إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشعر المعاصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشعر المعاصر




    الشعر المعاصر

    منقول

    بين الموهبة والصنعة..! لا أعجب من شيء عجبي ممن يتهرب من مستلزمات الفن ومتطلباته ، كأنّه يروم الإبداع دون جهد ، ودون تحصيل الأدوات ، ودون امتلاك القواعد والأصول المتعارف عليها ....ناسياً أنّ الفن ، في جانب هام منه ، تقنية وصنعة واكتساب وكفايات ومهارات ...يتم امتلاكها عن طريق الممارسة والمعاناة . دون أن يفهم أحد من كلامي أنني أسقط الموهبة والاستعداد ، لأنّ التدريب والاكتساب والممارسة قد ينتج صانعاً وحرفياً ولكنّه لنْ يخلق فناناً مبدعاً ، فالموهبة أو الاستعداد بمقام الشاشة التي تتألق صورتها وتتوضح عبر عملية التوليف اللازمة والمناسبة .... أعني عبر عملية الاكتساب والاجتهاد وتحصيل الثقافة الضرورية .ومنذ القديم أدرك الشعراء ، والشعر جنس من الفن ،(أن الشعر مركب صعب ( وطويل سلمه ، وأنّ الموهبة وحدها سرعان ما تستنفد أغراضها وتنتهي صلاحيتها وتقول ما عندها ... إن لم ترفد بالمعرفة والثقافة . والشعراء الذين استكانوا واطمأنّوا إلى مواهبهم وحدها وجدوا أنفسهم بين أمرين : إما الاجترار والمراوحة في المكان ، وإعادة إنتاج الصور والمضامين ذاتها المرة بعد المرة ... وإما السكوت ، والكف عن قرض الشعر ، وهو الموقف الأكرم والأنبل لهم وللشعر في آن معاً .وإلى جانب الشعراء الموهوبين غير المجتهدين ثمة (شعراء) يحاولون أن يعوضوا بالصنعة والتقنية عن الموهبة ، شأن بعض الوراقين والنحاة ومدرسي اللغة والنقد ... فتأتي نصوصهم باردة جافة لا ماء فيها ولا رونق ، ولو سكت هؤلاء عن ( نظم ) الشعر ( وقرضه ) لارتاحوا وأراحوا .وثمة صنف آخر من الناس اتخذ قراراً أن يكون شاعراً ، دون موهبة ودون تحصيل الدراية اللازمة المتعلقة بأصول الصنعة ، فأنتجوا نصوصاً هجينة ، أو نصوصاً خنثى ، لا تعد في عير الشعر ولا في نفير النثر ؟؟؟!!!. والمضحك المبكي في أمر هؤلاء أنهم راحوا ينظّرون لفعلتهم بأنهم ما أرادوا إلا تحطيم القيود ، وهدم جدران اللغة ، للانطلاق إلى حيث الحرية ...؟!. وكنا سنقبل تنظيراتهم لو أنّهم أنتجوا نصوصاً تفوق قدرات الأشكال الشعرية المعروفة ، كالنهر الذي يغادر مجراه أيام الفيضان ، ولكن نصوصهم ، في الأغلب الأعم ، نصوص ضحلة ومتواضعة وليست بشيء في ميزان الشعر .وقد رأيت أن ألفت انتباه القارئ الكريم إلى حقيقة طالما تم تغييبها ، إما جهلاً أو تدليساً ، تتعلق بعبء قواعد الشعر وأصوله وثقلها على الشاعر ، مما يحد من حريته ومن نطاق إبداعه ، حين ظن نفر من النقاد المحدثين أنّ الشاعر العربي القديم لم يشعر بهذا العبء ، ولو شعر به لثار عليه ، وأنّ الناقد العربي القديم لم يفطن لتأثير قيود الوزن والشكل في حرية التعبير مما يحول دون الوصول إلى ما يشتهي الشاعر أنْ يعبر عنه .... بينما الحقيقة أنّ الناقد العربي ، والشاعر العربي ، قد عرفا أنّ حرية التعبير في النثر أوسع منها في الشعر ، نظراً لما يتطلبه الوزن وما تتطلبه القافية من مراعاة ... يقول (أبو بكر الباقلاني ) :“ سمعت من له علم بالكلام والأدب والحذق بهذه الصناعة يقول : إن الكلام المنثور يتأتى فيه من الفصاحة والبلاغة ما لا يتأتى في الشعر ، لأن الشعر يضيّق نطاق الكلام ، ويمنع القول من انتهائه ، ويصده من التصرف على سننه “. وأشار (قدامة بن جعفر ) في كتاب ( البيان) الذي نشر تحت عنوان ( نقد النثر ) إلى الحصارات التي تفرضها القافية ويفرضها الوزن على الشاعر في حين يتحرر منها الناثر . ورغم هذا الوعي السابق إلى التمييز بين القول الشعري والقول النثري ، والذي يظنه ، بعضهم ، من منتجات الحداثة ، ومما تعلمناه من الغرب ونظرياته في الأدب والشعر ... فإن النقاد العرب والشعراء العرب لم يتخففوا من عبء الصنعة الشعرية ، ومن مستلزمات القول الشعري ، لأن الشاعر الحقيقي يعرف أنّ اللغة هي المادة الخام التي يصنع منها ، وفيها ، نصوصه ، ويشكلها وفق البنية التي يختارها ويفرضها هو على اللغة ، رغم علمه بأنّ هذه المادة مقاومة ، بل شديدة المقاومة ... فهذا ( سويد بن كراع) يقول معبراً عن الصراع بين الشاعر واللغة :

    أبيتُ بأبوابِ القوافي كأنّما أُصادي بها سِرْبَاً من الوحش نُزَّعا

    ولا يغيب عن القارئ أن المقصود بالقوافي في بيت ( سويد ) إنّما هو الشعر عموماً وليس مجرد حرف الروي.
يعمل...
X