إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محمد عبد الكريم (( المرعي )) أميراً للبزق وموهبة دافقة في العزف والتأليف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد عبد الكريم (( المرعي )) أميراً للبزق وموهبة دافقة في العزف والتأليف

    محمد عبد الكريم (( المرعي )) أميراً للبزق وموهبة دافقة في العزف والتأليف


    دمشق - سانا
    يتردد كثيراً في الأوساط الثقافية والموسيقية اليوم اسم أمير البزق محمد عبد الكريم لاسيما بعد الافتتاح الذي تم البارحة لملتقى البزق الأول في دار الأسد للثقافة والفنون بمشاركة العديد من عازفي البزق الذين استضافتهم دمشق من عدد من المحافظات السورية وعلى رأسهم الفنان سعيد يوسف.
    ويعود ذلك إلى الأثر الكبير الذي تركه ذلك العازف على صعيد آلة البزق ذاتها وعلى مستوى الألحان التي خرجت عن المألوف واختبرت مناخات جديدة لم تكن موجودة سابقاً.
    ولد محمد عبد الكريم عام 1911 في حي الخضر الشعبي بمدينة حمص من أسرة تعشق الموسيقا فوالده علي مرعي كان عازفاً على آلتي العود والبزق ويعتبر أستاذه الأول في الموسيقا ويروي كتاب "تحت فراش الأمير" لعلي حسني نجار أن سعادة عبد الكريم كانت عظيمة عندما ثبت مسمارين على قطعة خشب وشد وتراً وراح يعزف على آلته البدائية التي صنعها بنفسه ويومئذ سمعه والده وجاء إليه وظن أنه سيؤءنبه لكن الأب تفحص قطعة الخشب وابتسم وجلس إلى جانب ابنه ووضع العود في حجره فكانت حركة ودودة من الوالد فهمها الطفل عبد الكريم على صغره وسرعان ما حمل العود وراح يدندن عليه وما إن انتهى حتى عانقه وقبله.
    وبعد وفاة والده تولى أخوه سليم رعايته فألحقه بالمدرسة الابتدائية وكان يصحبه معه إلى الأفراح ليعزف على بزقه وانتسب إلى نادي الميماس عازفاً ضمن فرقته الموسيقية كما عزف ضمن الفرق الموسيقية التي زارت حمص في العاشرة من عمره انتقل محمد عبد الكريم إلى دمشق مع والدته حيث ان موهبته للعزف على البزق رأت النور عبر قصة طريفة تقول انه في أحد الأيام كان يسير معها في منطقة الدرويشية أول شارع مدحت باشا عندما لمح فجأة محلاً لبيع الآلات الموسيقية, والبزق معروض في الواجهة فأفلت من يد أمه وتمدد على سكة الترام وهدد والدته أنه سينتحر دهساً بدواليب الترام إذا لم تشتر له آلة بزق..‏‏ شاهد المنظر جميل القوتلي صاحب المحل آنذاك فتقدم من محمد مرعي قائلاً "إذا استطعت أن تعزف على البزق أقدمه لك هدية" ذهب الطفل وأمسك بالبزق وعزف عليه بشكل أدهش صاحب المحل الذي أوفى بوعده وأعطاه الالة كهدية.
    تتلمذ أمير البزق على يدي حسين محي الدين بعيون أمير البزق الشهير ثم سافر إلى لبنان وبعد فترة من الزمن عاد أدراجه إلى حمص ليعمل كعازف مع مغن مصري اسمه محمد البخيت ثم عاد إلى دمشق وتعرف عليه فخري البارودي وقدمه للمجتمع الدمشقي وبسرعة استطاع أن يفرض نفسه عازفاً متميزاً على البزق.
    ثم بدأ يعزف ضمن فرق دمشق الموسيقية وانطلق يقيم الحفلات على آلته وخلال ذلك أخذ ينهل من المعارف الموسيقية العربية والغربية ومنذ نعومة أظفاره أحس بأنه مميز وعبقري وأن شكله غير مرغوب فيه وقامته قصيرة لدرجة شكلت عنده عقدة نقص عالجها وتصدى لها بتمرينه و عمله المتواصل والمبدع على آلته تحسباً لأي ظروف قاهرة تواجهه من مفاجآت ومآزق.
    منذ كان في السابعة من عمره لم يستسغ عبد الكريم التقاسيم التقليدية التي درج عليها في القديم كبار العازفين ولذلك نهج غير هذا الأسلوب التقليدي وكان هائماً يتخبط لا يدري ماذا يريد ولا يعجبه ما يقوم به حتى وصل إلى ملكته العظيمة وموهبته الدافقة والتأليف الذي يخرج عن المألوف معتمداً في عزفه على التأملات والحالات الوجدانية.
    كل من كان يسمع لحنه وعزفه كان يطرب لحد الدهشة فاستحق أن يطلق عليه لقب أمير البزق هذه الآلة التي طور فيها الكثير حيث جدد بعقد البزق وأضاف إليه زندّ و دساستين و غير الطاسة و صنعها من خشب موندرين وزاد على البزق وترين ووضع بالقرار وترا زيادة بإضافة سلك زائد قصب أما أربطة زند البزق فقد كان عددها 18 رباطاً و جعلها 38للتنوع في النغم.
    أما عن لقبه أمير البزق فهناك رواية أنه في بغداد, وفي رواية اخرى بباريس استمع الملك فيصل ملك العراق الى عزف محمد عبد الكريم في حفلة فأعجب به ووصفه بأنه امير العزف على آلة البزق فطلب منه محمد عبد الكريم فرماناً يشير الى ذلك فأصدر فيصل امراً ملكياً بتسمية محمد عبد الكريم اميراً لآلة البزق, ولا تزال هذه الصفة ترافق اسمه حتى اليوم .
    أما أولى رحلاته فكانت إلى حلب حيث أقام فيها العديد من الحفلات منتزعاً إعجاب ذواقة حلب وبدأ فيها أولى خطوات التلحين حين لحن أغنيته "ليه الدلال وأنت حبيبي" وغناها بصوته وخلال زيارته إلى حلب تعرف على الموسيقي كميل شامبير الذي دعاه إلى القاهرة وفي عام 1925 زار أمير البزق القاهرة ودامت زيارته سنتين حيث تعرف على أقطاب الموسيقا فيها مثل محمد القصبجي وزكريا أحمد وداوود حسني ومحمد عبد الوهاب وأحيا العديد من الحفلات وعرض عليه ليتوباروخ وكيل شركة أوديون الألمانية للاسطوانات السفر إلى ألمانيا لتسجيل عدة اسطوانات.
    وفي عام 1927 سافر إلى ألمانيا بادئاً جولة اوروبية أحيا فيها العديد من الحفلات كما سجل لشركة أوديون خمس اسطوانات تضمنت مجموعة من المقطوعات الموسيقية والارتجالات ومن ألمانيا اتجه إلى فرنسا حيث أحيا العديد من الحفلات نال فيها إعجاب الفرنسيين قبل العرب.
    وفي ايطاليا انتزع إعجاب الايطاليين خاصة عندما عزف على بزقه لحنين شعبيين لمدينة نابولي وبعد عودته من اوروبا تنقل بين المدن السورية ليقيم الحفلات كما زار بيروت والتقى فيها عازف البزق اللبناني محي الدين بعيون أشهر عازفي البزق في الوطن العربي آنذاك والذي أبدى إعجابه بأمير البزق.
    وفي مطلع الثلاثينيات سافر محمد عبد الكريم إلى القدس وتعرف على كبار الموسيقيين الفلسطينيين مثل يوسف بتروني ويحيى السعودي وروحي خماش ومحمد غازي لكن زيارته الأهم إلى فلسطين كانت عام 1936 لحضور افتتاح إذاعة القدس حيث عمل عازفاً ضمن فرقتها الموسيقية ثم تولى رئاستها وخلال وجوده في القدس لحن للعديد من المطربين الفلسطينيين مثل فهد نجار وماري عكاوي ومحمد غازي وعند افتتاح إذاعة الشرق الأدنى في يافا حضر افتتاحها ووضع لها شارتها الموسيقية كما شكل فرقتها الموسيقية وتولى رئاستها .
    وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سافر أمير البزق إلى لندن لإحياء بعض الحفلات وتسجيل بعض الاسطوانات ومن لندن عاد إلى القدس ليتعلم التدوين الموسيقي على يد يوسف بتروني كما وضع ألحاناً جديدة لمحمد غازي وماري عكاوي ليعود بعدها إلى دمشق ويمارس نشاطه الموسيقي في نادي دمشق الموسيقي وفي إذاعة دمشق المحلية بعد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية.
    أبدع مقاماً موسيقياً جديداً أطلق عليه اسم المريوما لم يكن معروفاً في الموسيقا الشرقية سابقا ولحن لعدد كبير من الفنانين والفنانات وكانت ألحانه لهم سبباً في شهرتهم ومنهم على سبيل المثال فايزة أحمد, محمد عبد المطلب ,نجاح سلام ,صالح عبد الحي وقد وضع أكثر من مئة أغنية في مواضيع عديدة كان أشهرها رقة حسنك وسمارك التي غنتها المطربة نجاح سلام بعد أن لحنها لها.
    ومن أعماله الأخرى أغنية جارتي ليلى التي وضعها للفنانة ماري عكاوي وغنتها فيما بعد فايزة أحمد بصوتها وغدا هذا التانغو من الألحان السائرة وصارت مثالاً يحتذى به في فن صياغة المونولوج الشاعري وغنت له سعاد محمد عدداً من الأغاني جعلت اسمها معروفاً في عالم الطرب كما لحن لها أشهر أغانيها مظلومة يا ناس التي سارت على شفاه الناس سنوات طويلة.
    ومن أشهر الذين غنوا للأمير أسمهان وصباح فخري وماري جبران وكروان وليلى حلمي وسهام رفقي ومحمد عبد المطلب وصالح عبد الحي.
    أما أشهر أعماله الموسيقية فكانت بين أشجار الصنوبر رقصة الشيطان تحت العريشة ساعة الوداع في قصور الأندلس رقصة الحب عروس الصحراء آلام الطير رقصة الصبايا البنفسجة الذابلة ليالي ديك الجن حكاية عيون وغيرها كثير. وفي إذاعة دمشق أرشيف كامل عن الأمير وعن أعماله الموسيقية والغنائية إضافة إلى العديد من البرامج التي أعدت لأجله.
    كان محمد عبد الكريم من أوائل من شاركوا في احتفالات الجلاء وعند افتتاح إذاعة دمشق الوطنية وضع شارتها الموسيقية وعمل ضمن فرقتها الموسيقية وتابع إبداعاته في مجال التلحين والتأليف الموسيقي .
    أمضى أمير البزق سنوات طويلة يعمل في إذاعة دمشق وإذا كانت حياته الفنية غنية فإن حياته الشخصية كانت متواضعة جداً فقد أمضى سنين حياته الأخيرة في غرفة صغيرة بحي عين الكرش قبل ان يصاب بمرض شديد نقل بسببه إلى مشفى الهلال الأحمر وتوفي منه في يوم الاثنين الثلاثين من كانون الثاني عام 1989 وشيع في جنازة متواضعة إلى مثواه الأخير.
يعمل...
X