إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاصالة والمعاصرة في رواية حدث ابو هريرة قال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاصالة والمعاصرة في رواية حدث ابو هريرة قال

    1) البناء الخارجي بين الأصالة والمعاصرة:
    أورد خالد الغريبي في مصنّفه " جدليّة الأصالة والمعاصرة في أدب المسعدي " ص93 أنّ نصّ "حدّث أبو هريرة قال " ألّف قبل جوان1940،وقد صدر عن الدّار التّونسية للنّشر كاملا(22حديثا) عام 1973أوّل مرّة وعن دار الجنوب للنشر سنة1979 حلّته مقدّمة الأستاذ توفيق بكّار.
    ويتنزّل هذا الأثر ضمن محور الرّواية العربية . وتستدعي هذه الإشارة أن ننطلق من تحديد مفهوم الرّواية باعتبارها جنسا أدبيّا.على أنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن ،إذ التحديدات متنوّعة لكنّ أكثرها وضوحا ما سال من قلم"لوكاتش" الذي يرى الرّواية بحثا مختلاّ يخوضه بطل ممسوس يحمل في ذهنه قيما ورغبات وتصوّرات تتنافر مع السّائد .ومن ثمّ ،فالنّصّ الروائي إخبار عن مسيرة بطل لها أطر تستوعب أحداثها، وفواعل أوشخوص تسهم في مساعدة البطل أو عرقلته .
    وفضلا عن هذا وذاك ،فهي حكاية ذات مغزي إليه يرنو المبدع.ولمّا عدّ نصّ"حدّث أبوهريرة قال" رواية فهو مستجيب بالضّرورة للأبعاد المتقدّم ذكرها .إنّ تلك إشارات يمكن أن تتّّخذ بيّنات على عمق اتصال الأثر بأشكال التعبير الحديثة وذاك جانب المعاصرة في نصّ المسعدي.
    لكنّ متصفح" حدّث أبو هريرة قال" يمكنه أن يجدها سلسلة من الأخبار تناقلها الرّواة بعد أن قضى البطل ،وهي تتضمّن ما صمد من أفعاله وأفلت من دائرة الفناء. ونصّ المسعدي عندئذ له مزية جمع تلك الأخبار ولصاحبه فضل التدوين.إنّ اتّخاذ الخبر نواة لبناء صرح الرّواية يرتدّ بنا إلى ثقافة ضاربة في القدم ،الثقافة العربية عندما كانت قائمة على المشافهة والمعارف تتناقلها الألسن .والخبر بنية سردية تنحدر إلينا من الموروث فهو الشكل الذي وردت عليه أقوال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وسيرته وأيام العرب وهو الوعاء الذي سكب فيه الجاحظ نوادره والهمذاني مقاماته،وإجمالا فإنّ بنية نواة الرّواية رباط متين يشدها إلى ذاك الزمن العبق الغابر.
    وإن تخطينا المسح الخطّي لكامل الأثر ونظرنا في بنية الخبر الواحد فإنّ ما يسترعي انتباهنا ظاهرة التصدير ،إذ كثيرا ما مهّد المبدع للخبر بمقولات بعضها مقدّس كالآيات القرآنيّة وبعضها إبداعي فسمعنا أصوات أبي العتاهيّة والتّوحيدي والغزالي . تجتمع تلك المقولات على اختلافها في الارتداد بالنصّ إلى فضاء تالد وجذور أصيلة ،وليس النص القرآني ومقولات المفكّرين العرب إلاّ الأسس التي نهضت عليها الحضارة العربية في عصرها الذهبي.
    على أنّ الأصوات التي علت في فاتحة الأحاديث لم تكن لتقتصر على الفضاء الثّقافي الموروث بل تخطته لتنبعث من لحظة راهنة وثقافة معاصرة اتسعت لتشمل مقولات "ابسن".. وما ذاك التصدير إلاّ حجّة على قطب معاصر ينازع قطب الأصالة.إنّ بناء الأثر أو بناء الخبر الواحد ساحة تدافع الحاضر والماضي والموروث والوافد.
    2البطل بين الأصالة والمعاصرة:
    توفّر شخصية البطل لمستهلك النصّ متعة الارتحال بين زمنيين ولذ’ الارتحال بين ثقافتين، فبعض ما في الشخصيّة -اسمها- يحيي أشهر رواة أحاديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ويستدعي أحد النّحاة ، على أنّ المنصت إلى ما سال على لسان أبي هريرة من أقوال وما صدر عنه من أفعال يكشف انتماءه إلى لحظة ثقافية راهنة إذ أنّ مسيرته تعكس رؤية للوجود منبعها الفلسفة الوجودية. فبطلنا جذر قدمه الأولى في الماضي وغرسها في ذاك الموروث الشرقي ووضع قدمه الثّانية في الحاضر لتستوعب ما أنتجه الفكر الإنساني. أبو هريرة بين الدّائرتين متراوح بعضه أصيل منحدر من الماضي وبعضه معاصر انبثق من الحاضر وكان البطل تأليفا بينهما ومستودع أليه انتهى الرافدان .
    ولم تفلت مسيرته من فلك تلك الثّنائية فكان بعض منها سيرا على منوال الوجوديين في سعيهم إلى ملء الذات ونحت الكيان ونعني بذلك تجربة الحسّ والجماعة والرّوح ،وكان البعض الأخر إتباعا لرؤية المتصّوّفة وإنصاتهم إلى الصمت غاية إدراك معنى الوجود الحقّ وسرّ الحياة الأصيل ليطلّق المحدودية وينفتح على الخلود وينتصر على الموت وذاك ما تحتضنه تجربة الحكمة في نهض جوانبها .ولعلّ حديث البعث الآخر يدعّم ما ذهبنا إليه فقد حققّ البطل رغبة أفصح عنها في بداية الرّواية:لقد وقف بطلنا على قمّة جبل سرعان ما طلّقه وطار ، تلك لحظة الحلول بالمطلق و الفناء فيه وهي مطلب كلّ متصوّف.
    3)الأزمنة والأمكنة بين الأصالة والمعاصرة:
    إنّ زمن الأحداث في رواية المسعدي يبعث في ذهن القارئ عصر النّاقة والقافلة والإغارة والصّعلكة والسّبي ويمتدّ ليشمل فجر الاسلام، وكانت الأمكنة- مكّة بمساجدها وصحرائها ..-فضاءات تومئ إلى شبه الجزيرة العربية في لحظة تاريخية غابرة . على أنّ ما انتجته شخصية البطل من خطاب يجعل ملامح الماضي مشربة بالحاضر والأصيل بناكب المعاصر. فيجد القارئ نفسه في حيرة منبعها عجز عن تنزيل أزمنة الحدث الرّوائي وأمكنته في حدود واضحة. ويقرّ الغريبي في دراسته بإفلات أطر الرّواية من قبضة الماضي وسلطان الحاضر.فهي مجال أخر من مجالات من تدافع الأصيل والمعاصر.
    4)تقنيات السرد بين الأصالة والمعاصرة:
    عرض المسعدي أحداث مغامرة بطله على نحو يظهر امتلاكه لتقنيات سرد متنوعة فكان التتابع والتضمين والتقاطع:
    - التّتابع:وهو السرد الخطي ،قوامه عرض الأحداث وفق منطق التعاقب وكان التتابع منطق نظم وقائع حديث "البعث الآخر" فقد تمّ عرضها متدرّجة نامية وتكشف بعض القرائن التعاقب من ذلك" ولمّا كان من الغد...مضت ساعة...ثمّ"
    - التّضمين: وهو إسناد قصّة في قصّة بالاستناد إلى الومضة الورائية أو التذكّر لإدراج حدث ماض له ما يشابهه في الحاضر، فأبو هريرة في حديث الحقّ والباطل ينسلّ من لحظة راهنة ليسترجع ذكرى موت أخته.
    - التقاطع: وهو ضرب من التداخل بين أزمنة النصّ ويتجلّى هذا النوع من القصّ في "حديث القيامة" حيث لعب المبدع بالأزمنة لعبا مغريا. كانت بداية الحديث رغبة أبي هريرة شراء شموع من أبي المدائن لإحياء حفل وتلتقي الجماعة ليلا بضيعة البطل وينطلق الغناء... ثمّ تغيم السماء وينتشر الفزع فيأخذ أبو هريرة ريحانة خلفه وينطلق بها .. عندها يسرد أبو المدائن حدثا ماضيا – إحراق البطل منزله وموت زوجته وسرعان ما يتلقّف أبو هريرة السرد ليغدو منطلقه وأبو المدائن منتهاه.
    يبدو التتابع و التضمين من تقنيات السرد الموروثة ونجد لهما حضورا في أشكال السّرد القديمة "الحكاية المثليّة، رسالة الغفران " في حين نرى التّقاطع أو تداخل الأزمنة من أنواع السرد المعاصر .ومن ثمّ فتقنيات السّرد تعمّق مبدأ النزاع بين الأصيل والمعاصر .
    • إنّ العلاقة بين الأصالة والمعاصر في رواية المسعدي لا تقوم على التجاور أو التعاقب بل هي مشيّدة على جدل وتدافع.
    • يمكن أن نجد مبررات لهذه الثنائية ونستطيع أن نحدّد لها غايات ، قد يعود حضور الموروث والمعاصر في الرّواية إلى ثقافة المبدع ذات الرّوافد المتعددة ،فترجمة المسعدي تظهر انتقاله بين مؤسسات تعليمية تقليدية تنحدر من زمن سحيق – الكتّاب – وأخرى حديثة أنشأها الآخر القويّ. أمّا دلالات الحضور فإنّها لن تخرج عن التأصيل والتجذير للرّواية كجنس وافد والانفتاح على التجربة الانسانية .
    • إنّ ما قدّم بداية تستدعي مزيدا من التعميق والتّوسّع والتدعيم بشواهد دقيقة من الأثر وهي استجابة سريعة لما اقترحت.
    وطني علمني ان حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء
    وطني علمني ان التاريخ البشري بدون حب عويل ونكاح في الصحراءhttp://www.wahitalibdaa.com/image.ph...ine=1272034613
يعمل...
X