناك أدنى شك بأن الهجوم كان خارجياً . و أعتقد أن أسباب تردد الناتو هي نفس الأسباب التي يطلقها القادة الأوربيون علناً ، و أنهم يدركون ، كما يدرك أي كان ذو معرفة وثيقة بالمنطقة ، بأن الهجوم الواسع على السكان المسلمين سيكون استجابة لدعاء ابن لادن و زملائه في صلواتهم ، و سيقود الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها إلى " فخ شيطاني " كما وصفه وزير الخارجية الفرنسي .
    سؤال : هل يمكنك أن تقول شيئا ما عن التستر و الدور الأمريكي في المساعدة السرية ؟
    تشومسكي : لم أفهم السؤال بدقة و لقد شكل هذا الهجوم صدمة كبيرة و مفاجأة لوكالات المخابرات الغربية و لخدماتها ، بما فيها أجهزة استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية . فلقد كان للـ " C I A " دور ، و دور كبيراً في الواقع ، و لكن ذلك كان في الثمانينيات ، عندما اشتركت مع المخابرات الباكستانية و المخابرات الأخرى ( من السعودية و البريطانية .. الخ ) في مد و تدريب ، و تسليح معظم الحركات الأصولية الإسلامية المتطرفة لكي تخوض " حرباً مقدسة " ضد غزاة أفغانستان الروس .
    و إن المصدر الأفضل لهذا الخصوص هو كتاب " الحروب غير المقدسة " الذي كتبه مراسل قديم في الشرق الأوسط يدعى جون كولي . و يجري الآن عمل دؤوب من أجل تنظيف ذلك السجل و التظاهر بأن الولايات المتحدة كانت مجرد متفرج بريء ، و المدهش قليلاً هو حتى أن الصحفيين المحترمين ( و لا نتحدث عن الآخرين ) يقتبسون بكل هدوء و رصانة عن موظفي الـ " C I A " " لتوضيح " النتيجة المطلوبة في انتهاك فاضح لمعايير الصحافة الأولية .
    و بعد ذلك انتهت الحرب و نقل " الأفغان " ( فكثير ، مثل ابن لادن ، ليسو أفغانا ) اهتمامهم إلى أمكنة أخرى : كالشيشان ، و البوسنة حيث تلقوا هناك الدعم الأمريكي الضمني بالحد الأدنى . و ليس مدهشاً ، أن ترحب بهم الحكومات ، مكافأة لما قدموه من خدمات كما في البوسنة ، حيث منح العديد من المتطوعين الإسلاميين الجنسية عرفاناً بالجميل لخدماتهم العسكرية ( كارلوتا غال ، و النيويورك تايمز ، 2 تشرين أول 2001) .
    و إلى الصين الغربية ، حيث يقاتلون هناك من اجل الانفصال عن السلطة الصينية و هم المسلمون الصينيون ، الذي أرسل بعضهم علانية من الصين إلى أفغانستان في أوائل عام 1978 للانضمام إلى العصابات المتمردة ضد الحكومة ، و انضموا لاحقاً إلى القوات المنظمة من قبل الـ " C I A " بعد الغزو الروسي في عام 1979 دعماً للحكومة التي دعمتها روسيا و نصبتها ، كما فعلت الولايات المتحدة و نصبت حكومة في فيتنام الجنوبية ، و بعدها غزتها من اجل " حماية البلد الذي كانت تهاجمه ، و لنذكر مثالاً مشابهاً و أكثر وضوحاً ، ما يجري في الجنوب الفلبيني و في أفريقيا الشمالية و في كل مكان آخر ، تخوض فيه المجموعات الإسلامية القتال لنفس الأسباب التي يروها مقنعة من جانبها . و لقد حولوا أبصارها نقلوا اهتمامهم إلى أعدائهم الرئيسيين في العربية السعودية ، و مصر ، و بعض الدول العربية الأخرى ، و بحلول التسعينيات ، إلى الولايات المتحدة أيضاً ( التي يعتبرها ابن لادن دولة محتلة للعربية السعودية تماماً مثل الغزو الروسي لأفغانستان ) .
    سؤال : ما هي النتائج التي تتنبأ بها لحركة سياتل ؟ و هل تعتقد أنها ستنتهي في النهاية ، أم هل ستحقق بعض الزخم ؟
    تشومسكي : إنها بكل تأكيد ستكون نكسة للاحتجاج العالمي ضد العولمة المندمجة ، و التي لم تبدأ بعد مرة أخرى في سياتل . فإن هذه الاعتداءات الإرهابية الفظيعة هي هدية للعناصر الأقسى و الأكثر قمعاً و تطرفاً على كل الجهات و سوف تستغل بكل تأكيد و ستعمل تماماً على تسريع اجندة العسكرتاريا و تشكيل الفرق ، و تراجع البرامج الديمقراطية الاجتماعية و نقل الثروة إلى قطاعات ضيقة ، و تقويض الديمقراطية و تفريغها من أي محتوى . و لن يتم ذلك دون مقاومة ، و أشك في نجاحها ، إلا على المدى القصير .
    سؤال : ما هي النتائج المحتملة بالنسبة للشرق الأوسط ؟ و بالتحديد في الصراع العربي الإسرائيلي ؟
    تشومسكي : كانت اعتداءات الحادي عشر من أيلول ضربة مدمرة للفلسطينيين ، كما لمسوا ذلك حالاً . و ها هي إسرائيل تهلل علناً " لاستغلالها " ، و أنها تسحق الفلسطينيين الآن بحصانة . و في الأيام الأولى اللاحقة لاعتداء 11 أيلول ، دخلت الدبابات الإسرائيلية المدن الفلسطينية ( جنين ، و رام الله ، و أريحا للمرة الأولى ) ، و قتل عشرات الفلسطينيين ، و احكمت القبضة العسكرية الإسرائيلية على السكان ، كما هو متوقع تماماً . و مرة أخرى فهذه هي الظروف و القوى المحركة الشائعة لدورة أخرى من تصعيد العنف المنفلت من عقاله و المنتشر في كل أصقاع العالم : في ايرلندا الشمالية ، و الصراع العربي الإسرائيلي ، و البلقان ، و في كل مكان آخر .
    سؤال : كيف تقيم ردة فعل الأمريكيين ؟ حيث بدوا هادئين ، و لكن كما قال ساسيكاساسن مؤخراً في إحدى المقابلات " إننا نشعر تماماً و كأننا في حالة حرب " .
    تشومسكي : كان رد الفعل المباشر صدمة ، و رعباً ، و غضباً ، و خوفاً و رغبة بالانتقام . إلا أن الرأي العام مختلط ، و لم تأخذ التيارات المضادة وقتاً طويلاً حتى تبلورت و ظهرت علناً . و إنها معروفة الآن في التعليقات السائدة ، و في جرائد هذا الصباح مثلاً.
    سؤال : في مقابلة أجريتها مع صحيفة لاجورنادا المكسيكية ، قلت بأننا نُواجه بـ( حرب جديدة ) . فماذا عنيت بذلك بدقة ؟
    تشومسكي : إنها نموذج آخر من الحرب للأسباب التي ذكرتها في الرد على سؤالك الأول : فالبنادق الآن تستهدف اتجاه آخر ، و إنه شيء جديد في تاريخ كل أوروبا و فروعها .
    سؤال : و هل العرب بالتحديد أصوليون بالضرورة ، و هل هم عدو الغرب الجديد ؟
    تشومسكي : بالتأكيد لا . قبل كل شيء ، لا أحد يمتلك أدنى حد من العقلانية يمكنه أن يصف العرب بـ " الأصوليين " . ثانياً ليس للولايات المتحدة و لا للغرب اعتراض على الأصولية الدينية المماثلة . فالولايات المتحدة ، في الواقع ، إحدى أكثر الثقافات الأصولية الدينية المتطرفة في العالم ، و ليست ثقافة الدولة فقط ، بل و الثقافة الشعبية . و في العالم الإسلامي إن الدولة الإسلامية الأكثر تطرفاً هي العربية السعودية ، إذا تجاهلنا ذكر حركة الطالبان ، و هي دولة حليفة للولايات المتحدة منذ نشأتها ، و حتى أن الطالبان في الواقع ما هي إلا نسخة عن نظام السعودية الإسلامي .
    و إن المتطرفين الإسلاميين الراديكاليين الذين يسمون عادة بـ " الأصوليين " كانوا العناصر المفضلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات ، لأنهم كانوا المحاربين الأكثر بأساً . و في تلك السنوات ، كانت الكنيسة الكاثوليكية هي العدو الأشد للولايات المتحدة ، و التي ارتكبت خطيئة كبيرة في أمريكا اللاتينية لتبنيها " خيار الفقراء المفضل " ، الوقوف إلى جانب الفقراء ، حيث عانت بشدة لارتكابها تلك الجريمة ! فالغرب عالمي تماماً في اختيار أعدائه . و إن المعايير هي التبعية و الخضوع للقوة و ليس للدين و معاييره . و هناك إذا شئت أمثلة توضيحية عديدة .
    -2-
    هل يمكن كسب الحرب ضد الإرهاب ؟
    هذه المادة مبنية على مقابلات منفصلة مع هارت فورد كورانت في 20 أيلول 2001
    و ديفيد بارساميان في 21 أيلول 2001
    سؤال : هل يمكن كسب حرب الدولة على الإرهاب ؟ إذا كان الجواب نعم ، فكيف ، و إذا كان لا ، فماذا على إدارة بوش القيام به لمنع الهجمات المماثلة التي استهدفت نيويورك و واشنطن ؟
    تشومسكي : إذا أردنا أن نتأمل هذا السؤال جدياً ، يجب أن نعلم بأنه ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في معظم دول العالم كدولة إرهاب رائدة ، لأسباب مقنعة و قوية . و يجب أن نتذكر ، مثلاً ، أن الولايات المتحدة قد أدينت من قبل محكمة العدل الدولية في عام 1986 لـ " استعمالها غير الشرعي للقوة " ( الإرهاب الدولي ) و مارست حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن الدولي الذي تبنى قراراً يطالب جميع الدول باحترام القانون الدولي . و هذا مثال واحد من أمثلة عدة .
    و لكن لنلتزم بالمعنى الضيق للسؤال إن إرهاب الآخرين موجه ضدنا و نحن نعلم تماماً كيف يجب أن تعالج المشكلة ، إذا كنا نريد أن نقلص التهديد اكثر من تصعيده . عندما يرتكب الجيش الجمهوري الأيرلندي اعتداء في لندن ، لا يقوم البريطانيون بتدمير بلفاست الغربية و لا بوسطن ، مصدر الدعم المالي الرئيسي للجيش الجمهوري الأيرلندي I R A . بل ، اتخذت خطوات في البحث عن الفاعلين و جرى اعتقالهم ، ثم تركزت الجهود حول الأسباب الكامنة وراء اللجوء إلى الإرهاب . و عندما تم تفجير بناية في مدينة اوكلاهوما كان هناك دعوات مسعورة لقصف الشرق الأوسط ، و كان سيحصل ذلك لو كان المصدر الذي أتى منه المفجرون من هناك . و عندما وجدوا انه داخلي و ذو صلة بالميليشيا اليمينية المتطرفة ، لم يكن هناك دعوة لطمس مونتانا و إيداهو . و في الواقع ، بحثوا عن الجناة ، و حكموا ، و اعدموا ، و كان هناك جهود لفهم المظالم الكامنة وراء هكذا جرائم و مواجهة المشاكل . فإن لكل جريمة سواء أكانت جريمة سرقة في الشوارع أم اعتداءات فظيعة أسبابها ، و نرى عموماً بأن بعضها خطير و ينبغي مواجهتها .
    و هناك طرق قانونية و شرعية ينبغي القيام بها في مواجهة الجرائم ، مهما كان وزنها . و هناك سوابق عدة ، و المثال الأكثر وضوحاً هو المثال الذي ذكرته للتو ، إنه مثال غير خلافي أبداً ، بسبب رد فعل السلطات الدولية الأعلى .
    خضعت نيكاراغوا في الثمانينات لهجوم عدواني من قبل الولايات المتحدة . قتل خلاله عشرات الآلاف من المواطنين . و دمر البلد فعلياً ، و يمكن أن لا يتعافى أبدا و ترافق الهجوم الإرهابي الدولي بحرب اقتصادية مدمرة ، عزل فيها بلد صغير من قبل أكبر قوة عظمى حقودة و وحشية ، و الذي تمكن بشق النفس في الاستمرار ، كما أشار المؤرخون النيكاراغويون و منهم توماس والكر ، الذي استعاد أحداث الماضي بالتفصيل . و إن النتائج على البلد اشد قساوة و وفظاعة من المآسي التي حدثت في نيويورك منذ بضعة أيام . و لم يرد النيكاراغويون بتفجير القنابل في واشنطن . بل لجاؤا إلى محكمة العدل الدولية التي حكمت لصالحهم ، كما طلبت المحكمة من واشنطن وضع حد لجرائمها و دفع تعويضات كبيرة و جاء رد الولايات المتحدة برفض الانصياع للحكم و توقفها عن الاعتراف بشرعية محكمة العدل الدولية . عند ذلك طلبت نيكاراغوا من مجلس الأمن الدولي تبني قراراً يطالب الدول باحترام القانون الدولي و استخدمت الولايات المتحدة حق النقض وحدها لرد هذا القرار . ثم توجهت نيكاراغوا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و لم يلق اقتراح القرار الذي تقدمت به اعتراضاً إلا من ثلاث دول هي : الولايات المتحدة و إسرائيل و السلفادور . و تلك هي الوسيلة القانونية التي ينبغي أن تنتهجها الدولة فلو كانت نيكاراغوا دولة أقوى لاستطاعت أن تقيم دعوة جنائية أخرى . تلك هي المعايير التي تسعى إليها الولايات المتحدة ، و لا أحد قادر على إيقافها . و ذلك هـو الشيء الذي طلب منهم القيام به من خلال سكان كامل المنطقة ، بمن فيهم حلفائهم .
    فتذكر الحكومات في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا كالحكومة الجزائرية الإرهابية و التي هي أكثرها وحشية ، ستكون سعيدة بمشاركة الولايات المتحدة في مواجهة الشبكات الإرهابية التي تواجههم . لأنهم الأهداف الرئيسية لها . لكنهم يطلبون بعض الإثباتات ، و يريدون القيام به تحت الحد الأدنى لغطاء الشرعية الدولية . أما الموقف المصري اكثر تعقيداً . لأنهم جزء من النظام الرئيسي الذي نظم القوى الإسلامية الراديكالية و التي منها شبكة ابن لادن . و لقد كانوا الضحايا الأوائل لها عندما اغتالوا السادات . و يريدون سحقها ، و لكن ، كما يقولون ، بعد أن يتم تقديم أدلة كافية حول المتورطين و داخل إطار شرعية الأمم المتحدة و تحت رعاية مجلس الأمن الدولي .
    ذلك هو المسار الذي ينبغي السير عليه فيما إذا كان القصد تقليص إمكانية شن أعمال عدوانية أخرى و هناك سياق آخر : رد العنف بعنف شديد ، و توقع لتصعيد دورة العنف ، التي تؤدي إلى أعمال عدوانية أخرى مثل تلك التي تحرض على الدعوة للانتقام و إن الديناميكية مألوفة تماماً .
    سؤال : ما هي الأوجه التي أغفلتها الصحافة السائدة من الحكاية ، و لماذا هي هامة لتسترعي المزيد من الانتباه ؟
    تشومسكي : هناك العديد من الأسئلة الأساسية : أولاً ، ما هي مسارات الفعل المفتوحة لنا ، و ما هي نتائجها المحتملة ؟ و لم يكن هناك أي نقاش فعلي حول خيار الالتزام بقواعد القانون الدولي ، كما فعل الآخرون ، مثلاً نيكاراغوا ، و التي ذكرتها للتو ( فشلت ، بالطبع ، و لكن لا أحد سيعرقل هكذا حركات من قبل الولايات المتحدة ) . أو كما فعلت بريطانيا في تعاملها مع الجيش الجمهوري الأيرلندي I R A أو كما فعلت الولايات المتحدة عندما اكتشفت أن فاعل تفجيرات مدينة اوكلاهوما وطني المنشأ . وحالات أخرى كثيرة لا يمكن عدها .
    و بالأحرى ، كان هناك ، و إلى حد بعيد ، قرع طبول عالية من اجل القيام برد فعل عنيف ، يترافق مع ذلك إشارات باهتة للحقيقة التي تؤكد على أن هذا لن يحدث تكلفة غالية على كل الضحايا البريئة الأفغانية ، و سيكون ذلك استجابة لأكثر الصلوات الحماسية لابن لادن و شبكته . أما السؤال الثاني " لماذا ؟ " و نادراً ما طرح هذا السؤال بأية طريقة جدية .
    و إن رفض مواجهة هذا السؤال يعني خيار العمل على الزيادة الضخمة لاحتمال ارتكاب جرائم أخرى من هذا النوع . و كان هناك بعض الاستثناءات . و كما ذكرت سابقاً ، استعرضت صحيفة وول ستريت جورنال ، و لحسابها الخاص ، آراء " المسلمين الأثرياء " ، و المؤيدين لأمريكا و لكنهم ينتقدون بشدة سياساتها في المنطقة ، لأسباب باتت مألوفة لأي مهتم . و هناك مشاعر مشابهة إلا أنها أكثر مرارة و غضباً .
    و تُصنف شبكة ابن لادن ضمن فئة مختلفة ، و في الواقع إن أفعالها منذ عشرين عاماً قد سببت أذى فظيعاً للفقراء و المحزونين في المنطقة ، و الذي ليس لهم صلة مباشرة بالشبكات الإرهابية . لكنهم ينهلون من مخزون الغضب ، و الخوف ، و اليأس ، و الذي يفسر لماذا يصلون لرد فعل أمريكي عنيف ، و الذي يحشد الآخرين لمناصرتهم في أعمالهم الفظيعة .
    و إن مواضيع مثل هذه ينبغي أن تحتل الصفحات الأولى للجرائد على الأقل ، إذا كنا نأمل في الحد من مستوى الإرهاب و تقليص دورته اكثر من تسريعها .
    -3-
    الحملة الأيديولوجية
    بُني هذا الحوار على مقابلات منفصلة مع راديو B 92 ( بلغراد ) في 18 أيلول 2001
    وإيلزفريد وبطرس كريزلر لـ دوتش لاند فانك راديو ( ألمانيا ) في 20 أيلول 2001
    و جيرونال دلبوبولو ( سويسرا ) في 21 أيلول 2001
    السؤال : كيف ترى التغطية الإعلامية لهذا الحدث ؟ و هل هناك تماثل مع حرب الخليج في " صناعة الإذعان " ؟
    تشومسكي : إن التغطية الإعلامية ليست منتظمة كما يعتقد الأوربيون ، ربما لأنهم يتابعون باستمرار نيويورك تايمز ، و المذياع الوطني ، و التلفزيون ، الخ . حتى أن النيويورك تايمز قد أذعنت ، هذا الصباح ، بأن المواقف في نيويورك مختلفة تماماً عن تلك التي كانت تنقلها . و إنها قصة جيدة و تلمح أيضاً إلى الحقيقة التي لم يكن ينقلها الإعلام السائد ، و التي لم تكن حقيقية بالكامل ، مع أنها كانت صحيحة تقريباً بالنسبة لنيويورك تايمز .
    و تنقل التايمز الآن بأن " طبول الحرب .. نادراً ما تسمع في شوارع نيويورك " ، و إن الدعوات إلى السلام " تفوق عدداً دعوات القصاص " ، حتى أمام " النصب التذكاري للخسارة و الحزن " على ضحايا الاعتداء . و ليس ذلك في الواقع غير مألوف في البلد بكامله . و هناك بالتأكيد شعور عام نعيشه فعلياً جميعاً ، القبض على الجناة و محاكمتهم ، إذا أمكن القبض عليهم . و أعتقد أن هناك شعوراً قوياً و عاماً ضد استخدام القوة و الضرب كيفما اتفق و قتل المزيد من الأبرياء .
    لكنها قصة نموذجية بالكامل للإعلام الرئيسي ، و للفئات المثقفة عموماً ، من اجل التكتل دعماً للسلطة في زمن الأزمة و محاولة حشد الناس للسبب ذاته . و كان ذلك صحيحاً ، و إلى حد هستيري تقريباً ، أثناء قصف صربيا . و لم تكن حرب الخليج مختلفة عنها البتة . و تعود القصة إلى الماضي السحيق في التاريخ .
    سؤال : لنفترض أن اختيار الإرهابيين مركز التجارة العالمي ذو هدف رمزي ، فما هو دور العولمة و الهيمنة الثقافية في خلق الكره ضد أمريكا ؟
    تشومسكي : أن هذا هو الاعتقاد المريح جداً للمثقفين الغربيين . لأنه يعفيهم من مسؤولية الكشف عن الأفعال التي دفعت إلى اختيار مركز التجارة العالمي . فهل كان سبب القصف في عام 1993 بسبب القلق من العولمة و الهيمنة الثقافية ؟ و هل اغتيل السادات العولمة أيضاً منذ عشرين سنة مضت ؟ و هل كان هو السبب وراء مواجهة القوى " الأفغانية المدعومة من C I A ضد روسيا في أفغانستان " ، أو في الشيشان الآن ؟
    و منذ أيامٍ عدةٍ مضت نقلت وول ستريت جورنال مواقف المصريين الأثرياء و الموسرين الذين كانوا في مطعم ماكدونالدز يرتدون الزي الأمريكي ، .. الخ ، و انتقدوا بشدة السياسة الأمريكية لأسباب موضوعية ، و معروفة لكل من يريد أن يعرف : إذ كان لديهم تقريراً قبل بضعة أيام يتحدث عن مواقف الأغنياء و المترفين في المنطقة ، و جميعهم مؤيدون لواشنطن و منتقدون عنيفون لسياساتها . فهل هذه المواقف نابعة من " العولمة " أو ماكدونالدز ، أو من الجنز ؟ و المواقف في الشوارع مشابهة مع أنها اكثر حدة ، و لا تستطيع عمل أي شيء مطلقاً تجاه هذه الأعذار الدارجة .
    و أن هذه المبررات ملائمة الولايات المتحدة و لمعظم الغرب . و لنقتبس بعضاً من افتتاحية نيويورك تايمز ( في 16 أيلول ) : " قام الجناة بأفعالهم نتيجة كرههم العميق للقيم السامية في الغرب و الراسخة كالحرية ، و التسامح ، و الازدهار ، و التعايش الديني ، و حق الانتخاب " . أما أفعال الولايات المتحدة فليس لها علاقة ، و لذلك لا داع لذكرها ( سيرجي شميميان ) و هذه هي صورة مريحة ، و الموقف العام ليس غير مألوف في تاريخ المثقفين ، هو قريب في الواقع من القاعدة العامة . و صادف أنه على خلاف تام مع كل شيء نعرفه ، لكنه يمتلك كل مزايا التملق الذاتي و الدعم الأعمى للسلطة . و فيه خلل يجعله يتبنى كل مشاركتها الهامة في الأعمال العدوانية الأخرى المرجحة ، بما فيها الأعمال الموجهة ضدنا ، و ربما أعمال افظع من تلك التي حدثت في 11 أيلول .
    أما بالنسبة لشبكة ابن لادن ، فليس لديها أدنى اهتمام بالعولمة أو بالهيمنة الثقافية كما أن اهتمامها ضئيل بقضايا الفقراء في الشرق الأوسط و الذين تضرروا كثيراً من تصرفاتهم منذ سنين . و لا يتوانون عن إبلاغنا عما يشغلهم بصوت عال و واضح : انهم يخوضون حرباً مقدسة ضد الفساد ، و القمع ، و الأنظمة " غير الإسلامية " في المنطقة و مؤيديها ، تماماً مثلما خاضوا حربهم المقدسة ضد الروس في الثمانينات و يقومون الآن في الشيشان و الصين الغربية ، و مصر و هم على هذه الحال منذ اغتيال السادات 1981 ، و في كل مكان آخر من العالم .
    و يمكن أن يكون ابن لادن نفسه لم يسمع بكلمة " العولمة " . كما نقل أولئك الذين حاوروه بعمق مثل روبرت فيسك ، حيث قال انه لا يعرف فعلياً شيئاً عن العالم ذو قيمة و لا يهتم بمعرفته و يمكننا أن نتجاهل كل الحقائق و نغرق في أوهام الانشغال الذاتي إذا رغبنا في ذلك ، مع أن فيه الكثير من المخاطرة لأنفسنا ، من الآخرين . و من بين الأشياء الأخرى ، يمكننا أيضاً أن نتجاهل ، إذا أردنا ، جذور " الأفغان " أمثال ابن لادن و زملائه ، و ذلك ليس سراً أيضاً .
    سؤال : هل الشعب الأمريكي واع بما فيه الكفاية ليستوعب هذا ؟ و هل هناك أدراك و معرفة للسبب و النتيجة ؟
    تشومسكي : لسوء الحظ لا ، و كذلك الأوربيون تماما . فالأمر المهم و الحاسم و الاكثر بروزا عند الفئات الموسرة في الشرق الأوسط ( و في الشارع ) و الذي نادراً ما يفهم هنا ، هو بشكل خاص : سياسات الولايات المتحدة المتناقضة تجاه العراق و الموقف من الاحتلال العسكري الإسرائيلي .
    و بالرغم من أن الغرب يفضل رواية أخرى عن العراق ، فإن السياسة الأمريكية دمرت المجتمع العراقي و رسخت نظام صدام حسين الذي دعمته الولايات المتحدة بقوة كما تعرفون- في أبشع فظاعاته ، بما فيها قصف الأكراد بالغازات السامة في عام 1988 . و عندما يشير ابن لادن إلى هذه النقاط من خلال الإذاعات المسموعة في المنطقة ، فان المستمعين يتفهمونها ، حتى أولئك الذين يحتقرونه ، كما يفعل الكثيرون . و نادراً ما تنقل الحقائق الهامة عنه إلى أمريكا و إسرائيل ، و هي عموماً غير معروفة عالمياً ، و للنخب المثقفة على نحو خاص .
    و الشعب في هذه المنطقة لا يشارك ، بالطبع ، الأوهام الجميلة للولايات المتحدة حول العروض " السخية " و " الشهمة " في لقاء كامب ديفيد في صيف عام 2000 ، و لنتجاوز ذكر الأساطير الأخرى المفضلة لديهم . و هناك مواد هائلة مطبوعة بهذا الخصوص ، و وثائق جيدة و من مصادر موثوقة و لكنها نادراً ما تقرأ .
    سؤال : كيف تقيم رد فعل الحكومة الأمريكية ؟ و ما هي المصلحة التي يمثلونها ؟
    تشومسكي : أن حكومة الولايات المتحدة كغيرها من الحكومات تستجيب لمراكز القوى الداخلية المركزة . و ينبغي ان يكون ذلك حقيقية بدهية . و هناك بالطبع بعض التأثيرات الأخرى ، بما فيها التيارات الشعبية ، و يصح ذلك في كل المجتمعات حتى في الأنظمة القمعية و التوتاليتارية ، و في الأنظمة الديمقراطية أيضاً من دون أدنى شك . و بالقدر الذي تتيحه لنا معلوماتنا ، فان حكومة الولايات المتحدة تحاول الآن ان تستغل الفرصة من اجل فرض برنامجها بالقوة : برنامج العسكرة ، بما فيه " الدفاع الصاروخي " ، و هذا التعبير شيفرة تعني غزو الفضاء ، و تدمير البرامج الديمقراطية الاجتماعية و تدمير الاهتمامات الخاصة بشأن الآثار القاسية " للعولمة " المندمجة أو المشاكل البيئية ، أو الضمان الصحي ، الخ . و تؤسس لمعايير ستعزز في نقل الثروة إلى القلة القليلة ( كإلغاء الضرائب المشتركة ، مثلاً ) ، و تهيئ المجتمع ، من اجل إلغاء النقاش العام و الاحتجاج . و كل شيء عادي و طبيعي بالكامل . أما فيما يتعلق بالرد ، فانهم ، كما أفترض ، يستمعون إلى القادة الأجانب ، و الأخصائيين في شؤون الشرق الأوسط ، و بالتأكيد لوكالات استخباراتهم ، التي تحذرهم من أن رداً عسكرياً ضخماً سيكون بمثابة استجابة لدعوات ابن لادن . إلا أن هناك عناصر من الصقور يريدون استغلال المناسبة و إطلاق حرب ضد أعدائهم ، و بعنف شديد ، و من دون أن يحسبوا حساباً لأعداد الناس التي ستعاني ، بمن في ذلك أفراد شعبنا هنا و في أوروبا فمن سيسقطون ضحايا لدورة العنف المتسارعة ، وسيجري كل شيء مرة أخرى في دينامية أخرى مشابهة . فهناك العديد من أبناء لادن على كلا الجانبين ، كالمعتاد .
    سؤال : نشرت العولمة الاقتصادية النموذج الغربي في كل أصقاع العالم ، و كانت الولايات المتحدة الأمريكية حاملته الرئيسية ، و تم ذلك بوسائل مشكوك بها أحيانا بما فيها من احتقار للثقافات المحلية أحيانا . فهل نواجه نتائج استراتيجية السياسة الأمريكية في العقود الأخيرة ؟ و هل أمريكا ضحية بريئة ؟
    تشومسكي : هذه القصة شائعة عموما و أنا لا أوافق عليها . لسبب واحد فان النموذج الغربي البارز ، و نموذج الولايات المتحدة ، قائم على التدخل الحكومي الواسع في الاقتصاد و ان هذه " القواعد النيو لبرالية " مشابهة لقواعد العصور السالفة . و لها حدان : طاعة السوق أمر نافع لك ، و لكن ليس لي ، إلا للمنفعة المؤقتة ، عندما أكون في وضع يؤهلني كسب المنافسة .
    ثانياً ، أنا أرى أن ما حدث في 11 أيلول لا صلة له فعليا بالعولمة الاقتصادية . أما الأسباب فكامنة وراءه في مكان آخر . و لا شيء يبرر الجرائم المرتكبة في 11 أيلول ، و عليه يمكن أن نعتبر ان الولايات المتحدة " ضحية بريئة " إذا تبنينا خيار تجاهل سجلها الحافل بجرائمها و جرائم حلفائها ، و تبقى هذه الأسباب سراً و لا تعرف إلا بشق النفس .
    سؤال : يوافق كل شخص على أن شيئاً واحداً لن يظل على ما هو عليه بعد 11 أيلول ، بدءاً من تقييد الحقوق في الحياة اليومية وصولا إلى الاستراتيجية العالمية للحلفاء الجدد و الأعداء الجدد . فما هو رأيك بهذا الخصوص ؟
    ( ملاحظة للناشر : ان رد تشومسكي على هذا السؤال ، المحرر هنا ، بدأ بتكرار نقطة وردت في مقابلة سابقة و هي ان 11 أيلول كانت المرة الأولى منذ حرب عام 1812 التي تتعرض فيها الأرض الوطنية الأمريكية للاعتداء من قبل قوات أجنبية - هكذا وردت بالأصل الإنكليزي - )
    تشومسكي : لا أظن أنها ستؤدي إلى تقييد طويل الأمد للحقوق داخليا بأي معنى جدي . فإن الحواجز المؤسساتية و الثقافية راسخة بعمق ، كما أعتقد و إذا ما اختارت الولايات المتحدة الرد بتسعير دورة العنف ، و التي يأمل ابن لادن و زملائه حدوثها كثيرا ، فان النتائج ستكون مرعبة . و هناك ، بالطبع ، طرق أخرى ، طرق قانونية و بناءة ، و هناك سوابق عديدة منها . و ان الرأي العام اليقظ في المجتمعات الأكثر ديمقراطية و حرية يمكنه ان يشكل ضمانة و يوجه السياسات نحو مسار اكثر إنسانية و اكثر احتراماً .
    سؤال : ان مكاتب الاستخبارات المنتشرة في العالم و أنظمة المراقبة الدولية ( ايكيلون القفل مثلاً ) لم تستطع ان تتنبأ بما سيجري ، حتى لو لم تكن الشبكة الإرهابية الإسلامية غير معروفة بالنسبة لها . فكيف أمكن أن تكون أعين الأخ الكبير غافلة عنها ؟ و هل علينا أن نخاف ، الآن أكثر ، من أخ اكبر بكثير ؟
    تشومسكي : أقول بصراحة لم أتأثر اكثر مما ينبغي أبدا بما جرى الحديث عنه في أوروبا بقوة حول نظام السيطرة و المراقبة ايكيلون " القفل " . أما بالنسبة لأجهزة الاستخبارات ، فان اخفاقاتها على مر الأعوام ضخمة ، و لقد كتبت أنا و غيري عنها و لذلك لن أتابع هنا .
    و هذه حقيقة حتى عندما تكون أهداف الاهتمام " القلق " و التعامل معها اكثر سهولة من شبكة ابن لادن ، و الموزعة بدون أدنى شك ، و على الرغم من النقص في البنية الهرمية ، لقد انتشرت في معظم جهات العالم لكي يصبح من الصعب اختراقها على نحو كبير ، و بدون أدنى شك ان أجهزة الاستخبارات ستعطى وسائل و ذرائع كي تعمل على نحو اشد . إلا ان إحدى الوسائل للحد من تهديد هذا النوع من الإرهاب ، كما في حالات أخرى لا تعد و لا تحصى ، تتطلب جهداً كبيراً لفهم أسبابه و معالجتها .
    سؤال : هل ابن لادن ، شيطان ، أم أنه نوع من البشر الذي يعّرف الشّر به و يجسد ؟ أم أنه سمة للعار ؟
    تشومسكي : يمكن أن يكون ابن لادن متورطاً بشكل مباشر في هذه الجرائم ويمكن ألا يكون ، و لكن من المحتمل ان تكون الشبكة التي يمثل ابن لادن رمزها الأساسي يعني القوى التي أسستها الولايات المتحدة و حلفائها لأغراضهم الخاصة و دعموها مادامت تخدم مصالحهم . فمن السهولة ان تشخص العدو و تعرفه بالشر المطلق اكثر من ان تحاول فهم ما الذي يقف خلف هذه الاعتداءات الرهيبة . و يوجد ، بشكل طبيعي اغراءات قوية لتجاهل دور الشخص الخاص و حتى في هذه الحالة ، ليس صعباً كشفه ، و انه مألوف حقا لأي شخص لديه أدنى معرفة بالمنطقة و تاريخها السابق .
    سؤال : ألن تصبح مغامرة الحرب فيتناما جديدة ؟ فما تزال الصدمة حية .
    تشومسكي : ذلك تشابه يورد أحيانا . و يكشف ، برأيي ، التأثير العميق لمئات من سنين العنف الاستعماري لحضارة الغرب الثقافية و الأخلاقية . فالحرب الفيتنامية بدأت بهجوم الولايات المتحدة ضد فيتنام الجنوبية ، و التي كانت دائماً الهدف الرئيسي لحروب الولايات المتحدة ، و التي انتهت بتدمير معظم الهند الصينية . و ما لم نكن راغبين بالاعتراف بتلك الحقيقة الأساسية ، فلا نستطيع ان نتكلم بجدية عن الحرب الفيتنامية . و صحيح ان الحرب قد كلفت الولايات المتحدة غاليا ، مع ان آثارها على الهند الصينية كانت افظع و إلى حد لا يقارن . و ان غزو أفغانستان كلف الاتحاد السوفيتي غاليا و لا تحتل هذه المسألة الأولوية عندما نناقش تلك الجريمة .
    -4-
    جرائم الدولة
    مقتطفات من مقابلة أجراها ديفيد بارساميان في 21أيلول 2001
    سؤال : تعلمون أن هناك غيظ و غضب و حيرة في الولايات المتحدة منذ أحداث 11 أيلول . حيث قتل البعض ، و تعرضت بعض الجوامع للاعتداءات و تعرض معبد للسيخ للشيء نفسه . و إن جامعة كولورادو ، الموجودة في بولدر ، المدينة ذات السمعة اللبرالية الحسنة ، كان على جدرانها شعارات من قبيل " عودوا إلى دياركم أيها العرب " ، و " اقصفوا أفغانستان " ، و " عودوا أيها الزنوج الصحراويين " . فما هو تصورك بشأن ما انبثق منذ الهجمات الإرهابية الأخيرة ؟
    تشومسكي : ان رأيي مختلط . فالذي تورده حقاً قائم و لكن من جهة أخرى ، فان التيارات المضادة له موجودة أيضاً . و أعلم أنهم يقومون بذلك فقد كان لي اتصالاتي المباشرة ، و سمعت قصصا مشابهة من الآخرين ( ملاحظة للناشر : ان رد تشومسكي المحرر هنا ، يكرر تعليقاً قدمه في مقابلة سابقة يصف فيها المزاج الجماهيري في مدينة نيويورك و ظهور حركة للسلم هكذا ورد في الأصل - ) .
    و ذلك هو نمط آخر شائع ، داعم للناس المستهدفين هنا بسبب لونهم الأسمر أو أسماؤهم الغريبة . و كذلك توجد تيارات مضادة . و يظل السؤال ، ماذا نستطيع أن نقدم كي يسود الخيار الصحيح .
    سؤال : ألا تعتقد أن موضوعَ الانهماك بالتحالفات مع أشخاص يدعون بـ " شخصيات بغيضة أخلاقيا " كتجار المخدرات و الحشاشين ، من اجل إنجاز ما يطلق عليه القصد الشريف موضوع خلافي ؟
    تشومسكي : عليك أن تتذكر بأن بعض الشخصيات الأكثر تفاهة هي في حكومات المنطقة ، كما في حكومتنا أيضاً ، و حكومات حلفائنا . و إذا كنا جديين بشأنها ، علينا أن نسأل أيضاً ، ما هي النهاية الحميدة ؟ و هل كان قصداً شريفاً استدراج الروس إلى " الفخ الأفغاني " في عام 1979 كما يفاخر مستشار الأمن القومي لإدارة كارتر ، زيغينيو بريجنسكي ؟ و كان دعم المقاومة ضد الغزو الروسي في كانون أول 1979 هو إحداها . إلا أن التحريض على الغزو ، كما يفاخر بريجنسكي بأنه قد قام بنصب " الفخ " ، و بتنظيم جيش إرهابي من المجاهدين الإسلاميين لأغراضك الخاصة ، فهو شيء آخر مختلف . و سؤال آخر ينبغي ان نطرحه الآن ، ماذا عن التحالف الذي يشكل ، و الذي تحاول الولايات المتحدة جمع شتاته ؟ و ينبغي ألا ننسى أن الولايات المتحدة نفسها دولة إرهاب رائدة . و ماذا بشأن التحالف بين الولايات المتحدة ، و روسيا ، و الصين ، و إندونيسيا ، و مصر ، و الجزائر ، و هي جميعها سعيدة لولادة نظام عالمي ترعاه الولايات المتحدة و هذا النظام سيشرع لهم تنفيذ أعمالهم العدوانية الإرهابية الخاصة ؟ و ستكون روسيا سعيدة لدعم الولايات المتحدة لها في الحرب الوحشية التي تخوضها في الشيشان . حيث يقاتل الافغان أنفسهم هناك ضد روسيا ، و ربما يقومون بأعمال إرهابية داخل روسيا . و كذلك سيكون وضع الهند ، في كشمير . و ستكون إندونيسيا سعيدة في تلقيها الدعم لمجازرها في آسه ACEH . و الجزائر التي صرحت فوراً من المذياع الذي سمعناه ، ستكون سعيدة لتحصل على تفويض لتوسيع إرهاب دولتها الخاص . ( ملاحظة للناشر ان المحطة الإذاعية التي يشير إليها تشومسكي كانت تنقل الأخبار على الهواء مباشرة قبل مقابلته مع باراساميان على محطة KGNU ( بولدر ، كولورادو هكذا ورد في الأصل- ) و بالنسبة للصين فلها نفس الرغبة إذ تخوض حربا ضد القوى الانفصالية في مقاطعاتها الغربية ، بمن فيهم " الأفغان " الذين نظمتهم و دربتهم إيران و الصين لخوض الحرب ضد الروس ، و التي تشكلت في أوائل عام 1978 ، كما تذكر التقارير . ثم انتقلوا إلى أنحاء العالم الأخرى .
    لن يسمح بسهولة لأي كان بدخول التحالف ، مع ذلك ، يجب علينا ، أن نحافظ على بعض المقاييس . " حذرت إدارة بوش ( في 6 تشرين أول ) بأن الحزب السانديني اليساري في نيكاراغوا ، و الذي يأمل في العودة إلى السلطة في انتخابات الشهر المقبل ، قد أقام صلات " مع المنظمات و الدول الإرهابية ، و لذلك " لا يمكن أن يعد من اجل دعم التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تحاول الإدارة الأمريكية تشكيله " ( جورج جيدا ، 6 تشرين أول ) . و " كما ذكرنا سابقا لا يوجد حل وسط بين أولئك الذين يعارضون الإرهاب و أولئك الذين يدعمونه " ، كما صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية إليزا كوتش . و على الرغم من أن الساندانيين قد زعموا بأنهم قد " هجروا السياسة الاجتماعية و الخطاب المضاد لأمريكا في السابق ، إلا أن تصريح كوتش ( في 6 تشرين أول ) يشير إلى أن لدى الإدارة الأمريكية شكوك حول ادعائهم بالاعتدال " . ويمكن فهم شكوك واشنطن . و مع ذلك شنت نيكاراغوا هجوما عنيفا ضد الولايات المتحدة إلى درجة أجبرت الرئيس ريغان إعلان حالة " الطوارئ القومية " في 1 أيار عام 1985 ، التي تجدد سنويا ، لأن " سياسات و أفعال الحكومة النيكاراغوية تشكل تهديداً غير عادي و استثنائي للأمن القومي و السياسة الخارجية للولايات المتحدة " . و أعلن حظر ضد نيكاراغوا " رداً على حالة الطوارئ التي سببتها أعمال الحكومة النيكاراغوية العدوانية في أمريكا الوسطى " ، و بالتحديد بسبب مقاومتها للهجوم الأمريكي ، رفضت محكمة العدل الدولية ادعاءات ونشاطات واشنطن غير المبررة . و قد أعلن ريغان قبل سنة الأول من أيار " يوماً للقانون " في احتفالنا " بشراكة دامت 200 سنة بين الحرية و القانون " ، مضيفا بأنه من دون القانون لن يكون هناك سوى " الفوضى و الاضطراب " . و في اليوم الذكرى السابقة لهذا اليوم ، احتفل الرئيس على طريقته بيوم القانون معلنا بان الولايات المتحدة ستتجاهل دعاوى محكمة العدل الدولية ، التي أدانت إدارته بسبب " استخدامها غير الشرعي للقوة " و في انتهاكها للاتفاقيات الدولية في هجومها على الحكومة النيكاراغوية ، و الذي تصاعد مباشرة كرد على قرار محكمة العدل الدولية من اجل إنهاء جريمة الإرهاب الدولية . و خارج الولايات المتحدة ، بالطبع ، فان الأول من أيار هو يوم للتضامن مع نضال العمال الأمريكيين .
    و لذلك ، يمكن فهم أن تطلب الولايات المتحدة ضمانات قوية من السلوك الحسن قبل السماح لنيكاراغوا التي تقودها حركة ساندينية للانضمام إلى الحلف الذي تقوده واشنطن ، و الذي يرحب بانضمام الآخرين إلى الحرب التي تشنها أمريكا ضد الإرهاب منذ عشرين عاما كـ : روسيا ، و الصين ، و إندونيسيا ، و تركيا ، و بعض الدول الأخرى الحسنة ، و بالطبع ليست أي دولة .
    أو ، خذ مثلا " التحالف الشمالي " الذي تدعمه كل من واشنطن و روسيا معا . و هو مجموعة من جنرالات الحرب التي ارتكبت جرائم فظيعة و أعمال وحشية و إرهابية مماثلة لدرجة ان معظم الناس قد رحبوا بالطالبان سابقا . و علاوة على ذلك ، فانهم متورطون بالتأكيد في تجارة المخدرات عبر طاجكستان . لأنهم يسيطرون على معظم الحدود معها ، و ينقل على ان طاجكستان يمكن ان تكون نقطة العبور الأولى لتدفق المخدرات فعليا إلى أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية . و إذا ما استمرت الولايات المتحدة مع روسيا في تسليح هذه القوات ، و شن بعض الأعمال العدوانية المرتكزة عليهم ، فمن المحتمل ان يزداد تدفق المخدرات في ظل الظروف الناشئة من الفوضى و تدفق اللاجئين . وعلى الرغم من ذلك فإن " الشخصيات التافهة " مألوفة في السجل التاريخي ، و يصح الأمر نفسه إذا تحدثنا عن " القصد الشريف " .
    سؤال : ان تعليقك على ان الولايات المتحدة " دولة إرهاب رائدة " يمكن ان يصدم العديد من الأمريكيين فهل بإمكانك ان تتوسع في ذلك ؟
    تشومسكي : ان المثال الأكثر وضوحا ، و الأكثر بعدا عن التطرف ، هو نيكاراغوا . و هو أكثر وضوحا لأنه غير خلافي ، على الأقل بالنسبة إلى الناس الذين لديهم أدنى اهتمام بالقانون الدولي ( ملاحظة للناشر : انظر في الصفحة 24 من الكتاب حيث هناك المزيد من الشرح حول هذه النقطة هكذا ورد في الأصل- ) و من الجدير بالذكر و بشكل خاص بعد ان كبحت نيكاراغوا على هذا النحو أن الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي حكمت عليه محكمة العدل الدولية و أدانته بسبب الإرهاب الدولي ، و رفض قرارا من مجلس الأمن الدولي يطالب جميع الدول باحترام القانون الدولي .
    و استمرت الولايات المتحدة في الإرهاب الدولي . و يوجد بالمقارنة معها أمثلة أخرى عديدة صغيرة . كان كل شخص هنا غاضب إلى حد بعيد بسبب تفجير مدينة اوكلاهوما ، وتقرأ في العناوين لمدة يومين ، " تبدو مدينة اوكلاهوما كمدينة بيروت " . و لم أر أحدا يشير إلى أن بيروت تبدو أيضاً كبيروت ، و أحد أسباب ذلك ان إدارة ريغان كانت قد شنت تفجيرا إرهابيا هناك في عام 1985 مشابها للذي حدث في اوكلاهوما . حيث تم تفجير شاحنة مفخخة قرب جامع بعبوة موقوتة معدة لقتل أعداد كبيرة من المصلين لحظة خروجهم . فقُتل 80 شخصا ، و جُرح 250 شخصا آخر ، معظمهم من النساء و الأطفال وفق لتقرير في واشنطن بوست ورد بعد 3 سنوات . و كان التفجير الإرهابي يستهدف رجل دين مسلم كرهوه ثم أضاعوه لاحقا . و لم يكن ذلك سرا . و لا أعرف الاسم الذي تطلقه على سياسات تعتبر العامل الرئيسي في قتل حوالي مليون مدني في العراق و ربما نصف مليون طفل ، فما هو الثمن الذي يقول و زير الخارجية أننا مستعدون و راغبون في دفعه . فهل هناك أي اسم له ؟ و دعم إسرائيل في أعمالها العدوانية و فظائعها هو مثال على ذلك .
    و كذلك دعم تركيا في سحق مواطنيها الأكراد ، و قد قدمت له إدارة كلنتون كل سبل الدعم ، حيث زودت الولايات المتحدة قوات القمع ما نسبته 80 % من الأسلحة المستخدمة ، و قد تصاعد هذا الدعم بتصاعد الأعمال العدوانية ، و هذا مثال آخر على عمل فظيع جدا شكلّ إحدى أسوأ حملات التطهير العرقي و التدمير في التسعينيات ، و نادرا ما عرفت بسبب مسؤولية الولايات المتحدة عنها ، و عندما تعرض للمناقشة أخلاقيا ، تنبذ مباشرة و تبدو كـ " خلل " بسيط أمام تفانينا العام لـ " إنهاء البربرية " في كل مكان .
    أو خذ مثلا تدمير مصنع الشفاء للأدوية في السودان ، و هو هامش ضئيل في سجل دولة الإرهاب ، و لقد نسي بسرعة . فماذا سيكون الرد لو قامت شبكة ابن لادن بتدمير نصف معمل أدوية في الولايات المتحدة و معدات تزويده ؟ يمكننا أن نتخيل ، رغم ان المقارنة غير عادلة : أن النتائج على السودان اكثر قساوة و مأساوية . لندع ذلك جانبا ، فكيف سيكون الرد لو كانت الولايات المتحدة أو إسرائيل أو بريطانيا أهدافاً لهذه الأعمال ؟ في هذه الحالة نقول ، " يا للهول ، أو حسناً ، أو إنه شيء سيئ جدا ، و ربما إنه خطأ بسيط ، دعنا ننتقل إلى الموضوع التالي ، و دع الضحايا تتعفن " . و الناس الآخرون في العالم لن يتصرفوا كذلك . و عندما يعرض ابن لادن ذلك التفجير للنقاش ، فانه يعزف على الوتر الحساس ، حتى بين أولئك الذي يحتقرونه و يخافونه ، و هو عزف صحيح -لسوء الحظ- في معظم ما يطرحه في خطاباته .
    و بالرغم من ان هذا ليس سوى مثال هامشي فحسب ، فإن المثال السوداني بليغ . و أحد مظاهره المدهشة ردة الفعل التي تظهر عندما يتجرأ أحد على ذكره علنا و تحديد المسؤولية عنه . و لقد قمت بذلك في الماضي ، و قلت الشيء ذاته في الرد على تساؤلات بعض الصحفيين بعد اعتداءات 11 أيلول بقليل . و ذكرت بأن حصيلة " الجريمة النكراء في 11 أيلول ، التي ارتكبت بـ " وحشية مرعبة و فظيعة " ( هذا مأخوذ عن روبرت فيسك ) ، يمكن أن تكون مساوية لنتائج قصف كلينتون لمعمل الشفاء في آب عام 1998 في السودان . و أثارت تلك النتيجة المعقولة ظاهريا رد فعل استثنائي ، ملأ العديد من مواقع شبكة الإنترنت و الصحف مصحوبا بادانات محمومة و خيالية ، سوف أتجاهلها . والوجه الأكثر أهمية هو أن جملة وحيدة تبدو للنظرة الفاحصة كأنها تصريح مكبوح نظر إليها المعلقون على أنها فضيحة مكشوفة . فمن الصعب تجاهل النتيجة إذا نظرنا في عمق المسألة ، على كل حال يمكن لهم أن ينكروها لأنفسهم ، و أن ينظروا إلى جرائم ضد الضعفاء على أنها شيء طبيعي كالهواء الذي يتنفسونه أما جرائمنا فنحن المسؤولون عنها كدافعي الضرائب ، بسبب الفشل في تقديم إصلاحات ضخمة ، و منح مأوى وذريعة للمنفذين ، والسماح للحقائق المرعبة أن تغوص عميقا في ثقب الذاكرة . و هذه جميعها ذات أهمية كبيرة ، كما كانت في الماضي .
    و حول نتائج التدمير الذي طال معمل الأدوية في السودان لا نملك سوى التخمينات . طلب السودان من الأمم المتحدة إجراء تحقيق بشأن المبررات التي تقدمها واشنطن لضرب المعمل ، و لكن واشنطن أعاقته ، و حاول إجراء التحقيق في الخفاء . و لكن يجب ان نقوم بذلك بكل تأكيد . و ربما ينبغي علينا ان نبدأ باستحضار بعض الحقائق البدهية فعليا ، و بالتحديد بين أولئك الذين لا يملكون أدنى اهتمام بحقوق البشر و عندما نحصي أعداد القتلى في أي جريمة ، لا نعد الذي قتلوا في ارض الجريمة فقط بل أولئك الذي قتلوا نتيجة لها . ذلك هو المسار الذي نتبناه على نحو عكسي ، و على نحو لائق عندما ننظر في جرائم الأعداء الرسميين كـ : ستالين ، و هتلر ، و ماو لتحديد الحالات الأكثر تطرفا . و هنا ، لا ننظر إلى الجريمة على أنها ملطفة أو كأنها لم تكن مقصودة بل كانعكاس للبنى الأيديولوجية و المؤسساتية : فالمجاعة الصينية في عام 1958 1961 حالة صارخة لم ترفض لكونها " خطأ " و لأن ماو لم يكن " يقصد " قتل عشرات الملايين من الناس ، و التقديرات حول الأسباب الشخصية للأوامر التي أدت إلى المجاعة لم تخفف من الجريمة . و بشكل مشابه ، يجب ان نرفض و نزدري التهمة التي تدين جرائم هتلر في أوروبا الشرقية و نتغاضى عن جرائم ستالين . إذا كنا ما نزال نتظاهر بأن نكون جديين ، علينا أن نطبق المعايير ذاتها على أنفسنا دائما . و في هذه الحالة يجب أن نعد كل قتل جريمة ، و ليس من قتلته صواريخ كروز في الخرطوم فحسب و لا يجوز أن نخفف الجريمة لأنها كما حدثت تعكس الوظيفة الطبيعية لصانعي السياسة و المؤسسات الأيديولوجية ، حتى لو كان هناك بعض الصحة ( بالنسبة لي مشكوك بها ) للتصورات حول مشاكل الرئيس كلنتون الشخصية ، والتي لا صلة لها البتة بهذا السؤال ، لأسباب يسلم بها كل شخص حين النظر إلى جرائم الأعداء الرسميين .
    و مع حضور كل هذه الحقائق البدهية في الذهن ، دعونا نلقي نظرة على بعض المواد التي كانت متاحة بسهولة في الصحافة السائدة و أغض النظر عن التحليلات الواسعة عن صحة حجج واشنطن ، التي ليس لها أدنى أهمية مقابل النتائج الكارثية .
    بعد سنة من الهجوم ، " بدون توفر الدواء الضروري للحياة ( بعد تدمير المنشأة الأساسية لإنتاجه ) ، استمرت حصيلة الموت في السودان الناتجة عن ضرب المعمل بالازدياد .. و هكذا ، عانى عشرات آلاف من الناس العديد منهم أطفال و ماتوا بسبب الملاريا ، و السل ، و بعض الأمراض الأخرى القابلة للشفاء .. فمعمل ( الشفاء ) قدم دواء للبشر و كل أدوية الطب البيطري في السودان و قدم حوالي 90 % من أهم أدوية السودان .. و العقوبات المفروضة ضد السودان جعلت من المحال استيراد الكميات المناسبة من الأدوية المطلوبة بشدة لتغطية الفجوة الهائلة التي تركها تدمير المعمل .. نفذ العدوان في 20 آب عام 1998 ، و استمر في حرمان الناس في السودان من الدواء المطلوب . ويجب على الملايين أن تتساءل كيف ستحيي محكمة العدل الدولية في لاهاي هذه الذكرى السنوية " ( جوناثان بيلك ، و بوسطن غلوب ، في 22 آب 1999 ).
    يكتب السفير الألماني في السودان أن " من الصعوبة بمكان تقدير عدد الفقراء الذين ماتو في هذا البلد الأفريقي بسبب تدمير معمل الشفاء ، و يبدو ان عشرات الآلاف رقم معقول " ( فارنر دوم ، " العالمية و الغرب " ، هارفرد انترناشنال ريفيو ، صيف 2001).
    و " ان خسارة هذا المعمل يشكل كارثة للمجتمعات الريفية التي تحتاج إلى هذه الأدوية " ( توم كارنافين ، و هو مدير فني لديه " معرفة عميقة " بالمنشأة المدمرة ، نقل عنه في إدفوليامي ، و هنري ماكدونالد ، و شيام بهاتيا ، و مارتين برايت ، و لندن ابوزرفر ، في 23 آب عام 1998 ، على الصفحات الأولى .
    قدم معمل الشفاء حوالي 50 % من أدوية السودان. و قد ترك تدميره السودان بدون كلوراماآت الكينين ، العلاج النموذجي للملاريا " و بعد اشهر لاحقة ، رفضت الحكومة البريطانية طلبات من اجل إعادة تزويد السودان بمادة الكلوراكينين كحالة اسعافية و طارئة حتى يستطيع السودان إعادة بناء منشأته المدمرة " ( باتريك وينتور ، 20 كانون أول 1998 ).
    كانت مؤسسة الشفاء " المعمل الوحيد الذي ينتج عقار T B - لاكثر من مئة آلف مريض ، قيمة العقار لكل منه تعادل ليرة بريطانية في الشهر . و ليس الدواء الأجنبي المستورد ( كوستلير COSTLIER ) متوفرا لمعظمهم أو لزوجاتهم أو أطفالهم ، ممن اصيب بالعدوى في حينه . و كان معمل الشفاء ، المنتج الرئيسي للأدوية البيطرية في بلد زراعي رعوي و اسع . و كان مختصا أيضاً بإنتاج العقاقير المعدة لقتل الطفيليات التي تنتقل من القطيع إلى الرعاة ، و هي إحدى الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال " ( جيمس استيل ، الغارديان ، 2 تشرين أول 2001 ) .
    و استمر الموت الصامت في الازدياد .
    إن هذه الإحصاءات مأخوذة عن صحفيين محترمين يكتبون في صحف رصينة . و ان الاستثناء الوحيد مأخوذ عن أكثر المصادر معرفة بالقضية إنه جوناثان بلكي ، مدير البرنامج الإقليمي لمنظمة الشرق الأدنى ، الذي يكتب انطلاقا من التجربة الحقلية في السودان . و المنظمة معهد محترم للتنمية يعود تاريخه إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى ، و يقدم المساعدة التقنية للبلدان الفقيرة في الشرق الأوسط و أفريقيا ، و يعمل على إقامة مشاريع أهلية للتنمية تدار محليا ، و له صلات وثيقة مع الجامعات الرئيسية ، و الجمعيات الخيرية و وزارة الخارجية و دبلوماسي الشرق الأوسط المشهورين و الرموز البارزة في شؤون الشرق الأوسط التنموية و التعليمية .
    إن تدمير معمل الشفاء حسب التحليلات المعقولة و المتوفرة لنا بسهولة و المتناسبة مع عدد السكان ، يعادل ما قامت به شبكة ابن لادن ، من هجوم على الولايات المتحدة ، لما سببه هذا التدمير من " معاناة مئات الآلاف من الناس - معظمهم من الأطفال و تركهم يموتون بأمراض قابلة للعلاج بسهولة " . و على الرغم من أن التشابه ، كما وصف ، غير عادل . فإن السودان " واحد من أقل بلدان العالم تطورا . فطقسه قاس ، و سكانه مبعثرون ، و النقص في المعدات الصحية لديه و بنيته المنهارة قد اجتمعت كلها معا لتجعل من حياة السودانيين صراعاً من اجل البقاء " ، انه بلد تستوطن فيه الملاريا و السل و العديد من الأمراض الأخرى و يعاني من " الهجمات الدورية لالتهاب السحايا و الكوليرا المألوفة " ، و لذلك فإن الدواء يمثل حاجة ماسة له في علاج هذه الأمراض ( جوناثان بيلكي و كمال الفاكي ، بالاضافة إلى تقارير منظمة الشرق الأدنى التقنية ) . وهو ، علاوة على ذلك ، بلد أراضيه الزراعية محدودة ، و لديه عجز مزمن في مياه الشرب ، و معدل وفيات مرتفع ، و صناعته ضئيلة ، و دينه يشكل عبئاً ، و يحطمه الإيدز AIDS ، و تدمره الحرب الأهلية القاتلة و يخضع لعقوبات صارمة . و تخمين ما يحدث داخله بما في ذلك تقدير بلكي ( المعقول ظاهريا تماما ) يشير إلى أن عشرات الآلاف " ذاقوا المر ثم ماتوا " في سنة واحدة بسبب تدمير المنشأة التي تنتج الدواء المطلوب و الأدوية البيطرية الضرورية .
    و هذا من حيث الظاهر فقط .
    نقلت هيومان رايتس ووتش فوراً نتائج القصف المباشرة : " أجلت وكالات الأمم المتحدة القائمة في الخرطوم جميع موظفيها الأمريكان كما فعل كذلك عدد من منظمات الإغاثة " ، و بسبب ذلك ، " تأجل عدد من العمليات الإنقاذية على نحو غامض ، بما فيها عملية حاسمة تقوم بها لجنة الإنقاذ الدولية الأمريكية ( في بلدة حكومية ) حيث يموت اكثر من خمسين شخصاً في الجنوب السوداني يومياً " هذا في " الجنوب السوداني ، حيث تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 2,4 مليون إنسان يعانون من خطر المجاعة " ، و " سوء توزيع المساعدة " لـ " السكان المدمرين " و الذي يمكن أن يخلق " أزمة مرعبة " .
    اضافة إلى ذلك ، يبدو أن قصف الولايات المتحدة " قد حطم الحركة الناشئة التي تسعى ببطء نحو التسوية بين الأطراف السودانية المتحاربة " و قوض الخطوات الواعدة باتجاه إنجاز اتفاقية سلام من اجل إنهاء الحرب الأهلية التي خلفت اكثر من مليون و نصف قتيل من عام 1981 ، و الذي يمكن ان تقود إلى " السلام في أوغندا و كامل حوض النيل " . و قد حطم الهجوم على نحو واضح " الآمال المتوقعة لتحول سياسي في قلب الحركة الإسلامية السودانية " ، نحو " عهد براغماتي مع العالم الخارجي " بالإضافة إلى الجهود الموجهة لمعالجة أزمات السودان المدنية ، و لإنهاء دعم الإرهاب ، و لتقليص دور الإسلاميين الراديكاليين ( مارك هوباند ، فاينانشال تايمز ، 8 أيلول 1998 ) .
    و وفقا لهذه النتائج ، فإننا نستطيع أن نقارن الجريمة في السودان بجريمة اغتيال باتريس لومومبا (1) و التي أدخلت الكونغو في عقود عدة ساد فيها القتل ، و لا تزال قائمة ، أو بإسقاط حكومة غواتيمالا الديمقراطية في عام 1954 ، التي أدت إلى 40 عاما من الأعمال العدوانية الفظيعة ، و العديد و العديد من الأمثلة الأخرى المشابهة .
    و أعيد تأكيد نتائج هوباند بعد ثلاث سنوات من قبل جيمس استيل ، في مقالة ذكرت للتو .يستعرض فيها " الثمن السياسي لبلد يصارع للخروج من قبضة سلطة دكتاتورية عسكرية توتاليتارية ، و اسلامية هدامة ، و من حرب أهلية طويلة " قبل الهجوم الصاروخي الذي " الذي اناخ الخرطوم بين ليلة و ضحاها تحت نير كابوس التطرفية العقيمة التي كانت تحاول الهروب منها " . و يمكن ان يكون هذا هو الثمن " السياسي " لأفدح ضررا للسودان من تدمير " خدماته الطبية الضعيفة " .
    _____________
    (1) باتريس لومومبا ( 1925 1961 ) : سياسي كونغولي ، ناضل من اجل تحرير الكونغو من الاستعمار البلجيكي المترجم .
    و يقتبس استيل عن الدكتور إدريس الطيب ، و هو أحد علماء العقاقير و رئيس مجلس معمل الشفاء : فالجريمة ، كما يقول ، " تعادل تماما عملا إرهابيا على البرجين " ، و الفرق الوحيد بينهما أننا نعرف الجاني هنا . و اشعر بالحزن الشديد على موت الناس ( في نيويورك و في واشنطن ) ، و لكن بلغة الأرقام ، و الكلفة النسبية لبلد فقير ، فإن ( قصف السودان ) كان الأسوأ " .
    و لسوء الحظ ، يمكن أن يكون محقا بشأن " فقدان الحياة بلغة الأرقام " ، حتى إذا لم تدخل " الخسارة السياسية " في حسابنا على المدى الطويل .
    إن تقييم " الخسارة النسبية " من عمل المؤسسة و لن أدخل في تفاصيله هنا ، يفضي بنا إلى القول إن ترتيب أو تصنيف الجرائم على بعض المقاييس مضحك أحيانا ، مع أن المقارنة في المحصلة معقولة و نموذجية حقا في المدارس التعليمية .
    حملَّ القصف التكاليف للناس في الولايات المتحدة ، كما اصبح جليا في 11 أيلول ، أو ينبغي أن يكون كذلك . و يبدو لي على نحو لافت للنظر بأن هذا لم يحدث بشكل بارز ( هذا إذا حدث ) في النقاش الواسع حول اخفاقات أجهزة الاستخبارات التي تقف وراء أحداث 11 أيلول العدوانية .
    اعتقل السودان قبل الضربة الصاروخية 1998 ، مشتبهين بتهمة تفجير السفارات الأمريكية في أفريقيا الشرقية ، و اعلموا واشنطن بذلك ، كما أكده الموظفون الأمريكان " إلا أن واشنطن رفضت عرضاً من السودان للتعاون ، و بعد الهجوم الصاروخي ، أطلق السودان " سراحهما غاضبا " ( جيمس رايزن ، نيويورك تايمز ، 30 تموز عام 1999 ) ، و اتهموا من وقتها بأنهم متعاونون مع ابن لادن . و مؤخرا سربت وكالة الاستخبارات الأمريكية F B I مذكرات أضافت فيها سبباً آخر يبين " حرر السودان غاضبا المشتبه بهما ". و تكشف المذكرات بأن الـ F B I أرادت أن يسلمهما السودان إليها ، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية رفضت . و يصف " مصدر رفيع المستوى في الـ C I A " رفض هذا العرض وغيره من العروض السودانية الأخرى للتعاون كـ " أسوأ فشل للاستخبارات في كل هذا العمل المرعب " في 11 أيلول . و " إنه مفتاح كل شيء حتى الآن ، بسبب الأدلة الدامغة ضد ابن لادن التي عرض السودان تقديمها ، لكنها رفضت مرارا و تكرارا بسبب " كره الإدارة اللامعقول " للسودان ، كما ينقل مصدر الـ C I A رفيع المستوى ، و كان من بين العروض السودانية المرفوضة عرض بتقديم " ملف معلوماتي استخباراتي ضخم يخص أسامة ابن لادن و اكثر من 200 عضو بارز من أعضاء شبكته الإرهابية ، القاعدة ، في السنوات التي أدت إلى هجمات 11 أيلول " . و قدم لواشنطن " ملفات ضخمة ، مرفقة بالصور و السير الذاتية المفصلة عن عدد من كوادره الرئيسية ، و معلومات حيوية عن المصالح المالية للقاعدة في أجزاء عديدة من المعمورة " ، و لكن واشنطن رفضت قبول المعلومة ،وبعيداً عن "الكره اللاعقلاني " لهدف هجومها الصاروخي . و من " المعقول أن نقول ربما لو توفرت لنا هذه المعطيات توفرت لنا فرصة افضل في منع هذه الهجمات " في 11 أيلول ، كما يستنتج نفس مصدر الـ C I A الرفيع ( ديفيد روز ، اوبزرفر ، 30 أيلول ، ناقلا ذلك في تحقيق للاوبزرفر " .
    و لا يستطيع أي كان أن يحصي حصيلة الخسائر التي تعرض لها السودان في الهجوم ، حتى لو بعيدا عن عشرات الآلاف من القتلى المحتملين من الضحايا السودانيين بعد القصف . و تعزى كل هذه الحصيلة إلى عمل إرهابي واحد على الأقل ، هذا إذا كان لدينا الأمانة في تطبيق المعايير التي نطبقها بدقة على أعداءنا الرسميين . إن ردة الفعل في الغرب تعلمنا الكثير عن أنفسنا ، فإذا وافقنا على أن نتبنى بديهية أخلاقية فللنظر إلى المرآة؟
    أو لنعد إلى " منطقتنا الصغيرة هنا و التي لم تزعج أحدا ما أبدا " كما أطلق هينري ستيمسون على نصف الكرة الغربية ، و لنأخذ كوبا مثلا . فبعد سنوات طويلة من الإرهاب الذي بدأ في عام 1959 بما فيه من استخدام عداوات فظيعة ، صار لدى كوبا كامل الحق بالجوء إلى العنف لمواجهة الولايات المتحدة وفقاً لمبدأها ذاته الذي الذي لم يتعرض للشك إلا نادراً . و لسوء الحظ يستمر ذلك كله بسهولة ، ما يخص الولايات المتحدة منه ، و ما يخص دول الإرهاب الأخرى أيضاً .
    سؤال : في كتابك ثقافة الإرهاب ، قلت إن " المشهد الثقافي مضاء بوضوح خاص عبر تفكير الحمائم الليبرالية ، الذين وضعوا حدود الانشقاق المهذب " . فكيف كانوا يتصرفون منذ أحداث 11 أيلول ؟
    تشومسكي : بما أني لا أحب التعميم ، دعنا نأخذ مثالا واضحا . نقلت نيويورك تايمز في 16 أيلول أن الولايات المتحدة طلبت من الباكستان قطع إمداد أفغانستان بالطعام . و لقد لمح إليه في السابق ، و لكن صرح به علانية الآن هنا . و من بين طلبات واشنطن من الباكستان ، أيضاً " إلغاء المرافقة للشاحنات التي تنقل معظم الغذاء و المواد التموينية الأخرى إلى السكان المدنيين الأفغان " . و هذا الطعام هو الذي يحافظ على حياة الناس و يمنعهم من الموت جوعاً ، ( جون بيرنز ، إسلام آباد ، نيويورك تايمز ) . فماذا يعني ذلك ؟ ان ذلك يعني ان أعداد غفيرة من الأفغانيين سيموتون جوعا . هل هم من الطالبان ؟ لا ، انهم ضحايا حركة الطالبان . فكثيرون منهم لاجئون داخليون منعوا من المغادرة . و هاهو تصريح يقول : حسنا ، دعونا نتقدم لقتل أعداد كبيرة ، أو ربما الملايين ، من الأفغانيين المتضورين جوعا و الذين هم ضحايا حركة الطالبان . فماذا كان الرد ؟
    و بعدئذ قضيت كامل النهار استمع إلى المذياع و التلفاز حول العالم . و بقيت اعرضه للنقاش . فلم يقدم أي كان في أوروبا أو الولايات المتحدة أي كلمة واحدة عن كيفية الرد . و في كل مكان آخر من العالم كان هناك ردود أفعال كثيرة ، و حتى في محيط أوروبا كاليونان . فكيف سيكون ردنا ؟ لنفترض أن هناك سلطة قوية بما فيه الكفاية لتقول ، دعونا نقوم بشيء يؤدي إلى موت عدد ضخم من الأمريكيين جوعا فهل تظن أنها مشكلة خطيرة ؟ و مرة أخرى ، إنها ليست مجالا للمقارنة العادلة . فأفغانستان التي تركت تتعفن بعد أن دمرها الغزو السوفيتي ، و استغلت واشنطن الحرب جداً حتى اصبح معظم البلد مدمراً و سكانه يائسين ، و إنها بكل تأكيد إحدى اكثر الأزمات الإنسانية سوءاً في تاريخ العالم .
    سؤال : إن المذياع العام الوطني ، الذي ادانته إدارة ريغان في الثمانينات "كمذياع ماناغوا في بوتوماك " ، و اعتبر أيضاً هناك " في المناظرات مع الجانب اليبرالي في نقاش محترم . و أن آدمز نوح ، معد و مقدم برنامج كل " كل المسائل الهامة نؤخذ بالاعتبار " سأل هذه الأسئلة في 17 أيلول : " هل سيسمح بالاغتيال ؟ و هل ستمنح الـ C I A وقتا ضائعا اكثر فاعلية ؟ "
    تشومسكي : ينبغي ألا يسمح لـ C I A بتنفيذ اغتيالات ، و لا بما هو أقل منها . و هل سمح الـ C I A بتفجير سيارة مفخخة في بيروت كتلك التي ذكرتها للتو ؟
    ليس سراً أو مصادفة ، أن تنقل الصحافة السائدة الخبر ثم تنساه بسهولة كي لا تتهم بأنها تنتهك القوانين هي أو الـ C I A . فهل سمح لنا أن نشكل في نيكاراغوا جيشا إرهابيا قام بالعمل الرسمي المكلف به ، بدون تردد وفقاً لتصريح وزير الخارجية ، لمهاجمة " أهداف سهلة " في نيكاراغوا ، قاصدا التعاونيات الزراعية غير المحمية و المستوصفات الصحية ؟ و ينبغي أن تتذكر أن وزير الخارجية قد برر هذه الأعمال رسميا بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي طلب من الولايات المتحدة إنهاء حملتها الإرهابية الدولية و دفع تعويضات كبيرة .
    فكيف نسمي ذلك كله ؟ هل تأسيس لما يشابه شبكة ابن لادن ، بل المنظمات الداعمة له ؟
    و هل الولايات المتحدة مفوضة بتزويد إسرائيل بحوامات عسكرية لتنفيذ اغتيالات سياسية و القيام باعتداءات ضد أهداف مدنية ؟ و إن ذلك ليس من صلاحية الـ C I A . بل هو من صلاحية إدارة الرئيس كلينتون ، بدون أي رفض ملحوظ . إن مثل هذه الوقائع لم تنقل في الصحافة السائدة ، رغم أن المصادر حيادية و خالية من الأخطاء و العيوب .
    سؤال : هل بإمكانك أن تُعرّف باختصار شديد الاستخدامات السياسية للإرهاب؟ و أين تتوافق مع النظام العقائدي ؟
    تشومسكي : التزمت الولايات المتحدة رسميا بما أطلقت عليه " الحرب الخافتة" . ذلك هو المبدأ الرسمي . و إذا قرأت التعاريف النموذجية للصراع الخافت و قارنتها مع التعاريف الرسمية لـ " الإرهاب " في الكراسات العسكرية ، أو في دستور الولايات المتحدة ( انظر في هامش الصفحة 16 من الكتاب في الأصل الإنجليزي ) ، ستجدها متماثلة . فالإرهاب هو استخدام مدروس للعنف و التهديد بالعنف و التخويف و الإكراه لأغراض سياسية أو دينية ، أو أخرى . كذلك كان الهجوم على مركز التجارة العالمي ، إنه عمل إرهابي مرعب بوضوح .
    الإرهاب ، حسب التعاريف الرسمية ، جزء من عمل الدولة ، مبدأ رئيسي لها ، ليس في الولايات المتحدة وحدها بالطبع .
    و من الخطأ الاعتقاد أن الإرهاب هو " سلاح الضعفاء " . بل هو كبقية الأسلحة الفتاكة سلاح الأقوياء أيضاً . علاوة على ذلك ، يجب أن تعرف كل هذه الأشياء و من العار أن لا تكون معروفة . إن أي شخص يريد اكتشافها يمكنه أن يبدأ بقراءة مجموعة اليكسي جورج المذكورة سابقا ، و التي تمر على ذكر الكثير الكثير منها . و هذه أشياء ينبغي على الناس معرفتها إذا أرادوا أن يفهموا أنفسهم و هي معروفة للضحايا ، بالطبع و لكن يفضل الفاعلون أن ينظروا إلى مكان آخر .
    -5-
    اختيار الفعل الجرمي
    مبنية على مقابلة مع مايكل ألبرت في 22 أيلول ، 2001
    سؤال : دعنا نفترض ، على سبيل النقاش بأن ابن لادن وراء الأحداث . إذا كان الأمر كذلك فما هي الأسباب التي دفعته إليها ؟ لأن مثل هذه الأحداث لن تساعد الفقراء و لا الناس في أي مكان ، و أقلّهم الفلسطينيين ، فما هو هدفه ، إذا كان قد خطط للجريمة ؟
    تشومسكي : ينبغي على أي منا أن يكون حذرا بهذا الخصوص . يشير روبرت فيسك ، الذي قابل الرجل مرارا و تكرارا و مطولا ، إلى أن أسامة بن لادن يشارك في الغضب الذي يعم المنطقة حول الوجود العسكري الأمريكي في السعودية الداعمة للأعمال العدوانية ضد الفلسطينيين ، بالإضافة إلى التدمير الذي تقوده الولايات المتحدة ضد المجتمع المدني العراقي و يشاطره في مثل هذا الشعور بالغضب الغني و الفقير ، كل ألوان الطيف السياسي الأخرى .
    إن عدداً كبيراً ممن يعرفون المنطقة جيدا يشكُّون أيضاً بقدرة ابن لادن على التخطيط لعملية معقدة بشكل لا يصدق من كهف في مكان ما في أفغانستان . أمّا أن تكون شبكته متورطة فذلك معقول إلى حد بعيد ، و هو بالنسبة لهم وحي ، أيضاً . و شبكته لا مركزية ، و ذات بنى غير هرمية ، و ربما كانت هناك اتصالات محدودة فيما بينهم . إذ من الممكن أن يكون ابن لادن صادقا تماما عندما يقول بأنه لا يعرف شيئا عن العملية .
    و لنضع كل ذلك جانبا ، لأن ابن لادن واضح تماما فيما يريده لا بالنسبة للغربيين الذي يريدون مقابلته ، مثل فيسك ، بل و بشكل اكثر أهمية بالنسبة إلى المشاهدين و المستمعين الذين يتكلمون العربية و التي يصل إليها عبر أشرطة الكاسيت المنتشرة على نحو واسع و ليس تبني ذلك الإطار من أجل النقاش فقط ، إذ أن هدفه الرئيسي هو العربية السعودية و الأنظمة القمعية التعسفية الأخرى في المنطقة و ليس أي دولة " إسلامية " حقيقة منها . و يهدف مع شبكته إلى دعم المسلمين الذين يدافعون عن أنفسهم ضد " الكفار " أينما وجدوا : في الشيشان ، أو البوسنة ، أو كشمير ، أو الصين الغربية ، أو جنوب شرق آسيا ، أو أفريقيا الشمالية ، أو في أي مكان آخر . لقد خاضوا " الحرب المقدسة " و كسبوها حيث اجبروا الروس على الرحيل ( الروس الأوربيون و المفترض انهم ليسوا مختلفون نسبيا عن البريطانيين و الأمريكان من وجهة نظرهم ) من أفغانستان ، و يهدفون كذلك إلى ترحيل القوات الأمريكية عن العربية السعودية فهي بلد عزيز عليهم جدا ، لأنه موطن الأماكن الإسلامية المقدسة .
    و تلقى دعوته لإسقاط أنظمة الحكم الوحشية و قطاع الطرق الفاسدين في المنطقة صدى قويا كالذي تلقاه نقمته ضد الأعمال العدوانية التي يعزوها مع غيره إلى الولايات المتحدة و التي نادرا ما تكون غير مبررة . و صحيح تماما أن كل جرائمه مؤذية و ضارة بسكان المنطقة الأكثر فقرا و بؤسا . و لنأخذ الهجمات الأخيرة ، مثلا ، فقد كانت مؤذية جدا للفلسطينيين . إلاّ أنّ ما يبدو متناقضا بشكل حاد من الخارج يمكن أن يرى على نحو مختلف من الداخل . فبالنسبة للمقاتلين البواسل ، الحقيقيين تماما ، يمكن أن يبدو ابن لادن بطلاً حقيقياً ، مهما كانت أعماله مؤذية و ضارة للأغلبية الفقيرة . و إذا ما نجحت الولايات المتحدة في قتله ، يمكن أن يغدو أعظم شهيد يستمر صوته مسموعا على أشرطة الكاسيت كثيرة الانتشار بالإضافة إلى الوسائل الأخرى . و مع ذلك فإنه كرمز يمتلك قوة موضوعية عند الولايات المتحدة و سكانها .
    و تتوافر كل الأسباب ، كي نأخذ كلامه على محمل الجد كما أعتقد . و من الصعب أن تكون جرائمه مدهشة بالنسبة إلى C I A . و بدأت " الضربات العكسية " من القوى الإسلامية الراديكالية التي نظمتها و سلحتها و دربتها كل من الولايات المتحدة و مصر و فرنسا و الباكستان و آخرون .. باغتيال الرئيس السادات في مصر عام 1981 ، أحد اكثر المتحمسين لتشكيل قواتٍ لخوض الحرب المقدسة ضد الروس . و استمر العنف من وقتها و لم يتوقف بعد .
    و كانت الضربة المرتدة مباشرة تماما ، و مماثلة لتلك التي حدثت منذ 50 عاما ، بكل ما فيها من تدفق للمخدرات و العنف . و لنتناول حالة واحدة ، إذ ينقل الأخصائي الرائد في هذا المجال جون كولي ، بأن ضباط الـ C I A قد " ساعدوا على نحو متعمد " في دخول رجل الدين المصري الإسلامي الراديكالي الشيخ عمر عبد الرحمن إلى الولايات المتحدة في عام 1990 ( الحروب غير المقدسة ) . و كان مطلوبا من الحكومة المصرية بتهم الإرهاب . و في عام 1993 ، ( تورط ) في تفجير مركز التجارة العالمي و الذي تم وفق تعليمات قررت في كراسات الـ C I A ، التي ، يفترض ، أنها أعدت " للأفغان " من أجل حربهم مع الروس . و كانت الخطة تفجير مبنى الأمم المتحدة و أنفاق لينكولين و هولاند ، و اهداف أخرى أيضاً و قد حكم على الشيخ عبد الرحمن بالتآمر و صدر بحقه حكم طويل .
    سؤال : مرة أخرى ، هل خطط ابن لادن لهذه الأفعال ، و ما هي الخطوات التي يجب أن تؤخذ من فبل الولايات المتحدة والآخرين ،محلياً أو عالمياً إذا كانت هناك مخاوف شعبية من حدوث أعمال أخرى مماثلة قابلة للوقوع ؟ و ما هي نتائج تلك الخطوات ؟ .
    تشومسكي : كل حالة مختلفة عن الأخرى و لكن دعنا نأخذ بعض الأمثلة المشابهة ما الطريقة المناسبة لبريطانيا في تعاملها مع تفجيرات الجيش الجمهوري الأيرلندي في لندن ؟ كان أحد الخيارات أن يتم إرسال سلاح الجو الملكي R A F ، لتدمير مصادر تمويلهم ، و أمكنة أخرى مثل بوسطن ، أو تسريب و نقل فرق الوحدات الخاصة لإلقاء القبض على المشتبه بهم في التمويل و قتلهم أو خطفهم و محاكمتهم في لندن .
    و بعيدا عن الإجراءات العملية التي يمكن أن تكون حماقة إجرامية كان هناك إمكانية أخرى هي التأمل الواقعي في العوامل الخلفية و الأحزان القائمة وراءها ، و محاولة إصلاحها ، و في الوقت نفسه ، تطبيق القانون في محاكمة و معاقبة المجرمين . و سيكون ذلك معقولا و مفهوما اكثر ، و على أي كان ان يفكر به . أو لنأخذ تفجير بناء الفدرالية في مدينة اوكلاهوما مثلا . كانت هناك دعوات فورية لقصف الشرق الأوسط ، و ربما حصل القصف لو وجدت أية إشارة حتى إن كانت بعيدة و ذات صلة بالموضوع . و على النقيض من ذلك عندما اكتشفوا بأن الفعل من تدبير داخلي ، قام به شخص ما له صلات مع الميليشيات ، لم يكن هناك أي دعوة لإلغاء مونتانا و إداهو أو " ولاية تكساس " التي كانت تدعو إلى الانسحاب من الحكومة الظالمة و غير الشرعية في واشنطن . ثم ، كان هناك بحث عن الجاني ، و وجد ، و قدم إلى المحكمة و حكم عليه ، و إلى الحد الذي كان فيه الرد معقولا ، فكانت هناك محاولات لفهم الأحزان الكامنة وراء مثل هذه الجرائم و مواجهتها . على الأقل ذلك هو المسار الذي علينا اتباعه فيما إذا كان في نيتنا الحد من مستوى الإرهاب و التوقف عن المساهمة به . و يصبح تناول المبادئ المشابهة صحيحاً عموما مع الانتباه دائما إلى تنوع الظروف التي تصح على نحو خاص في هذه الحالة .
    سؤال : ما هي الخطوات ، المغايرة ، التي تبحث حكومة الولايات المتحدة للشروع بها ؟ و ماذا ستكون النتائج ، إذا نجحوا في تنفيذ خططهم ؟
    تشومسكي : ما أعلن حقا هو إعلان فعلي للحرب ضد كل ما لا ينضم إلى واشنطن في لجوءها إلى العنف ، أينما و حيثما تختار .
    و تواجه دول العالم " خياراً قاسياً " : انضموا إلينا في حملتنا الصليبية أو " واجهوا إمكانية الموت المحتم و التدمير " ( أر . دبليو آبل ، نيويورك تايمز ، 14 أيلول ) . و كرر خطاب بوش في 20 أيلول تأكيد ذلك بقوة . و إذا ما اخذ حرفيا ، فانه إعلان فعلي للحرب ضد معظم العالم و لكني متأكد من أنه ينبغي عدم أخذه حرفيا . لان مخططي الحكومة لا يريدون تدمير مصالحهم الخاصة بشكل باهظ . و لا نعرف ما هي خططهم الفعلية بالضبط . و لكني افترض أنهم سيفكرون جديا بالتحذيرات التي يتلقونها من القادة الأجانب و المختصين في شؤون المنطقة و وكالات استخباراتهم ، من أن عملا عسكريا ضخما ، سيقتل عدداً من المدنيين الأبرياء ، سيكون بالتأكيد " ما يريده منفذوا مذبحة مانهاتان قبل كل شيء . فالانتقام العسكري سينعش اسبابهم ، و يؤله قائدهم ، و يخفض من نسبة الاعتدال لديهم و يؤكد على التعصب . و إذا ما احتاج التاريخ أبدا إلى أي محرض لصراع جديد و مرير بين العرب و الغرب ، فيمكن لهذا أن يكونه " ( سيمون جينكنز ، تايمز " لندن " ، في 14 أيلول و هو واحد من مجموعة ممن طرحوا هذه النقاط بشكل لافت للنظر منذ البداية ) .
    حتى لو قتل ابن لادن سيكون هناك عدداً آخر منه و لن يؤدي قتل المزيد من الأبرياء إلا إلى تقوية الشعور بالغضب ، و اليأس ، و الإحباط متفشي في كامل المنطقة ، و يعبئ الآخرين إلى الانضمام إلى قضيته المرعبة .
    و ما ستقوم به الإدارة سيعتمد ، جزئيا على الأقل ، على المزاج الداخلي ، الذي نأمل أن يكون فاعلا و مؤثرا . أما ماذا ستكون نتائج أعمالهم فلا نستطيع الحديث عنها بمزيد من الثقة ، اكثر مما يستطيعون . و هناك تقديرات معقولة ، أما إذا لم تجر الأحداث بالمنطق و وفق القانون و المعاهدات الدولية ، فإن التوقعات ستكون مروعة حقاً .
    سؤال : يقول عدد من الناس أن على مواطني الدول العربية تحمل المسؤولية في إزالة الإرهابيين عن الأرض ، أو الحكومات التي تدعم الإرهاب فما هو رأيك ؟
    تشومسكي : يبدوا معقولا دعوة المواطنين لإزالة الإرهابيين بدلا من اختيارهم للمناصب الأرفع و التصفيق لهم و مكافئتهم . و لكني لن اقترح أنه كان ينبغي علينا أن نكون قد " أزلنا موظفينا المنتخبين و مستشاريهم ، و جوقة مثقفيهم المتملقة النفعية ، و عملائهم عن الأرض " ، أو هل دمرنا حكومتنا و الحكومات الغربية بسبب جرائمها الإرهابية و بسبب دعمها للأعمال الإرهابية على نطاق العالم ، بمن فيهم كثيرين ممن تحولوا من أصدقائنا المفضلين و حلفائنا إلى فئة من " الإرهابيين " لأنهم خالفوا الأوامر الأمريكية مثل : صدام حسين ، وأمثاله كثر . و مع ذلك ، فإن من الإجحاف لوم مواطني الأنظمة الوحشية و القاسية و التي ندعمها،لعدم أخذ هذه المسؤولية على عاتقها ، عندما لا نقوم نحن بذلك في ظل ظروف اكثر ملائمة على نحو واسع .
    سؤال : يقول كثيرون من الناس : عندما تتعرض أية دولة للعدوان ترد بالمثل هذا ما يحدث على مر التاريخ ، فما هو ردك ؟
    تشومسكي : عندما تهاجم البلدان تحاول الدفاع عن نفسها ، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا . و وفقا للمبدأ المعروض ، فإن على كل من نيكاراغوا ، و فيتنام الجنوبية ، و كوبا ، و دول أخرى أن تقوم بتفجيرات داخل واشنطن و المدن الأمريكية الأخرى ، و على الفلسطينيين أن يصفقوا ابتهاجا للتفجيرات في تل ابيب ، الخ .. . و لأن هذه المبادئ قد أوصلت أوروبا إلى انمحاق داخلي فعلي بعد مئات السنين من الوحشية و لذلك صاغت دول العالم ميثاقا مختلفا بعد الحرب العالمية الثانية ، مؤسسة ، و لو شكليا على الأقل مبدأ عدم اللجوء إلى القوة و منعها إلا في حالة الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح حتى يتصرف مجلس الأمن الدولي من اجل حماية السلام و الأمن الدوليين فالانتقام محظور على نحو خاص . و بما أن الولايات المتحدة لا تتعرض لهجوم عسكري مسلح ، حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ، فإن هذه الاعتبارات غير ذات صلة على الأقل ، إذا قبلنا الرأي القائل أن المبادئ الأساسية للقانون الدولي ينبغي ان تطبق علينا ، و ليس فقط على الذين لا نحبهم .
    لنضع القانون الدولي جانبا ، فلدينا قرون من التجربة الإنسانية التي تخبرنا بدقة ما جرتّه و ما ستجّره علينا مبادئ من النوع الذي يقترحه و يهتف له كثيرون من المعلقين . و ما سينتج عنها في عالم مليء بأسلحة الدمار الشامل و هو ما تتنبأ التجربة الإنسانية بقرب وقوعه ، وهو ما دفع بالأوربيين إلى اتخاذ قرار منذ نصف القرن مضى يقول بأن لعبة الذبح المتبادل التي تورطوا فيها ينبغي أن تصل إلى نهايتها ، و إلا ..
    سؤال : من الآثار المباشرة لـ :11 أيلول ، ذعر كثيرون من رؤية تعابير الغضب ضد الولايات المتحدة منبعثة من أنحاء عدة من العالم ، و ليست محصورة بالشرق الأوسط فقط إن صور الناس الذين ابتهجوا لتدمير مركز التجارة العالمية قد ترك رغبة لدى بعض الناس بالانتقام فكيف ترد على ذلك ؟
    تشومسكي : دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الجيش الذي سيطر على السلطة في إندونيسيا في عام 1965 ، و الذي نظم مذبحة لمئات الآلاف ، معظمهم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا إنها مذبحة بشعة قارنتها الـ C I A مع مجازر هتلر ، و ستالين ، و ماو . و نقلت المذبحة ، بدقة ، و أثارت في الغرب هرجاً واسعاً و في الإعلام الوطني و في كل مكان آخر . لم يسبب لنا الفلاحون الإندونيسيون أي ضرر بأية طريقة كانت . و عندما أذعنت نيكاراغوا لهجوم الولايات المتحدة ، صفقت الصحافة السائدة لنجاح الأساليب التي استخدمت لـ " تحطيم الاقتصاد و مواصلة حرب تقويضية قاتلة و طويلة حتى تستطيع الجماهير المنهكة ان تسقط الحكومة المرفوضة بأنفسها " و بـ " أدنى " كلفة لنا و تاركة الضحايا " جسوراً محطمة ، و مراكز سلطة مخربة ، و مزارع مدمرة " ، و هكذا تقدم للمرشح الأمريكي " قضية رابحة " : و هي إنهاء إفقار الناس و سلبهم في نيكاراغوا " التايم " . و أننا " فرحون معاً " بهذه النتيجة كما أعلنت نيويورك تايمز . و من المريح ان نستمر في ذلك .
    قلة قليلة من الناس في كل أنحاء العالم ابتهجوا لمرأى الجرائم في نيويورك حيث شجبت بشدة الأعمال الهجومية على نحو ساحق ، حتى في أمكنة سحق فيها شعبها تحت أقدام واشنطن منذ زمن طويل جدا . و لكن كانت هناك لاشك فيها مشاعر غضب ضد الولايات المتحدة . على كل حال ، أنا مدرك أنه لا شيء مضحك كالموقف من المثالين الذين ذكرتهما للتو عن إندونيسيا أو نيكاراغوا ، أو كثير مثله في الغرب .
    سؤال : لكشف أسباب مثل هذه الردود العامة ، ما هي برأيك المحرضات الفعلية المؤثرة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة ؟ و ما هو الهدف من " الحرب على الإرهاب " كما عرضتها إدارة بوش ؟
    تشومسكي : إن " الحرب على الإرهاب " ليست حربا جديدة و لا " حربا على الإرهاب " . و يجب علينا ان نتذكر أن إدارة الرئيس ريغان قد جاءت إلى السلطة منذ عشرين سنة مضت و هي تعلن ان " الإرهاب الدولي " ( المدعوم عالميا من الاتحاد السوفيتي ) يشكل التهديد الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة ، فهي الهدف الرئيسي للإرهاب مع حلفائها و أصدقائها . و لذلك يجب ان نكرس أنفسنا لخوض حرب من اجل استئصال هذا " السرطان " و هذا " الطاعون " الذي يدمر الحضارة الإنسانية . و عمل الريغانيون على تنفيذ تعهدهم بتنظيم حملات من الإرهاب الدولي الاستثنائية في درجاتها و مدى تدميرها ، أدت إلى إدانة محكمة العدل الدولية للولايات المتحدة التي قدمت دعمها لأعداد غفيرة أخرى من دول في أفريقيا الجنوبية إذ قتلت أعمال السلب و النهب في أفريقيا الجنوبية المدعومة من الغرب مليون و نصف من البشر و تسببت في أكثر من 60 مليار دولار من الأضرار خلال سنوات حكم ريغان وحده فقط . و وصلت هستيريا الإرهاب الدولي ذروتها في منتصف الثمانينات بينما كانت الولايات المتحدة و حلفاؤها في مقدمة من ينشر هذا السرطان الذي كانوا يطالبون باقتلاعه من جذوره .
    و إذا أعُطينا حرية الاختيار ، يمكننا أن نعيش في عالم من الوهم المريح . أو بإمكاننا أن ننظر إلى التاريخ السابق ، إلى البنى المؤسساتية التي لم تتغير جوهريا إلى الخطط المعلنة و الإجابة الأسئلة وفقا لذلك . و لا أعرف أي سبب يدعو للافتراض أن هناك أي تغيير مفاجئ في المحرضات قديمة العهد أو في الأهداف السياسية ، و بعيدا عن التغييرات التكتيكية للظروف المتبدلة يجب أن نتذكر بأن إحدى المهام الرفيعة للمثقفين هي أن يعلنوا كل بضع سنوات بأننا قد " غيرنا المسار " و ان الماضي قد اصبح وراءنا و يمكن أن ينسى كلما اتجهنا نحو المستقبل الزاهر . ان ذلك هو موقف مريح جدا و إلى حد بعيد مع أنه لا يكاد يكون مستقبلاً مرغوباً و باهراً .
    إن الأدب مليء بهذا الخصوص . و ليس هناك مبرر ، بعد الاختيار ، البقاء غافلين عن الحقائق ، المعروفة للضحايا بالطبع ، بالرغم من أن قلة منهم في وضع يسمح لهم ان يدركوا مدى الهجوم الإرهابي الذي يخضعون إليه و طبيعته .
    سؤال : هل تعتقد ان معظم الأمريكيين سيقبلون ، حين تسمح الظروف ، بتقييم اكثر تفصيلا حول خيارات الرد على الهجمات الإرهابية ضد المدنيين هنا في الولايات المتحدة بالقيام بهجمات إرهابية ضد المدنيين في الخارج ، و ان الرد على التعصب هو مراقبة الحريات المدنية و تقليصها ؟
    تشومسكي : أملي ألا يكون الحال كذلك ، و لكن يجب أن لا نستخف بقدرة أنظمة الإعلام المعدة جيدا من اجل دفع الناس إلى السلوك اللاعقلاني و القاتل و الانتحاري . لنأخذ مثالاً بعيدا بما فيه الكفاية لكي يمكننا أن ننظر إليه ببعض الهدوء ، و إنها : الحرب العالمية الأولى . فلا يمكن ان يكون كلا الجانبان منخرطا في حرب نبيلة من اجل الأهداف الأسمى . و في كلا الجانبين ، زحف الجنود إلى مذبحة متبادلة التهمت أعداد غفيرة منهم ، و معززة بهتاف الشرائح المثقفة ، و أولئك الذين ساعدوا على حشدها ، من ألوان الطيف السياسي ، من اليسار إلى اليمين ، بما فيها القوة السياسة اليسارية الأكثر قوة في العالم ، في ألمانيا . و الاستثناءات ضئيلة و يمكننا ان نعدها عمليا ، و انتهى الأمر ببعض الشخصيات البارزة منها إلى السجن لمجرد شكهم بنبل المغامرة ( الحرب ) : و منهم روزا لوكسمبورغ ، و بيرتراند راسيل ، و اوجين دبس . و بمساعدة و كالات إعلام الرئيس الأمريكي ولسون و الدعم الحماسي من المثقفين اللبراليين ، تحول بلد آمن في غضون بضعة اشهر إلى هذيان ضد الهستيريا الألمانية ، و اصبح جاهزا للانتقام من فاعلي الجرائم الوحشية ، التي لفق معظمها في وزارة الإعلام البريطانية . كان ذلك محتوماً على كل حال ، و يجب ألا نبخس حق التأثيرات الحضارية للنضالات الشعبية في السنين السابقة . فلسنا بحاجة إلى ان نحث الخطا نحو الكارثة بعزم ، لكونها أوامر عسكرية فحسب .
    -6-
    حضارات الشرق و الغرب
    بني هذا الحوار على مقابلات مع الاعلام الأوربي من 20 إلى 22 أيلول 2001
    أجريت مع ماريلي مارغو منيو لمحطة التلفزيون ألفا ( اليونانية ) ،
    وميغيل مورا لـ " إل باس " ( أسبانيا ، وناتالي ليفيساليز لـ " الليبراسيون " ( فرنسا ).
    ( ملاحظة للناشر : بما أن عدداً من هذه الأسئلة موجهة من صحفيين يتكلمون اللغة الإنكليزية لغة ثانية ، أضيفت بعض العبارات من أجل إيضاحها مع المحاولة ما أمكن على المحافظة على المعاني المقصودة _ هكذا ورد في الأصل _ )
    سؤال : صرح وزير الخارجية كولن باول بعد الهجوم على الولايات المتحدة ، بأن حكومة الولايات المتحدة ستعدل قوانين الإرهاب ، بما فيها قانون عام 1976 الذي يحظر اغتيال الأجانب . و ان الاتحاد الأوروبي على وشك ان يضع قانونا جديدا للإرهاب . فكيف يمكن ان يكون الرد على الهجمات مقيدا لحرياتنا ؟ و مثلا ، هل يعطي الإرهاب الحكومة الحق بوضعنا تحت المراقبة من اجل تعقب المشتبه بهم و منع الهجمات المستقبلية ؟
    تشومسكي : ان الرد النظري المحض يمكن ان يكون مضللا ، و لذلك دعنا نتأمل مثلا متداولا و نموذجيا تماما فما هي الخطط لتخفيف القيود على إرهاب الدولة أعني عمليا . و في هذا الصباح ( في 21 أيلول ) نشرت نيويورك تايمز رأيا لميشيل والزر ، و هو مفكر محترم و يعتبر زعيما روحيا . إذ دعى إلى " حملة أيديولوجية لمواجهة كل المبررات و حجج الإرهاب و نبذها " ، إذ كما يعلم لا توجد حجج و مبررات للإرهاب الذي يقصده ، على الأقل من قبل أي شخص لديه عقل و صواب ، و تعد هذه في الواقع ، دعوة لرفض محاولات البحث عن الأسباب الكامنة و راء الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الدول التي يدعمها . و يشرع بعدئذ بطريقة تقليدية ليضع نفسه بين أولئك الذين يقدمون " حججاً و مبررات للإرهاب " ، و يتبنى ضمنيا الاغتيال السياسي ، و تحديدا الاغتيالات الإسرائيلية للفلسطينيين الذين تتهمهم إسرائيل بدعم الإرهاب ، و لم يقدم أي دليل حتى أنه لم يعدّ ذلك ضرورياً في كثير من الحالات المشكوك فيها و التي لا أساس لها . و تم التعامل مع " الضرر المصاحب " المحتوم ضد النساء ، و الأطفال ، و ذويهم بالطريقة النموذجية إذ زودت الولايات المتحدة إسرائيل بطائرات الهجوم الأمريكية و التي استخدمت في تنفيذ اغتيالات مشابهة منذ عشر أشهر .
    و يضع والزر كلمة " الاغتيال " بين قوسين ، مشيرا من وجهة نظره ، بأن المصطلح جزء مما يدعوه " بالتبريرات المشوهة والمغلوطة كثيرا و المتحمسة حول حصار العراق و الصراع العربي الفلسطيني - الإسرائيلي " و هو يشير للنقد الموجه ضد الإدارة الأمريكية لدعمها للأعمال الوحشية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ حوالي 35 سنة ، و لسياسات الولايات المتحدة التي دمرت المجتمع المدني في العراق ( و ترسيخ نظام صدام حسين ) . و هذه الانتقادات هامشية في الولايات المتحدة ، لكنها كبيرة بالنسبة له ، ظاهريا . و ربما كان في ذاكرة والزر حين استخدامه " للتبريرات المشوهة " بعض الإشارات العرضية لتصريح وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت من التلفاز الوطني عندما سئلت عن رأيها حول تقديرات عن مقتل نصف مليون طفل عراقي بسبب نظام العقوبات . فقد أقرت بأن هكذا نتائج هي " خيار صعب " لإداراتها ، و لكنها أضافت " نعتقد أنها تستحق هذا الثمن " .
    و لقد ذكرت هذا المثال الوحيد المتكرر بيسر ، كي أوضح المعنى الحقيقي لتخفيف القيود على عمل الدولة . و يمكن أن نتذكر تلك الدول الإرهابية و القاتلة و التي تبرر أعمالها عموما بأنه " إرهاب مضاد " : مثلا ، حين تواجه النازية مقاومة الأنصار . أن هكذا أعمال مسوغة عموما من قبل مفكرين محترمين .
    ليس ذلك تاريخاً بعيداً ففي كانون أول 1987 ، و في ذروة الانشغال بالإرهاب الدولي ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الرئيسي بهذه المسألة ، مدينة الطاعون بأقوى العبارات و داعية كل الأمم للتصرف بفاعلية من اجل هزيمته . و اقر القرار بموافقة 153 دولة و معارضة اثنتين ( الولايات المتحدة و إسرائيل ) ، و امتنعت الهندوراس وحدها عن التصويت . و يشير مقطع من القرار المزعج " بأن لا شيء في هذا القرار يمكنه الإضرار بحق تقرير المصير ، و الحرية ، و الاستقلال ، المنبثق عن ميثاق الأمم المتحدة ، بالنسبة إلى الشعوب المحرومة بالقوة من ذلك الحق .. ، و بشكل خاص الشعوب الواقعة تحت نير الأنظمة الاستعمارية و العرقية ، و تحت نير الاحتلال الأجنبي أو الأشكال الأخرى من السيطرة الكولونيالية ، و لا ... حق هذه الشعوب في النضال من أجل هذه الغاية و طلب الدعم و تلقيه ( وفقا للميثاق و المبادئ الأخرى من القانون الدولي ) " . فهذه الحقوق لا تقبلها الولايات المتحدة و إسرائيل ، و في ذلك الحين ، من حليفتهما جنوب أفريقيا . فبالنسبة لواشنطن ، كان المؤتمر الوطني الأفريقي " منظمة إرهابية " ، و لكن لم يطلق على جنوب أفريقيا كما أطلق على كوبا و غيرها " دولة إرهابية " . و ان تفسير واشنطن لـ " الإرهاب " يعمم بالطبع ، عمليا مع نتائجه الإنسانية القاسية .
    و هناك حديث كثير عن صياغة اتفاقية شاملة ضد الإرهاب ، و انه ليس عملا سهلا . و إن السبب المحشور بعناية في التقارير هو أن الولايات المتحدة لن تقبل أي شيء من مثل تلك الفقرة المزعجة في قرار عام 1987 ، و لن تقبلها أي دولة حليفة لها ، حتى لو تطابق تعريف قرار " الإرهاب " مع التعاريف الرسمية لدستور الولايات المتحدة أو الكراسات العسكرية الأمريكية ، إلا إذا أمكن أن تعاد صياغته بطريقة ما لإبعاد إرهاب الدول العظمى و عملائها .
    و لتكن متأكدا بأن هناك عوامل عديدة تؤخذ بعين الاعتبار في مناقشة سؤالك . إلا أن السجل التاريخي ذو أهمية ساحقة . و على مستوى عام جدا ، لا يمكن ان يجاب عن السؤال . و هذا يتوقف على ظروف و عروض محددة .
    سؤال : قرر الباندستاغ أن القوات الألمانية ستنضم إلى القوات الأمريكية ، بالرغم من ان 80 % من الشعب الألماني لا يوافق عليه ، حسب تقرير لمعهد فورسا للإحصاء . فما هي آراؤك بهذا الخصوص ؟
    تشومسكي : إن السلطات الأوربية مترددة في هذه اللحظة حول المشاركة بحملة واشنطن الصليبية ، و خائفة من أن هجوما واسعا ضد المدنيين الأبرياء ستقدم عبره الولايات المتحدة لابن لادن ، أو لأمثاله ، السبيل لحشد الناس المحبطين و الغاضبين لتأييده ، مع نتائج يمكن أن تكون أكثر رعباً .
    سؤال : ما رأيك بشأن الأمم التي تتصرف كمجتمع دولي في زمن الحرب ؟ فليست هي المرة الأولى التي يجب فيها على كل بلد أن يتحالف مع الولايات المتحدة ، و إلا فينظر إليه كعدو ، و لكن أفغانستان الآن تعلن الشيء نفسه .
    تشومسكي : وضعت إدارة بوش مباشرة دول العالم أمام خيارين : إما الانخراط معنا ، أو مواجهة التدمير . ( ملاحظة للناشر : يشير هنا تشومسكي إلى مقتطف نشر في نيويورك تايمز ، في 14 أيلول 2001 انظر الصفحة 64 من الكتاب الإنجليزي هكذا ورد في الأصل - ) يعارض " المجتمع الدولي " الإرهاب ، بما فيه إرهاب الدول العظمى و الجرائم الفظيعة في 11 أيلول . إلا أن " المجتمع الدولي " لا يتحرك . و عندما تستخدم الدول الغربية و المثقفون مصطلح " المجتمع الدولي " ، فإنهم يشيرون إلى أنفسهم مثلاً ، عندما قصف الناتو صربيا تبنته " الأسرة الدولية " وفق الخطاب الأوربي المنسجم ، مع أن كل من لم يدفن رأسه في الرمل عرف بأنه مُعارض من معظم دول العالم و على نحو صريح غالبا . و ان أولئك الذين لم يدعموا أعمال الأغنياء و الأقوياء ليسوا جزءا من " الأسرة الدولية " تماما كما يعني " الإرهاب تقليديا و هو " الإرهاب الموجه ضدنا و ضد أصدقائنا" .
    يحاول الأفغانستانيون بصعوبة مدهشة تقليد الولايات المتحدة ، و يطلبون من المسلمين دعمهم . مع أن المقياس ، بالطبع ، فيه مفارقة كبيرة . و على الرغم من كل بعدهم عن العالم الخارجي ، فمن المفترض ان يعرف قادة الطالبان تماما أن الدول الإسلامية ليست أصدقائهم . و لقد خضعت هذه الدول ، بالفعل ، لهجوم إرهابي من القوى الإسلامية الراديكالية التي دربت و نظمت لخوض حرب مقدسة ضد الاتحاد السوفيتي منذ عشرين سنة مضت ، و برعوا في تنفيذ برنامجهم الإرهابي الخاص في كل مكان من العالم ، و بدءاً من اغتيال الرئيس المصري السادات .
    سؤال : بالنسبة إليك ، هل الهجوم ضد أفغانستان " حرب ضد الإرهاب " ؟
    تشومسكي : من المحتمل أن يؤدي الهجوم ضد أفغانستان إلى مقتل أعداد كبيرة من الأبرياء المدنيين ، و فيه أعداد كبيرة من الناس الذين يقفون على حافة الموت جوعا . و ان القتل المتعمد للمدنيين الأبرياء هو إرهاب و ليس حربا ضد الإرهاب .
    سؤال : هل بإمكانك أن تتصور كيف يمكن ان يكون الوضع لو حدثت الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة في الليل ، حين يكون قلة من العاملين في مركز التجارة العالمي ؟ بكلمات أخرى ، لو كانت الضحايا قليلة جدا فهل سترد حكومة الولايات المتحدة بنفس الطريقة ؟ و إلى أي حد تأثرت بضرب رموز هذه المأساة ، أي البنتاغون و البرجين الذين انهارا ؟
    تشومسكي : أشك أن يكون هناك أي فرق . إذ تظل الكارثة مأساة كبيرة حتى لو كانت أعداد الضحايا أقل . فالبنتاغون يمثل اكثر من كونه " رمزا " لأسباب ليست بحاجة للتعليق . أما بالنسبة لمركز التجارة العالمي ، فلا يمكن أن يعرف ماذا كان يدور في ذهن الإرهابيين عندما فجروه في عام 1993 و دمروه في 11 أيلول إلا بصعوبة . لكننا واثقون من أنه لا يمكن إلقاء مسئوليته على مفاهيم مثل " العولمة " أو " الإمبريالية الاقتصادية " ، أو " القيم الثقافية " و هي مسائل غير معروفة بالمطلق لابن لادن و زملائه أو للحركات الإسلامية الراديكالية التي أدينت بسبب تفجيرات عام 1993 ، و لا تشغلهم ، كما هم تماما ، بوضوح ، غير مهتمين بحقيقة أن أعمالهم الوحشية على مر السنين سببت ضررا فظيعا للفقراء و المضطهدين في العالم الإسلامي و في كل مكان آخر ، و مرة أخرى في 11 أيلول .
    إن الضحايا المباشرين للهجوم الحالي هم الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي ، كما يجب أن يعرف الفاعلون ذلك بكل تأكيد ، فاهتماماتهم مختلفة ، و ابن لادن ، على الأقل ، كان واضحا بما فيه الكفاية في الكشف عنها في عدد من المقابلات : إسقاط أنظمة الحكم الفاسدة و الوحشية في العالم العربي و إقامة مكانها أنظمة حكم " إسلامية " ، و دعم المسلمين في جهادهم ضد " الكافرين " في العربية السعودية ( و التي يراها ترزح تحت نير الاحتلال الأمريكي ) ، و الشيشان ، و البوسنة ، و الصين الغربية ، و أفريقيا الشمالية ، و جنوب شرق آسيا ، و في كل مكان آخر .
    و يحلو للمفكرين الغربيين الحديث عن " أسباب أعمق " كالكره لقيم الحضارة الغربية و للتقدم . و تلك الطريقة مفيدة لتجنب طرح أسئلة حول نشوء شبكة ابن لادن نفسها ، و عن الممارسات التي تؤدي إلى الغضب ، و الخوف ، و الإحباط في كامل المنطقة ، و تقدم مخزونا تنهل منه الخلايا الإرهابية الإسلامية الراديكالية . و بما ان الأجوبة عن هذه الأسئلة واضحة نوعا ما ، و كونها متناقضة مع المبدأ المفضل ، فمن الأفضل أن نرفض السؤال لأه " سطحي " و " تافه " و ان ننتقل إلى " أسباب اعمق " و هي في الحقيقة أكثر سطحية و أشد تفاهة ، و حتى بقدر ما هي ذات صلة .
    سؤال : و هل ينبغي ان نسمي ما يحدث الآن حربا ؟
    تشومسكي : ليس هناك تعريف محدد لـ " الحرب " . يتحدث الناس عن " الحرب ضد الفقر " ، و " حرب المخدرات " الخ . و ما هو قائم ليس صراعا بين الدول رغم انه يمكن أن يصبح كذلك .
    سؤال : هل يمكننا الحديث عن وجود صدام بين حضارتين ؟
    تشومسكي : انه حديث دارج الآن ، و مفهوم إلى حد ما . لنفترض أننا نعيد باختصار استذكار تاريخ معروف . فالدولة الإسلامية الأكبر عددا هي إندونيسيا ، و هي دولة لها حظوة كبيرة لدى الولايات المتحدة منذ ان استولى سوهارتو على السلطة في عام 1965 حيث قام الجيش بالكثير من المذابح ضد مئات الآلاف من الناس ، معظمهم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا ، و بمساعدة الولايات المتحدة و التي قوبلت بمزيد من التهليل في الغرب ، و المحرج في استعادة تلك الأحداث هي أنها نسيت تماما . و ظل سوهارتو "طفلنا المدلل " ، كما سمته إدارة الرئيس كلينتون ، و الذي يصنف كواحد من اكثر الذين لديهم سجلات رهيبة من القتل ، و التعذيب ، و الانتهاكات الأخرى في أواخر القرن العشرين . و ان الدولة الإسلامية الأكثر أصولية ، بعيدا عن حركة الطالبان ، هي العربية السعودية ، و هي دولة حليفة للولايات المتحدة منذ تأسيسها . و في الثمانينات ، قامت الولايات المتحدة مع المخابرات الباكستانية ( و التي ساعدتها العربية السعودية ، و بريطانيا ، و دول أخرى ) في تجنيد ، و تسليح و تدريب اكثر الحركات الإسلامية المتطرفة و التي أحدثت لإنزال أقصى الضربات بالسوفييت في أفغانستان . كما يعلق سيمون جينكز في التايمز اللندنية ، و تلك الأعمال التي " أسقطت سلطة معتدلة و أقامت مكانها سلطة متعصبة ، من مجموعات مولت على نحو طائش من الأمريكيين ( ربما كان معظم التمويل من العربية السعودية ) . و كان أحد المستفيدين منها بشكل غير مباشر أسامة بن لادن .
    و في الثمانينات أيضاً ، قدمت كل من الولايات المتحدة و المملكة المتحدة البريطانية دعما قويا لصديقهما و حليفهما صدام حسين و هو حاكم غير متدين ، لكنه مؤيد للطرف الإسلامي في " الصدام " خلال فترة أبشع أعماله الوحشية ، بما فيها ضرب الأكراد بالغازات السامة و المواد الكيماوية ، و اكثر من ذلك .
    و كذلك الأمر ، خاضت الولايات المتحدة في الثمانينات حربا ضخمة في أمريكا الوسطى ، مخلفة ورائها حوالي 200000 ضحية من الجثث و القتلى المشوهين ، و ملايين اليتامى و اللاجئين ، و أربع بلدان مدمرة . و كان الهدف الرئيس لهجوم الولايات المتحدة هو الكنيسة الكاثوليكية ، و التي اقترفت الخطيئة الكبرى بتبنيها " الدفاع عن مصالح الفقراء" .
    و في أوائل التسعينات ، و لأغراض السلطة الشكية CYNICAL على نحو رئيسي ، اختارت الولايات المتحدة مسلمي البوسنة عملاء لها في البلقان ، و ليس من أجل البلقان .
    و بدون الاستطراد اكثر ، أين نجد بالضبط الحد الفاصل بين " الحضارات " . فهل علينا ان نستنتج بان هناك " صدام للحضارات " مع الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية من جانب و الولايات المتحدة و العالم الإسلامي من جانب آخر ، بما فيه اكثر العناصر الدينية تعصبا و قتلا ، على الجانب الآخر ؟ و لا اقترح بالطبع أي نوع من هذا السخف و لكن ما يجب علينا ان نستنتجه و نختتم به هو ان يتم على أسس عقلانية ؟
    سؤال : و هل تعتقد بأننا نستخدم كلمة " حضارة " بدقة ؟ و هل يقودنا العالم المتحضر إلى حرب عالمية كالتي يجري الإعداد لها ؟
    تشومسكي : لن يتسامح أي مجتمع دولي مع أي شيء ذكرته للتو ، إن هذا بالطبع ليس إلا عيّنية صغيرة من تاريخ الولايات المتحدة ، و ليس التاريخ الأوربي بأفضل حال . و بكل تأكيد فإن " العالم المتحضر " لن يدفع العالم إلى حرب فظيعة بدلا من أتابع الوسائل و الأساليب التي يفرضها القانون الدولي ، و الاقتداء بالسوابق التاريخية العديدة .
    سؤال : لقد دعي الهجوم بأنه عمل نابع من الكره ، فمن أين تظن قد جاء كل هذا الحقد ؟
    تشومسكي : بالنسبة للحركات الإسلامية الراديكالية التي جندتها الـ C I A و شركاؤها ، فإن الكره هو ما يعبرون عنه صراحة . و إذا كانت الولايات المتحدة سعيدة في دعم حقدهم و عنفهم عندما كانا موجهين ضد أعداء الولايات المتحدة ، و لكنها ليست سعيدة عندما يوجه الحقد الذي حضنته و رعته ضد الولايات المتحدة و حلفاءها ، كما حدث مرارا و تكرارا ، منذ عشرين عاما . أما بالنسبة لسكان المنطقة ، و هي فئة معروفة تماما ، فإن الأسباب الكامنة و راء مشاعرهم ليست غامضة . و ان مصادر تلك المشاعر معروفة تماما .
    سؤال : ماذا تقترح على مواطني العالم الغربي القيام به لإعادة إحياء السلام ؟
    تشومسكي : ان ذلك يتوقف على ما يريده هؤلاء المواطنون . فإذا أرادوا تصعيد دورة العنف ، بالشكل المعروف ، فإنه ينبغي عليهم أن يدعوا الولايات المتحدة للوقوع في " الفخ الشيطاني " لابن لادن و قتل المزيد من المدنيين الأبرياء . أما إذا أرادوا الحد من مستوى العنف ، فيجب عليهم ان يستخدموا تأثيرهم في توجيه القوى العظمى نحو مسار آخر مختلف تماما ، و هو المسار الذي ذكرته من قبل ، و الذي هو ، مرة آخر ، لديه سوابق عديدة و هذا يتضمن الرغبة بتفحص ما يقف وراء هذه الأعمال العدوانية . و تسمع أحيانا من يقول انه يجب علينا ان لا نأخذ بعين الاعتبار هذه المسائل ، لأن ذلك سيكون تبريرا للإرهاب ، انه افتراض أحمق و هدام و لا يكاد يستحق الذكر ، و لسوء الحظ فإنه شائع جدا . و لكن إذا لم نكن راغبين في المساهمة بتصعيد دورة العنف ، ذات الأهداف بين الأغنياء و الأقوياء أيضاً ، و ذلك ما يجب علينا القيام به بالضبط في كل الحالات الأخرى ، بما فيها تلك المعروفة بما فيه الكفاية في أسبانيا ( ملاحظة للناشر : كون المقابلة مع تشومسكي هنا مع الصحافة الأسبانية ، و لذلك فالإشارة هنا إلى أسبانيا هكذا ورد في الأصل الإنجليزي - ) .
    سؤال : و هل "تصرفت بحماقة " الولايات المتحدة لتستدعي ارتكاب هذه الهجمات ؟ و هل هي نتائج السياسات الأمريكية ؟
    تشومسكي : ان الاعتداءات ليست " نتائج " لسياسات الولايات المتحدة بالمعنى الحرفي المباشر . و لكن بشكل غير مباشر ، فانها بالطبع نتائج لسياساتها ، و ليس في ذلك خلاف . و هناك شك ضئيل بأن منفذي الهجمات قد جاءوا من الشبكة الإرهابية التي تكمن جذورها في جيوش المرتزقة التي نظمت ، و دربت ، و سلحت من قبل الـ " C I A " ، و مصر ، و الباكستان ، و المخابرات الفرنسية ، و مولتها العربية السعودية و غيرها من الدول . و ان خلفيات كل هذا يظل أمرا مشكوك به إلى حد ما . و يفاخر مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر ، زيغينيو بريجينسكي بما سماه " الفخ " المنصوب للسوفييت منذ عام 1978 و القائم على استدراجهم إلى الأرض الأفغانية ابتداء من عام 1979 بفعل هجمات المجاهدين ضد النظام القائم في كابول و تستحق عبارة " الفخ الأفغاني " الذكر . و يفاخر بحقيقة مشاركته في نصب " الفخ الأفغاني " عبر إرسال قوات عسكرية لدعم الحكومة بعد ستة اشهر لاحقة ، و النتائج بعدها معروفة بالنسبة لنا . فالولايات المتحدة ، بالإضافة إلى حلفائها ، قد شكلت جيشا ضخما من المرتزقة ، و صل تعداده إلى 100000 أو ربما اكثر ، شكل هذا الجيش من اكثر القطاعات العسكرية الأكثر بطشاً ، التي كانت بمحض الصدفة من العناصر الإسلامية الراديكالية ، من الذين يسمون هنا بالإسلاميين الأصوليين و معظمهم ليسوا من أفغانستان و يطلق عليهم " الأفغان " ، لكنهم مثل ابن لادن جاءوا من جهات عدة .
    انضم ابن لادن إليهم في وقت ما من الثمانينات ، و كان متورطا في تمويل الشبكات ، و التي من المحتمل ان تكون هي الموجودة الآن . و خاضوا حربا مقدسة ضد الاحتلال الروسي . و دبوا الرعب في الأراضي الروسية . ثم ربحوا الحرب و انسحب الغزاة الروس . و لم تكن الحرب نشاطهم الوحيد . ففي عام 1981 اغتالت قواتهم المشكلة في مجموعات مشابهة الرئيس السادات في مصر ، و الذي كان له دورا فاعلا في تشكيلهم . و في عام 1983 ، و في تفجير انتحاري ، يمكن ان يكون له صلة بنفس القوى ، قد اجبر القوات الأمريكية على الخروج من لبنان . و تواصلت أعمالها منذ ذلك الحين .
    و في عام 1989 نجحوا في حربهم المقدسة في أفغانستان . و أبان إقامة الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً دائماً لها في العربية السعودية أعلن ابن لادن و جماعته وجهة نظرهم ، أن هذا نظير للاحتلال الروسي في أفغانستان ، و صوبوا بنادقهم ضد الأمريكيين ، كما حدث في لبنان عام 1983 عندما كانت القوات الأمريكية هناك . إن نظام الحكم في المملكة العربية السعودية عدو رئيسي لابن لادن كما هو النظام المصري تماماً . و تلك هي الأنظمة التي يريدون إسقاطها ، و التي يدعونها بالحكومات غير الإسلامية في مصر و العربية السعودية و بعض دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا . و استمر الحال على ما هو عليه .
    و في عام 1997 قتلت بفظاعة بشعة 60 سائحا في مصر و دمرت صناعة السياحة المصرية . و كانوا ينفذون الأعمال العدوانية في كامل المنطقة ، في أفريقيا الشمالية ، و شرق أفريقيا ، و الشرق الأوسط ، و البلقان ، و آسيا الوسطى ، و الصين الغربية ، و جنوب شرق آسيا ، و في الولايات المتحدة منذ سنوات و هي مجموعة واحدة . و أنها ظهرت كنتيجة للحروب في الثمانينات و ، إذا صدقنا بريجينسكي ، قبل ذلك ، عندما نصبوا " الفخ الأفغاني " . و علاوة على ذلك كما اصبح معروفا في واقع الأمر لدى أي مهتم بشؤون المنطقة ، فإن القوى الإرهابية قد نهلت من مخزون اليأس ، و الغضب ، و الإحباط ، الذي يشمل الأغنياء و الفقراء ، من العلمانيين إلى الحركة الأصولية الإسلامية . و انه متجذر في سياسات الولايات المتحدة و إلى حد غير قليل مع انه واضح و يصرح به باستمرار بالنسبة للذين يرغبون بسماعه .
    سؤال : قلت ان المشاركين الأساسيين في الإرهاب هم بلدان من مثل الولايات المتحدة التي تستخدم العنف لأغراض سياسية . فمتى و أين ؟
    تشومسكي : أرى ان هذا السؤال محير . فكما قلت في مكان آخر ، إن الولايات المتحدة ، برغم كل شيء هي البلد الوحيد الذي أدانته محكمة العدل الدولية بسبب الإرهاب الدولي و لـ " استعمالها غير الشرعي للقوة " و لأغراض سياسية أخرى ، كما وصفته المحكمة و طلبت من الولايات المتحدة إنهاء هذه الجرائم و القيام بدفع تعويضات كبيرة . و رفضت الولايات المتحدة بالطبع قرار المحكمة بازدراء ، و ردت بتصعيد الحرب الإرهابية ضد نيكاراغوا و مارست النقض برفض قرار لمجلس الأمن الدولي يطالب المجتمع الدولي باحترام القانون الدولي ( و لم تعترض إلا ثلاث دول هي الولايات المتحدة و إسرائيل و السلفادور و مثلما رفضت غيره من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ) . و توسعت الحرب الإرهابية طبقا للسياسة الرسمية التي طالبت بمهاجمة " أهداف مدنية سهلة " أهداف مدنية غير محمية ، مثل الجمعيات الزراعية و المراكز الصحية بدلا من التورط في الاشتباك المباشر مع الجيش النيكاراغوي . و كان الإرهابيون بارعون في تنفيذ هذه التعليمات ، بفضل السيطرة التامة على المجال الجوي النيكاراغوي من قبل الولايات المتحدة و أجهزة الاتصالات المتطورة التي قدمت لهم من قبل المشرفين عليهم . و يجب ان يدرك بأن هذه الجرائم الإرهابية قد بررت على نحو واسع . قال أحد المعلقين البارزين ، ميشيل كينسلي ، و هو من أقصى أنصار التيار الليبرالي في الصحافة ، و الذي جادل بأننا يجب ألا ننبذ ، و نرفض بسهولة مبررات وزارة الخارجية تجاه شن حملات و هجمات ضد " أهداف سهلة " : و أنها " سياسة حساسة " و يجب " أن تخضع لميزان الخسارة و الربح " ، كما كتب في تحليل له عن " حجم الدم المراق و الشقاء الذي يجب أن يدفع ، واحتمال ولادة الديمقراطية في الجانب الآخر " " الديمقراطية " الديمقراطية بالشكل الذي تفهمه أمريكا ، و هو تأويل مفهوم تماما في المنطقة . فمن المسلم به ، بأن للنخب الأمريكية الحق في إدارة التحليل و متابعة المشروع فيما إذا نجح في الاختبار .
    أما الأكثر درامية فهو اعتبار الفكرة التي تؤكد على حق نيكاراغوا في الدفاع عن نفسها فكرة شائنة في ألوان الطيف السياسي الرئيسي ، في الولايات المتحدة . و ضغطت الولايات المتحدة على حلفائها للتوقف عن إمداد نيكاراغوا بالأسلحة آملة بتحولها إلى روسيا ، كما حصل تماما ، و تلك تقدم لها ذريعة رائعة للدعاية . و أطلقت إدارة ريغان مرارا و تكرارا الشائعات بأن نيكاراغوا تتسلم طائرات مقاتلة من روسيا لحماية مجالها الجوي ، وكما يعلم كل شخص لصد ومنع هجمات الولايات المتحدة الإرهابية ضد" الأهداف السهلة " . و كانت الشائعات مغرضة ، إلا ان الرد كان صاعقا . حققت الحمائم بصحة الشائعات ، و قالت فيما إذا كانت حقيقة ، يجب ان نقصف نيكاراغوا بالطبع ، لأنها تمثل تهديدا لأمننا القومي . و اظهر البحث في ملفات المعلومات أنه لم يكن هناك أية إشارة تؤكد على حق نيكاراغوا بالدفاع عن نفسها . و ينقل ذلك إلينا الكثير عن " ثقافة الإرهاب " الراسخة و السائدة في الحضارة الغربية .
    إنه المثال الأكثر تطرفا ، و لقد ذكرته اكثر من مرة لأنه غير خلافي بسبب قرار محكمة العدل الدولية ، و بسبب المحاولات الفاشلة من قبل نيكاراغوا لمواصلة الأساليب القانونية ، بدلا من إجراء تفجيرات في واشنطن ، و أنها تقدم مثالا يحتذى به الآن ، و بالطبع فهو ليس الوحيد . إذ كانت نيكاراغوا طرفا واحد من حروب واشنطن الإرهابية في أمريكا الوسطى في ذلك العقد المرعب ، و التي خلفت وراءها مئات الآلاف من القتلى في أربعة بلدان مدمرة .
    و في نفس تلك الفترة كانت الولايات المتحدة تنفذ إرهابا واسعا في كل مكان . في الشرق الأوسط : و لنذكر مثالا واحدا ، السيارة المفخخة في بيروت في عام 1985 و التي انفجرت أمام مسجد ، و كانت موقوتة لقتل اكبر عدد من المصلين المدنيين ، حيث قتل فيها 80 شخصا و جرح 250 شخصا ، و كان يستهدف ذلك التفجير شيخا مسلما نجى من الموت . و دعمت اكثر أعمال الإرهاب بشاعة كالغزو الإسرائيلي للبنان و الذي كان حصيلته مقتل 18000 لبناني و فلسطيني من المدنيين ، و ليس دفاعا عن النفس ، كما زعم حينها ، و فظاعات أخرى كـ " القبضة الحديدية " البشعة في الأعوام اللاحقة ، و الموجهة ضد " القرويين الإرهابيين ! " كما وصفتهم إسرائيل و في الغزو اللاحق في عام 1993 و عام 1996 ، و التي دعمتهما أمريكا بقوة ( حتى كان الرد الدولي ضد مجزرة قانا 1996 ، و الذي اجبر الرئيس الأمريكي على التراجع ) . و كانت حصيلة الفظائع في لبنان وحده بعد حرب 1982 حوالي 20000 مدني آخر .
    و في التسعينيات ، قدمت الولايات المتحدة لقوات القمع التركية ما نسبته 80 % من الأسلحة المستخدمة في مواجهة الأكراد في جنوب شرق البلاد مسببة مقتل عشرات الألوف ، و كانت نتيجة هذه العمليات العسكرية من مليونين إلى ثلاثة ملايين لاجئ ، و تدمير 3500 قرية ( اكبر سبع مرات من قصف الناتو في كوسوفو ) ، مرتكبين كل فظاعة يمكن تخيلها . و تزايد تدفق السلاح إليها بدءا من عام 1984 بحدة ، عندما أطلقت تركيا العنان لهجومها الإرهابي ضد الأكراد ، و الذي اخذ في التراجع منذ عام 1999 عندما أثمر نفعاً و تخلت تركيا في عام 1999 عن موقعها كالمستفيد الأول من الأسلحة الأمريكية ( بعد إسرائيل و مصر و اللتان تمثلان حالة خاصة ) ، و حلت محلها كولومبيا ، المنتهك الابشع لحقوق الإنسان في نصف الكرة الغربي في التسعينات و المستفيد الرئيسي و إلى حد بعيد من المساعدات العسكرية الأمريكية ، و من التدريب ، متبعة الأسلوب نفسه .
    و في تيمور الشرقية ، استمرت الولايات المتحدة ( و بريطانيا ) في دعمهما للغزاة الإندونيسيون ، و الذين أبادوا ثلث السكان بمساعدتهما الحاسمة و استمر ذلك تماما حتى اعتداءات 1999 حيث قتل الآلاف قبل اعتداء أوائل أيلول الذي اجبر 85 % من السكان على ترك منازلهم و دمر حوالي 70 % من البلد بينما ظلت إدارة كلينتون محافظة على موقفها بأنه " مسؤولية الحكومة الإندونيسية و لا نريد أن ننزع من أيديهم تلك المسؤولية " .
    كان ذلك في 8 أيلول بالضبط بعد ابشع الأعمال عدوانية التي حدثت في أيلول و التي سبق ان ذكرتها . حين كان يتعرض كلينتون لضغط هائل من اجل القيام بشيء لتخفيف الأعمال العدوانية ، الضغط الأسترالي في الدرجة الأولى ثم الداخلي أيضاً . و بعد بضعة أيام أوحت إدارة كلينتون إلى الجنرالات الإندونيسيين ان اللعبة قد انتهت . فغيروا المسار فورا . و كانوا متأكدون من أنهم لن ينسحبوا من تيمور الشرقية و كانت قواتهم تشيد الحصون في تيمور الغربية الإندونيسية ( مستخدمين الطائرات البريطانية التي استمرت في الوصول ) لصد قوة تدخل محتملة . و عندما قال كلينتون كلمته ، غيروا المسار بقدر 180 درجة و أعلنوا انهم سوف ينسحبون ، و سمحوا لقوة حفظ سلام الأمم المتحدة بالدخول بقيادة استراليا دون ان يعترض طريقها الجيش . و يظهر مسار الأحداث بيانيا القوة الكامنة و التي كانت دائما متاحة لواشنطن ، حيث كان بالإمكان استخدامها لتوفير 25 عاما من الإبادة العرقية الفعلية و التي وصلت إلى ذروتها في الموجة الجديدة للأعمال العدوانية بدءا من عام 1999 . و عوضاً عن ذلك فضلت إدارة الولايات المتحدة الناجحة ، تشاركها بريطانيا و الدول الأخرى 1978 عندما كانت تتصاعد الأعمال العدوانية ، تقديم دعم نوعي ، عسكري و سياسي ، للقتلة إلى " طفلنا المدلل " كما وصفت إدارة كلينتون السفاح سوهارتو . و تحدد هذه الحقائق الواضحة و المأساوية بشكل صارخ الموضع الرئيسي للمسؤولية عن هذه الجرائم البشعة لـ 25 عاما و المستمرة في واقع الأمر في مخيمات اللاجئين البائسة في تيمور الغربية الإندونيسية .
    و يمكن ان نعرف الكثير عن الحضارة الغربية بصفة ان هذا السجل الشائن قد رحب به و قدم كدليل على تفانينا الجديد بـ " التدخل الإنساني " ، و في تبرير قصف الناتو لصربيا .
    و لقد ذكرت للتو تدمير المجتمع المدني العراقي و بحصيلة تقارب المليون قتيل ، اكثر من نصفهم أطفالا ، وفقا لتقارير مؤكدة لا يمكن تجاهلها ببساطة .
    _ و هذه مجرد عينة فقط لا غير .
    و اني بصراحة ، مندهش ، لمجرد ان يطرح السؤال و بشكل خاص في فرنسا ، و التي قامت بإسهاماتها الخاصة في إرهاب الدولة و عنفها الواسع ، و بكل تأكيد فهو غير معروف . ( ملاحظة للناشر : ان تشومسكي يسأل هنا من قبل الإعلام الفرنسي ، و لذلك الإشارة هنا إلى فرنسا . هكذا ورد في الأصل الإنجليزي - ) .
    سؤال : هل ردات الفعل تلقى إجماعا في الولايات المتحدة ؟ و هل تشاركهم أنت في ذلك ، جزئيا أم كليا ؟
    تشومسكي : إذا كنت تقصد رد الفعل الغاضب على الهجمات الوحشية المرعبة ، و التعاطف الكبير مع الضحايا ، فإن ردودَ الفعل إجماعية بالفعل في كل مكان ،بما فيها البلدان الإسلامية . و بالطبع يشاركهم في ذلك كل فرد عاقل تماما ، و ليس " جزئيا " . أما إذا كنت تشير إلى الدعوات لهجوم شرس سيقتل بالتأكيد عدداً كبيراً من الأبرياء و يشكل استجابة ، عرضية ، على اكثر دعوات ابن لادن حماسة و بهذا الخصوص لن يكون هناك " رد فعل إجماعي " ، ما عدا الانطباعات الظاهرية التي يمكن ان تتلقاها من مشاهدة التلفاز . أما بالنسبة لي فإني أشارك الآخرين الكثر في معارضة هذه الأعمال و انهم بالتأكيد عدد كبير . أما ما هي عاطفة الأغلبية فلا يمكن لأي كان ان يقول فعليا : أنها مفرطة و معقدة . و لكن " إجماعية " ؟ بالتأكيد لا ، إلا فيما يتعلق بطبيعة الجريمة .
    سؤال : هل تدين الإرهاب ؟ كيف يمكن لنا ان نحدد أي عمل هو إرهابي و أي عمل آخر هو مقاومة ضد طاغية أو قوى استعمارية ؟ و في أي فئة " تصنف " الضربة الأخيرة ضد الولايات المتحدة ؟
    تشومسكي : اني افهم مصطلح " الإرهاب " بالضبط بالمعنى الذي عرف في وثائق الولايات المتحدة الرسمية : " الاستخدام المدروس للعنف أو التهديد بالعنف و التخويف و الإكراه لأغراض سياسية أو دينية أو أيديولوجية . و يتم هذا من خلال الرعب و الإكراه أو زرع الخوف " . و وفقا لهذا التعريف المناسب تماما فإن الهجوم الأخير على الولايات المتحدة هو بالتأكيد عمل إرهابي ، و في الواقع ، جريمة إرهاب فظيعة . و من النادر ان يكون هناك أي خلاف حوله في العالم كله ، و ينبغي ألا يكون هناك خلاف حوله .
    و لكن جنبا إلى جنب هذا المعنى الحرفي للمصطلح ، كما اقتبست للتو من الوثائق الرسمية للولايات المتحدة ، فهناك الاستخدام الإعلامي ، و الذي هو لسوء الحظ النموذج القياسي : يستخدم مصطلح " الإرهاب " للإشارة إلى الأعمال الإرهابية التي يقترفها الأعداء ضدنا أو ضد حلفائنا . و هذا الاستخدام الإعلامي هو عالمي بالفعل . فكل شخص بهذا المعنى " يدين الإرهاب " . فحتى النازية أدانت بشدة الإرهاب و نفذت ما سمته بـ " الإرهاب المضاد " ضد الأنصار الإرهابيين !.
    و وافقت الولايات المتحدة على ذلك جوهريا . حيث نظمت و قامت بـ " إرهاب مضاد " مشابه في اليونان و في كل مكان آخر في سنوات ما بعد الحرب . ( ملاحظة للناشر : المقابلة هنا مع صحفي يوناني و لذلك يشير تشومسكي إلى اليونان . هكذا ورد في الأصل الإنجليزي - . ) و علاوة على ذلك ، نهلت من برامج العصيان المضاد في الولايات المتحدة من النموذج النازي بوضوح ، و الذي عومل باحترام : و استشير ضباط الفيرماخت WEHRMACHT و استخدمت كراساتهم في تصميم برامج العصيان المضاد بعد الحرب على نطاق واسع من العالم ، و التي تسمى نموذجيا بـ " الإرهاب المضاد " ، و درست هذه المسائل في كتاب لميشيل ماك كلينتوك ، بالتحديد . و على الرغم من وجود المواثيق المفترض وجودها فإن نفس الناس و نفس الأعمال و نفس الأشخاص يمكن أن يتحولوا بسرعة من " إرهابيين " إلى " مناضلين من اجل الحرية " و يعودوا للتصنيف الأول مرة أخرى . و كان يحدث ذلك في البلدان المجاورة لليونان في السنوات الأخيرة .
    لقد أدين كل من KLA - UCK جيش تحرير كوسوفو و UCK رسميا في الولايات المتحدة كـ " إرهابيين " في عام 1998 بسبب هجماتهما ضد الشرطة الصربية و المدنيين في مسعى لإظهار الرد الصربي الوحشي و غير متكافئ ، كما أعلنوا على الملأ . و في أواخر كانون ثاني 1999 ، اعتقد البريطانيون الصقور الأشداء في الناتو حول هذه المسألة بان كل من جيش تحرير كوسوفو و UCK كانا مسؤولين عن مقتل عدد اكبر مما قتله الصرب ، و التي يصعب تصديقها ، لكنها تبلغنا شيء ما على الأقل عن التصورات القائمة في أعلى المستويات في الناتو . و إذا وثقنا بالمستندات و الوثائق الضخمة المقدمة من وزارة الخارجية ، و الناتو ، و منظمة الأمن و التعاون الأوربي OSCE ، و المصادر الغربية الأخرى ، و لم يتغير أي شيء مادي على الأرض حتى انسحاب قوات المراقبة K V M و حدوث القصف في أواخر آذار عام 1999 . لكن السياسات تغيرت : و قررت كل من بريطانيا و الولايات المتحدة شن هجوم مسلح ضد صربيا ، و اصبح " الإرهابيون " فوراً " مناضلون من اجل الحرية " . و بعد الحرب ، أصبح " مناضلو الحرية " و شركاؤهم المقربون " إرهابيين " و " قطاع طرق " ، و " قتلة " لأنهم نفذوا من وجهة نظرهم أعمالاً الأعمال المشابهة و لأسباب مماثلة في مقدونيا حليفة الولايات المتحدة .
    يدين كل شخص الإرهاب لكن علينا أن نسأل ماذا يعني بذلك . يمكنك أن تجد جوابا لسؤالك في وجهات نظري الموزعة في كتبي و في مقالاتي التي كتبتها عن الإرهاب في العقود الأخيرة الماضية ، و بالرغم من أنني استخدمت المصطلح بالمعنى الحرفي ، و لهذا السبب أدينت كل الأعمال الإرهابية ، ليس فقط تلك التي تدعى بـ " إرهابية " لأسباب إعلامية .
    سؤال : هل يشكل الإسلام خطرا على الحضارة الغربية ؟ و هل يشكل نمط حياة الغرب تهديدا للجنس البشري ؟
    تشومسكي : أن السؤال عريض و غامض بالنسبة لي كي أستطيع الجواب عليه . و ينبغي أن يكون واضحا ، على كل حال ، فإن الولايات المتحدة لا تنظر إلى الإسلام كعدو ، أو مناهض لها .
    أما بالنسبة " لأسلوب الحياة الغربية " ، فإنه ينطوي على تنوع هائل من العناصر ، ففيها المقبول جدا ، و لقد تم تبني العديد منها بحماسة في العالم الإسلامي ، و فيها عدد من الجوانب الإجرامية و المهددة للبقاء البشري .
    أما بالنسبة " للحضارة الغربية " يمكننا أن نعود إلى الكلمات المنسوبة إلى غاندي عندما سؤل عن رأيه بـ " الحضارة الغربية " : قال يمكن أن تكون فكرة جيدة .
    -7-
    التقييد الجدير بالاعتبار
    حوار اجري مع مايكل البرت في 30 أيلول ،2001
    و مع غريك روجيرو في 5 تشرين أول 2001
    سؤال : لقد كان هناك تحرك هائل للجنود و استخدام مفرط للخطاب العسكري ، على مستوى التعليقات حول الحكومات السابقة ، الخ . و بالرغم من ذلك ، يبدو الآن أن هناك تقييد كبير .. فما الذي حصل ؟
    تشومسكي : بعد الأيام الأولى للهجوم حذرت حكومة بوش من قبل قادة الناتو ، و المختصين في شؤون المنطقة و من وكالات استخبارا تهم كما هو مفترض ( و لا أتحدث عن أناس كثيرين مثلي و مثلك ) بأنهم إذا ما قاموا بهجوم كبير سيؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الأبرياء ، و في هذه الحالة سيحققون الأمنيات الحارة لابن لادن و أمثاله . و ستكون هذه حقيقة و ربما اكثر من ذلك إذا قتلوا ابن لادن ، بدون تقديم دليل معقول على تورطه في جرائم 11 أيلول . و سينظر إليه كشهيد حتى بين الأكثرية العظمى من المسلمين الذين يستنكرون تلك الجرائم . و إذا حكم عليه بالسجن أو الموت ، فإن صوته سيظل مسموعاً عبر عشرات الآلاف من الأشرطة المتداولة في أنحاء العالم الإسلامي ، و العديد من المقابلات ، بما فيها مقابلات أواخر أيلول . إن أي هجوم سيؤدي إلى مقتل عدد كبير من الأفغانيين الأبرياء سيكون بمثابة الدعوة الفعلية لانضمام مجندين إلى شبكة ابن لادن الرهيبة ، و بعض خريجي القوى الإرهابية التي أعدتها الـ " C I A " و شركائها منذ عشرين سنة مضت لخوض حرب مقدسة ضد الروس و ينفذون في الوقت الراهن جدول أعمالهم الخاص .
    و يبدو أن الرسالة قد وصلت أخيرا إلى إدارة الرئيس بوش ، و التي اختارت من وجهة نظرها الحكيمة انتهاج مسار مختلف آخر .
    مهما يكن ، يبدو لي أن كلمة " تقييد " كلمة قابلة للجدل . و في 16 أيلول ، نقلت نيويورك تايمز بأن " واشنطن قد طلبت من باكستان قطع تزويدها بالنفط .. و منع و سائل النقل التي تنقل معظم الإمدادات و المواد الغذائية الأخرى للأفغانستانيين " و مما يلفت النظر أن هذا الإعلان لم يثر أية ردة فعل في الغرب ، و انه مثال مروع عن طبيعة الحضارة الغربية التي يطالب القادة و النخب المثقفة تبنيها . و في الأيام التالية ، أذعنت باكستان لتلك الطلبات . و في 27 من أيلول ، أعلن نفس المراسل بأن الموظفين في باكستان " قالون بأنهم لن يتساهلوا من اليوم فصاعدا في قراراتهم بإلغاء الحدود مع أفغانستان ، و التي تقدر بحوالي 1400 ميل ، و طلب هذا التحرك من إدارة بوش ، لأن الموظفين الرسميين قالوا بأنهم " يريدون أن يتأكدوا من أن لا أحد من رجال ابن لادن مختبئ في السيل العارم للاجئين " ( جون بيرنز ، إسلام اباد ) . و " و اجبر التهديد بالضربات العسكرية على سحب عمال الإغاثة الدولية ، و إعاقة برامج الإغاثة " ، و يصف اللاجئون الذين وصلوا إلى باكستان " بعد رحلات شاقة من أفغانستان مشاهد اليأس و الخوف في الداخل و يمكن أن يحول التهديد بالهجوم العسكري الأمريكي معاناتهم الطويلة إلى فاجعة محتملة " ( دوغلاس فرانتز ، نيويورك تايمز ، 30 أيلول ) . و " كان البلد على حبل السلامة " ، هكذا يصرح أحد عمال الإغاثة المبعدين ، " و قمنا بقطع الحبل فقط " ( جون سيفتون ، نيويورك تايمز ماغازين ، 30 أيلول ) .
    و من ثم وفقا للصحيفة الأوسع انتشارا في العالم ، عملت واشنطن في الحال على تأكيد إصرارها على موت و معاناة عدد كبير من الأفغانيين ، الملايين منهم على حافة الموت جوعا . و هذا هو معنى الكلمات التي اقتطفت للتو ، إضافة إلى عدة كلمات أخرى مماثلة .
    و هرعت أعداد ضخمة من البشر البائسة إلى الحدود تحت تأثير كابوس الرعب الذي زرعه تهديد واشنطن بقصف الباقين في أفغانستان و تحويل تحالف الشمال إلى قوة عسكرية ضاربة . و يخافون على نحو خاص إذا ما أطلقت تلك القوات العنان لوحشيتها ، و المدعومة الآن على نحو واسع ، ومن الممكن أن يجددوا الاعتداءات الوحشية التي مزقت البلد و دفعت معظم سكانه للترحيب بحركة الطالبان عندما قادوا عصابات حربية و قاتلة و التي ترغب كل من واشنطن و موسكو الآن استغلالها لأهدافهما الخاصة .
    إن سجلهم حافل بالجرائم و بشع . و يصف المدير التنفيذي لقسم الأسلحة في منظمة هيومان رايتس ووتش ، جوست هيلترمان ، و المختص في شؤون الشرق الأوسط فترة حكمهم من عام 1992 إلى عام 1995 بأنها " الأسوأ في تاريخ أفغانستان " . و نقلت مجموعات هيومان رايتس ووتش بان نزاعاتهم الحربية قد قتلت عشرات الآلاف من المواطنين ، و ارتكبت عددا كبيرا من حالات الاغتصاب و الفظاعات الأخرى التي تقشعر لها الأبدان . و استمرت كل تلك الفظائع في حكم الطالبان . لنأخذ حالة واحدة ، إذ قتلوا 1997 ، 3000 سجين حرب عمدا ، حسب أقوال هيومان رايتس ووتش ، و قاموا بتنفيذ أعمال تطهير عرقية واسعة في مناطق يشك في تعاطفها فقط مع الطالبان ! ، مخلفين أعداد كبيرة من القرى المحروقة ( تشارلز سينوت ، و بوسطن غلوب في 6 تشرين أول ) .
    وتوجد كل الأسباب للاعتقاد أن إرهاب الطالبان ، مرعب بما فيه الكفاية و الذي ازداد بحدة كرد على نفس الافتراضات التي أدت إلى فرار اللاجئين .
    و عندما وصلوا إلى الحدود المغلقة ، أوقع اللاجئون في الفخاخ المنصوبة كي يموتوا بصمت. حيث لم يكن هناك سوى ممر واحد للهروب عبره في الجبال الوعرة . فكم عدد الذين استسلموا ؟ لا أحد يعرف . و في غضون الأسابيع القليلة سيحل الشتاء القاسي . و هناك العديد من المراسلين و عمال الإغاثة في مخيمات اللاجئين على طول الحدود . و ما يصفونه مرعب جدا ، و لكنهم يعلمون ، و نحن نعلم ، بأنهم قابلوا الأسعد حظا فقط أي أولئك القادرين على الهروب فقط و الذين يعبرون عن آمالهم بأنه " حتى الأمريكيين المتوحشين يجب ان يشعروا بالشفقة على بلدنا المدمر " و يلينوا لهذه الإبادة الجماعية الصامتة ( بوسطن غلوب 27 أيلول ، انظر الصفحة الأولى هكذا ورد في الأصل الإنجليزي - ) .
    كان برنامج منظمة الأمم المتحدة للغذاء قادرا على إرسال مئات الأطنان من المواد الغذائية لأفغانستان في أوائل تشرين أول ، على الرغم من أنها قدرت بأنها تسد حوالي 15 % فقط من احتياجات البلد بعد انسحاب الهيئة الدولية و انقطاعها ثلاثة أسابيع بعد 11 أيلول . على كل حال ، فقد أعلن برنامج الغذاء العالمي W F P بأنه قد قطع كافة الإمدادات الغذائية و نقل الطعام و توزيعه من قبل هيئته المحلية بسبب الضربات الجوية في 7 من تشرين أول . و " اقترب سيناريو الكابوس إلى مليون و نصف من اللاجئين الهاربين من البلد خطوة أخرى نحو الحقيقة " ، بعد الهجمات نقلت A F B ، عن موظفي الإغاثة البارزين . و قال مدير برنامج الغذاء العالمي بعد القصف ، اصبح التهديد بحصول الكارثة الإنسانية ، اشد تماما و لقد " تزايدت تبعا لمقياس الخطر حتى أني لا أريد أن أفكر بها " . و " أننا نواجه أيضاً أزمة إنسانية في النسب الأسطورية للافغانستانيين ، الذين يعاني منهم سبع ملايين و نصف فرداً من النقص الحاد في الطعام و يهددهم خطر المجاعة ، كما حذر متحدث باسم U N H C R . و ترى كل الوكالات ان إنزال الشحنات الجوية هو الملاذ الأخير بعد وسيلة التسليم الأفضل عن طريق الشاحنات ، حيث يقولون انها تناسب معظم البلد . و نقلت الفايننشيال تايمز عن الموظفين الكبار في المنظمات غير الحكومية N G O S بأنهم كانوا " قساة " و " هازئين ": في ردهم على شحنات الولايات المتحدة المسقطة جوا و الأكثر صخبا ، رافضينها كونها " حيلة دعائية اكثر من كونها وسيلة لتقديم المعونات إلى الأفغانيين الذين هم في أمس الحاجة إليها " ، و " أداة دعائية " كانت " تستخدم المعونة الإنسانية لأغراض دعائية ساخرة " حيث كانت الضربات الجوية قد " أعاقت فقط وسائل تقديم المعونات الضخمة من الأغذية للأفغانيين عربات النقل البرية ، لبرنامج الغذاء العالمي ( " و قلق الأمم المتحدة من ان تؤدي الضربات الجوية لإيقاف عمليات الإغاثة " و ان " يتعرض عمال الإغاثة للقصف بالغارات الجوية أثناء تجميع شحنات الغذاء المسقطة " ، الفايننشيال تايمز ، في 9 تشرين أول ، ذاكرة قلق منظمات اوكس فام ، و أطباء بلا حدود ، و الإغاثة المسيحية ، و صندوق إنقاذ الطفولة ، و موظفي الأمم المتحدة ) . و كانت وكالات الإغاثة " تنتقد بشدة الشحنات الأمريكية المسقطة ليلا " . حيث " يمكنهم ان يسقطوا الوريقات و الصناديق الفارغة فقط " ، كما علق عامل إغاثة بريطاني ، مشيرا إلى الرسالة الدعائية على الصناديق . و قال " موظفو برنامج الغذاء العالمي بأن ( إسقاط الغذاء ) يتطلب عمالاً على الأرض لجمعه ) و توزيعه ، و " يجب ان يتم ذلك في وضح النهار " بالإضافة إلى تحذيرات سابقة كافية ( " و الشك يتعاظم بشأن شحنات أغذية الولايات المتحدة المسقطة جوا " ، فايننشيال تايمز في 10 تشرين أول ) .
    و إذا كانت ردات الفعل هذه دقيقة ، عندئذ فإن الأثر المباشر للقصف و إلقاء الغذاء جوا الذي صاحبه أدى إلى تراجع كبير بإمدادات الغذاء المتوفرة للسكان الجائعين ، على الأقل على المدى القصير ، على الرغم من دفع " سيناريو الكابوس " خطوة للأمام ، يأمل كل واحد من ان يتوقف العذاب قبل ان تتحقق المخاوف الأسوأ ، و هكذا دواليك ، وأن لا يدوم طويلا توقف شحنات الغذاء الضرورية .
    و ليس من السهل التفاؤل بشأنها ، بعد الأخذ بعين الاعتبار المواقف التي أوضحتها . مثلا ، نشرت نيويورك تايمز في صفحاتها الداخلية بأنه " حسب إحصاءات الأمم المتحدة ، فان هناك حوالي سبعة ملايين و نصف مليون افغانستاني في حاجة ماسة لرغيف الخبز .. و لكن مع انهمار الضربات " ، تقلص إمداد الطعام بالشاحنات ( و هي الوسيلة الوحيدة الهامة للتوزيع ) إلى حوالي النصف و هناك بضعة أسابيع تفصلنا عن حلول الشتاء القاسي و الذي يمكن ان يقلص توزيع الطعام بحدة ( باري بوراك ، 15 تشرين أول ) . و لم تقدم الإحصاءات الأخرى ، التي ليس من الصعب تنفيذها . و مهما يحصل ، فالحقيقة تظهر كافتراضات عرضية لتخطيط و تعليق لا يعلق عليه !
    يجب أن نتذكر بأنه منذ الأيام الأولى بعد هجوم 11 أيلول ، لم يكن هناك شيء يوقف إلقاء الغذاء جوا إلى الناس المحاصرين داخل البلد الذي يمزق مرة أخرى بوحشية وبوضوح أو يمنع تسليم الكميات الكبيرة بالشاحنات ، كمحاولة الأمم المتحدة التي أظهرتها قبل تعليقها .
    و مهما تكن السياسات التي تم تبنيها في هذه النقطة ، فأن كارثة إنسانية قد وقعت ، و الأسوأ آت . و من الممكن ان يكون الوصف الأكثر ملائمة ، هو ذلك الذي قدمته الناشطة و الكاتبة الهندية الرائعة و الشجاعة ارونداتي روي ، مشيرة إلى عملية العدالة المطلقة التي أعلنتها إدارة بوش : " شاهد على العدالة المطلقة للقرن الجديد . يموت المدنيين جوعا و هم ينتظرون الموت قتلا " ( الغارديان ، 29 أيلول ) .
    ليفتقد حكمها للشجاعة من حقيقة أن مختصي الإدارة الأمريكية للعلاقات العامة قد أدركوا بأن عبارة " العدالة المطلقة " توحي بصورة ألوهية الذات ، وكانت خطأ دعائي آخر ، مثل " الحملة الصليبية " . ولذلك غيرت إلى " الحرية الراسخة " وفي سياق السجل التاريخي ، لا تستحق تلك العبارة التعليق .
    سؤال : لقد أشارت الأمم المتحدة إلى ان شبح المجاعة في أفغانستان كبير . و لهذا السبب تعالى الانتقاد الدولي و تتحدث الآن كل من بريطانيا و الولايات المتحدة عن تقديم مساعدة غذائية لتفادي المجاعة . فهل هم يستجيبون للمعارضة في الواقع ، أو هل ذلك لمجرد الظهور فقط ؟ و ما هي بواعثه ؟ و ماذا سيكون المقياس و ما هو تأثير محاولاتهم ؟
    تشومسكي : تقدر الأمم المتحدة بأن من 7 إلى 8 مليون افغانستاني يقعون تحت شبح المجاعة الوشيكة . و تنقل النيويورك تايمز في نبأ قصير ( في 25 أيلول ) بان هناك حوالي 6 مليون افغانستاني يعتمدون على المعونة الغذائية من الأمم المتحدة ، بالإضافة إلى ثلاثة و نصف مليون إنسان يقيمون في مخيمات اللاجئين في الخارج و الذي هرب معظمهم قبل أن تغلق الحدود . و ينقل النبأ القصير بان بعض الطعام قد أرسل إلى المخيمات الافغانستانية في الخارج . و يدرك المعلقون و المخططون بالتأكيد بأنه ينبغي عليهم القيام بشيء ما لتقديم أنفسهم كإنسانيين يبحثون عن إزاحة المأساة المرعبة التي انكشفت فورا بعد التهديد بالقصف و الهجوم العسكري ، و إغلاق الحدود التي طلبوها . و " يحث الخبراء في الولايات المتحدة على تحسين صورتها عبر زيادة المعونة للاجئين الافغانستانيين ، و أيضاً بالمساعدة في إعادة أعمار الاقتصاد " ( كريستيان ساينس مونيتور ، 28 أيلول ) . و حتى بدون الحاجة إلى مختصي العلاقات العامة لإرشادهم ، كان على موظفي الإدارة الأمريكية أن يدركوا بأن عليهم أن يرسلوا بعض الغذاء إلى اللاجئين الذين دفعوهم لعبور الحدود ، و القيام ببعض الإيحاءات باتجاه تقديم الغذاء للناس الجائعين في الداخل : من اجل " إنقاذ حياتهم " و لكن أيضاً من اجل " المساعدة في العمل على إيجاد المجموعات الإرهابية داخل أفغانستان " ( بوسطن غلوب ، 27 أيلول ، الاقتباس مأخوذ عن موظف البنتاغون و الذي يصف هذا العمل بـ " السالب لعقول و قلوب الناس " ) . و التقط محررو النيويورك تايمز نفس الموضوع في اليوم التالي ، بعد 12 يوما من نقل الصحيفة بأن العمليات الإجرامية قد بدأت تعطي مفعولها .
    و بالنسبة لحجم المعونة ، نأمل أن تكون ضخمة ، و إلا ستكون الكارثة الإنسانية فظيعة خلال بضعة أسابيع . إذا كانت الحكومة حساسة ، سيكون هناك على الأقل عرضاً لـ " شحنات الغذاء المسقطة " التي يذكرها الموظفون و التي لم تنفذ حتى 30 أيلول و ليس السبب لافتقارهم للوسائل .
    سؤال : من المحتمل أن تصادق المؤسسات القانونية الدولية على محاولات إلقاء القبض و محاكمة ابن لادن و الآخرين ، مفترضين أن المجرم أمكن كشفه ، بما فيه استخدام القوة . فلماذا تتحاشى الولايات المتحدة اللجوء إلى هذا المسار ؟ و هل تعود المسألة إلى عدم الرغبة في إجازة أو شرعنة طريقة ما يمكن أن تستعمل ، أيضاً ، ضد أعمالنا الإرهابية ، أو هل هناك عوامل أخرى داخلة في اللعبة ؟
    تشومسكي : تطلب معظم دول العالم من الولايات المتحدة تقديم بعض الأدلة على صلة ابن لادن بالجريمة ، و إذا أمكن تقديم هذه الأدلة ، فلن يكون صعبا حشد تأييد كبير لعمل دولي ، تحت غطاء الأمم المتحدة ، من اجل اعتقاله و محاكمته مع شركائه .
    و ليس من المستحيل أن يمكن القيام به من خلال الوسائل الدبلوماسية ، كما كانت تشير إليه حركة الطالبان بطرق عديدة ، مع أن هذه الخطوات قد أقصيت لصالح خيار القوة .
    و على كل حال ، فإن تقديم دليل معقول ليس مسألة سهلة . حتى لو كان ابن لادن و شبكته متورطين في جرائم 11 أيلول ، يمكن أن يكون صعبا إيجاد دليل معقول . و بالرغم من أننا نعرف ، بأن معظم المنفذين ربما قتلوا أنفسهم في مهماتهم الخاصة .
    و لقد كشف في 5 تشرين الأول كم هو صعب تقديم دليل معقول ، عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بكثير من الجعجعة بأنه الآن " ليس هناك أي شك مطلقا" حول مسؤولية ابن لادن و الطالبان و الوثائق التي أذن بنشرها و المبنية على ما يجب أن يكون اكبر عمل استخباراتي ضخم في التاريخ ، دامجا مصادر كل وكالات الاستخبارات الغربية و الأخرى . و بالرغم من تصديق التهمة للوهلة الأولى " و الجهد غير المسبوق من اجل تثبيتها ، فإن التوثيق ضعيف على نحو مدهش . و فيه جزء ضئيل جدا يتصل بجرائم 11 أيلول و أن ذلك الجزء القليل لن يؤخذ على نحو جدي إذا ما قدم كتهمة ضد جرائم الدول الغربية أو عملائها . و وصفت وول ستريت جورنال الوثائق بدقة كـ " تهمة أكثر من كونها دليلا مفصلا " ، مبعدة التقرير إلى صفحة داخلية . و تشير الجورنال أيضاً ، بدقة ، و بأنه لا فرق ، مقتبسة عن موظف رفيع المستوى في الولايات المتحدة الذي قال بأن " الحالة الإجرامية ليست ذات صلة . و الخطة هي إبادة ابن لادن و منظمته " . و النقطة المشار إليها في الوثائق و التي تسمح لبلير ، و للامين العام لحلف الناتو ، و الآخرين ليؤكدوا للعالم بأن الدليل " واضح و مفروض بالقوة ".
    و من الغريب جدا أن تكون القصة المعروضة يمكن تصديقها من قبل الناس في الشرق الأوسط كما نقل حالا من قبل روبرت فيسك ، أو للآخرين الذين يقرؤون ما وراء العناوين . أما الحكومات و منظماتها على العكس ، فلديها أسبابها الخاصة للموافقة على ما يفعله الآخرون . يمكنأن يتساءل أحد ما لماذا اختار مختصو واشنطن للدعاية أن يقدم توني بلير المسألة : ربما للإشارة على انهم يمتلكون دليلا مخفياً و مقنعا بين أيديهم لـ " أغراض أمنية " أو ربما على أمل أن يسدد ضربة مؤلمة لمعارضيه التشيرشليين .
    و بعيدا عن الأضواء هناك بعض حقول الألغام الأخرى و التي يجب على المخططين أن يعبروها بحذر . و لنقتبس عن ارونداتي روي ، مرة أخرى ، " أن رد الطالبان على طلب الولايات المتحدة بتسليم ابن لادن كان منطقيا بشكل غير مسبوق : قدموا لنا الدليل ، و عند ذلك سنسلمه . و كان رد الرئيس بوش هو أن الطلب غير قابل للتفاوض" . و تضيف أن واحداً من الأسباب العديدة التي تبين فيه سبب عدم قبول واشنطن لهذا الإطار : " بينما كانت المحادثات جارية لتسليم منظمات الهندسة الكيميائية C E O S ، فهل بإمكان الهند أن تطلب رسميا من الولايات المتحدة تسليم وارم اندرسون ؟ الذي كان رئيس مجلس يونيون كاربيد ، و المسؤول عن تسرب غاز البوبال ( B HOPAL ) و الذي أدى إلى مقتل 16 ألف إنسان في عام 1984 . و لقد جمعنا الأدلة الضرورية و كلها موجودة في الملفات . فهل نستطيع أن نتسلمه من فضلك ؟ " .
    و لسنا بحاجة لاختراع أمثلة أخرى . عندما طالبت حكومة هاييتي بتسليمها إيما نويل كونستان ، لمسؤوليته عن مقتل ألوف الأشخاص بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس جان برتران اريستيد في 30 أيلول عام 1991 و رغم تقديمها أدلة على تورطه ، لم تلق من واشنطن أي استجابة حتى أن الطلب لم يثر أي نقاش بشأن المسألة . و كانت إدارة بوش ( الأب ) و إدارة كلينتون ( على عكس التوقعات ) تقدمان الدعم الضمني للزمرة العسكرية و ممثليها الأغنياء . و حكم على كونستان غيابيا بالسجن لجرائمه التي ارتكبها ، فهل سلم ؟ و هل أثارت المسألة أي نقاش في الصحافة اليومية ؟ و لنتأكد ، بأن هناك العديد من الأسباب الوجيهة للإجابات السلبية : لأن تسليمه يمكن أن يؤدي إلى كشف صلات التورط معه و التي تسبب لهم إحراجا في واشنطن . و مع ذلك ، كان الرمز البارز لمذبحة أودت بحياة حوالي 5000 مواطن فقط ، و بضع مئات من الآلاف ، حسب شهود عيان في الولايات المتحدة .
    تثير هذه الملاحظات نوبات غضب مسعورة لدى الجماعات الأكثر تطرفا للرأي العام الغربي و يدعى بعضهم بـ " اليسار " . أما بالنسبة للغربيين الذي عادوا إلى جادة الصواب ، و للعديد من الضحايا التقليديين ، فإنها دعوتهم ذات مغزى و هامة . و من المفترض أن يفهم زعماء الحكومة ذلك .
    و ما المثال الذي تذكره السيدة روي إلا البداية ، بالطبع ، و هو واحد من اقل الأمثلة ، ليس بسبب درجة الوحشية ، بل لأنه لم يكن جريمة دولة بصراحة . افترض أن إيران كانت ستطلب تسليم الموظفين الكبار في إدارة كارتر ، و رافضة تقديم الدليل القاطع عن الجرائم التي كانوا يرتكبونها و هي بالفعل موجودة . أو افترض أن النيكاراغويين كانوا سيطلبون تسليم السفير المعين حديثا في الأمم المتحدة ، و هو الرجل الذي يميز سجل خدمته بالعمل كـ " برو قنصل " (1) ( كما كان يسمى ، في مقاطعة هندوراس الفعلية ، حيث كان مدركا لفظاعات إرهاب الدولة الذي كان يدعمه و على نحو اكثر بلاغة ، تتضمن خدماته كمشرف على الحرب الإرهابية ضد نيكاراغوا ، التي انطلقت من
    _____________
    (1) ( قنصل روماني جددت ولايته بعد انقضائها المترجم )
    قواعدهم في هندوراس . فهل توافق الولايات المتحدة على تسليمهم ؟ و هل سيثير الطلب السخرية حقا ؟ .
    وذلك هو أقل ما نبدأ به . فمن الأفضل أن تظل الأبواب مغلقة ، كما هو الأفضل في الحقيقة الاستمرار في الصمت البليغ الذي ساد منذ تعيين رمز بارز في إدارة العمليات التي أدينت بالإرهاب من قبل الهيئات الدولية الأرفع القائمة ليقود " حربا على الإرهاب" . و حتى جوناثان سويفت (1) سيكون صامتا في قبره .
    و ربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع خبراء الإدارة علانية لتفضيل المصطلح الغامض لـ " الحرب " على المصطلح الأكثر وضوحا لـ " الجريمة " " الجريمة ضد الإنسانية " كما وصفها روبرت فيسك ، و ماري روبنسون و آخرون على نحو دقيق .
    سؤال : إذا سقطت حكومة الطالبان و إذا أمكن إلقاء القبض على ابن لادن أو أي شخص آخر يتهمونه بالمسؤولية أو القتل ، فما الذي سيأتي بعده ؟ و ما الذي سيحدث للافغانستانيين ؟ و ماذا سيحدث بشكل أوسع في المناطق الأخرى ؟
    تشومسكي : أن خطة الإدارة الحساسة ستكمل البرنامج المطروح للإبادة العرقية الصامتة ، و المصحوبة بإيحاءات إنسانية لرفع التصفيق من الجوقة المعتادة التي تستدعى لتغني و تمدح القادة النبلاء الذين يكرسون حياتهم " للقيم و المبادئ " و كأنها تحدث للمرة الأولى في التاريخ و يقودون العالم إلى حقبة جديدة " من المثالية و التعهد بـ " إنهاء الأعمال اللاإنسانية " في كل مكان . فتركيا متحمسة جدا للدخول في التحالف الأمريكي في " حربها ضد الإرهاب " ، و لإرسال قوات عسكرية برية . و السبب ، كما أوضحه رئيس الوزراء بولند اجاويد ، أن بلاده مدينة للولايات المتحدة بـ " عرفان الجميل " ، لأنها على عكس الدول الأوربية ، " ساندت واشنطن أنقرة في حربها على الإرهاب " . و انه يشير إلى الحرب التي استمرت 15 عاما ، و التي وصلت إلى ذروتها في التسعينيات مع ازدياد الدعم الأمريكي ، و التي كان نتيجتها عشرات الآلاف من القتلى ، و من مليونين إلى ثلاثة ملايين لاجئ و تدمير 3500 قرية و بلدة ( اكثر بسبع مرات مما دمره الناتو في
    _______________
    (1) 1667 1745 كاتب إنجليزي اشهر أعماله " رحلات جليفر ".
    كوسوفو ) . و لقد مدحت تركيا كثير و كوفئت على مشاركتها واشنطن في حربها الإنسانية في كوسوفو ، مستخدمة نفس طائرات ف 16 التي زودتها بها واشنطن و التي أظهرت فاعلية كبيرة في عملياتها للتطهير العرقي الواسع و في عمليات إرهاب الدولة . و يمكن أن تحاول الإدارة أيضاً تحويل تحالف الشمال إلى قوة قابلة للحياة ، و يمكن أن تحاول ضم بعض جنرالات الحرب المعادين لها ، مثل رجل واشنطن المفضل قلب الدين حكمتيار ، و الموجود في إيران الآن و من المفترض أن تقوم الوحدات الخاصة البريطانية و الأمريكية بمهمات داخل أفغانستان ، بالإضافة إلى الضرب الانتقائي و الذي خفض كي لا يسمح بتجنيد قوى جديدة تعمل لصالح الحركات الإسلامية الراديكالية .
    و ينبغي إلا تقارن حملات الولايات المتحدة العرضية مع الغزو الروسي الفاشل في الثمانينات . لأن الروس كانوا يواجهون جيشا ضخما تعداده 100000 مقاتل أو اكثر ، منظم و مدرب ، و مسلح بقوة من قبل الـ " C I A " و شريكاتها . أما الولايات المتحدة فأنها تواجه قوة من الرعاع في بلد دمرته حرب استمرت 20 عاما من الإرهاب ، و نحن لا نتحمل أي مسؤولية عن المصير الذي أصابهم . و أن قوات الطالبان ، كما هي ، يمكن أن تنهار بسرعة ما عدا نواتها الصغيرة الصلبة .
    و يجب أن يتوقع أي شخص بأن السكان الباقون سيرحبون بأية قوة غازية إذا لم تكن متورطة بوضوح مع العصابات المجرمة التي مزقت البلد إلى أجزاء قبل أن تستولي حركة الطالبان على السلطة . و في هذه النقطة ، من المحتمل أن يرحب الكثير من الناس حتى بجنكيز خان .
    و ما التالي ؟ فالأفغانيون المنفيون ، و بوضوح ، بعض العناصر الداخلية و الذين هم جزء من حركة الطالبان في الداخل و الذين يطلبون مساعدة الأمم المتحدة في إقامة حكومة انتقالية ، و أنها عملية يمكن أن تنجح في إعادة تنظيم أشكال قابلة للحياة من منبوذي المجتمع ، إذا ما زودوا بالمساعدة الفعالة لإعادة البناء ، و التي شقت طريقها من خلال مصادر مستقلة كالأمم المتحدة و المنظمات غير الحكومية المعقولة و ينبغي أن يكون ذلك الحد الأدنى من مسؤولية أولئك الذين حولوا هذا البلد الفقير إلى ارض الرعب ، و الإرهاب ، و اليأس ، و الجثث و الضحايا الكثر . و يمكن أن يحدث ذلك ، و لكن ليس بدون جهود شعبية أساسية في المجتمعات الغنية و القوية . و راهناً ، فإن أي مسار مشابه قد أفصحت عنه إدارة بوش، و قد أعلن أنها لن تتورط في " بناء أمة " ، ما تزال حتى الآن ( في 30 أيلول ) ،أو في أي محاولة ستكون اكثر إنسانية و احتراما : الدعم الأساسي بدون أي تدخل ، لـ " بناء الأمة " من قبل الآخرين الذين يمكن أن يحققوا بعض النجاح في المشروع . إلا أن الرفض الحالي لمناقشة هذا المسار الملائم لم يسدل عليه الستار بعد .
    و ما يحدث في المناطق الأخرى يعتمد على العوامل الداخلية ، و على سياسات الممثلين الأجانب ( و من بينهم الولايات المتحدة بشكل رئيسي ، لأسباب واضحة ) ، و على الطريقة التي تتقدم فيها بعض المسائل في أفغانستان . و يمكن الحديث بقليل من الثقة ، و لكن بالنسبة للعديد من المسارات الممكنة فمن الممكن القيام ببعض التخمينات المعقولة حول النتيجة ( المحتملة و هناك العديد من الاحتمالات ، و لا يتسع المكان هنا لمراجعتها في تعليقات مختصرة .
    سؤال : لكي نشكل تحالفاً دولي ، غيرت الولايات المتحدة فجأة مواقفها مع العديد من البلدان في الشرق الأوسط و أفريقيا و آسيا و مقدمة صفقات سياسية و مالية و عسكرية عوضا عن أشكال الدعم التي تقدمها هذه الدول . فكيف يمكن لتلك التحركات المفاجئة أن تكون مؤثرة في الديناميات السياسية في تلك المنطقة ؟
    تشومسكي : تخطو واشنطن بدقة . و يجب علينا ان نتذكر ما هي الأشياء التي في مكمن الخطر : مصادر الطاقة الرئيسية في العالم ، و العربية السعودية في المقام الأول و في كامل منطقة الخليج ، بالإضافة إلى مصادر النفط التي لا يمكن تجاهلها في آسيا الوسطى . و مع انه عامل ثانوي ، لقد جرى النقاش لسنوات عديدة ان أفغانستان يمكن ان تكون موقع محتمل لخطوط الأنابيب التي ستساعد الولايات المتحدة على المناورة المعقدة للسيطرة على ثروات آسيا الوسطى . و في شمال أفغانستان ، توجد دول ضعيفة وقمعية . فالاوزبكستان هي الأكثر أهمية . و لقد أدينت من قبل هيومان رايتس ووتش لارتكابها الفظائع الرهيبة و لأنها تخوض حربا ضد حركة تمرد إسلامية داخلية . و وضع طاجكستان ليس احسن حالا ، و هي أيضاً منفذ رئيسي لتجارة المخدرات إلى أوروبا ، أما فيما يتعلق أولا بتحالف الشمال ، و الذي يسيطر على معظم الحدود الافغانستانية الطاجيكية فكان المصدر الرئيسي للمخدرات منذ ان منعت حركة الطالبان إنتاج الخشاش . و ان هروب الأفغانيين إلى الشمال يمكن ان يؤدي إلى كل أنواع المشاكل الداخلية . فباكستان ، التي كانت المؤيد الرئيسي لحركة الطالبان ، لديها حركة إسلامية راديكالية ناشطة داخليا . و ان رد فعلها لا يمكن التبوء به ، و من المحتمل ان يكون عنيفا ، إذا اتخذت باكستان علنا كقاعدة لعمليات الولايات المتحدة في أفغانستان ، و هناك قلق كبير و معروف بأن لدى باكستان أسلحة نووية . و ان الجيش العسكري الباكستاني ، رغم انه متحمس للحصول على مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة ( و وعدوا بذلك تماما ) ، فأنه حذر ، بسبب العلاقات السابقة العاصفة ، و قلقه نابع أيضاً من الأفغان الأعداء و المتحالفين مع عدوه في الشرق ، الهند . و ليسوا مرتاحين لكون قيادة التحالف الشمالي من الطاجيك ، و الاوزبك ، و الاقليات الأفغانية الأخرى المعادية لباكستان و المدعومة من الهند ، و إيران ، و روسيا ، والآن من الولايات المتحدة أيضاً .
    و في منطقة الخليج حتى الأغنياء و العناصر غير المتدينة مستاءة من سياسات الولايات المتحدة و تعبر أحيانا عن الدعم الهادئ لابن لادن ، و الذين يكرهونه ، كـ " ضمير الإسلام " ( نيويورك تايمز في 5 تشرين أول ، مقتبسة عن محام دولي للجنسيات المتعددة التي دربت في الولايات المتحدة ) . بهدوء ، لأنها سلطات قمع رهيبة ، و ان أحد عوامل هذه المرارة العامة و الموقف السلبي من الولايات المتحدة هو دعمها لحكم الأنظمة القمعية . و الخوف من انتشار الصراع الداخلي بسهولة ، و احتمال ولادة نتائج ضخمة لا تحمد عقباها ، و بشكل خاص إذا هددت سيطرة الولايات المتحدة على المصادر الهائلة للنفط في المنطقة . و يمكن ان تنتشر مشاكل أخرى مشابهة إلى أفريقيا الشمالية و جنوب شرق آسيا و بشكل خاص في إندونيسيا . و حتى بعيدا عن الصراع الداخلي ، تتدفق شحنات الأسلحة الهائلة إلى بلدان المنطقة و من الممكن ان تصعد الصراع المسلح و تعمل على زيادة تدفق الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية و تجار المخدرات فالحكومات متحمسة للانضمام إلى الولايات المتحدة في " الحرب ضد الإرهاب من اجل ان تكسب بعض الدعم لإرهاب الدولة الخاص بها ، و حتى إلى حد مروع ( في روسيا و تركيا و لنذكر الأمثلة الأكثر وضوحاً بالرغم من ان تركيا كانت دائما مستفيدة من دعم الولايات المتحدة الحاسم لها ) .
    سؤال : ان باكستان و الهند دولتان حدوديتان ، و لديهما أسلحة نووية ، و هما في حالة صراع مباشر و خطير منذ سنوات فكيف سيؤثر الضغط الشديد و المفاجئ الذي تمارسه الولايات المتحدة في المنطقة على علاقاتهما المتقلبة ؟
    تشومسكي : انه الصراع على كشمير ، حيث تدعي الهند بأنها تواجه إرهابا إسلاميا ، و تدعي الباكستان بأن الهند ترفض الحكم الذاتي و أنها قد قامت بأعمال إرهابية . و ان كلا الادعاءين ، لسوء الحظ صحيحان من حيث الجوهر . حيث خاضتا حروبا عديدة على كشمير ، كانت آخرها في عام 1999 ، عندما كان لدى كلا الدولتين أسلحة نووية ، و لحسن الحظ كانت تحت السيطرة ، و لكن ذلك لا يمكن ضمانته . و من المحتمل ان يتصاعد شبح الحرب النووية إذا أصرت الولايات المتحدة على برامج عسكرة الفضاء ( و ويوصف للتلطيف بـ " الدفاع الصاروخي " ) . و هذه تتضمن أيضاً الدعم لتوسيع القوة النووية الصينية ، من اجل تحقيق الإذعان الصيني على برامجها . و ستحاول الهند بالطبع مضاهاة التوسع الصيني ثم باكستان ، و بعدئذ إسرائيل التي ترسانتها النووية خارج المراقبة . حيث وصفت قدراتها النووية من الرئيس السابق للقيادة الاستراتيجية الأمريكية بأنها " خطيرة إلى ابعد حد " ، و تشكل إحدى التهديدات الرئيسية في المنطقة .
    و " متقلبة " ذلك صحيح لكنها يمكن ان تسوء .
    سؤال : قبل 11 أيلول ، انتُقِدَت إدارة بوش بشدة ، ومن حلفائها أيضاً ، لرفضها السياسي " أحادي الجانب "-توقيع بروتوكول كيوتو للانبعاثات الدفيئة ، و عزمها على الانسحاب من اتفاقية A B M (1) من اجل عسكرة الفضاء الخارجي عبر برنامج " الدفاع الصاروخي " ، و كذلك لانسحابها من المؤتمر المناهض للعنصرية في دوربان ، في
    ________________
    (1) ( و هي اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ البالستية بين الاتحاد السوفيتي سابقا و الولايات المتحدة عام 1972 . المترجم ) .
    جنوب أفريقيا ، كي نذكر بعض الأمثلة الحديثة فقط . هل من الممكن أن يفرخ التحالف الجديد التي تنشئه الولايات المتحدة و يقود إلى " تعددية جديدة " حيث يمكن ان تحدث فيه تطورات إيجابية غير متوقعة كالتقدم بالنسبة للفلسطينيين أيمكن أن يتقدم ؟
    تشومسكي : من الجدير بالذكر أن " أحادية " بوش كانت توسيع للممارسة الدائمة للولايات المتحدة ففي عام 1993 ابلغ الرئيس كلينتون الأمم المتحدة بان الولايات المتحدة ستتصرف كالسابق " جماعيا عندما يكون ذلك ممكنا و لكن أحاديا عندما يكون ضروريا " ، و استمرت في القيام به . و أعيد تأكيد ذلك الموقف من قبل سفيرة الولايات المتحدة مادلين البرايت في الأمم المتحدة ، و في عام 1999 كرره وزير الدفاع وليم كوهين ، و الذي صرح ان الولايات المتحدة عازمة على " الاستخدام الأحادي للقوة العسكرية " لحماية مصالحها الحيوية ، و مصادر الطاقة ، و المصادر الاستراتيجية ، و أي شيء حقا تقرر واشنطن انه داخل نطاق سلطتها . و لكن إدارة بوش تجاوزتها ، مسببة قلقا كبيرا بين الحلفاء . فالحاجة الملحة لتشكيل ائتلاف يمكن ان يخفض الخطاب و لكن من المحتمل ان يغير السياسات . و من المتوقع ان يكون أعضاء التحالف صامتين و داعمين مطيعين ، و ليسوا شركاء بأية حال . و تعطي الولايات المتحدة لنفسها الحق بالتصرف كما يحلو لها ، و تحرص على تجنب اللجوء المعتبر إلى المؤسسات الدولية كما يقضي بذلك القانون الدولي . و هناك إيماءات بما يفيد العكس ، و لكنها تفقد أية مصداقية ، مع ذلك فإن الحكومات تقبلها على نحو افتراضي ، و الخضوع للقوة كما تفعل دائما لمصالحها و لأسبابها الخاصة . و لكن يبدو أن الفلسطينيين لن يحققوا أي تقدم . و على العكس فإن هجوم 11 أيلول كان ضربة محطمة لهم ، كما أدركوا ذلك مباشرة و استغلته إسرائيل فورا .
    سؤال : منذ 11 أيلول كان وزير الخارجية الأمريكي كولين باول يشير إلى ان الولايات المتحدة يمكن ان تتبنى موقفا جديدا تجاه المأزق الفلسطيني . فما هو رأيك ؟
    تشومسكي : ان رأيي مأخوذ بالضبط عن الموظفين و المصادر الأخرى التي اقتبست في نهاية مقالة في الصفحة الأولى لنيويورك تايمز . و أكدوا بان بوش باول لم يذهبا بعيدا بقدر ما ذهبت إليه مقترحات كلينتون في كامب ديفيد و التي رحب بها كثيرا في الصحافة مع أنها غير معقولة تماما لأسباب أوضحت في إسرائيل ، و في كل مكان آخر ، و كما يستطيع أي شخص ان يرى ذلك بالنظر إلى الخريطة أحد الأسباب كما افترض ، فلماذا كان تشكيل الخرائط صعبا جدا ، مع انه ليس كذلك في كل مكان آخر ، بما فيها إسرائيل . و يمكن ان تجد تفصيلا اكثر حوله في مقالات كتبت أثناء انعقاد لقاء كامب ديفيد ، بما فيها مقالاتي ، و مقالات في المجموعة التي حررها روان كاري ، الانتفاضة الجديدة .
    سؤال : ان تدفق المعلومات الهائل هو أحد المصائب الأولى لأية حرب . فهل يمثل الوضع الراهن استثناءً بأي طريقة ؟ و ما هي الأمثلة ؟
    تشومسكي : ان حواجز تدفق المعلومات الحرة في بلدان مثل الولايات المتحدة نادراً ما يمكن ردها إلى الحكومة ، بل ، إلى الرقابة الذاتية للمطبوعات للنوع المشابه . و ان الوضع الحالي ليس استثنائيا لكنه أفضل من المعتاد ، في رأيي .
    و هناك بعض الأمثلة المروعة عن محاولات الولايات المتحدة لإعاقة و منع تدفق المعلومات في الخارج . و كان لدى العرب مصدر أخبار جديد حر و مفتوح هو قناة الجزيرة الفضائية في قطر ، و هي تبث على غرار الـ B B C ، و لها مشاهدين كثر في العالم العربي . و أنها مصدر الأخبار الفريد غير المراقب ، تنقل كمية كبيرة من الأخبار الهامة و تقدم مقابلات حية و تنوع في الآراء تنوع بما فيه الكفاية ليشمل كولن باول ، قبل أيام قليلة من 11 أيلول و رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك ( و أنا أيضاً ، أعلن هذه الميزة فقط ) . و الجزيرة أيضاً هي " وكالة الأخبار الدولية الوحيدة التي استمر مراسلوها في الجزء الذي تسيطر عليه حركة الطالبان في أفغانستان " ( وول ستريت جورنال ) . و من الأمثلة الأخرى ، كانت قناة الجزيرة هي الفضائية الوحيدة التي تبث صورا حية عن تدمير التماثيل البوذية ، و التي استهجن العالم تدميرها . و قدمت مقابلات مطولة مع ابن لادن و أنني مقتنع بأنها قد درست بدقة من قبل وكالات الاستخبارات الغربية و أنها لا تقدر بثمن بالنسبة للآخرين الذي يريدون ان يفهموا ماذا يفكر به الرجل . و ترجمت هذه المقابلات ،و أعيد بثها من الـ BBCوالعديد منها منذ 11 أيلول .
    و من الطبيعي ، ان تزدرى الجزيرة و تخشاها دكتاتوريات المنطقة ، و ربما بسبب فضائحها لسجلاتها في حقوق الإنسان . و انضمت الولايات المتحدة إلى صفوفهم مؤخرا . إذ تنقل الـ B B C بأن " الولايات المتحدة ليست الدولة الأولى في امتعاضها بسبب تغطية الجزيرة و التي أثارت في الماضي غضب الجزائر ، و المغرب ، و العربية السعودية ، و الكويت ، و مصر لبثها مقابلات حية مع المعارضين السياسيين " .
    و أكد أمير قطر بأن " واشنطن قد طلبت منه كبح جماح محطة تلفزيون الجزيرة العربية المستقلة بالبث و ذات التأثير الواسع " ، كما نقلت الـ B B C . و الأمير ، الذي يرأس أيضاً مؤتمر المنظمة الإسلامية التي تضم 56 دولة ، ابلغ الصحافة في واشنطن بأن وزير الخارجية كولن باول قد ضغط عليه لكبح جماح الجزيرة : و " و لإقناع الجزيرة بتقليص تغطيتها " ، كما نقلت الجزيرة . و عندما سئل الأمير عن رقابة التقارير قال : " هذه حقيقة و لقد سمعنا بذلك من إدارة الولايات المتحدة ، و من الإدارة الأمريكية السابقة " ، ( الـ B B C ، 4 تشرين أول نقلاً عن رويتر ) .
    و ان التقرير الوحيد و الخطير الذي لاحظته في هذه الأخبار الهامة جدا ورد في وول ستريت جورنال ( 5 تشرين أول ) ، و الذي يصف أيضاً رد فعل بعض المفكرين و العلماء في العالم العربي ( و " هو مرعب بالفعل " الخ . ) . و يضيف التقرير ، كما فعلت الجورنال سابقا ، بأن " العديد من المحللين العرب برهنوا بأنها ، و على الرغم من كل شيء ،بأن تجاهل واشنطن لوضع حقوق الإنسان في البلدان المؤيدة لأمريكا رسمياً مثل العربية السعودية هو الذي يدعم النزعة الهائجة المضادة للأمركة " . و كان هناك استخدام قليل و ملحوظ لمقابلات ابن لادن و لبعض المواد الأخرى التي تبثها الجزيرة من أفغانستان.
    و بعد ان بثت الجزيرة شريطا لابن لادن كان مناسبا جدا للدعاية الغربية ، و احتل مباشرة الصفحات الأولى ، أصبحت قناة الجزيرة مشهورة بسرعة . كتبت نيويورك تايمز مقالة عنونت " بمحطة عربية تقدم تغطية لا سابق لها " ( ايلاين سيسيولينو ، 9 تشرين أول ) . و مدح التقرير القناة و أطلق عليها " C N N العالم العربي ، و التي تبث على مدار الساعة ، و كل الأخبار و برامج القضايا العامة التي تصل إلى الملايين " . و لقد " بنت الشبكة سمعة لسبقها المنفرد و الذي يتعارض بشدة مع محطات التلفزيون الناطقة بالعربية " ، و " ألقت الضوء على مواضع اعتبرت مدمرة في معظم أنحاء العالم العربي : غياب المؤسسات الديمقراطية و لملاحقة المنشقين السياسيين و عدم مساواة المرأة بالرجل " . و تلاحظ المقالة بان " صناع السياسة الأمريكية قد انشغلوا و انزعجوا من بث الجزيرة " لمقابلات ابن لادن و الـ " الخطاب المناهض لأمريكا " للمحللين و الضيوف ، و " الزائرين الذين يلتقون مع الناس في بث حي و مباشر " . أما البقية الباقية فغير مذكورة ، بالرغم من انه كان هناك عتاب لطيف للمحرر في اليوم التالي .
    و لذلك نعم ، هناك حواجز لتدفق المعلومات الحر ، و لكن لا يمكن إلقاء مسؤولياتها على رقابة الحكومة ، أو الضغط ، انه عامل هامشي في الولايات المتحدة .
    سؤال : ماذا ينبغي باعتقادك أن يكون دور وأولوية النشطاء الاجتماعيين المهتمين بالعدالة في هذا الزمن ؟ فهل علينا ان نكبح انتقاداتنا ، كما دعى البعض ، أو هل هو ، كبديل ، لزمن المحاولات المجددة و الموسعة ، ليس فقط لأنها أزمة تتعلق بما نستطيع ان يكون له تأثير إيجابي هام ، و لكن أيضاً لأن قطاعات واسعة من العامة متفتحون اكثر من المعتاد في النقاش و السبر ، حتى لو كانت القطاعات الأخرى عدوانية بعناد .
    تشومسكي : الأمر يتوقف على ما يحاول هؤلاء النشطاء الاجتماعيون إنجازه . فإذا كان هدفهم تصعيد دورة العنف و زيادة احتمال ارتكاب أعمال فظيعة أخرى مشابهة لتلك التي حدثت في 11 أيلول و ، على نحو مؤسف ، حتى الأعمال الأكثر سوأ و المألوفة في معظم أنحاء العالم أيضاً عندئذ عليهم ان يكبحوا جماح تحليلاتهم و انتقاداتهم ، و رفض التفكير ، و تخفيض اهتمامهم بالقضايا الأكثر خطورة و التي انشغلوا بها سابقا . و نفس النصيحة مبررة إذا أرادوا مساعدة اكثر العناصر عدائية و رجعية لنظام السلطة الاقتصادي و السياسي لتنفيذ خطط يمكن ان تشكل ضررا كبيرا لعموم السكان هنا و في اغلب دول العالم ، و حتى أنها يمكن ان تشكل تهديدا للنوع البشري . و إذا كان الهدف ، على العكس تماما ،فعلى النشطاء الاجتماعيين تقليص احتمال ارتكاب أعمال عدوانية اكثر و دفع الآمال نحو سماء الحرية ، و حقوق الإنسان ، و الديمقراطية فعليهم عندئذ ان يتبعوا مسارا أخرا معاكسا . و يجب عليهم ان يركزوا جهودهم للبحث و التساؤل عن العوامل الخلفية الكامنة وراء هذه الجرائم و غيرها و تكريس أنفسهم لمزيد من العمل و الدفع لكشف الأسباب الفعلية التي أدت إلى ارتكاب هذه الجرائم . و يجب ان يستمعوا لحديث مطران المدينة المكسيكية الجنوبية في سان كريستو بال و هو دولا كأساس ، و الذي رأى أن مشاركته مع البؤساء و المضطهدين ، كمحرضات للأمريكيين الشماليين لـ " يفكروا لماذا هم مكروهين جدا " بعد ان قامت الولايات المتحدة بـ " أحداث كل هذا العنف لحماية مصالحها الاقتصادية " ( ماريون لليويد ، مدينة مكسيكوا ، بوسطن غلوب ، 30 أيلول ) .
    إن الأكثر عزاء و راحة بكل تأكيد الاستماع إلى كلمات المعلقين اللبراليين الذين يؤكدون بأنهم " يكرهوننا لأننا نؤيد نظام دولي جديد ، من الرأسمالية ، و الفردانية ، و العلمانية و الديمقراطية و التي يجب ان تكون المعيار في كل مكان آخر " ( رونالد ستيل ، نيويورك تايمز ، 14 أيلول ) أو انطوني لويس ، و الذي يؤكد لنا بأن الصلة الوحيدة لسياساتنا السابقة قد " أثرت بشكل سلبي على المواقف العامة في العالم العربي نحو العمل على تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب " ( نيويورك تايمز ، 6 تشرين الأول . و ما فعلناه ، كما يصرح بثقة ، لا يشكل أي تأثير على أهداف الإرهابيين . و ما يقولونه لا صلة له إطلاقا و لذلك يمكن تجاهله ، و يمكننا ان نلغي الانسجام فيما كانوا يقولونه و أفعالهم ، منذ 20سنة من الإرهاب و نادرا ما تكون غامضة ، و لقد نقلت على نحو واسع من قبل الصحفيين و علماء هامين . و أنها حقيقة ضرورية ، و لا تحتاج إلى أي دليل أو برهان ، بأن الإرهابيين يبحثون عن " نقل العنف لعالم آثم و غير قابل للشفاء و غير عادل " و يناضلون من اجل " العدمية الرؤيوية ( خاص بسفر الرؤية ) " أنه ( اقتباس مأخوذ عن ميشيل اغناتيف بعد موافقته ) . فلا أهدافهم و لا أفعالهم المزعومة و لا حتى مواقفهم المعلنة بوضوح لسكان المنطقة حتى الكويتيون المؤيدون لأمريكا جدا ليس موقفهم متميزا إلا قليلا . و لذلك يجب ان نتجاهل أي شيء قمنا به يمكن ان يثير أو يوقظ هكذا ردود .
    و هذا بدون شك ، أكثر راحة و اطمئنانا ، لكنه ليس أكثر حكمة ، إذا كنا مهتمين بما يأتي في المقدمة .
    و إن هناك الفرص بالتأكيد . فصدمة الجرائم الفظيعة قد فتحت الباب أمام قطاعات النخب للتفكير و الانتقاد و هو ما كان صعبا تصوره و ليس من زمن بعيد ، و بين الرأي العام الأكثر صدقا . و أتحدث هنا فقط عن تجربتي الشخصية ، بعيدا عن المقابلات شبه متواصلة مع محطات الإذاعة و التلفزيون و الصحافة في أوروبا و في كل مكان آخر . و اصبح لدي حرية اكثر في الدخول إلى الأعلام الحالي في الولايات المتحدة اكثر من السابق ، و ينقل الآخرون الشيء نفسه .
    و بالطبع ، سيظل هناك من يطلبون الخضوع الصامت . و نحن نتوقع ذلك من اليمين المتطرف ، و ان أي واحد لديه معرفة قليلة بالتاريخ سيتوقعه أيضاً حتى من بعض مفكري اليسار و ربما بصيغة اكثر خبثا و لكن من المهم ان لا نكون مرعوبين بالتبجح الهستيري و الكذب و المحافظة بأقدر ما يمكن ان يستطيع أي كان الاستمرار بالصدق و الإخلاص و الاهتمام بالنتائج الإنسانية لما يقوم به الإنسان أو التي يفشل في القيام بها . و كلها حقائق بدهية ، لكنها جديرة بالتذكير . و بعد كل هذه الحقائق البدهية ، ننتقل إلى أسئلة محددة ، للتساؤل و للفعل .
    وزارة الخارجية
    تقرير عن المنظمات الإرهابية الخارجية
    نشره مكتب التنسيق للإرهاب المضاد
    5 تشرين أول 2001
    خلفية

    تحدد وزارة الخارجية الأمريكية المنظمات الإرهابية الخارجية ( FTOS ) ، بالتشاور مع النائب العام ، و وزارة المالية . و تؤخذ هذه التحديدات طبقا لقانون الهجرة و الجنسية ، كما عدل القانون المضاد للإرهاب و لعقوبة الإعدام في 1996 . و ان تصنيفات المنظمات الإرهابية الخارجية تظل صالحة لعامين ، فأما ان يعاد تصنيفها أو تلغى أوتوماتيكيا. و إعادة التصنيف بعد مرور عامين هو قانون وضعي و يمثل إصرارا من قبل وزارة الخارجية على ان المنظمة قد استمرت في تورطها في النشاط الإرهابي و ما يزال ينطبق عليها المعيار المحدد في القانون .
    صادقت وزيرة الخارجية السابقة في تشرين أول عام 1997 ، مادلين اولبرايت على تصنيف المجموعات الثلاثين الأولى كمنظمات إرهابية خارجية .
    و في تشرين أول عام 1999 ، أعادت وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت تثبيت 27 منظمة من هذه المجموعة و سمحت بحذف 3 منظمات عن القائمة لان تورطها بالنشاطات الإرهابية قد انتهى و لا ينطبق عليهم معيار التصنيف .
    و أضافت وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت منظمة إرهابية جديدة 1999 و هي ( منظمة القاعدة ) و منظمة أخرى في عام 2000 ( الحركة الإسلامية الاوزبكستانية ) .
    و صنف وزير الخارجية كولن باول منظمتين إرهابيتين جديدتين ( الجيش الجمهوري الأيرلندي و منظمة AUC قوات الدفاع الذاتي الموحدة الكولومبية ) في عام 2001 . و في تشرين أول عام 2001 ، أعاد وزير الخارجية كولن باول تثبيت 26 منظمة من 28 منها و الذي كان تصنيفهم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، و دمج مجموعتين مصنفتين سابقا ( كاهان تشاي و كاخ ) في منظمة واحدة و ها هي القائمة بأسماء المنظمات الإرهابية المصنفة في الخارج ( في 5 تشرين أول عام 2001 ) :
    1- منظمة أبو نضال A N O
    2- مجموعة أبو سياف
    3- المجموعة الإسلامية المسلحة G IA
    4- اوم شنريكو
    5- منظمة الباسك E T A
    6- غاما الإسلامية ( مجموعة إسلامية )
    7- حماس ( حركة المقاومة الإسلامية )
    8- حركة المجاهدين H U M
    9- حزب الله
    10- الحركة الإسلامية الاوزبكستانية I M U
    11- الجهاد الإسلامي المصري
    12- كاهان تشاي ( كاخ )
    13- حزب العمال الكردستاني P K K
    14- نمور تحرير التاميل ايلام L T T E
    15- منظمة مجاهدي خلق M E K
    16- جيش التحرير الوطني E L N
    17- حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني P I J
    18- جبهة التحرير الفلسطيني P L F
    19- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين P F L P
    20- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة P F L P – G C
    21- القاعدة
    22- الجيش الجمهوري الأيرلندي I R A
    23- القوات المسلحة الثورية الكولومبية F A R C
    24- مجموعة نيوكلي الثورية ( سابقا E L A )
    25- منظمة 17 نوفمبر الثورية
    26- جيش / جبهة التحرير الشعبية الثورية DHKP\C
    27- الدرب المنير سنديرو لومونيزو S L
    28- قوات الدفاع الذاتي الموحدة الكولومبية A U C
    ملاحظة : من اجل أوصاف هذه المنظمات الإرهابية الخارجية يرجى العودة إلى " نماذج الإرهاب الدولي : 2000 " .
    المعيار القانوني للتصنيف
    1- يجب أن تكون المنظمة خارجية .
    2- يجب أن تكون المنظمة متورطة في النشاط الإرهابي كما هو محدد في المقطع 212 (A)(3)(B) من قانون الهجرة و الجنسية * ( انظر لاحقا ) .
    3- يجب أن تهدد نشاطات المنظمة أمن المصالح القومية الأمريكية أو الأمن القومي ( الدفاع القومي ، العلاقات الخارجية ، أو المصالح الاقتصادية ) للولايات المتحدة .
    آثار التصنيف
    قانونياً :
    1- يعتبر عملا غير قانوني بالنسبة لأي شخص في الولايات المتحدة أو خاضع لسلطتها القضائية تقديم أية تمويلات أو أي دعم مادي آخر لأي من هذه المجموعة المصنفة إرهابيا .
    2- أن الممثلين و الأعضاء المثبتة علاقتهم في المنظمات الإرهابية الخارجية ، إذا كانوا أجانب ، يمكن أن يحرموا من الفيزا و يبعدوا عن الولايات المتحدة .
    3- يجب على المؤسسات المالية الأمريكية أن تجمد أرصدة المنظمات الإرهابية الخارجية و وكلائها و نقل الاعتراض إلى مكتب مراقبة الأصول ، و هو قسم في وزارة المالية .
    آثار أخرى :
    1- منع تقديم المنح و المساعدات إلى المنظمات المسماة
    2- نشر الوعي العام والتعريف بالمنظمات الإرهابية
    3- الإشارة إلى الحكومات الأخرى حول قلقنا بالمنظمات المسماة
    4- وسم و عزل المنظمات الإرهابية الخارجية دوليا
    المعالجة
    تقوم وزارة الخارجية بمعالجة القرارات التي تخص تصنيف و إعادة تصنيف منظمات الإرهاب الخارجي متبعة عملية مراجعة شاملة بين الوكالات حيث تقدم كل منها أدلة نشاط المجموعة ، كل من المصادر المصنفة و المفتوحة ، و تفحص بدقة . و تعمل وزارة الخارجية ، مع وزارات العدل و المالية و جماعات الاستخبارات ، و تحضر " سجل حكومي " شامل يوثق النشاط الإرهابي للمنظمات الإرهابية الخارجية المصنفة . قبل سبعة أيام من إصدار تصنيف للمنظمات الإرهابية الخارجية في السجل الفيدرالي ، و تقدم وزارة الخارجية بلاغا بالمنظمات المصنفة إلى الكونغرس .
    و في ظل القانون ، تخضع التصنيفات للمراجعة القانونية . في سياق التحدي لتصنيف المجموعات الإرهابية الخارجية في المحكمة الفيدرالية ، تعتمد حكومة الولايات المتحدة على السجل الحكومي بحماية قرار الوزارة . و تحتوي هذه السجلات الحكومية معلومات استخباراتية و لذلك فهي مصنفة سلفا .
    و ينقضي تصنيف المنظمات الإرهابية الخارجية بعد عامين إذا لم يجدد . و يسمح القانون بإضافة مجموعات أخرى في أي وقت تبعا لقرار وزير الخارجية ، بالتشاور مع النائب العام و مع وزير المالية . و يمكن أن يعيد الوزير التصنيف بعد الإقرار على أن هناك أسبابا وجيهة له و يعلم الكونغرس بذلك .
    * يعرف قانون الهجرة و الجنسية النشاط الإرهابي بحيث يشمل : أي نشاط غير قانوني في ظل قوانين المكان الذي ارتكب فيه ( أو الذي ، إذا ارتكب في الولايات المتحدة ، و يكون غير قانوني في ظل قوانين الولايات المتحدة أو قانون أي ولاية منها ) أو الذي يشمل أي من الأعمال التالية :
    1) الخطف أو السطو أو التخريب لأي وسيلة نقل ( بما فيها الطائرات ، و المراكب ، أو العربات ) .
    2) القبض أو الاعتقال ، أو التهديد بالقتل ، و الجرح ، أو الاستمرار في الاعتقال ، لشخص آخر من اجل إجبار شخص ثالث ( بما فيها المنظمة الحكومية ) للقيام أو الامتناع عن القيام بأي عمل كشرط واضح أو ضمني لتحرير الشخص المحتجز أو المعتقل .
    3) أي هجوم عنفي ضد أي شخص محمي دوليا ( كما هو معرف في القسم 1116(b)(4) من البند 18 ، لدستور الولايات المتحدة ) أو ضد حرية هذا الشخص .
    4) أي اغتيال .
    5) استخدم أي من الآتي .
    A. الأسلحة البيولوجية ، و الكيميائية ، أو السلاح النووي ، أو أداة نووية ، أو ..
    B. أي انفجار أو طلق ناري ( بغير قصد الكسب المالي ) الغاية منه التعريض للخطر ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، سلامة شخص أو اكثر ، أو التسبب بضرر فادح للممتلكات .
    6) أي تهديد أو محاولة بالتهديد ، أو أي تآمر للقيام بأي عمل من الأعمال السابقة .
    *** أن تعبير " التورط في النشاط الإرهابي " يعني أن يرتكب ، الفرد بمفرده ، أو كعضو في منظمة ، عملا من النشاط الإرهابي أو أي عمل يعرف فاعله ، وينبغي عليه أن يعرف منطقيا ، أو يقدم دعما ماديا لأي شخص كان ، أو منظمة ، أو حكومة لتنفيذ عمل إرهابي في أي وقت كان ، بما فيها أي من الأعمال التالية :
    1. التحضير أو التخطيط للقيام بنشاط إرهابي .
    2. جمع المعلومات من اجل القيام بنشاطات إرهابية متوقعة .
    3. تقديم أي شكل من أشكال المساعدة المادية ، بما فيها المسكن الأمن ، و النقل ، و الاتصالات ، و التمويلات ، و الوثائق ، و الهويات المزورة ، و الأسلحة ، و التفجيرات ، أو التدريب أي شخص يعرفه الفاعل أو لديه الإدراك ليعتقد انه قد ارتكب أو خطط لارتكاب نشاط إرهابي .
    4. طلب التمويلات أو الأشياء الأخرى الثمينة للقيام بنشاط إرهابي أو تقديمها لمنظمة إرهابية .
    5. إغراء أي شخص من اجل الانتساب إلى منظمة إرهابية ، و حكومة إرهابية ، أو التورط في نشاط إرهابي .

    مراجع للاطلاع :
    حول المؤلف
    أن نعوم تشومسكي ناشط سياسي مشهور بكل أنحاء العالم ، و كاتب و بروفيسور في فقه اللغة في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا ، حيث يدرس فيه منذ عام 1955 . و قد كتب و حاضر في العديد من المواضيع ، في فقه اللغة ، و في الفلسفة ، و في السياسة . و له العديد من الكتب منها : ردع الديمقراطية ، و صناعة الإذعان ، و النظام العالمي ، و ماذا يريد العم سام ، و الحكومات المارقة ، الخ .

    نعوم تشومسكي

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
    الحادي عشر من أيلول - نعوم تشومسكي - ترجمة محمود علي عيسى
يعمل...
X