إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحب والعلاقة بين الذكر والأنثى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحب والعلاقة بين الذكر والأنثى



    الحب والعلاقة بين الذكر والأنثى


    الحب هو المحور الرئيس الذي تدور حوله الفنون والآداب جميعاً ، هذا إذا لم تخدعنا الموضوعات الجزئية التي لا تزيد عن أن تكون أعراضاً للحب ، تومئ إليه بصورة مباشرة أو من وراء حجاب . ومنذ البداية ، ودون مقدمات ، أجرؤ على القول :

    إن الحب ، بتجلياته المختلفة ، يرتد في النهاية إلى العلاقة بين الذكر والأنثى ، دون أن يعني ذلك المماهاة بين الحب والغريزة الجنسية بطبيعة الحال . أما إن زعم زاعم بأن الرغبة الجنسية شرط لازم لقيام هذه العلاقة ، فإنني أقبل منه هذا الزعم ولكنني أدّعي بأن الرغبة الجنسية ليست الشرط الكافي لقيام علاقة الحب التي أتحدث عنها . والدليل على أن الحب يرتد في نهاية المطاف إلى العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى يتمثل في أساليب التعبير عن أنماط الحب المختلفة ، فهي تومئ جميعاً إلى تلك العلاقة الحميمة ، بغض النظر عما يقال لنا عن ضرورة توجيه القراءة في بعض الحالات ، والارتقاء بها من المستوى الحسي إلى مستويات عليا وسامية من التجريد ، كما يُطْلَبُ منا عادة عند قراءة الشعر الصوفي مثلاً ( سواء أتحدّثَ الشاعر الصوفي عن الحب والعشق أم عن الخمر والصحو والسكر ) .

    والحب ظاهرة إنسانية مركبة ومعقدة ، ومن المستحيل تقديم تعريف جامع مانع لها ، كتلك التعريفات التي يطالب بها الباحثون المدققون ؛ فالحب “ دقّت معانيه لجلالتها ، على أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا في المعاناة “ حسب ابن حزم في كتاب طوق الحمامة . فالحب يُعَاشُ ولا يُعَرَّف . وقد يكون من المفاجئ أن أقول : إن العلاقة بين المحبّ والمحبوب تقوم على النرجسية والأنانيّة والاستحواذ وليس على الغيرية والتضحية والفداء
    ( ويا للمفارقة التي يجد بعضهم صعوبة في قبولها ) ، فكل طرف في هذه العلاقة يحاول أن يمتلك الآخر ، وأن يدمجه في ذاته ، لا أن يندمج معه في كلّ جديد ، إلى الدرجة التي يستطيع أن يقول كلٌ منهما للآخر : يا أنا ، أو أن يقول صادقاً :
    (يا روحي حسب التعبير الشائع على الألسنة ) .

    مرة أخرى أرجو من القارئ ألا يظن بأنني أهبط بعلاقة الحب بين الذكر والأنثى إلى مستوى إشباع الرغبة والغريزة ، ذلك أن هذه الرغبة يمكن إطفاؤها مع أي شخص من الجنس الآخر ، في حين أن الحب لا يتوجه إلاّ إلى شخص محدد بعينه ، بعد أن يتم اصطفاؤه ، بوعي أو دون وعي ، ليغدو وكأنه الوحيد الذي خُلِقَ من أجل هذه العلاقة .

    وعندما تكون العواطف متبادلة ، والحب من الطرفين ، يشعر العاشقان بأنهما ما خلقا إلاّ لهذه العلاقة بالذات ، وأن اسم كل منهما مكتوب على جبين الآخر ( كما تقول العامة ) ، وأن مفردات الوجود الأخرى ليست أكثر من خلفيّة لعلاقتهما ، بل إن عشق أحدهما للآخر يمنحه مناعة ضد الانزلاق لإقامة علاقات عابرة مع الآخرين ، لأنه لن يحصل على المتعة والغبطة والرضا عن الذات إلا مع عشيقه وحبيبه .

    من حق القارئ أن يتساءل قائلاً : أليس قولك بأن الحب يرتد في النهاية إلى العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى يضمر فكرة تقول : إن الحب الحقيقي لابد أن يعرف تلك العلاقة وإن لم يكتف بها ؟ وأقول نعم ، إنه يمرّ بها ( ولو بالتوهّم والتخيّل ) ، ولكنه لابد أن يتجاوزها إلى آفاق لا يستطيع أحد من العاشقين أن يعبّر عنها أو أن يصفها ، وما لم يصل العاشق إلى هذه الدرجة من العيّ والفهاهة والارتباك والعجز والذهول فلا ينبغي له أن يدّعي الحب ؛ أما من يستطيع أن يصف حبه بكلمات منمّقة ومرتّبة فلا يعدو أن يكون عاشقاً مزيّفاً ، شأن معظم الشعراء ، الذين تصلح كلماتهم للاستعارة من قبل العاشقين المزيّفين أمثالهم . ونجد مثل ذلك في الكتب المتداولة في المكتبات الشعبية من طراز ( رسائل العشاق ) ، التي يستنجد بها وبأمثالها العشاق المزيّفون في تدبيج رسائل الحب والهيام إلى الجنس الآخر . ومصدر العيّ والارتباك أن الحب لا يقوم على مقدمات يلزم عنها نتائج منطقية ، ومن هنا يمكن أن نفهم عبارة : الحب أعمى ، التي نطلقها في كل مرة نعجز فيها عن تفسير العلاقة بين عاشقيْن ، ذلك أننا ننظر إليها بعيوننا نحن لا بعينيْهما ، ولسان حال الواحد منهما يقول لصاحبه : إنّي أحبّكَِ حبّاً ليس يبلغُهُ فَهْمٌ ولا ينتهي وصفٌ إلى صِِفَتِِهْ أقصى نهاية علمي فيه معرفتي بالعجز مني ، عن إدراك معرفتهِ .

    وأحد أسباب العجز عن تفسير علاقة الحب بين العاشقين أنها لا تقوم على أسباب يمكن فهمها ، كما سبق وذكرت ، ولاسيما ما يتعلق بالتناسب المنطقي (المفترض ) مع محاسن المحبوب ومفاتنه وفضائله ... إذ لا يرى المحب في محبوبه إلاّ الروعة والجمال والكمال ، يقول الجاحظ : “ ذلك أن العاشق كثيراً ما يعشق غيرَ النهاية في الجمال ، ولا الغاية في الكمال ، ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة . ثم إذا سئل عن حجته في ذلك لم تقم له حجة ... “ ؛ والمشاهدة ترينا ما يؤيد ذلك أكبر تأييد .

    فالجمال الجسدي ليس شرطاً في علاقة الحب كما قد يتبادر للذهن لأول وهلة . نعم قد يكون في الجمال المحسوس ما يلفت النظر ، وما تتزيّن به المجالس والمنتديات ، لكنه لا يرتقي لأن (يكون موضوعا ًوسبباً ) للحب والعشق ، بالمعنى العميق والكلي لكلمة العشق ؛ ذلك أن الاستمتاع بالجمال ، وتذوق الأشياء الجميلة غير الحب الذي مازلت أتحدث عنه منذ بداية هذه الزاوية ، إذ يستحوذ المحبوب صفات أخرى لا يدركها ( ولا يراها ) إلا العاشق ، يقول ابن حزم : “ ولو كان علة الحب حُسْن الصورة الجسدية لوجب ألاّ يُسْتَحْسن الأنقص في الصورة .... ونحن نجد كثيراً ممن يُؤْثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيداً لقلبه عنه .... “ . ما قلته إلى الآن ينطبق على طرفي العلاقة (الذكر والأنثى ) ، أما حرمان المرأة من المبادرة المضبوطة بضوابط الشرائع والآداب في هذه العلاقة فهي من نتائج الإكراهات الاجتماعية ، التي تختلف من مجتمع إلى آخر ، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى ، ولا يعود إلى طبيعة المرأة وتكوينها .

    انتهى

    عيناكِ شاهدتان أنّكِ
    من حَرّ الهوى
    تجدينَ ما أجدُ بكِ ما بنا
    لكنْ على مضضٍ تتجلّدينَ ، وما بنا جَلَدُ‏
    .

  • #2
    الحب والعلاقة بين الذكر والأنثى



    الحب والعلاقة بين الذكر والأنثى


    الحب هو المحور الرئيس الذي تدور حوله الفنون والآداب جميعاً ، هذا إذا لم تخدعنا الموضوعات الجزئية التي لا تزيد عن أن تكون أعراضاً للحب ، تومئ إليه بصورة مباشرة أو من وراء حجاب . ومنذ البداية ، ودون مقدمات ، أجرؤ على القول :

    إن الحب ، بتجلياته المختلفة ، يرتد في النهاية إلى العلاقة بين الذكر والأنثى ، دون أن يعني ذلك المماهاة بين الحب والغريزة الجنسية بطبيعة الحال . أما إن زعم زاعم بأن الرغبة الجنسية شرط لازم لقيام هذه العلاقة ، فإنني أقبل منه هذا الزعم ولكنني أدّعي بأن الرغبة الجنسية ليست الشرط الكافي لقيام علاقة الحب التي أتحدث عنها . والدليل على أن الحب يرتد في نهاية المطاف إلى العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى يتمثل في أساليب التعبير عن أنماط الحب المختلفة ، فهي تومئ جميعاً إلى تلك العلاقة الحميمة ، بغض النظر عما يقال لنا عن ضرورة توجيه القراءة في بعض الحالات ، والارتقاء بها من المستوى الحسي إلى مستويات عليا وسامية من التجريد ، كما يُطْلَبُ منا عادة عند قراءة الشعر الصوفي مثلاً ( سواء أتحدّثَ الشاعر الصوفي عن الحب والعشق أم عن الخمر والصحو والسكر ) .

    والحب ظاهرة إنسانية مركبة ومعقدة ، ومن المستحيل تقديم تعريف جامع مانع لها ، كتلك التعريفات التي يطالب بها الباحثون المدققون ؛ فالحب “ دقّت معانيه لجلالتها ، على أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا في المعاناة “ حسب ابن حزم في كتاب طوق الحمامة . فالحب يُعَاشُ ولا يُعَرَّف . وقد يكون من المفاجئ أن أقول : إن العلاقة بين المحبّ والمحبوب تقوم على النرجسية والأنانيّة والاستحواذ وليس على الغيرية والتضحية والفداء
    ( ويا للمفارقة التي يجد بعضهم صعوبة في قبولها ) ، فكل طرف في هذه العلاقة يحاول أن يمتلك الآخر ، وأن يدمجه في ذاته ، لا أن يندمج معه في كلّ جديد ، إلى الدرجة التي يستطيع أن يقول كلٌ منهما للآخر : يا أنا ، أو أن يقول صادقاً :
    (يا روحي حسب التعبير الشائع على الألسنة ) .

    مرة أخرى أرجو من القارئ ألا يظن بأنني أهبط بعلاقة الحب بين الذكر والأنثى إلى مستوى إشباع الرغبة والغريزة ، ذلك أن هذه الرغبة يمكن إطفاؤها مع أي شخص من الجنس الآخر ، في حين أن الحب لا يتوجه إلاّ إلى شخص محدد بعينه ، بعد أن يتم اصطفاؤه ، بوعي أو دون وعي ، ليغدو وكأنه الوحيد الذي خُلِقَ من أجل هذه العلاقة .

    وعندما تكون العواطف متبادلة ، والحب من الطرفين ، يشعر العاشقان بأنهما ما خلقا إلاّ لهذه العلاقة بالذات ، وأن اسم كل منهما مكتوب على جبين الآخر ( كما تقول العامة ) ، وأن مفردات الوجود الأخرى ليست أكثر من خلفيّة لعلاقتهما ، بل إن عشق أحدهما للآخر يمنحه مناعة ضد الانزلاق لإقامة علاقات عابرة مع الآخرين ، لأنه لن يحصل على المتعة والغبطة والرضا عن الذات إلا مع عشيقه وحبيبه .

    من حق القارئ أن يتساءل قائلاً : أليس قولك بأن الحب يرتد في النهاية إلى العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى يضمر فكرة تقول : إن الحب الحقيقي لابد أن يعرف تلك العلاقة وإن لم يكتف بها ؟ وأقول نعم ، إنه يمرّ بها ( ولو بالتوهّم والتخيّل ) ، ولكنه لابد أن يتجاوزها إلى آفاق لا يستطيع أحد من العاشقين أن يعبّر عنها أو أن يصفها ، وما لم يصل العاشق إلى هذه الدرجة من العيّ والفهاهة والارتباك والعجز والذهول فلا ينبغي له أن يدّعي الحب ؛ أما من يستطيع أن يصف حبه بكلمات منمّقة ومرتّبة فلا يعدو أن يكون عاشقاً مزيّفاً ، شأن معظم الشعراء ، الذين تصلح كلماتهم للاستعارة من قبل العاشقين المزيّفين أمثالهم . ونجد مثل ذلك في الكتب المتداولة في المكتبات الشعبية من طراز ( رسائل العشاق ) ، التي يستنجد بها وبأمثالها العشاق المزيّفون في تدبيج رسائل الحب والهيام إلى الجنس الآخر . ومصدر العيّ والارتباك أن الحب لا يقوم على مقدمات يلزم عنها نتائج منطقية ، ومن هنا يمكن أن نفهم عبارة : الحب أعمى ، التي نطلقها في كل مرة نعجز فيها عن تفسير العلاقة بين عاشقيْن ، ذلك أننا ننظر إليها بعيوننا نحن لا بعينيْهما ، ولسان حال الواحد منهما يقول لصاحبه : إنّي أحبّكَِ حبّاً ليس يبلغُهُ فَهْمٌ ولا ينتهي وصفٌ إلى صِِفَتِِهْ أقصى نهاية علمي فيه معرفتي بالعجز مني ، عن إدراك معرفتهِ .

    وأحد أسباب العجز عن تفسير علاقة الحب بين العاشقين أنها لا تقوم على أسباب يمكن فهمها ، كما سبق وذكرت ، ولاسيما ما يتعلق بالتناسب المنطقي (المفترض ) مع محاسن المحبوب ومفاتنه وفضائله ... إذ لا يرى المحب في محبوبه إلاّ الروعة والجمال والكمال ، يقول الجاحظ : “ ذلك أن العاشق كثيراً ما يعشق غيرَ النهاية في الجمال ، ولا الغاية في الكمال ، ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة . ثم إذا سئل عن حجته في ذلك لم تقم له حجة ... “ ؛ والمشاهدة ترينا ما يؤيد ذلك أكبر تأييد .

    فالجمال الجسدي ليس شرطاً في علاقة الحب كما قد يتبادر للذهن لأول وهلة . نعم قد يكون في الجمال المحسوس ما يلفت النظر ، وما تتزيّن به المجالس والمنتديات ، لكنه لا يرتقي لأن (يكون موضوعا ًوسبباً ) للحب والعشق ، بالمعنى العميق والكلي لكلمة العشق ؛ ذلك أن الاستمتاع بالجمال ، وتذوق الأشياء الجميلة غير الحب الذي مازلت أتحدث عنه منذ بداية هذه الزاوية ، إذ يستحوذ المحبوب صفات أخرى لا يدركها ( ولا يراها ) إلا العاشق ، يقول ابن حزم : “ ولو كان علة الحب حُسْن الصورة الجسدية لوجب ألاّ يُسْتَحْسن الأنقص في الصورة .... ونحن نجد كثيراً ممن يُؤْثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيداً لقلبه عنه .... “ . ما قلته إلى الآن ينطبق على طرفي العلاقة (الذكر والأنثى ) ، أما حرمان المرأة من المبادرة المضبوطة بضوابط الشرائع والآداب في هذه العلاقة فهي من نتائج الإكراهات الاجتماعية ، التي تختلف من مجتمع إلى آخر ، ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى ، ولا يعود إلى طبيعة المرأة وتكوينها .

    انتهى

    عيناكِ شاهدتان أنّكِ
    من حَرّ الهوى
    تجدينَ ما أجدُ بكِ ما بنا
    لكنْ على مضضٍ تتجلّدينَ ، وما بنا جَلَدُ‏
    .

    تعليق

    يعمل...
    X