إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قاسم مطرود - للروح نوافذ أخرى - سامي عبد الحميد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قاسم مطرود - للروح نوافذ أخرى - سامي عبد الحميد

    للروح نوافذ أخرى ... قاسم مطرود

    مجلة أفق الثقافية
    سامي عبد الحميد



    مقدمة :

    الدراما , في اعتقادي , أصعب أنواع الأدب وتكمن صعوبتها في الضرورة التي توجب على المؤلف المسرحي أن يفكر في كيفية اجتذاب جمهور المتفرجين عندما يأخذ نصه صيغته المرتبة المسموعة المتحركة على خشبة المسرح . ولا بد أن يفكر في إحالة كلماته إلى صور تعطي مدلولات كثيرة . ولابد أن يفكر بكيفية إيصال أكثر عدد ممكن من الأفكار بأقل عدد من الكلمات حيث أن المتفرج , وفي هذا العصر بالذات , لا يطيق الاستماع والمشاهدة لفترة طويلة من غير أن يكتشف ويستنبط .
    وأسهل أنواع الدراما , في اعتقادي أيضا هي الواقعية حيث يلتقط الكاتب شخوصه وأحداثه وحواراته من الحياة اليومية ومظاهرها ، وحيث يكون مدى الخيال قصيرا ضيقا نسبة إلى المدى الذي تأخذه الاتجاهات الواقعية – الرمزية والتعبيرية وما شابه من تلك الصيغ التي تتعرض لدواخل النفس البشرية وتسبر أغوارها وتتخذ من الرمز وسيلة للتعبير . والأسلوب التقليدي للكتابة المسرحية سهل أيضا طالما أن الكاتب يستطيع محاكاة المؤلفات السابقة .
    أما أن يخرج الكاتب عن المألوف وأن يرفض الاستنساخ وأن يبقى على عوامل الجذب والتشويق فتلك مهمة صعبة وقد تولى المؤلف " قاسم مطرود " القيام بها وهو واثق من امكاناته ، فليس سهلا أن نلجأ إلى الغموض والإيهام ونبقي على إثارة القارئ أو المتفرج ونفسح لهما مجالا لحل الألغاز وكشف الأسرار . تناول " قاسم مطرود " ثيمة الانتظار وهي ثيمة تتسم في أغلب الأحوال , بالغموض حتى لا يمكن الجزم بأن المنتظر ( بفتح الظاء ) سيأتي أم لا وإذا أتى فهل سيأتي بشيء ؟ والحق فإن أسلوب الكاتب قد جاء ملائما لتلك الثيمة والأحداث غير المترابطة وللشخوص غير المحدد في ملامحها وعلاقاتها مما يدعو إلى الاستبطان والاستنتاج .. والحبكة تسير على خط دائري كما في دراما اللامعقول حيث تصاعد نحو الذروة الرئيسية بلا لف ودوران . والحوار سلس وتلغرافي في أكثر المواقف ولكن ذلك يجعل مهمة المخرج , هي الأخرى , صعبة حين يريد تحويل المسموع إلى مرئي متحرك ومن مهمات الفن أن يجعل السهل صعبا والصعب سهلا . وما أتمناه أن يستمر قاسم في الكتابة للمسرح وهو ناقد ومتتبع مثابر سيتقدم في نتاجه حتما .


    ل > للروح نوافذ أخرى ... قاسم مطرود



    القسم الأول :


    ( صمت .. براء والزوجة جالستان على الأرض وسط خشبة المسرح .. إحداهما تسند ظهرها إلى الأخرى .. صوت جرس وطرق على الباب الخارجي )

    براء : ( دون أن تتحرك من مكانها ) كان عليك أن تغسلي الصحون هذا اليوم .
    ( يرتفع صوت الطرق )
    الزوجة : كان عليك أن تغسلي هذا اليوم ( يرتفع صوت الطرق أكثر )
    براء : كان علينا أن نغسل هذا اليوم .
    الزوجة : أجل . ( يرتفع صوت الطرق أكثر وكأن الباب ستقلع )
    براء : وأن ترتبي فراش غرفتك أحسن ترتيب ..
    ( من جانبي خشبة المسرح تسقط بابان على الأرض إثر اندفاع كل من ذان وأيان باتجاه بعضهما حتى يتقاطعان ليحتل أحدهما مكان الآخر وبيد كل منهما هراوة )
    ذان : نحن من منظمة ..............
    براء : ( تقاطعه دون أن تتحرك من مكانها ) دعي العطر يفوح من جسدك كالوردة في نسيم الصباح .
    أيان : ( يرمي على رأس الزوجة وبراء مجموعة من الصور ) قررت منظمة ...............
    الزوجة : أعرف ذلك .
    ذان : ( يرمي صورا أخرى ) هذا بلاغ هام
    أيان : سيعود حاملا بين يديه الروح لتحكي غيبة السنين الطوال في الأسر والوجع والأنين
    الزوجة : ( تحمل بعض الصور من على الأرض .. تنظر إليها ) عليّ أن أنتظر
    براء : بداية الشهر
    الزوجة : منتصف الشهر .
    ذان + أيان : ( يخرجان ثم يعيدان رأسيهما ) باسم المنظمة ومن أجل المصلحة العامة نوصيكم بالانتظار .
    ( فترة صمت .. تتقدم براء إلى مقدمة خشبة المسرح )
    براء : ( تأخذ بعض الصور المرمية على الأرض وتعلقها على الجدار ) قــدري أن أكون بهذا الشكل ، أما لأم ( تتأمل صورة كبيرة من صور الأم ) تذكري .. أرجوكِ أن تتذكري .. يا لحكمتك يا رب .
    الزوجة : لقد طال الانتظار ( برهة ) لم يبق عندي أحمر الشفاه ( برهة ) أظنني لا أعرف كيف استخدمه الآن ( برهة ) عندي ذكرى , ذكرى الأشياء . عندي بؤسي يحفر وجهي ويحدد ملامحي أحسن تحديد (برهة ) الخوف يهزني حين يقترب موعد اللقاء
    براء : ها أنت على مقربة منه .
    الزوجة : من الرعب ، أنا خائفة قلقة ، أشعر أن ساقيّ لا تحملانني .
    براء : اتركي كل شي وحاولي أن تساعديني ، الأمر في غاية الصعوبة فيما يتعلق بي .. أما أنت فيمكنك معالجته بالبكاء أو الصراخ أو الصمت لكن أمي لا تستطيع أن تفعل شيئا من هذا كله وهذا عزاؤها فكيف يثبت الإنسان مشاعره دون انفعال ، إنها لا تتذكر .. حتى أسماء الأشياء قد تغيرت ... أصبحت غريبة عن هذا المكان . فهي لا تعرف أين تسكن ومن نحن .
    الزوجة : ربما تكون عودته صدمة لها ويمكنها من تذكر الماضي .
    براء : بالماضي نطرق أبواب الذاكرة عسى أن تستفز وتحيا معنا خلاصة الفرح .
    الزوجة : أما أنا فعلي أن أنسى كل عذاباتي وادفن الليالي الطوال . كان جسدي يحترق وعقلي يشتط والبركان ينفجر ولا يوقفه سوى اليأس والنوم العميق .
    ( يدخل ذان بهيئة ممرضي غرف العمليات .. يدفع عربة نقل المرضى التي ألقيت فيها الأم .. يعقبه أيان بهيئة طبيب )
    أيان : ( يشير إلى ذان بإيقاف العربة وسط خشبةالمسرح ) كان عليها أن تبقى في المستشفى لكننا أخرجناها هذا اليوم كي تقف معه وجها لوجه .
    الزوجة : هل يبكيها أم تبكيه ؟
    براء : كيف حالك الآن؟ ( تدفع العربة إلى العمق .. تتفحص الأم المكان بخوف .. تنظر إلى الصور المعلقة على الجدار والمرمية على الأرض )
    الزوجة : أما زلت واقفة مثل شجرة الكالبتوز , أم إنك منحنية مثل نخلة تستجدي قطرة ماء ؟
    الأم : كلا يا دكتورة
    الزوجة : شيء جميل أن أكون دكتورة , تصوري يا عمتي كم أحببت أن أكون ممرضة بدافع مساعدة الآخرين المحتاجين إلى خدمتي , ولكن .......
    براء : ( إلى الأم ) لم أنم الليل كله , أفكر فيك , عندي ما يبهرك ويجعلك تتحركين من مكانك كما لو أن الأرض تهتز تحت قدميك , ستسعدين يا أمي
    الأم : أمي ؟ ( ما زال ذان وأيان يرتبان هيئة الأم )
    براء : أشعر أن العالم صغير ولا يستطيع أن يستوعب أنفاسي (تحتضن الأم وتقبلها ) صعب عليّ الاستغناء عن هذه القبلة
    الأم : من أنت؟
    براء : حقا إنك تسألين يا أمي ؟
    الأم : من هي أمك ؟
    الزوجة : ( تطلق ضحكة عالية ثم تبكي حتى يتحول الضحك إلى مزيج من الضحك والبكاء .. يتقدم إليها ذان وأيان يمسكان بها يحملانها إلى غرفتها وهي ما زالت تضحك كالمجنونة , يجلسانها على كرسي صغير .. يتقدم أيان .. يرمي في حضنها ملابس أطفال قطعة قطعة ثم يأتي ذان ويحيطها بثوب زفاف بشكل غير منظم ) صعب أن تعود الأشياء إلى ما كانت عليه
    ذان : يا للخيبة ( يخرج )
    براء : (مع نفسها ) يا للخيبة.
    الأم : يلفني الغموض هنا بعباءته السوداء حاجبا الرؤيا عن بصيرتي . فما الأمر يا بنتي ؟
    براء : ( وهي فرحة ) إبنتك
    الأم : أجل إنك مثل ابنتي .
    الزوجة : ثانية ( برهة ) يا لثوب العرس المعطر برائحة الكافور , وعربة الزفاف الخاصة بنقل الموتى .. من ذا الذي اختطفني من شجرة مخضرة تطرح أفياءها للبراعم الصغار إلى القيامة الأبدية
    الأم : حقا من جاء بي إلى هنا .
    براء : هذا بيتك
    الأم : ( تهم بالنزول من كرسيها ) ماذا ؟
    أيان : مكانك .. لا تتحركي .. ما زلت متعبة.
    الأم : أود معرفة ما يحيط بي ( تمسك رأسها .. تكاد تسقط . تسرع براء للامساك بها ) .
    براء : كدت تسقطين .. اهدئي أرجوك .. الذاكرة لا تحفظ العابر من الأيام ولا تخلد الصغائر منها .. أما هذا اليوم , فيدعونا لأن نستفز كل قوانا ونحضر أرواحنا كي نسجل وقائعه .. هو ليس يوما عابرا . فكوني معي يقظة . افتحي أبواب ذاكرتك وأغلقي نوافذ النسيان .
    الأم : سأفعل
    براء : أنا ابنتك
    الأم : تعنين ......
    براء : أنا ابنتك وأنت أمي وهذه هي الأعجوبة .. كنا معا ملتحمين في جسد واحد . استمد الحياة منك . وأنام واستيقظ وأبكي , كنت مرهونة بك مطمئنة هادئة البال أتغذى السكينة عبر حبلك السري .. يا للروعة . واليوم ونحن منفصلتان تحيطنا الغربة والدهشة وبضع كلمات .
    الأم : ( مع نفسها ) متى التحمنا ، متى انفصلنا ، جسد واحد وروحان معا .. كيف حدث ذلك ؟
    ( صوت صرخة عالية من الزوجة التي تمددت على سرير نومها .. يقترب منها أيان وهي ما زالت تصرخ .. يؤدى المشهد وكأنه في حالة مخاض وخلال ذلك نسمع طرق على الباب ممزوجا مع صراخ الزوجة )
    الزوجة : وأنا لا أعرف كيف حدث ذلك ( الطرق والهمهمات مازالت مستمرة ) ... سوى أنني أحسست بصدري ينقبض ( يدخل ذان مرتديا ملابس عسكرية .. يحمل معه حذاء ( البسطال ) يرميه على الأرض وبنــفس لحــــظة سقوط الحذاء نسمع صراخ طفل ) حينها عرفت الهول الذي يلفني ويمزق روحي .
    براء : انسِ , غلفي شجنك في بالون ودعيه يرتفع إلى الشمس يطرح أدراجا على بساط الضوء , وما تتلقفه السماء ننساه .
    الزوجة : نحن محكومون بالوهم نفسه . ( يختفي ذان وأيان )
    براء : أرجو أن تساعديني ( إلى الأم ) يا أمي
    الأم : ها أنا استمع ولكن لم أنت متوترة ؟
    براء : لا أعرف .. حقا إنني لا أعرف ( إلى الزوجة ) هل أنا متوترة بالفعل ؟
    الزوجة : لا أعرف ( إلى الأم ) هل أنا متوترة؟ ( الأم لا تجيب ) لا تعرف
    الأم : عن أي شيء تتحدثان ؟
    برا ء : (مع نفسها ) سأجن ( إلى الأم بصوت عال ) إنه سيعود . تحيطه الهالة وعلى كفيه جوهرته البراقة التي ستوقظ الميت الحي .
    الأم : ظننتك تقولين شيئا .. ولكن كيف تحولت إلى هنا ؟ أنا لا أتذكر.......
    براء : منذ زمن طويل . وأنت هنا . جسدك تشبع برائحة المكان صرت جزء منه ولم تغيبي سوى بضعة أيام للعلاج في المستشفى .
    الأم : وأنت
    براء : وأنا أيضا منه تكونت ومن رحمك اندفعت باكية من البرد والهول الذي لفني
    الأم : ما جئتم بي إلى هنا إلا لضلالتي وزيادة عتمتي .. كيف لي أن أصدق إنك خرجت من رحمي .
    براء : هي الحقيقة يا أمي
    الأم : يسعدني ذلك
    براء : هذه غايتي لكننا في أمر أهم ، ما يبث الحياة فينا وما يوقد الشموع في طريق مظلم وما يزيح وحشة الليل قادم , أجل إنه قادم ويجب أن تتعرفي عليه .. ولا سبيل إلى ذلك سوى العودة إلى الماضي . به نخز يومنا البائس .. هيا هيا لنبدأ من جديد يا طفلتي العزيزة .
    الأم : هل أنا في كابوس
    براء : دعك من كوابيسك وتعالي معي نمتطي صهوة الجواد ونعبر القارات
    الزوجة : نظف أسنانك نظف روحك
    الأم : إني أسمع صوت قطار . بل صفارة إنذار
    الزوجة : وأنا لا أسمع شيئا . بل أبصر ديدان الأرض تتسلق كل الأشجار
    براء: هذه صورة ( تحمل صورة ) وهذه شجرة ( تشير إلى شجرة داخل الصورة) وهذا عمر وهذه أنا وأنت معا نقتسم الضحكة ونتألق بالفرحة
    الأم : شجرة . عمر . صفارة الإنذار . ديدان تزحف .
    براء : حدقي جيدا في هذه الصورة وخذي منها الملامح عسى أن تقول ما نريد وتتعرفي على الرجل الشاخص فيها
    الأم : (بعد أن تمعن النظر ) أعتقد إنه الدكتور
    الزوجة : لا
    براء : أبي . إنها صورة أبي . زوجك . ذلك المستقرئ الكبير لما حدث
    الزوجة : ( وقد فتحت صندوقا من صناديق غرفتها .. ترفع ورقة وتحركها في الهواء) هذه يجب أن تحترق
    الأم : زوجي أنا ؟ ما جدوى بقائي إذن .. ما أتعسني
    براء : انظري هذه صورة أخرى عندما كان شابا
    الأم : إنه وسيم
    براء : ( مع نفسها ) نفس الإعجاب القديم ( إلى الأم ) وهذه أنت في شبابك
    الأم : كأنني شاهدتها من قبل . تبدو عليها الطيبة
    الزوجة : إنها طيبة بالفعل
    براء : ( بحزن ) كيف لا وأنت الخيمة ، الزمن كله . بل اكتسبت الطيبة منك معانيها . هي أنت البهاء ؟
    الأم : وماذا يعني ذلك ؟
    الزوجة : الكثير .. الخريف . الذبول . الأنين ( إلى الأم ) يعني أنا . أنت . العش الخرب ( تأخذ إحدى الصور ) هذه في ليلة زفافك
    الأم : تشبهني تقريبا
    براء : بادرة خير
    الأم : في أي اتجاه . إني وسط البحر . تلفظني الأمواج حسبما تشاء . دليني على صخرتي
    براء : دعيني أجلب لك الشاي أعددته قبل قليل ( تهم بالخروج ثم تتوقف ) بلا سكر كالعادة . ( لا تحصـل على رد من الأم .. مـع نفسها ) إذاً لأضــع الكثير من السكر هـذه المرة . ) تخرج )
    الأم : ( إلى الزوجة ) هل أنت بلا شاطئ أمان ؟
    الزوجة : أنا مريضة بالانتظار . قتلني الانتظار جعل فكري أحاديا . لا أحسن شيئا سوى أن أنتظر .
    الأم : ماذا تنتـ ........
    الزوجة : ولدك
    الأم : ( مع نفسها ) وأين هو ؟
    الزوجة : في عداد الغائبين
    الأم : هل سيعود
    الزوجة : اليوم
    الأم : أتمنى .......
    الزوجة : هل سيسرك ....
    الأم : ربما ( تكون قد شاهدت صورة براء مع أبيها تتأملها .. تدخل براء فتشاهد الأم وهي تمعن النظر في صورتها )
    براء : (وهي تحمل صينية الشاي ) هل تعرفت عليها
    الأم : أظنك لم تتغيري كثيرا عن هذه الصورة
    براء : ( فرحة .. تضع صينية الشاي ) يعني أنك تعرفت عليّ بالفعل
    الأم : الأمر غاية بالبساطة لأنها تشبهك كثيرا
    براء : تعال نشرب الشاي إذاً
    ( يدخل ذان راكباً دراجة هوائية وإلى جانبه محفظة كبيرة كأنه ساعي بريد .. يتقدم إلى صينية الشاي .. يأخذ منها قدحا .. من الجهة الأخرى يدخل أيان كما دخل ذان .. يوقف دراجته .. يخلع حقيبته )
    أيان : نحن لسنا ضيوفا ثقيلي الظل . ولكننا أحببنا أن نعلق على الأحداث .. فأنا أيان وصاحبي ذان أسماؤنا كما هي ولكن وظائفنا تتغير
    ذان : فتارة ندخل في الحدث ونكون أجزاء منه أو نراقب ما يجري بعين ذئب
    أيان : وأخرى ندخل دون أن يشعر بنا أحد
    ذان : (وقد فرغ من شرب الشاي) هكذا هي الحياة فأنت لا تعرف أين ستشرب الشاي غداً و ربما لم تشربه أبدا ( إلى أيان ) تعال نحسن هيأت العائد . فهم جميعاً متشوقون إلى رؤيته ( يخرج من محفظته ) هذه السترة له . وهذا القميص له
    أيان : ( يخرج من محفظته ) وهذا بنطال له . ولأنه بلا حذاء فهذا الحذاء له .
    ذان : سنلبس العاري ملابسه . عسى أن تتعرف عليه وتضمه إلى صدرها لينام كنوم الطفل الملاك
    أيان : ( إلى ذان ) لنحمل أقداحنا ونرحل
    ( يخرجان وقبل أن يصل ذان الباب الخارجي يتوقف )
    ذان : ولكن كيف تعرفت عليّ بهذه الصورة ولم تركزي على صورتك وأنت معنا ( عند الجملة الأخيرة تشترك براء مع ذان في نفس الحوار )
    الأم : إني خجلة مما يجري . بل أشعر بحيرة .. من أسأل عن كيفية وجودي معكم في هذه الصورة ؟
    الزوجة : شيء حسن , شعري ينسدل على كتفي دون عناء , فقد نسيت كل مستحضرات التجميل . يجب أن لا أتركه مجعدا , أريده هكذا منسابا على كتفي
    براء : لنبدأ من البداية
    الزوجة : فكرة حسنة
    براء : أنت أصبت بمرض اسمه داء التبلد وما علينا إلا أن نلغي كل شيء ونبدأ نتعلم كل شيء من جديد . نأخذ الأشياء وأسمائها لأنها أصبحت هي العالم الذي يمثلك
    الأم : وكيف سيتم .....
    براء : بمساعدتك
    الأم : سأحاول
    الزوجة : ( أثناء الحوار يدخل ذان الذي يحمل كفنا بين يديه . يتبعه أيان الذي يحمل مجرفة وحزمة عُصِيّ .. يدخلان من جهة ويخرجان من الجهة الأخرى ) صرخت كثيرا .. كاد المخاض يقتلني .. كنت أرى الموت في عينيه واأبكيه دما . لقد تساقط كورق الأشجار في الخريف . كان مبتسما ينتظر الموت .. لم يقل إلا كلمة بابا . أحبه وعرف اسمه دون أن يراه . احتضنته الأرض .. رجوت التراب أن لا يضيق عليه صدره. لقد غادر مع الملائكة . شاهدته وهو يطير في السماء بجناحي فراشة. أوصيت أن يبلغ سلامي إلى الغائب ثم غاب إلى الأبد دون أن يعيد الجواب
    براء : اسمي براء . كرري اسمي , اسمي براء
    الزوجة : لا تنسي هذا الاسم , حاولي أن تردديه كثيرا حتى لا يدب الندم إلى روحك
    الأم : بــ ...... راء
    براء : أجل كرريها مرارا
    الأم : بــ ...... راء .. براء
    براء : عندما تنادينني او تطلبين مني شيئا قولي : يا بــــــــراء .. ( برهة ) هل تعلمين كم يبلغ عمرك ؟
    الزوجة : خمسين
    الأم : أظن .....
    الزوجة : عشرين
    الأم : أظن .....
    الزوجة : ألفا
    الأم :أظن .....
    براء : قولي أي رقم ربما تكونين صائبة
    الأم : ستون
    براء : ( وهي فرحه ) أنت رائعة
    الأم : حقا , هل قلت كم يبلغ عمري ؟
    براء : أجل
    الأم : يعني أنني لست متعبة كما تعتقدين
    الزوجة : هذا ما نتمناه
    براء : ( بصوت منخفض ) ستون عاما
    الأم : ( وقد سمعت براء ) هل هذا الرقم كبير ؟
    براء : لا يهم أنت الآن طفلتي ( برهة) يعجبني أن أغير لك ملابسك وأمشط شعرك
    الأم : ( تمانع قليلا مثل الأطفال ) كلا لا أرغب في تغير ملابسي
    الزوجة : دون ممانعة سنفعل ما نراه صحيحا
    الأم : كما تشاءان
    براء : لتخلع هذا القميص ( تتقدم الزوجة وبراء . لتلبسها قميصا آخر ) انظري كم هو جميل عليك
    الزوجة : ( ترتب شعر الأم ) ها أنت صرت أكثر شبابا
    براء : كنت تشدين شعري بقوة ولكنني كنت أجمل صديقاتي بالمدرسة
    الزوجة : ( وهي تمشط شعر الأم ) شعرك خارطة العمر . أن يحكي كل أيامك , وأنت لا تتذكرين
    براء : أمي بماذا ستنادينني لو احتجت مني أي شيء ؟
    الأم : أ ......
    الزوجة : أ ......
    الأم : و......
    الزوجة : و......
    الأم : بـــ .....
    الزوجة : بــ .....
    براء : أرجوك لا تنسي
    الأم : براء تذكرت . اسمك براء
    الزوجة : ( تنظر إلى المرآة ) ماذا ستجد المرآة , إنها أقسى شاهد على الحقيقة . ماذا ستجد والعمر ترك أيامه على وجهي
    براء : ( ترفع قدح الشاي ) هذا اسمه شاي ( تشير إلى دولاب الملابس) وهذا اسمه دولاب . حاولي حفظها جميعا لأنها أصبحت العالم الذي يحيط بك ( تحرك الأم رأسها بالموافقة ) أريد سماع صوتك قولي لي ما اسم هذا (تشير إلى قدح الشاي )
    الأم : ( تحاول التذكر) وووو ......
    براء : شاي
    الأم : ( بحزن) شاي
    براء : وهذا ؟ ( تشير إلى الدولاب )
    الأم : ( تتذكر أيضا ) شاي
    براء : دولاب , قوليها أنت
    الأم : دولاب
    براء : مرة أخرى
    الأم : أجل
    براء : لا تنسي اسمي أبدا
    الأم : براء براء ( مع نفسها ) براء براء براء براء
    الزوجة : يكفي يكفي
    الأم : ( ما زالت مستمرة ) براء براء براء
    الزوجة : كفي عن ذلك أرجوك
    الأم : ( ما زالت مستمرة ) براء براء براء
    الزوجة : ( بصوت عال ) هل تستمرين هكذا ؟
    الأم : ( وقد انخفض صوتها ) براء . براء
    براء : كفى يا أمي ( تحتضنها ) ستتعلمين حتى لو كلف ذالك العمر كله ( تنظر الأم إلى الزوجة ثم إلى براء وكأنها تريد البكاء ) سأجعلك تتذكرين شيئا فشيئاَ
    الزوجة : رغم الصعوبة عليك أن تتعرفي عليه إنه أنت , المصير المــسجل عندنا ( تشير إلى صورة معلقة ) هل تعرفيـــن صاحب هذه الصورة ( الأم تمعن النظر في وجه الزوجة ) ليس وجهي فأنا ذكرى خربة , انظري إليه عسى أن تلهميه جذوة الأيام الهاربة
    براء : ( مع نفسها ) أتمنى أن يشبه الصورة ( إلى الأم ) إنه قادم وهذه صورته , انظري إلى شعره الأسود وبريق عينيه وإلى وجه المبتسم .. إنه مبتسم إليك .
    الأم : ( فرحه ) دعيني أراه ( تقترب من الصورة . تتأملها برهة .. تختفي الابتسامة عن وجها ) ما هذا ؟
    براء : قولي شيئا
    الأم : كأني شاهدته من قبل
    براء : بل بكيت لأجله طويلا
    الأم : أحس بمرارة ذلك .. في هذه اللحظة فقط بدأت روحي تجوب الطرقات والشعاب الشائكة . أوقفي هذا التلاطم أمام عيني
    براء : إنه أخي
    الزوجة : زوجي . سرنا المفقود . صورتنا المشوهة
    الأم : كان عليه أن يكون معنا
    الزوجة : استعدي إذن لمواجهته
    الأم : هل هو مسافر ؟
    براء : بعيد جدا , بلا جواز سفر , ولا هوية , ولا قرار , زاده حزنه ، واسمه رقمه ، ولونه بدلته .. حاسر الرأس فاقد البصيرة
    الزوجة : ها قد مضى عليه العام تلو العام
    برا ء : بسببه زادت شيخوختك وهزال جسدك
    الأم : يا لحزني .. إني لا أذكر الماضي
    براء : لأول مرة أعرف أن لمرضك حسنات . كان عليك أن تنسي ( مع نفسها ) كم هو حزين ذلك اليوم الذي اختفى فيه . كان يوما ممطرا وباردا ولا يلفهم سوى ظلام الليل وصوت الطلقات ( تبكي ) أتمنى أن أصاب مثلك بداء النسيان وأنسى كل عذابات هذا العالم وأجلس في زاوية ( تتكور في عمق المسرح ) صغيرة انتظر مصيري الذي يمر إمامي كالشحاذ يحمـــل كيسا فارغة وأسمال باليــة ) إلى الأم ) هي ذي روحي يا أمي
    الزوجة : بدأنا نقترب
    براء : أعتقد أنه يحبني وما عشت إلا على هذا الأمل
    الزوجة : ثم اكتشفت أنه فقاعة
    براء : ( مع نفسها ) ذات يوم قررت أن أكون مثل الفتيات أعشق وأمرح وأجلس أنا وحبيبي على مسطبة تلفها الأشجار يعاتبني وأعاتبه يمسك بيدي ويضغط عليها
    الزوجة : فقاعة
    براء : ولكن كثيرا ما استدعيته لأن يهمس في أذني كلماته السحرية لكنه أبى , ربما لأنه لم يجد بي الأنثى التي يريد
    الزوجة : كل شيء تحول في داخلي إلى شبح هرم
    براء : ( تبكي ) أودعته قلبي وثقتي العمياء
    الأم : تبكين ؟ يبدو أنك حزينة
    الزوجة : أنا قلقة
    براء : وانأ أيضا
    الزوجة : أنا أنتظر
    براء : وانأ أيضا
    الزوجة : أنا خائفة
    الأم : المكان مرعب
    الزوجة : مهجور
    براء : ( تتدارك الوقف ) ليس هنالك ما يخيف . كل ما في الأمر هو أننا أردنا أن نستفز ذاكرتك ومثلما تعبت في تلقيني رموز الحياة , لابد أن أكون معك أكثر صبرا
    الأم : ولم كل هذا ؟
    براء : لا أعرف
    الزوجة : كي تلتحم الأرض بالسماء وتعيد إنجابها وتكون النجمة المضيء في المدار
    براء : أوَيرضى عني الله ويسكنني فسيح جناته بعد أن ألقيتني في هذا العالم أصارع فيه حتى أنفاسي
    الأم : براء براء براء .. لا اعرف لماذا تتراءى لي جميع الأشياء على أنها براء
    براء : ولكن هذا ليس صحيحا
    الأم : ولا خيار لي باختيار غيره
    الزوجة : أنت محقه
    الأم : يبدو أنني أحببت كل الأشياء لأنها تشبهك
    براء : هذه الأشياء لها أسمائها الخاصة
    الأم : جميعها اسمها براء
    براء : الأسماء ......
    الأم : ( بتوتر ) لا يمكنني أن أفهم ما يحيط بي إلا بهذه الطريقة
    ( تتقدم الزوجة إلى غرفتها )
    براء : ( تقترب من الأم ) اهدئي يا أمي , اهدئي قليلا , سأصدقك , إن جميع الأشياء اسمها براء ( مع نفسها ) حقا وما الضير في أن تكون هذه الأشياء جميعها اسمها براء بدلا من أسمائها الحقيقية . ومن قال إن الأسماء التي حملتها هي الأسماء الحقيقية ؟
    الزوجة : ( تضحك ) ومن يثبت بأننا أحياء وأن هذه اللحظة مستمرة ( يدخل ذان وأيان وهما بزي عسكري , يحملان صندوقا عسكريا يشبه التابوت .. يطوفون به المسرح .. تحتضن الأم براء بقوة .. يفتح باب الصندوق بعد أن يوضع في الوسط .. يتجه ذان إلى الصورة المعلقة .. يأخذها يتجه بها إلى الصندوق )
    ذان : آن الأوان أن تنامي في الذاكرة ( يضع الصورة داخل الصندوق ) تتقدم براء والزوجة إلى الصندوق ويجرانه إلى عمق المسرح بعد أن يربط بحبلين طولين وكأنهما يجران جثة هامدة يتبعهما ذان)
    أيان : لننتظر يوم غد فهو لن يعود هذا اليوم
    ( عند كلمة اليوم يكون ذان قد أغلق بــاب الصندوق محدثا صوتا قويا )


    ل > للروح نوافذ أخرى ... قاسم مطرود


    صفحة: 3/4

    القسم الثاني :


    ( نفس المشهد السابق مع بعض المتغيرات التي تدل على أننا في مساء اليوم التالي ..
    نسمع صوت ذان وأيان خلف الكواليس ) .

    صوت ذان : كان عليك أن تغسلي الصحون هذا اليوم .
    الزوجة : أجل
    صوت أيان : كان عليك أن تغسلي الصحون هذا اليوم
    براء : أجل
    صوت أيان + ذان : كان عليكما أن تغسلا هذا اليوم
    براء + الزوجة : أجل
    ( يدخل ذان وأيان وبصحبتهما ( الأخ ) تدل هيئته على تعب السنين . شعر رأسه أبيض وأسنانه مسودة ومنحني القامة . يرتدي نفس الملابس التي عينت له في القسم الأول ويكون ( ذان ) أعرج متكئا على عكازة وأيان مقطوع اليد اليسرى )
    الأم : كان علينا أن نغسل هذا اليوم
    براء : ( تنهض من مكانها ببط بعد أن تشاهد الأخ وكأنه كسيح .. تبتسم .. بصوت عال ) أجل .
    الزوجة : ( دون أن تتحرك من مكانها وبصوت منخفض ) أجل
    ( يتقدم ذان وأيان وهما يحملان الأخ من كتفيه ويجلسانه على كرسي وكأنه يرمى فيه رميا )
    براء : وأخيرا عدت .
    الزوجة : كنت أرى الموت في عينيه وأبكيه دما . شاهدته وهو يطير في السماء بجناحي فراشة . أوصيته أن يبلغ سلامي للغائب ثم غاب إلى الأبد .
    براء : ( فرحه تتقدم إلى الأم ) انظري إليه إنه عاد . لابد أن تتعرفي عليه
    الزوجة : أنت مقطوع الساق واليد . لم تذكر ذلك في الرسائل . هل كنت تبعث رسائل .. أه نسيت لقد انقطعت رسائلك . ترى هل صادف إنك . لا لا . ولكن كيـف ؟ . هل كنـت تبعث رسائل .. هل كنت موجودا هناك أم هنا . أين كنت ؟
    ذان : أريد أن أنام
    الزوجة : بعد كل هذا النوم نوم ؟
    أيان : ستسمعين صوتي لكنني أبحث معك عن ضحكاتي في الظلمة أو في القاع
    الزوجة : أين يدك؟
    براء : أين ساقك
    الأم : أين أنا ؟
    أيان : ( يهمس ) نحن جميعا في التيه نفسه ؟
    الأم : كيف لي أن أتعرف عليه , وأنا التيه نفسه ؟
    براء : ماذا فعلت حتى أبدلت ساقك بعصا
    أيان : أنت طيبة القلب . لقد فكرت فيك كثيرا
    براء : ( تقترب من الأخ . تمسك رأسه . تلفه بين ذراعيها ) أنت أخي وليس أخي
    ذان : هل تزوجتِ . كنت أتمنى أن يكون طفلك بانتظاري
    الزوجة : بكى كثيرا , سئم الانتظار حتى جف الحليب ومات
    ذان : لا باس
    الزوجة : بأسي عليك
    الأم : أين كنت يا ولدي ؟
    ذان : بعيدا عنكم أفكر فيكم ولكن .....
    براء : هل سمعت إنه يفكر فينا ( إلى الأخ ) هي ذي أمي ما قتلها إلا فراقك وما نخر جسدها إلا أنت
    ذان : أنا
    الزوجة : أجل أنت . لقد تحول بيتنا إلى دار حزن نصبح بالحزن ونتوسد الحزن وننام فيه
    براء : من أجلك يا أخي اتشحنا بالسواد
    أيان : ولكن ....
    براء : عزمت على أن أصوم أسبوعا من كل شهر عسى أن يرضى الله عنك ويزيدك رحمته
    الأم : أنت فتاة نبيلة
    براء : أنت فعلت الكثير من أجله فلولا طبيب المستشفى لما زلت تنامين على الأرض ( إلى الأخ ) منذ اليوم الأول بل اليوم الصاعق حين عرفنا أنك لن تعود ( إلى الأم ) أقسمت على أن لا تنامي على فراش . ولسنين طوال صارت الأرض ببرودتها ورطوبتها فراشك . أنت والأرض التحمت ( إلى الأخ ) حتــى أنـك لن تفرق بين سحنتها والترب ( تبصر وجه الأخ الذي لا يبدي أي تأثر لما تقول ) هل سمعتني ؟
    أيان : ( يهمس ) طبعا طبعا . سمعتك جيدا . قلت أنك افترشت الأرض ( إلى الأم ) كان عليك أن لاتفعلي ذلك وأن تراعي صحتك
    الزوجة : ( تضحك بصوت عــال ) صــحتـك . يا لــك مـن نــائـم (تقترب منــه تمسكه .. تهزه )عليك أن تستيقظ .. هل تسمعني . استيقظ . انتظرتك روحا وهوى وقرص شمس فلا تقف كالليل الصامت ( بصوت عال ) اســتيقظ ( تقترب براء منها وتحاول أن تهدئها )
    براء : إنه ما زال متعبا .. اتركيه قليلا
    الأم : اتركيه ودعيه يرتاح إنه ضيفك
    براء : لم لا تقبلينه أنت , جزء من رحمك . شميه تعرفي على رائحتك
    الأم : لا أشعر بميل تجاهه
    براء : اخفضي صوتك
    الأم : إنها الحقيقة
    ( يشعر الأخ بألم فيضع رأسه بين يديه )
    الأخ : كيف أفسر لهم ما حدث
    أيان : إنني عاجز عن وصف لحظة عذاب واحدة
    ذان : بل صعب أن يصدقوا . وعليه . أدفن أحزاني
    أيان : وأموت بلا كلمات
    ذان : لكن
    أيان : إنني عاجز عن وصف لحظة عذاب واحدة
    ذان : بل صعب أن يصدقوا , وعليه , أدفن أحزاني
    أيان : وأموت بلا كلمات
    ذان : ولكن
    أيان : لابد أن يتعرفوا على الحقيقة وعلى كل العذابات
    ذان : ما ذنبهم يتعذبون معي
    أيان : ولذا , فهم لن يصدقوني
    ذان : لم أكن أتصور أن اللقاء يأخذ هذا الشكل .. طفلي الذي لم أره مات , وزوجتي شبه مجنونة وأمي باردة كالثلج
    الأخ : لا أعرف ما حل بي ( إلى الأم وبهدوء ) أنا جائع يا أمي
    الأم : أنت مريض مثلي ( إلى براء ) أكرمي ضيفك إنه جائع
    براء : ( تقترب منه ) تعال أيها الضيف ( تأخذه إلى مقدمة المسرح ) هل تعرضت إلى ......
    أيان : كان للأكل طعم خاص ونحن ندور على طاولة واحدة
    ذان : أما زالت العصافير تزقزق في باحت الدار كل صباح
    الزوجة : إنه مهموم . الحزن علامته
    ( يتقدم ذان بعكازته بعد أن يضع على وجهه قناع بلا ملامح . يتجه إلى الصندوق الكبير . يفتحه . يخرج منه مكرسكوبا يتجه به إلى الجمهور . يتعثر . تسقط عكازته . تأخذها براء وتعيدها إلى أيان . يوجه ذان المكرسكوب إلى الأخ ثم إلى الأم ثم إلى براء وأخيرا إلى الزوجة )
    ذان : لا شيء ( يوجــه المكرسكوب إلـى الجمهور ) لا شيء ( يوجه المكرسكوب إلى السماء ) لاشـــيء ( بهدوء ) لاشيء
    براء : ( إلى الأخ ) لم لا تتفحص المكان , هل تتذكر ما كتبته لي في رسالتك الأولى قلت : لا ينقصك شيء سوى نحن ورائحة المكان ها أنت فيه تلمس جدرانه . ابك على أبوابه
    الأم : كأني لم أدخل إلى هنا من قبل
    أيان : صحيح
    الزوجة : ما الذي حدث
    ذان : أه ... لا يكمن حصر الإجابة يا زوجتي
    الزوجة : ( ترقص بسخرية ) وأخير تعرف عليّ . نطقها ، قال : يا زوجتي ( إلى الأم ) هل سمعتِ .. إنني ما زلت في ذاكرته
    ذان : ومن قال إنني نسيت .....
    الزوجة : ( تذهب إلى الصندوق ) كل شيء فيك ميت , شكلك , روحك , ذكرياتك , لم يبق منك سوى الاسم
    براء : تمالك أعصابك
    الزوجة : ( تحتضن الصندوق الذي على هيئة تابوت ) دعيني أبكي لأغسل دكة القرابين , وأقص شعري الذي حناؤه دم , وأنوح عليه , أودعه ( يجلس ذان وأيان وكأنهما يؤديان صلاة الميت , يبقى الأخ وحده في وسط المسرح . تقترب براء منه ثم تذهب إلى الزوجة . تضع شالا أسود على رأسها ) " دلل لول يالولد يابني .. دلل لول " ( تتحول الكلمات إلى همهمات وعلى نفس الإيقاع من قبل ذان وأيان بحيث تؤدى بشكل محزن مما يؤثر على الأخ ويجعله يبكي .. تتقدم الأم إليه وكأنها خائفة من خطواتها )
    الأم : يعلم الله أني أحببتكم ( تحتضن رأسه , يحاول الأخ الإمساك بيدها وتقبيلها ) وإن كنت حقا ولدي فهذا حسن لأن الله أحبني ولم يرد أن يفجعني بعودتك ( خلال هذا الحوار مازالت الزوجة وذان وأيان مستمرين في همهماتهم )
    براء : احتضنيه يا أمي ( إلى الأخ ) انهض وقف على رجليك وقبل يدها ( تمسك يد الأم ) انظر إلى هذه اليد التي ترتعش . كانت وسادتك وبلسم جروحك ( ينهـض الأخ ببطء. يتوقـــف . تحاول براء ضمهما ) هيــا .. هيـــا يا أمي ( تحتضن الأم الأخ ببرود وكأنها مجبرة على حركتها ) يا وحشتي لقد تعطل كل شيء
    ذان : لا شيء . لا شيء
    ( تندفع الزوجة إلى غرفتها مسرعة )
    أيان : لا تتسرعي
    الزوجة : ( وهي تلملم ملابسها وبعض حاجياتها ) لا شيء
    ذان : انتظري قليلا
    الزوجة : لا شيء
    أيان : قد نألف بعضا
    الزوجة : لا شيء
    الأخ : ( بهدوء) أنا لا أستطيع فعل شيء
    الزوجة : أعرف ذلك ( تقترب من زوجها وبيدها ملابسها ) انتظرتك نصف عمري عسى أن أربحك وها أنت القضية الخاسرة ( تتجه إلى الخارج .. تتوقف ) سأتركك وابحث عن نفسي
    براء : أين ؟
    الزوجة : في الطرقات ( تخرج )
    ( فترة صمت )
    الأخ : ( يأخذ العكازة من أيان ) هذه ساقي
    الأم : أعرف
    الأخ : ساقي في التراب . ابتلعته الأرض , كنت أحلم فيها وهي تطير في السماء . ساقي تطير في السماء . تخيلي المشهد إنه مخيف . تطاردني وتعـاتبني لأنني تنازلت عنها , ولكن ما كان بمقدوري , تصوري لحظتها طرت وإياها ونحن نسبح انفصلنا عن بعضنا , المحزن أنني لم أشاهدها جيدا بفعل التراب والحصى المتطاير والصوت المدمر
    الأم : ( تشير إلى العكازة ) هذه ساقك ؟
    الأخ : أعتقد ذلك
    براء : ترى هل تستطيعان أن تعودا إلى الحياة ؟
    الأخ : نحن فيها . أجزاء منها
    براء : أبدا .. بل خارج مسار الحياة
    الأم : أمس كنت أكثر تفاؤلا ، واليوم أنت ....
    براء : كيف للتفاؤل أن ينمو وسط هذا الهول
    الأم : إنني بالكاد استطعت التطبع معكم
    براء : بدأت قواي تخونني وبصيص الأمل يختفي . كنت أعتقد بأنك تستطيع أن تعيد الحياة بعودتك .. تعيد إلى أمي ذاكرتها ولزوجتك ضوءها المنطفئ ولي النبض والدفء والحنان . ولكن كل هذه الأماني انسابت كما الماء من أعلى القمم ، وكل ما كان في القمة صار في السفح
    الأم : اعذريني يا بنيتي . صعب علي تقبل ما تريدينه , وكيف لي أن أتصور أنك ابنتي , وهذا الرجل ولدي وهذا البيت بيتي . وإن قبلت الفكرة فلا أستطيع أن أحس بكما مثل أبنائي لأنني ما زلت أعيش الغربة هنا
    براء : الغربة
    الأخ : لا أعرف لماذا تبلدت عواطفي ( خلال هذا الحوار تتجه براء إلى دولاب الملابس .. تخرج منه حقيبة فارغة .. تتقدم إلى مقدمة خشبة المسرح ) كنت أتحرق شوقا في الأيام الأولى إلى رؤيتكم حتى كنت أدفن رأسي تحت الوسادة وأجهش بالبكاء والغربة تلفني وعلى مر السنين لم أعد أألف نفسي لأنها تختلف عني .
    براء : انتظرتكما كما الزرع ينتظر الماء . تيبست روحي . تشققت عاث بها الزمن .. إني لا أستطيع الاستمرار مع الموت . سأترككما وأجر معي انكساري وحزمة الضوء التي انطفأت ( تهم بالخروج .. يتقدم أيان يحمل الحقيبة ثم يتقدم ذان إلى براء لتتكئ عليه وقبل لن يخرجوا من المسرح ) أحبكما ولكن .......
    ( تخرج .. فترة صمت .. صوت صافرة إنذار يملا خشبة المسرح والقاعة )


    - تمت -


    ل > للروح نوافذ أخرى ... قاسم مطرود


    صفحة: 4/4


    قاسم مطرود

    · من مواليد 1961 / العراق .
    · ناقد وكاتب مسرحي .
    · دبلوم إخراج مسرحي من معهد الفنون الجميلة / بغداد .
    · بكالوريوس إخراج مسرحي من أكاديمية الفنون الجميلة / بغداد .
    · صدرت له مسرحية ( للروح نوافذ أخرى ) 1997 .
    · صدرت له مسرحية ( رثاء الفجر ) 1998 .
    · حائز على جائزة أفضل نص مونودراما عن مسرحية ( الحاوية ) .
    · أخرج مسرحية الاستثناء والقاعدة لبرتولد برشت .
    · كتب وأخرج مسرحية (مهرجان الدمى في سوق هرج ) .
    · كرم من قبل المركز العراقي للمسرح على جهوده في النقد المسرحي .
    · كتب العديد من الدراسات والمقالات عن المسرح في الصحف والمجلات العراقية والعربية .
    · من مؤسسي رابطة نقاد المسرح .
    · قدم له أكثر من نص مسرحي على مختلف المسارح / بغداد / عمان/ روتردام .
    · يقيم حاليا في هولندا .

    [email protected]


يعمل...
X