إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في أرض حمص لا تعيش العقارب بسبب أرصادها وطلاسمها ونقش العقرب وتمثال أبو رياح - الباحث أ . مصطفى الصوفي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في أرض حمص لا تعيش العقارب بسبب أرصادها وطلاسمها ونقش العقرب وتمثال أبو رياح - الباحث أ . مصطفى الصوفي









    في أرض حمص لا تعيش العقارب بسبب
    أرصادها وطلاسمها ونقش العقرب وتمثال أبو رياح
    الباحث أ . مصطفى الصوفي


    أرصاد وطلاسم مدينة حمص
    الباحث أ . مصطفى الصوفي
    تعد حمص من أهم مدن الشام التي تحوي كماً من الأسرار والطلاسم المتنوعة ، والأرصاد السحرية التي صنعت خلال العهد السلوقي والروماني في سورية .
    وتعود الجذور الثقافية لهذه الطلسمات إلى معتقدات دينية القديمة للإنسان منذ العصور الحجرية الأولى، والتي سادت فيها فكرة العلاقة التبادلية بين الإنسان والأحياء الأخرى، ومظاهر الطبيعة بواسطة الصور والرموز ذات الإشارات المحددة. فرسم الإنسان البدائي صور الحيوانات على جدران الكهوف قبل خروجه إلى الصيد، لتحقيق غايتين هما الإكثار من الحيوانات التي سيصيدها أولاتقاء شر وأذى الحيوانات الشرسة التي يخافها، وكان أحيانا يكتفي برسم رموز تشير إليها فقط، ثم استخدم هذه الرموز كحجب ورقي، وتعاويذ للغرض نفسه حملها معه أو رسمها على أبواب بيته، أو على أدوات الفخار أو الطين أو الملابس التي يرتديها.
    وهذه الطريقة استمرت مع الزمن وتطورت فاستعملها الفاتح الكبير الاسكندر المقدوني ( على ما ذكره المسعودي ) عند بناء منار الإسكندرية حيث تعرض البناء لهجمات الوحوش البحرية ليلا فكانت تهدم ما بناه في النهار، وتكررت هذه العملية على مدى أيام، فأشار عليه مستشاروه والمنجمون والسحرة أن ينحت تماثيل على هيئة تلك المخلوقات، وينصبها على الشاطئ أمام تلك المخلوقات الغريبة ففعل فحبسها عن الخروج من البحر وأتم بناء المنارة.
    وقد استخدم اليونان والسلوقيون والرومان من بعدهم هذا الفكرة إبان حكمهم سورية، وبناء مدنها كحمص وحماة وحلب واللاذقية وغيرها وعملوا في هذه المدن أرصاداً وطلاسم لحفظها من الأعداء والأذى، والشرور فنقشوا في حمص صورة العقرب كطلسم يحمي المدينة من شره، ويمنع اقتراب العقارب منها وما زال على المدخل الجنوبي للمعبد القديم المشهور حاليا باسم ( الجامع النوري الكبير )، الذي قيل أن ترابه يشفي من لسعة الحية والعقرب كما ذكر المؤرخون.

    وقد شاع خبر الرصد في الأرجاء وذكره معظم الرحالة والمؤرخون العرب، والأجانب في كتبهم حتى اشتهر بين الناس وفي البلدان.
    ويعد الرحالة والمؤرخ وصفي ذكريا في القرن الحادي عشر الهجري أهم من اشتغل وبحث في رصد وطلاسم حمص، ورغم اهتمامه الكبير بالأمر وجهده في تقصي أخباره خلال رحلته إلى
    بلاد الشام، فإنه لم يتوصل إلى نتيجة مرضية تشفي الغليل، ولم يكتشف أو يشاهد بعينه لسبب ما
    لوحة رصد العقرب، التي مازالت موجودة حتى الآن في المدخل الجنوبي للجامع النوري الكبير،
    وكان من الممكن أن يفيدنا كثيراً لو أنه شاهده ووصفه لنا قبل طمس معالمه، لكنه جمع وبحث فيما ذكره القدامى عن أرصاد حمص التي كانت تتألف من لوحتين أساسيتين هما نقش العقرب وتمثال أبو رياح موضوع بحثنا...
    وفي هذا البحث نستعرض أقوال المؤرخين آنفا حول نقش العقرب وتمثال أبي رياح واستعمال طين الصورة، أو تربة حمص لشفاء لسعة العقرب والحيّة التي أجمع عليها المؤرخون، وكانت محلاً للمبالغة والمزايدة في مزاياها لدرجة التخريف .....
    نقش العقرب

    وهي لوحة صخرية من البازلت الأبيض على مدخل الجامع الكبير، نقش عليها صورة عقرب ما زالت آثارها باقية حتى وقتنا الحاضر كما نرى في الصورة. وقد بقيت اللوحة مغطاة ومخبّأة خلف بضائع الباعة والمحال الموجودة على جانبي مدخل الجامع النوبي، وقد بحثت عن اللوحة طويلا دون جدوى إلى أن منع مجلس مدينة حمص الباعة من تعليق ووضع أغراضهم خارج المحال عندها انكشفت وتمكنت في إحدى جولاتي على الجامع من رؤية اللوحة وكم كان سروري بها عظيما فقمت بدراستها وتصويرها مع جدران جانبي المدخل التي تتوضع عليها النقش.
    ومن دراسة سريعة ومبدئية للصخرة النقش وما جاورها أرى أنها تمثل الأساسات القديمة للمعبد القديم ولعله ( معبد الشمس ) كما ذكر بعض الباحثين ثم بنيت عليه كنيسة أيام انتشار النصرانية في سورية ثم حوله المسلمون إلى مسجد جامع بعد الفتح الإسلامي، وما حدث من ترميمات وتحديثات لاحقة عليه تمت على الأسس القديمة في هذا الجانب من الجامع.
    ذكر النقش بعض المؤرخين منذ القرن الثالث الهجري في طليعتهم الجاحظ والهمذاني وتابعهما الباقون نقلا عنهما أو عن غيرهما كالزمخشري والإدريسي وياقوت الحموي وغيرهم، وبالغ بعضهم في وصفه وحوله إلى رسم خرافي كالهمذاني الذي يذكر أن الصورة أعلاها رسم إنسان وأسفلها صورة عقرب، وفي الحقيقة أن اللوحة مجرد رسم واضح لصورة العقرب، ولكن يبدو الهمذاني خلط بين تمثال أبو رياح فوق قبة المسجد الذي يدور مع الرياح ليحدد اتجاهها، فجمع بينه وبين صورة العقرب ونلاحظ أن أول من فرّق بينهما هو الإدريسي:
    ـ أول من يلمح إلى طلسم حمص الجاحظ في كتاب الحيوان منتصف القرن الثالث فيقول: ويزعم أَهلُ حِمْص أن فيها طِلَّسْماًَ من أَجلِهِ لا تعيشُ فيها العقارب، وإنْ طُرحَتْ فيها عقَربٌ غريبةٌ ماتَتْ من ساعتها.
    ـ ويفصل ابن الفقيه الهمذاني أكثر في كتابه ( البلدان ) في القرن الثالث فيزيد فيها تأثير شرب الماء عن طينها للملدوغ فيقول " ومن عجائب حمص صورة على باب المسجد الجامع بجنب البيعة على حجر أبيض أعلى الصورة صورة إنسان وأسفلها صورة عقرب، فإذا لدغ العقرب إنسانا فأخذ من طينها ووضعه على تلك الصورة ثم أراقه بالماء، وشربه سكن وجعه وبرئ من ساعته ويقال أن تلك الصورة طلسم للعقرب خاصة "
    ـ أما ابن حوقل في القرن الرابع فيقتصر على ذكر موت العقارب والحيات في حمص فقط دون ذكر للطلسم في كتابه ( المسالك والممالك ) فيقول: وأما جند حمص فإن مدينتها حمص وهي في مستواة خصبة أيضاً، وكانت أيام عمارتها صحيحة الهواء من أصح بلدان الإسلام تربة، وكان في أهلها خبال ويسار فدخلها الروم غير دفعة فأحالوها، وليس بها عقارب ولا حيات وإذا أُدخلت الحية والعقرب إليها ماتت "
    ـ ويتابعه والزمخشري من القرن الخامس في ربيع الأبرار ونصوص الأخبار فيذكر العقارب وطلسمها بإيجاز بقوله: أرض حمص لا تعيش فيها العقارب، يزعم أهلها أن ذلك لطلسم. وإن طرحت فيها عقرب ماتت من ساعتها.
    ـ أما ابن الأثير من القرن السادس في ( تحفة العجائب ) فيقتصر على إشارة عابرة فيقول عن تأثير تراب حمص: ويحمل من ترابها إلى البلاد لمداواة لدغ العقرب "

    ـ ويجمع الإدريسي من القرن السادس في كتابه ( نزهة المشتاق ) قول من سبقه أيضا لكنه يفرق بين صورة العقرب في حائط القبة وبين صورة التمثال فوق القبة كما نرى في قوله " ومدينة حمص مطلسمة لا يدخلها عقرب ولا حية ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت في الحال، ويحمل من ترابها إلى سائر البلدان فتوضع على لسعة العقرب فتبرأ، وبها على القبة العالية التي في وسطها صنم من نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح حيثما دارت،
    وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاء إنسان ملدوغ يضع الطين على اللسعة فتبرأ للحين "
    ويكرر أيضا ياقوت الحموي في القرن السابع نقلا عمن سبقه ذكر حديث صورة الإنسان
    والعقرب، ويعود إلى الخلط بين رصد العقرب والتمثال فيقول: " من عجائب حمص صورة على
    باب مسجدها أعلاه صورة إنسان وأسفله صورة عقرب إذا أخذ من طين أرضها وختم على تلك
    الصورة نفع من لدغ العقرب منفعة بينة، وأن يشرب الملسوع منه بماء فيبرأ لوقته ".
    ـ ويبالغ القزويني كثيراً بالأمر لدرجة لا تصدق فيقول في القرن الثامن في كتابه ( عجائب
    المخلوقات ): " لا يكاد يلدغ بها عقرب أو تنهش حية ولو غسل ثوب بماء حمص لا يقرب عقرب لا بسه "
    ـ ويزيد عليه ابن الشحنة من القرن التاسع في كتابه ( الدر المنتخب في تاريخ حلب ): إن العقرب لا تقرب ثياب الحمصي وأمتعته ما دام عليها من غبار ترابها " .
    ـ وذكر النابلسي من رجالات القرن الثاني عشر نقلا عن الهوري في كتاب الزيارات قال: " وفي حمص طلسم العقرب إذا أخذ من ترابها ووضع على لدغة العقرب تبرأ وهو مجرّب يُحمل منه إلى البلدان " وأنشد فيها بعض الأحباب :
    بي ظبي من حمص أهيف فاتني ربرب طلبت تقبيل خده قال لا تقرب
    يلسعك عقرب عذارى قلت ذا أغرب ألسع و في حمص قالوا طلسم العقرب
    ونلاحظ من جميع المؤرخين والرحالة العرب الذين ذكروا في كتبهم طلسم العقرب أنهم لم يروه بأعينهم إنما سمعوا عنه ونقلوا أخباره عمن سبقهم في ذكره...
    تمثال أبو رياح
    أما التمثال فأول من يذكره أبو عبد الله المقدسي من رجال القرن الرابع أيضا في كتابه ( أحسن التقاسيم ) " وفي السوق قبة على رأسها شبه رجل من نحاس واقف على سمكة تديرها الأرياح الأربع "
    ونرى عند المقدسي أن التمثال هو شبه رجل من نحاس واقف على سمكة، وهو الوحيد الذي يذكر هذا بينما نرى عند من أتى بعده أنه تمثال من نحاس على عمود فوق قبة كبيرة فوق باب الجامع، وهذا ما ذكره الثعالبي ومن جاء بعده ينقل عنه حرفيا كما سنرى.
    ـ يذكر الثعالبي من القرن الخامس في ( ثمار القلوب) : تمثال فارسٍ من نحاسٍ بمدينة حمص على عمود حديدٍ فوق قبةٍ كبيرةٍ بباب الجامع يدور مع الريح حيث هبت، ويمينه ممدودة
    وأصابعها مضمومة إلا السبابة؛ فإذا أشكل على أهل حمص مهب الريح عرفوا ذلك به، فإنه
    يدور بأضعف نسيمٍ يصيبه، ولذلك كني بأبي رياح.
    ـ يتابعه الزمخشري من القرن السادس في ربيع الأبرار ونصوص الأخبار فينقل عمن سبقه حرفياً تقريباً فيقول: ويقال للطائش الذي لا ثبات له أبو رياح، تشبيها بتمثال فارس من نحاس
    بمدينة حمص، على عمود حديد فوق باب الجامع يدور مع الريح، ويمناه ممدودة، وأصابعها
    مضمومة إلا السبابة، إذا أشكل عليهم مهب الريح عرفوه به، فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه.
    ـ ويذكره الإدريسي في القرن السادس كما رأينا: " وبها على القبة العالية التي في وسطها صنم
    من نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح حيثما دارت "
    ـ والحميري في الروض المعطار في خبر الأقطار في القرن التاسع ينقل ويكرر عن الزمخشري حرفياً كامل كلامه دون زيادة أو نقصان .
    كما يتابعهم ( الأبشيهي في المستطرف ) من القرن التاسع أيضاً بتكرار كلام من سبقه حرفياً أيضاً.
    نلاحظ عند المؤرخين إجماع أن التمثال على هيئة رجل ومن المؤكد أنه ليس تمثالا كامل الحجم بل هو من الصفيح المعدني الرقيق صنع على هيئة رجل إحدى يديه ممدودة مفتوحة الأصابع تلعب فيها الرياح فتدير التمثال بعكس اتجاه الرياح أما السمكة التي تحدث عنها المقدسي فهي القاعدة التي يقف عليها التمثال فيما يشبه السهم المعدني أيضا وقد تخيله المؤرخ على شكل سمكة وهي بالتأكيد مثبتة على قاعدة تشبه الحلقة المفرغة التي تمكن السهم والتمثال من الحركة مع الرياح ....
    بحث وصفي زكريا في طلاسم حمص
    يعد وصفي زكريا أول باحث يهتم بمناقشة طلسم العقرب وتفسير ظاهرة انعدام العقارب والحيات في مدينة حمص فيقول في رحلته: " شغل بالي خرافة أن حمص مطلسمة وأن العقارب والحيات لا تلسع أحدا فيها، وخاصية تربتها في شفاء لسع العقرب، وشُغل بالي بالصورتين على باب مسجدها، وقبة العقارب التي كانت إلى جانب الجامع وهيكل الشمس والحجر الأسود والبيعة، فسألت عنها كثيرا فلم أجد من ينفع غلة...
    قالوا له: إن حمص لا تخلو من الحيات وقلما تؤذي ولا يوجد عقارب ولم يسمعوا بلسعها، ولا يعلمون بخبر القبة والصورتين رصد العقارب، وما يعلمونه أن على الباب حجر كبير عليه صورة عقرب ربما هو الرصد، ولما شاهدت الحجر تبين أنه ناووس كبير على أحد جدرانه رسم إكليل من الزهر لا يشبه العقرب بحال ...
    وقال وصفي: ومما يستغرب منهم اهتمامهم بذكر العقارب والحيات واستحالة دخولها لحمص واعتقادهم بتأثير الطين الذي يوضع على الرسم. وسائحنا ( أوليا جلبي ) نقل هذه الخرافة وأيدها بدليل زعم أنه وقع مع مملوكه ولعله نقل قولهم.
    ـ فيذكر الجلبي: حمص ... دفن الحكماء والكهان في العصور الغابرة تحت أرضها طلاسم ضد الحيوانات السامة كالعقارب والحيات فلم يبق فيها أثر منها، وإذا وجدت صدفة ولسعت إنسانا
    فلا يكون لها أثراً، وإذا نقلت تربة حمص لأي مكان ووضع على مكان لسع الحية والعقرب
    يزول أثرها بإذن الله.
    ويتابع أوليا: سمعت من أهل حمص أن في أحد جوانبها مسجداً على بابه رخامة من المرمر نقش عليها صورة عجيبة الشكل نصفها الأعلى كالإنسان، ونصفها الأسفل كالعقرب يلقوا عليها عجينة فتنطبع على وجهها فيلقوها في النار ويتبخر بها الرجل الملسوع فيزول الألم...
    وقال وصفي: وجرب هذا أوليا مع شخص ملسوع فزال الألم. وينقل زكريا عن الخوري أسعد قوله في خرافة العقارب والحيات: إن تربة حمص غير صالحة لبيوض العقارب وهذا سر فقدان العقارب فيها وإذا صادف انتقال عقرب إليها لا يعمر طويلاً، وإضافة الحيات إلى العقارب من عمل أحد الجغرافيين، فالحيات موجودة في حمص. وعن الصورة والتمثال قال: ليست الرواية بعيدة عن التصديق في زمن هيكل الشمس، والرقي الفني لا يبعد أن يصور نحات اليونان على قبته وبابه ما ذكر واختيار صورة السمكة والعقرب لسببين أولهما أن الحيوانين محور عبادة خوفا من أذاه ومنافعه، والثاني اتخاذ الحيوانين رمزاً للتكاثر. وذكر: أن أطماع البيزنطيين في البلاد الشامية نبهت المسلمين إلى الآثار الدينية اليونانية
    فقاموا بطمسها، فاختفت الصورتين المذكورتين سابقا، واختفت من مؤلفات الجغرافيين الأحدث عهدا من ابن الفقيه والمقدسي وابن حوقل وياقوت ناقل لا شاهد . أقول في بيان كلام زكريا: أنه أصاب طرح الموضوع وأخطأ طريقة البحث فتوصل إلى نتائج مغلوطة وقد نقل كلام أوليا جلبي بالتفصيل عنه الذي نقل عن الهمداني وياقوت حرفيا ... ويبدو أن ويبدو أن وصفي لم يفتش عن صورة نقش العقرب في مدخل الباب الجنوبي للجامع الكبير، حيث رسم العقرب واضحة عليه وما زالت موجودة حتى الآن، رغم أنه ذكر مكانه الصحيح لكنه بحث في صحن الجامع فصادف الناووس الحجري الموجود حالياً في باحة الجامع الكبير والذي استخرج من مدفن روماني قديم ...
    وجميع من نقل عنهم خبر الرصد وقبة التمثال لم يذكر أنه شاهده بعينه بل نقل خبره قيلا عن قال ولم يذكره أحد من أهل حمص ...
    وما اعتقده أن قبة التمثال الكبيرة المذكورة مشهورة، كانت فوق مدخل المسجد النوري الكبير من
    جهة الجنوب، وهي من آثار البناء القديم، وقد تم هدمها من قبل أهل حمص عندما أعادوا سقف الجامع في نهاية القرن التاسع عشر بعد تعرضه للانهيار ...
    أما ما ذكره أوليا الجلبي من طلسم نصفه الأعلى إنسان ونصفه الأسفل عقرب، فهو وهم وتخريف من الرواة لا أساس له من الصحة، وإنما تمثال ( أبو رياح ) على هيئة إنسان كان فوق القبة على قاعدة تسهل دورانه مع الرياح كما نقل خبره المؤرخون والرحالة، ولكن لا نعرف شيئا عن التمثال المذكور ربما كان موجوداً ما يشبهه فوق قبة الجامع المذكور وأزيل معها....
    ورصد صورة العقرب كان في الأسفل تحت القبة على الجدار في مدخل الجامع وما زال موجودا حتى الآن ضمن إطار صخري كلسي بعرض حوالي 60 سم وعلى جانبي المدخل ومعالم جدار المدخل السفلية تشير على وجود نقوش مطموسة كما هو واضح في الصورة ...
    وقول الخوري أسعد عن رصد العقرب والحيات، وتفسيره قريب من الصحة غير أنه أيضا يبالغ في موضوع التمثال بحيث يفرق بين السمكة والتمثال، ويعطيهما بعداً دينياً وعقيدياً لا لزوم لهما، كما أن لم يصح قوله في اختفاء ذكر الصورتين من مؤلفات الرحالة، والمؤرخين ابن الفقيه والمقدسي وابن حوقل، وهم نقلوا عن بعضهم كما عرضنا آنفاً
    ويبدو أن طلسم العقرب والحيات ليست مقتصرة على مدينة حمص فقط، فهي شائعة في
    بعض مدن الشام بأشكال وصور مختلفة غير أنها أقل شهرة من طلسم حمص. وقد ذكر وصفي زكريا موجزاً عنها في رحلته الأثرية منها طلسم في مدينتي بصرى وأنطاكية، وفي سور مدينة معرة النعمان وفي جامع الحيات في حماة ..
    وقد شاعت عملية الرقيات ضد العقارب والحيّات في حمص كثيراً واستعملها الناس في المدينة على نطاق واسع، وتابعهم سكان الريف والمناطق المتفرقة من سورية، فكانوا يلجئون إلى مشايخ حمص لعمل الرقيات، وحملها معهم لحمايتهم من أذى العقارب والحيات أو تعليقها في بيوتهم...
    وارتبطت مراسم وطقوس رقيات العقارب والحيات في حمص باحتفالات خميس المشايخ حيث كان يتم كتابة الأرصاد و( الحجب ) التي تقتل الحيات والعقارب أو تمنع أذاها عن الناس، بعد صلاة العشاء من يوم السبت الذي يلي الخميس مباشرة في زاوية الحراكي.
    أما الجامع النوري الكبير فيبدو أنه كان وما زال مجمع أسرار وطلاسم حمص، وهو أقدم بناء فيها يعود تاريخه إلى الفترة ( نهاية العهد السلوقي ) التي سبقت الحكم الروماني لسورية حيث أقيم مكانه معبد وثني، ومقراً لآلهة الشمس فترة حكم أسرة شمس غرام التي يعتقد أنها بنت المدينة وجعلتها مقراً لأمارة حمص في القرن الأول قبل الميلاد، ثم تحول إلى كنيسة ثم مسجد بعد الفتح الإسلامي، وتعرض لكثير من التغيير والتحديث آخره في عهد نور الدين الزنكي 552هـ 1157م فسمي باسمه، وأزيلت منه كثير من النقوش والزخارف في عملية الترميم والبناء، ولم يبق من آثاره القديمة سوى المحراب والمنبر والمدخل القبلي، وبعض النقوش المطموسة التي بقيت آثارها حتى الآن، وتحتاج إلى عناية وجهد كبير لصونها وحفظها ودراستها كسجل هام لتاريخ المدينة ...
    ومنها الحجر المثقوب وهي صخرة منحوتة موجودة في صحن الجامع الآن كشاهد على اتجاه القبلة في المصلى الصيفي. نُقش عليه مرسوم سلطاني في العهد العثماني. قيل إن عامة الناس كانوا فيضعون إصبعهم المصاب في ثقبه فيشفى من عرق الملح ويقال أنها جزء من حجر مذبح المعبد القديم.
    أما الحجر الأسود المقدس في معبد آلهة الشمس يقال إنه هبط من السماء وربما هو قطعة من نيزك وهو أملس السطح، وضع وسط ساحة المعبد وغُطى بقماش ثمين مزركش بالذهب والجواهر، تذكر المصادر التاريخية أن الإمبراطور الحمصي ( إيلا غابال ) نقله إلى روما ثم اختفى الحجر بعد ثورة الرومان عليه وقتله فرماه الثوار في نهر التيبر والأقوال فيه متعددة ليست مجال بجثنا .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

    مصادر ومراجع البحث
    ـ الحموي ياقوت ـ معجم البلدان ـ المجلد الثاني ـ دار صادر بيروت
    ـ القزويني زكريا بن محمد بن محمود ت 682هـ ـ عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ـ مطبعة المعاهد والحوار القاهرة
    ـ المسعودي أبي الحسن علي بن الحسين بن علي ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ 346هـ 956م
    أبو عبد الله المقدسي في أحسن التقاويم
    ابن الأثير في تحفة العجائب
    ابن عبد المنعم الحميري في الروض المعطار في خبر الأقطار
    ابن الفقيه الهمذاني في البلدان
    ابن حوقل في المسالك والممالك
    ابن الشحنة في الدر المنتخب في تاريخ حلب
    الإدريسي في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
    الإبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف
    الإصطخري في مسالك الممالك
    التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
    الثعالبي في ثمار القلوب
    الجاحظ في الحيوان
    الزمخشري في ربيع الأبرار ونصوص الأخبار
    اليونيني في مرآة الزمان
    ـ جولة أثرية في بعض البلاد الشامية أحمد وصفي زكريا دمشق دار الفكر ط2 1984م
    ـ الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام والحجاز الشيخ عبد الغني النابلسي

يعمل...
X