إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ابن حمص محمد عبد الكريم أمير البزق 1905 الغجري الصغير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابن حمص محمد عبد الكريم أمير البزق 1905 الغجري الصغير


    ابن حمص محمد عبد الكريم
    أمير البزق 1905 الغجري الصغير


    نشأة (أمير البزق محمد عبد الكريم)
    في مدينة حمص السورية ولد محمد عبد الكريم، عام 1905، لأسرة غجرية، وكعادة الغجر وجد الصغير نفسه في بيئة فنية، تتكسّب من العزف والرقص والغناء...

    فتفتحّت حواسّه على الفن ونمت ذائقته الموسيقية معه، وكان أوّل شيء عمله، أنه جلب قطعة خشب وثبّت عليها مسمارين وشدّ أوتاراً وراح يعزف هواجس الطفل عليها، مقلّداً والده علي المرعي الذي كان من أمهر عازفي العود والبزق وشقيقه سليم وكانا يعزفان لعماشة، والدته صاحبة الصوت الصاخب وقد أصابت الفرقة شهرة في حي الخضر الشعبي والأحياء المجاورة، بسبب جودة العزف والغناء الجميل.
    أصيب محمد عبد
    الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره إصابة بليغة في ظهره إثر حادث تصادم عنيف، سبّب له عاهة دائمة، احدودب ظهره نتيجة لها، وتوقّف نمو جذعه.
    أتقن محمد في يفاعته العزف على البزق، وانضم بذلك إلى الفرقة الصغيرة ، بعد أن تحوّل أخوه إلى العود، واشتهرت الفرقة في كل مدينة حمص فصارت تحيي الأفراح والأعراس، وطاب السهر في ليالي الميماس على الصوت الصافي واللحن المجنون. ومنها انطلقت الفرقة إلى المدن السورية تعزف وتغني وترقص في حفلات خاصّة، وفي فترة الشباب تعرّف محمد عبد الكريم على نادي دوحة الميماس الموسيقي، فانتسب إليه وصار عضواً رئيساً بين عازفيه، وفي هذه الفترة سافر إلى بيروت برفقة عازف الكمان الشهير “سامي الشوّا” وهناك التقى بأشهر العازفين والفنانين الذين أعجبوا بأدائه وأثنوا عليه. ثم زار مدينة دمشق وتعرَّف فيها على الشاعر فخري البارودي الذي سُحر بأدائه وقدّمه على أنه أعجوبة عصره، وهكذا كان.
    لم يكن محمد عبد الكريم عازفاً بارعاً على
    البزق فحسب، بل كان يحسّ بأن هذه الآلة تملك إمكانات غير محدودة وبحاجة إلى تطوير دائم، لذلك عمل على زيادة عدد الأربطة التي تلف على الزند، فعدّل فيها وطوّرها لتلبّي احتياجاته وعطشه إلى أنغام تستطيع أن تعبّر عن إمكاناته غير المحدودة ليواكب الآلات الموسيقية الأخرى أثناء العزف. ( زاد في عدد الأربطة من 17 إلى 38 ديستاناً )
    ويعود الفضل إليه في أنه أوّل من أدخل “التانغو والسيراناد” على البزق وأضاف إليه أوتاراً جديدة، لذلك كان يقال فيه: “وزاد في الطنبور نغماً”. لقد أصبحت آلة البزق شغله الشاغل، وكان همّه الأكبر أن يجعل منها آلة محترمة، كما كان يردّد دائماً، وتجلت براعته عليها في قدرته الفائقة على عزف أية مقطوعة موسيقية في أقل وقت ممكن. ولم تكن مهارته مقتصرة على آلة البزق وإنما على العود الكبير والعود الصغير “نشأة كار” وجميع الآلات الوترية التي تعتمد على الريشة في العزف.
    عزف بأصابع القدمين
    زار الفنان الشاب مدينة حلب، وقد استضافه فيها الفنان (كميل شمبير) عدّة أشهر، تعرف خلالها على عدد كبير من الفنانين والملحنين ووجوه الطرب والغناء، بينهم عمر البطش وبكري الكردي، وهناك وضع أوّل لحن له لأغنيته (ليه الدلال)، وقد طلبتها منه أم كلثوم في القاهرة عندما سافر إليها مع صديقه كميل شمبير، حيث عزف معه في أرقى صالونات الأدب والفن، ولقي ترحيباً حاراً فيها. وقد عزف في دار الأوبرا المصرية بأصابع قدميه على أوتار البزق، وصفق الحضور له بشكل منقطع النظير. سافر بعدها إلى مدن وعواصم كثيرة عربية وأوروبية، وقد منحه الملك فيصل لقب “أمير البزق” في إحدى زياراته إلى بغداد، بعد أن سمع عزفه وأعجب به. وقد عزف الأمير مع أشهر عازفي عصره، مثل: عمر النقشبندي ومحمد العقاد وسامي الشوّا ... وكان يدهش الجميع ببراعته وسرعة أدائه ومهارته الفنية. سافر في عام 1928 إلى ألمانيا واتصل بشركة (أوديون) التي أقامت لـه العديد من الحفلات وسجلت لـه خمس

    أسطوانات وعزف في باريس في الكونسرفتوار، كما عزف ألحان “النابوليتان” الشعبية الإيطالية في روما، ثم عاد بعدها إلى مصر وتعرّف فيها على أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، سافر بعدها إلى القدس ليشتغل في إذاعة الشرق الأدنى الـ B.B.C اليوم، وبعد أربع سنوات سافر إلى إنكلترا وسجل للإذاعة كثيراً من المقطوعات والارتجالات الموسيقية بما فيها شعار المحطة الذي كانت تقدمه قبل الافتتاح الرسمي، ثم عاد إلى القدس ليرأس الفرقة الموسيقية في الإذاعة. وعندما افتتحت إذاعة دمشق رجع إلى وطنه ليستقر في دمشق ويعمل في إذاعتها عازفاً وملحناً طوال حياته، وقد أغنى مكتبتها بكثير من الألحان والأغاني الشرقية الأصيلة الخالدة.
    بين التانغو والمونولوج ...
    ألف محمد عبد الكريم في كل المقامات الموسيقية وأبدع مقاماً موسيقياً جديداً، أطلق عليه اسم “المريوما” لم يكن معروفاً في الموسيقا الشرقية قبلاً. ولحنّ لعدد كبير من الفنانين والفنانات، وكانت ألحانه لهم سبباً في شهرتهم، ومنهم على سبيل المثال “فايزة أحمد، محمد عبد المطلب، نجاح سلام، صالح عبد الحي” وقد وضع أكثر من مئة أغنية في مواضيع عديدة، كان أشهرها “رقة حسنك وسمارك” التي غنّتها المطربة نجاح سلام بعد أن لحنها لها. ومن أعماله الأخرى، أغنية “جارتي ليلى” التي وضعها للفنانة ماري عكاوي، وغنتها فيما بعد فايزة
    أحمد بصوتها وغدا هذا التانغو من الألحان السائرة، وغدت مثالاً يحتذى به في فن صياغة المونولوج الشاعري، وغنت له سعاد محمّد عدداً من الأغاني جعلت اسمها معروفاً في عالم الطرب، كما لحن لها أشهر أغانيها “مظلومة يا ناس” التي سارت زمناً على شفاه الناس سنوات طويلة .
    ومن أشهر الذين غنّوا للأمير “أسمهان، صباح فخري، ماري جبران، كروان، ليلى حلمي، سهام رفقي، محمد عبد المطلب، صالح عبد الحي”. أمّا أشهر أعماله الموسيقية، فكانت: “بين أشجار الصنوبر، رقصة الشيطان، تحت العريشة، ساعة الوداع، في قصور الأندلس، رقصة الحب، عروس الصحراء، آلام الطير، رقصة الصبايا، البنفسجة الذابلة، ليالي ديك الجن، حكاية عيون، وغيرها كثير. وفي إذاعة دمشق أرشيف كامل عن الأمير وعن أعماله الموسيقية والغنائية، إضافة إلى العديد من البرامج التي أعدت لأجله.
    بعد هذا العطاء الفني الكبير، اعتزل محمد عبد الكريم الحياة الفنية، وآثر أن يعيش وحيداً، عازفاً عن الدنيا وما فيها، وفي الثلاثين من كانون الثاني، عام 1989، عزف الموت بأصابعه الباردة قصة حياة أمير البزق محمد عبد الكريم وختمها بتوقف قلبه في أحد مشافي دمشق ... لقد رحل الأمير بعد أن ترك لنا حياة حافلة وإرثا موسيقياً خالداً. عاش غجرياً متمّرداً على كل القوانين، واستطاع أن يبرهن بقامته الصغيرة النحيلة على أن الإمارة يمكن أن تؤخذ بجدارة. ولم يجد شيئاً ليكون أميراً عليه سوى بزقه الذي احتضنه وأحبه كل حياته.


يعمل...
X