إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحمامة البيضاء - قصص قصيرة للأطفال مادون السابعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحمامة البيضاء - قصص قصيرة للأطفال مادون السابعة

    ما دون السابعة

    الحمامة البيضاء (( قصص قصيرة للأطفال ))
    حسنى محمود
    طارتالحمامة البيضاء عالياً،وكلها إعجاب بجمالها ،ورشاقتها ،وقفت على غصنٍ عالٍ
    من الشجرة ثم سألتها:كيف أبدو ؟ أجابتها :جميلة كندف الثلج النظيفة .
    ارتفعت الحمامة أكثر،ثم سألت ثانية:كيف أبدو ؟أجابتها الشجرة :كورقة بيضاء طارت من يد طالبٍ كسولٍ…
    لم يحظ الجواب بإعجاب الحمامة،فارتفعت حتى قاربت بعض الغيوم الصيفية ،التي صادف مرورها في ذات الوقت،
    ثم سألتها :كيف ترينني ؟ لم تسمع الحمامة جواباً من الشجرة .
    صرخت بأعلى صوتها ..أسألك هل ترينني..؟وتسمعينني ؟كيف أبدو..؟ لكنها لم تسمع جواباً أيضاً.
    استاءت من صمت الشجرة ،وعادت سريعاً ،ثم وقفت على أحد الأغصان وسألتها عن سبب صمتها
    أجابت الشجرة:لم أسمع صوتك…ولم أرك إطلاقاً.قالت الحمامة :ألم تري تلك الغيمات البيض؟
    ردت الشجرة:أجل رأيتها،كانت جميلةً،جذابةً،كأنها لوحة أبدعتها يد فنان لتزّين صفحة السماء.
    قالت الحمامة باستياء:كنت تحتها تقريباً .عقّبت الشجرة بسخريةٍ دون أن تنظر إليها:اعذريني ظننتك
    دمعةً سقطت من غيمةٍ حزينةٍ مسافرةٍ .خجلت الحمامة وغادرت بصمتٍ .

    الموت الحقيقي
    سأل الحفيد جده :كيف يموت الإنسان ؟أجابه الجد: يغمض عينيه،ويحبس أنفاسه.
    قال الحفيد:الأعمى يغمض عينيه دائماً،واللص يحبس أنفاسه حتى لا يشعر به أهل البيت.
    عقب الجد بقوله:يموت قلبه أيضاً.
    رد الحفيد:الأحمق قلبه ميت،واللئيم قلبه ميت،إذ لا مشاعر فيهما ،ولا رحمة .
    قال الجد:يتوقف عقله عن التفكير.رد الحفيد:الجاهل ميت،عقله لا يعمل،ولا يفكر أبداً ،
    فهو يتصرف بغريزته.
    احتار الجد كيف يفسر لحفيده الموت الحقيقي….؟فقال:الإنسان الميت (هو الإنسان من يأتي
    إلى الدنيا،ويرحل عنها دون أن يكون له دور إيجابي،أو أثر حميد بها ) .
    ابتسم الحفيد،وصمت برهةً قصيرةً ،ثم ضم جده قائلاً :الحمد لله،أحيا أنا وأنت إلى الأبد .

    دمعـة
    خاف الفشل،اضطرب،قضم أظافره .خافت من خوفه،اعتصر الألم قلبها،بكت.
    التقط دمعتها،وملأ قلمه منها،وخط مستقبله بحماسٍ…

    أحب القمر

    لماذا لا يحب سامر القمر؟


    فشل سامر في رسم الدائرة،بعد محاولاتٍ عدةٍ،تملكه القلق والاضطراب ،من أن تكون درجته متدنيةً في الرياضيات،بكى،


    وصرخ قائلاً:أنالا أحب الدائرة،ولا كعكة العيد ،ولا حتى القمر،لأنه يشبهها،وسأرسمه باكياً دائماً.


    راح يرسمه كل يومٍ بوجهٍ عابسٍ،باكٍ،وشعرٍ أشعث.سمعه القمر ورآه ،غضب منه وتوارى خلف الغيمات مدةً،


    حينها شعر سامر بالخوف من سواد الليل،ووحشة الكون من غير القمر.


    فقد اعتاد أن يرى أنواره تتلألأ ليلاً.


    عندها تنبه إلى غيابه وسأل أمه،وأصدقاءه:هل حدث خسوف منذ وقتٍ قريبٍ؟


    أجابه الجميع بالنفي،قال سامر:أفٍ ما أبشع الليل من غير القمر!إنه كالغول المخيف،ليته ينيره ثانية،


    وحين يعود من سفره،سأعاتبه، وأطلب منه البقاء عندنا،لكن القمر بقي مختبئاً خلف الغيمات.


    خاطبته الغيمة قائلةً:لا أستطيع أن أخفيك طويلاً،ربما أتت الريح ودفعتني بعيداً ،حزن وخاطب


    الريح:أرجوك ابقي هادئةً،ولا تهبي بضعة أيامٍ فقط.


    استاءت الريح وسألته:ما شأنك أنت حتى تقرر متى أهب؟أو أنتظر؟هل عينوك حارساً علي أم..؟


    قال: ما عاذ الله !وشرح لها حكايته مع الصغير.


    أجابت: معك حق،يجب أن يتعلم احترام الآخرين وحبهم.


    ازداد شوق سامر للقمر،وطلب من الشمس أن تكلمه،ردت:وما شأني أنا بالموضوع؟!لا علاقة لي


    لماذا لا تكلمه أنت؟رد سامر:لقد غضب مني وسافر.


    سألت الشمس ثانيةً :هل تخاصمت معه؟خجل من نفسه وقال:نعم ،لقد رسمته باكياً،وصرخت


    لا أحبه.قالت:هذا ذنبك،حاول أن تعتذر منه،وتتصالح معه .


    رد سامر: كنت مخطئاً والله،وأنا نادم،أحببته وسأبقى أحبه كثيراً،انظري ما أجمله! لقد رسمته يبتسم


    ووجهه مشرق جميل..،أرجوك ،ماذا أفعل حتى يسامحني ويتصالح معي ونعود أصدقاء؟


    غمزت الشمس بعينها وقالت:لا بأس سأتدخل هذه المرة ،بشرط أن تحسن التصرف،وتكون أكثر


    جدية ونشاطاً.رد سامر على الفور:حاضر ,والله العظيم ،حاضر، لكل ما تطلبين، اطلبي منه فقط ،أن


    يعود ،فهو أجمل شيء في الدنيا،وأنت أيضاً.


    سمع القمر كلام سامر وإلحاحه على الشمس،فطلب من الغيمة أن تذهب وشأنها،ممتناً لها وشاكراً ،


    وقرر أن يعود إلى أصدقائه ،لينير لياليهم من جديد.


    المذيعة

    رفض ربيع مرافقة والديه،أثناء زيارتهم لأحد الأقرباء،بحجة أنه مشغول،وعليه تحضير واجباتٍ كثيرةٍ،


    يريد أن يكون من المتفوقين في صفه.


    سرّ الأبوان، ونظرا بإعجابٍ إلى ولدهما وتمنيا له التفوق والنجاح،ودّعاه وأغلقا الباب خلفهما.


    أما ربيع؟!الذي كان ينتظر مسلسلاً ليس للصغار،فقد أسرع لفتح التلفاز،والجلوس أمامه منتظراً


    عرض المسلسل،مع أن المذيعة قالت في نهاية برامج الأطفال :أعزائي الأطفال انتهت الفترة المخصصة


    لكم،أتمنى أن تنهوا واجباتكم على أكمل وجه،وتصبحون على خير.


    ضحك ربيع وقال:وأنت بخير،أتمنى لك أحلاماً سعيدةً ،وجلس مركزاً كل حواسه لمتابعة المسلسل.


    أطلت المذيعة ثانية،لتذيع خبراً هاماً،فشاهدت ربيع لا يزال يتابع المسلسل،عبست في وجهه وكأنها


    تقول له شيئاً،لكنه تجاهل ذلك.


    وقبل أن تودع المشاهدين مدّت يدها وفركت أنف ربيع قائلةً:احترم نفسك ووعدك،عندها خجل


    من نفسه،وأغلق التلفاز،وذهب إلى غرفته كي يكمل واجباته.


    أحلام نيروز
    احتفلت نيروز بعيد ميلادها الخامس،وهي تتوهج حيويةً ونشاطاً،كشمعاتها الخمس التي أطفأتها


    وسط فرح الأهل والأصدقاء،متمنين لها عمراً سعيداً وأياماً هنية.


    طفولتها متميزة ،فهي بين أقرانها زهرةً جميلة،يفوح شذاها على المكان كله.


    محبوبة من الجميع ،تلقت عدداً كبيراً من الهدايا والألعاب ،لها عالمها الخاص ،تعيشه ببراءة وسعادة .


    دخلت أمها ذات يومٍ غرفة الأطفال،فوجدت نيروز قد رتبت الدمى بشكلٍ منتظمٍ.


    وقفت مندهشةً وهي تراقب سلوك طفلتها،دون أن تشعر الصغيرة بدخولها،كانت تحادث ألعابها،


    تؤنب بعضها على تقصيرها،وتكيل المديح للبعض منها لحسن تصرفها وتهذيبها.


    نادت الأم على نيروز أكثر من مرة،لكنها لم تسمعها،فتركتها وغادرت الغرفة.


    بعد ساعة خرجت الصغيرة مشرقة الوجه،والفرحة تغمرها،وهي تنادي..ما ما . .ما ما أين أنت؟


    تعالي من فضلك،سألتها أمها ما بك يا عزيزتي؟أجابتها:هل رأيت تلك الجنية الجميلة ،ذات الجناحين


    الملونين القويين؟قالت الأم باستغرابٍ:جنية؟ وأين هي؟


    أجابت:نعم،ألم تشاهديها وهي تحملني على ظهرها وتطير بي بعيداً.


    أدركت الأم أن ابنتها تعيش أحلام اليقظة،سايرتها وسألتها ثانية: إلى أين أخذتك يا صغيرتي؟


    ردت: حملتني إلى مكانٍ جميلٍ،إلى حديقةٍ مليئةٍ بالأزهار الملونة بكل الألوان.


    يعيش فيها عدد من الأطفال الشطار، وعند وصولنا احتفل الجميع بنا،وعرّفتني صديقتي عليهم


    وعرّفتهم علي ،وكانت فرحتي كبيرة حين انتخبني الأطفال معلمةً لهذه الروضة الجميلة.


    علّمتهم أشياء مفيدة جداً،فرحوا بها،وأصغوا إلي جميعاً باهتمام ،أنشدت لهم الأغاني الجميلة ،


    وشجعتهم على الاجتهاد والانضباط،وسعدنا جميعاً بهذا اللقاء الممتع.


    بعد انتهاء اليوم الدراسي، أعادتني صديقتي إلى هنا ،واتفقنا على أن تزورني دائماً،لنطير معاً


    ونتعرف على العالم ،نتفقد الأطفال ،ونحقق أمانيهم.


    حاولت الأم مراراً أن توجهها إلى ممارسة الألعاب التي تنمي تفكيرها ،وتعيدها إلى الواقع،


    تعيش سنها ،وطفولتها،لكن ذلك لم يصرف نيروز عن أحلام اليقظة،التي أصبحت جزءاً من


    كيانها النفسي.


    كانت تسأل أمها عن الأشياء،والأشخاص الذين تراهم في أحلامها.


    تبتسم الأم وتربت على كتفها.


    وفي يومٍ آخر تفقدت الأم ابنتها فلم تجدها في غرفتها،بحثت عنها في غرف البيت،وهي تنادي


    دون أن تسمع جواباً.وكانت دهشتها كبيرةً حين فتحت غرفة النوم إذ فوجئت بالصغيرة ممددة


    على السرير إلى جانب لعبتها السمراء ،وهي تهدهد لها حتى تنام،وتغني لها ما تعلمته من أمها.


    اقتربت منها ونادتها:صغيرتي..فأشارت لها نيروز بالصمت كي لا توقظها بصوتها العالي.


    تراجعت الأم مرتبكة،لأن ابنتها عادت إلى أحلام اليقظة.


    وحين قامت من السرير،وقفت تكلم أمها بهذا الشأن،قائلةً:يجب أن يتعلم الأطفال الأدب والسلوك الجيد،أليس كذلك يا أمي؟


    أجابتها بابتسامة رقيقة:أجل يا حبيبتي وأخذتها في حضنها وقبلتها بحنان،تحدثت معها برفقٍ،


    تحاول أن توضح لها أنها تعيش في خيالها،في أحلامها،وأنها بالجد والمثابرة،تستطيع أن تحقق ما تتمناه


    أماً مثاليةً تزرع الحب والإخلاص عند أطفالها،كما يمكن أن تصبح معلمةً ناجحةً،تربي الأجيال على


    المحبة والتضحية،إذا هي بذلت جهداً في دراستها.


    وعدت نيروز أمها أنها ستصبح إن شاء الله،كما حلمت من قبل،وتحقق كل ما تصبو إليه.


    مسابقة الألوان

    أعلنت مدرسة المحبة الأولى عن مسابقة ألوان قوس قزح.


    سألت المعلمة التلاميذ:من يحب أن يشارك فيها؟رفع عدد منهم أصابعهم موافقين.


    سجّلت المعلّمة أسماءهم ـ عزمي ـ جلنار ـ فرح ـ سعاد ـ شادي ورنا.


    لم تطلب منهم أن يرسموا موضوعاً محدّداً ،فهي لا تحب أن ترسم حدوداً لآفاقهم،لخيالهم،لإبداعهم


    أحبّت أن تتعرف عليهم من داخلهم، من مشاعرهم ،ومن ريشتهم،تمنت لو طُلب منها موضوعاً


    كهذا عندما كانت في عمر هؤلاء العصافير،كانت أفصحت وعبّرت عمّا تريد.


    كانت تشعر بالضّيق حين تطلب منها المعلّمة أن ترسم بيتاً له جدران وسقف ونوافذ صغيرة،


    فتتذمّر دون أن تجرؤ على الاعتراض،لذا فهي ترسم دائماً مدفأةً نارها زرقاء،لتشعر بالدفء الذي


    حُرمت منه.


    أحبت أن تغرس في طلابها وأبنائها ما افتقدته،كانت تتطلع للأبواب المشرّعة للشمس ،والسماء


    الصّافية،لتستمتع بشدو العصافير.


    وفي الوقت المحدّد للمسابقة أخذ كل طفلٍ مكانه في القاعة،وراح يرسم ما يجول بخاطره،مطلقاً


    العنان لخياله،لم تستطع المعلّمة أن تتكهّن بما يرسم كلّ منهم.


    ربما يرسم ما يتمنّى أن يحقق في المستقبل،أو ربما ما حُرم منه.


    رسم شادي بحراً واسعاً مياهه زرقاء،وأمواجه تداعب الكائنات السابحة فيه،من أسماكٍ ودلافين،


    وكأنها تهمس لها تمتّعي بالسّعادة.


    أما رنا ،فقد لوّنت الصّفحة كاملةً باللون الأصفر.


    فرح رسمت فستان عروسٍ أبيض مزركش بالورود وبألوانٍ مختلفةٍ.


    جلنار ملأت الصّفحة بالّلون الأحمر وثغرها يفترّ عن ابتسامةٍ مشرقةٍ.


    عزمي قام بطلاء الورقة بالّلون الأسود،وهو عابس الوجه،وعيناه ملأى بالدموع تخفيان حزناً كبيراً


    سعاد رسمت غابةً وجبالاً وعصافير وبحراً وزوارقَ.


    جُمعت الأوراق إثر انتهاء الوقت المخصّص.فردت اللجنة الأوراقَ على طاولةٍ مستطيلةٍ طويلة،ومرّ


    عليها أعضاء اللجنة أكثر من مرّةٍ محدّقين فيها بإعجابٍ ،وكلّ منهم يفسّر ما رّسم فيها كما يحلو له.


    استدعت اللجنة الأطفال كلّ على حدة ووجّهت لهم أسئلة حول ما رسم كلّ منهم ولوّن.


    قالت رنا بخجلٍ:أحب الموز كثيراً ، وذات يومٍ طلبت من أمي أن تشتريَ لي الموز فاعتذرت لغلاء ثمنه،لذلك رسمت مزرعة كبيرة ليأكل منها الجميع.


    وقال شادي: أبي موظّف صغير،وكل عام يعدنا بزيارة البحر ،كي نسبح ،ونشاهد الزّوارقَ،لكنه


    إلى الآن لم يتمكن من الوفاء بوعده،فاحمرّت وجنتاه وخجل من نفسه.


    فرح متفائلة جداً وتتمنى أن تكبر بسرعةٍ لتصبح عروساً،وتلبس فستان العرس،والأصدقاء يحيطون


    بها فرحين.


    أما جلنار فقد تنهّدت بعمقٍ،ورفعت رأسها شامخةً حتى بدت كغزالة شاردة،ثم قالت:


    أنا معجبة جدّاً باسمي ،وبما يحمله من معانٍ جميلةٍ، مأخوذة من الشّروق،والورد، والجمال والخجل.


    عزمي وقف ونظره يجول بالأفق البعيد ،وكأنه يبحث عن شيء فقده من قبل،أجاب:


    أريد أن أنتقم لأبي وأجعل ليل الأعداء أشدّ سواداً من غدرهم.


    سعاد وقفت حزينة وقد تدحرجت حبة لؤلؤ من عينيها ثم قالت:قريتي صغيرة،تائهة في الصحراء


    المترامية الأطراف،تكويها حرارة الصّيف ،وتعفّر وجنتيها الرّياح الصحراويّة،لذلك أردتها خضراء


    جميلةً،فيها الماء وكل معالم الجمال والبهجة.


    أُعجبت اللجنة جدّاً بأجوبة الأطفال،واحتارت لمن ستمنح الجائزة الأولى ،أو كيف سترتب توزيع


    الجوائز؟الجميع عبّروا بصدقٍ،تكلم عقلهم قبل لسانهم،وعبّرت رغبتهم، وعواطفهم أصدق تعبير.


    لذلك قررت أن تمنح الجوائز للجميع بالتساوي.


    الغيرة
    جلست على الشرفة ،وجلس قبالتها،حدّق بها تأملها عيونها،ثغرها، نظراتها،تسريحتها،رآها ترنو


    إلى البعيد،خاف منها وعليها.عجز عن السفر في عينيها عبر الأفق،راح يجيل نظره على الشرفات،


    والأسطح المطلة على شرفتهم،رأى شاباً وسيماً يجلس في زاوية مهملة على سطحٍ ليس قريباً منهم،


    وفي يده قلم ،وورقة،يرسم أشياء لم يستطع معرفتها،تحرك شيء في داخله،حرّك أحاسيسه،أشعل


    النار الخامدة،وأدمى قلبه،شعر أنه يتآكل من داخله،وحش الغيرة يفترس أحشاءه.


    دخل البيت مسرعاً،يريد الثأر لكرامةٍ ظنّ أنها هُدرت.


    أحست بالخطر قبل أن تراه،تحولت إلى حمامة بيضاء،في ثغرها ابتسامة حزينة،خفقت بجناحيها


    وطارت بعيداً.


    وعندما وصل وجدها تحلّق في الفضاء وتطير مبتعدةً،تأملها بعصبيةٍ وحزنٍ،لأنه لم يتمكن منها،وراح


    يراقب مكان هبوطها،ركّز نظره على السطح حيث يجلس الشاب،وجدها تجاوزته لتحط بعيداً


    حيث تكون في مأمن من انتقامه ،وغضبه.


    سقطت دمعة من عينه على الكرسي الذي كانت تجلس عليه،فتحولت إلى جمرةٍ أحرقت المكان كله.


    حرفان هما الحياة
    قلبها بارد، شفتاها مثلجتان، مشيتها متثاقلة،عيناها ذابلتان،اختفت الألوان من حياتها،أصبحت رمادية


    أحست بالغربة،داهمها الاكتئاب،وغزت الحيرة بواطن نفسها،فقدت شيئاً ثميناً،ما هو؟..لا تعرف.!


    تساءلت:ماذا أصابني؟هل فقدت كنزاً؟أم أضعت بعض ملامحي؟أو ربما هربت بعض سنوات عمري؟


    والجواب يتكرر دائماً لا أعرف!يمكن أن يكون كل شيء يسير بشكله الطبيعي ،أنام،أنهض،أغتسل،


    أشرب القهوة،أذهب إلى عملي،أتحدث إلى نفسي وكأنها الناس جميعاً.


    كان أشدّ ما أدهشها،وأحزنها،الحديقة التي تمرّ بها صباحاً ومساء في طريقها إلى العمل،أصبحت أشجارها وأزهارها،


    وطيورها وحتى فراشاتها رمادية،حزينة بلا ألوان.


    اختفت بسمة الأطفال،وكأنهم أضاعوا الطفولة،ماذا جرى؟غطت غلالة الحزن الحي كله.


    اضطرت للسفر ذات يومٍ إلى حي بعيدٍ،لسببٍ تجهله،أو حتى لم تكلف نفسها عناء البحث


    عن السبب،المهم أنها يجب أن تسافر وكفى.


    هناك كاد أن يُغمى عليها لماذا؟هل فوجئت بشيء غير عادي؟ أم ظهر لها عملاق أخافها؟


    ماذا رأت؟! شاهدت الأطفال بوجوههم الضاحكة،وطفولتهم البريئة،وملابسهم المزركشة،


    بأجمل الألوان،متآلفين،متحابين،أعجبت بهم ،وأحبتهم،سألتهم عن أسمائهم.


    أجابوها:أحمد،فادي،ظافر،بسّام.


    دُهشت أكثر،يا إلهي !الأسماء تشابه أسماء أولاد حارتها،قالت في نفسها،لكن الأولاد هنا مختلفون


    سألتهم عن سبب اجتماعهم:إن كانوا في احتفالٍ،أو مهرجانٍ،أم ماذا؟ .


    أجابوها:لا ليس عندنا شيء مما تقولين،وكل ما في الأمر نحن نجتمع يومياً،نلعب معاً ونقضي


    أوقاتاً ممتعةً،بعد أن ننهي واجباتنا اليومية.


    ثم سألتهم:وأين أهلكم؟


    ردّوا بصوتٍ واحدٍ:انظري ،وأشاروا إلى مكان ما في الحديقة،إنهم هناك،يجلسون في الطرف


    الآخر،يتسامرون،ويتسلون سعداء،كل منهم يروي نكتةً،أو حكاية،وينفجر الجميع بالضحك.


    عندها أدركت أنها أضاعت أثمن ما في الوجود ،أضاعت إكسير الحياة،وسرّ الخلود،فقدت حبها


    صمتت لحظةً،وعادت مسرعة تبحث عنه.


    الثعلب ودجاجات أم برهوم

    أم برهوم فلاحة نشيطة وقوية ،تملك ثروةً كبيرةً ،بالنسبة لها.


    كرّست حياتها للعمل في الحقل،والاعتناء بهذه الثروة بعد وفاة زوجها،وهجرة ابنها الذي لم يعد أبداً.


    قررت أن تعيش من عرق جبينها.فهي تحب أرضها وجيرانها،وتعتز بكبريائها وعزة نفسها.


    اعتادت أن تخدم نفسها بنفسها،حتى أصبحت مثالاً لنساء القرية.


    تملك ست دجاجاتٍ وديكٍ له عرف أحمر،وريشٍ متعدد الألوان،يتبختر أمام الدجاجات اللاتي


    ينظرن إليه بإعجاب .


    خصّصت منتج الدجاجات لشراء الملح،والكبريت ،والسكر،وأحياناً تجود على نفسها ببعضٍ


    منها،أو تهدي ابن الجيران المريض بيضتين بلديتين.


    يشارك الديك والدجاجات في الزريبة،عنزتان جميلتان(عطرة ،وشقرة)تؤمن من خيرهما بقية المؤونة


    أما الحمار،فهو مساعدها القوي والمخلص،وخادمها الذي لا يرفض طلبها أبداً.


    اعتادت أم برهوم أن ترسل الحمار إلى المرعى،عصر كل يومٍ مكافأة له ،بعد تعبه معها في


    الحمل والنقل والركوب،كي يروّح عن نفسه ،(يتمدد فوق العشب،ويستنشق الهواء المنعش،


    يتسلى بمطاردة الفراشات والعصافير)،إلى أن صادفه ذات يومٍ ثعلب متشرد،يبحث عن الزعامة


    على بعض الضعفاء.


    حيّاه بأدبٍ وسأله:ماذا تفعل هنا؟! أجاب الحمار:أرعى وأتسلى، أم ماذا تراني أفعل؟!


    نظر إليه الثعلب بمكرٍ وسأله:ما رأيك أن نجريَ سباقاً أنا وأنت، ومن يفوز يفرض شروطه؟!


    رمقه الحمار بنظرة ازدراء،وقارن بين حجميهما وقال في نفسه مقهقهاً:من يكون هذا المغرور


    حتى يتحداني؟!هل أناوله رفسةً تسكته إلى الأبد ..؟!أم أتجاهل طلبه..؟


    ثم راجع نفسه وقال:لا يليق بكبيرٍ مثلي،أن يعامل الضعفاء هكذا..!،علي أن ألاطفه وأقبل


    المباراة.ابتسم ابتسامةً ساخرةً وأجاب:نعم قبلت.


    قال الثعلب فرحاً:حسناً يا صديقي، أنت تركض، وأنا على ظهرك أركض،فإن سبقتني


    يحق لك أن تفعل بي ما تشاء،وإلا عليك أن ترضى بشروطي !.


    قبل الحمار المغرور شروط السباق،واثقاً من فوزه.


    بدأ السباق،وكانت المسافة من أول الحقل إلى البيادر،دون توقف.وقفت العصافير والفراشات


    تراقب السباق بحذر،أما الغيمة فقد وقفت تتأمل هذا المغفل المغرور.


    بذل الحمار أقصى سرعةٍ له ،والثعلب مبتهج على ظهره،يستمتع بمنظر تلك المساحات الواسعة


    من الخضرة التي تزيّنها شقائق النعمان بألوانها القانية،ومنظر الأشجار الخضراء،المثمرة تحيط بالحقل.


    وخُيّل إليه أنه يقود طائرة ،أو مركبة فضائية،وتغمره الفرحة أكثر حينما يرى الطيور،أو الحيوانات الأخرى،فيلوّح لها بكلتا يديه.


    وعندما اقترب من البيادر قفز عن ظهر الحمار مسرعاً إلى نقطة العلام،رافعاً يديه منتصراً .


    أما الحمار..!فقد وصل يلهث من شدة التعب،وقف يتصبب عرقاً،خجلاً من ضخامته وخسارته أمام الثعلب.


    حاول الثعلب أن يخفف من مأساته،ويرفع معنوياته،بابتسامةٍ خبيثة قائلاً:


    لا تحزن يا صديقي..لن تكون شروطي صعبة ،فأنا أحترم فيك شهامتك،سأكتفي بشوطين على ظهرك،عند كل غروب.


    قبل الحمار بامتنانٍ وشكره على لطفه،ومحبته،فأعقب الثعلب قائلاً:لي رجاء عندك ،وهو ألا تخبر


    أم برهوم بالموضوع،لأن كلام الأصدقاء يجب أن يبقى سراً بينهم.


    أطرق الحمار قليلاً ثم أجاب :طبعاً يا صديقي.!


    مر الأسبوع الأول ،والأمور تسيركما أرادها الثعلب الماكر.كان المغفل خلاله منهك القوى،


    مهموماً،يتظاهر بالقوة أمام أم برهوم،التي لاحظت أن حمارها ضعيف هزيل، رغم كل الغذاء،


    الذي تقدمه له،والنزهة التي تمنحها له يومياً،عزمه فاتر ،نظراته خجولة ،شهيته مفقودة .


    تساءلت أم برهوم ذات يومٍ:ما به؟ماذا يؤلمه؟هل يعاني أو يشتكي من شيء؟فكان يصمت


    خجلاً.راودتها أفكار وأفكار…هل بلغ الشيخوخة بهذه الفترة القصيرة،دون أن أعيره انتباهي؟


    هل يعذبه الرعاة؟أم أنه يخشى شيئاً آخر؟لا بد من معرفة السبب،طالما لا يريد أن يخبرني ،أنا سأعرف


    بطريقتي الخاصة.


    أرسلته كعادتها إلى المرعى ،بعد أن دهنت ظهره بمادة لزجة،وانتظرته في البيت.


    وكما سبق من الأيام،حين وصل الحمار ،كان الفارس المغوار بانتظاره،قفز على ظهره تغمره


    السعادة والفرح ،وكأنه في سباقٍ عالمي،سوف يُتوّجُ رأسه بإكليل الغار،في نهاية السباق.


    وعند الغروب ربت الثعلب على كتفي الحمار،وحاول الترجل،وإراحته ،مثنياً عليه ، ليعود إلى


    أم برهوم التي حدّثه عنها كثيراً،وعن طيبتها،ولطفها معه.


    فشل الثعلب في النزول عن ظهر الحمار،رغم محاولاته المتكررة،حاول أن يطلب المساعدة من الحمار


    الغلبان ،الذي تملكته فرحة عارمة بقدوم الفرج،ووضع حدٍ لمأساة جلبها لنفسه.


    انتهت فترة التخفي،وجاء الوقت الذي لم يحسب له الثعلب أي حساب.


    وصل الحمار إلى الدار وكان مبتهجاً،أم برهوم الشجاعة ستأخذ له حقه من هذا الصديق الغدار.


    استقبلته العجوز متوعدة ً،مهددةً،بأن تذيقه مر العذاب،وقالت:هذا أنت أيها اللئيم؟!


    أنت من يعذب هذا المسكين؟الويل لك.ستنام الليلة بين الدجاجات،حتى تصبح عبرةً لغيرك.


    أنزلته عن ظهر الحمار،وأشبعته ضرباً،وركلاً،وشتماً،تظاهر بالخوف من مصيره الأسود،حبس


    أنفاسه وتمدد على الأرض دون حراك.


    في المساء أودعته خم الدجاج،كي ينال جزاءه،حاول طلب الاسترحام والصفح،وعدم تكرار ذلك


    ووعد أن يعتني بالحمار،وسيكون له أفضل صديق،لكن رجاءه ذهب أدراج الرياح.


    بقيت أم برهوم متيقظة لتتحقق من مصير الثعلب،كل حواسها مركزة على جهة الخم،حتى أنها لم


    تسمع نهيق الحمار تلك الليلة،وكلما سمعت صوت دجاجةٍ ابتهجت وقالت:أحسنت أيتها البطلة


    جزاؤه،الله لا يشفع له ،التي تليها حتى صمتت الدجاجات جميعاً،استرخت العجوز،ونامت قريرة


    العين حتى الصباح.


    نهضت باكراً،فرحة تتخيل الدجاجات وهي تحيط بالثعلب المتعب وكل منها تنقره في مكان،لكن هل


    تتطابق دائما الأمنيات مع الواقع؟مسكينة أم برهوم..!طيبة وساذجة،ماذا تخبئ لها الدقائق المقبلة؟


    أسرعت إلى الخم،وعيناها تسبقان رجليها ،هل ستزغرد وهي تتشفى بهذا الماكر،أم تنادي على الحمار


    ليشهد نهاية الغدر والخيانة.لم تحسب حساب المفاجأة الكبيرة التي تنتظرها..!


    نظرت من باب الخم وجدت الثعلب ممدداً دون حراك ،ابتهجت ،فرحت،لكن…؟


    جرّته من ذيله..وهي تردد:الله لا يشفيك،نلت جزاءك يا وغد..!تعذّب صديقي وأتركك دون عقاب؟!


    تركته ممدداً خارجاً،متظاهراً بالموت،ودخلت الخم،كي تثني على الدجاجات لعظيم ما


    فعلن،فوجئت بالكارثة الغير متوقعة،جمدت في مكانها،أفقدتها المصيبة النطق ،وهي تحدّق في الداخل.


    ربما تفاجئها دجاجة مختبئة هنا أوهناك…لكن …؟


    خرجت مسرعةً وهي تلطم وتصيح:يا ويلتاه..!يا مصيبتي..!لقد خرب بيتي، غدر بي هذا اللئيم


    مرتين.واستدارت لتجهز عليه،فوجدته قد ولى هارباً،يلوّح بذيله مبتهجاً بانتصاره على المرأة المغفلة.


    الجنية ذات القبعة الحمراء

    فاطمة فتاة نبتت مع الزيتون والبرتقال في أرض مقهورة دنّسها الغاصبون،وقهروا شعبها ،وشردوا أهلها،


    عاشت كغيرها من أبناء القهر بلا مأوى،في مخيمات لا ترد حر الصيف،ولا برد الشتاء،


    يتقاسمون مع حشرات الأرض وديدانها أرض المخيم.


    لا تدري كيف وصلت ،ولا من حملها إلى بيت جدها،المحاذي للحدود الفلسطينية ،المهم أنها نشأت


    وترعرعت في أحضان جدّيها وخالتها،كانت تتساءل :لماذا نشأت دون أبوين؟فهي لا تتذكرهما ..!


    ما شكلهما..؟ما لون عيونهما،وشعرهما؟أين هما ؟وماذا يعملان..؟لماذا تركاها تعيش في بيت جدّها


    بعيداً عن عش الزوجية..؟!أسئلة كثيرة ومحيّرة ..لم تعرف لها جواباً حينها.


    تخيلتهما في كلّ الأشياء الجميلة،المحيطة بها،أزهار،أشجار باسقة، جبال شامخة، صقور جارحة.


    تأملت خالتها يوماً وقالت :هل يمكن أن تشبه أمي؟تغمض عينيها قليلاً وتبتسم ثم تجيب:لا أحد


    يشبهها..ولا حتى القمر،وهل يشبه والدها جدها ؟وله مثل شاربيه؟تهمس لنفسها،أبي أجمل


    إنسان في الدنيا.!قوي يحلّق في أعالي السماء،لم يحدثها أحد عنها إلا القليل،هي لا تعرف أنهما


    صقران جارحان..شعلتان في سماء الوطن المحتل..فدائيان تطوعا في الفرقة الضاربة ضد العدو ضمن الشريط الحدودي.


    ترعرعت فاطمة كباقي الأطفال المحرومين ،الذين أحبوا وطنهم أغنية جميلة،وشمساً مشرقة ،


    وتحية صباحية لعلم بلادهم،الذي رُسم على كل جزء من أجسامهم.


    كانت زهرة برية لم تستطع الريح أن تحنيها،بقيت شامخة،تحمل الوطن وذكرى والديّها في قلبها الصغير.


    هي دائمة التساؤل عن والديّها:متى يعودان؟هل سيحملان لي هدايا قيّمة ،تعبر عن حبهما وشوقهما إلي؟ والجواب يتكرر دائماً:إنهما


    يحاربان الغول الأسود،وسيعودان إن شاء الله


    ظافرين بعد القضاء عليه وتحرير الشمس منه.


    تمنت أن تكبر سنينها بالجملة،متخطية حدود الزمن،كي تساند أبناء شعبها في محاربة الغول الأسود


    وتجتمع بوالديها.


    كبرت فاطمة ،فازدادت جمالاً وبهاء،وجهها مشرق كشمس الحريّة،جميلة كخضرة سهول الوطن وجباله،


    نضرة كأزهار البنفسج والبيلسان،لكن والديها لم يعودا بعد..‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍


    استعادت ذكريات الطفولة باستغراب،ماذا كانت ترى في الليل..؟وهل الذي كانت تراه حلماً أم حقيقة؟


    ولماذا كان ذلك يحدث في الليل فقط؟أما النهار ،فكانت أحداثه عادية،تتخلله أخبار استشهاد


    مناضلٍ،أو ضرب أحد مراكز العدو،أو غير ذلك.


    تلك الليالي كانت ممتعة،تقضيها بخصوصية،ونشوة .تدخل البيت الفينة والأخرى جنيّة جميلة الوجه


    رشيقة القوام،شامخة كجبال فلسطين.لها شعر أسود ينسدل على كتفيها ،وابتسامة تفيض عذوبة ورقة


    ترتدي قبعةً حمراء،تدخل خلسة وتطبع على وجهها قبلةً دافئةً لها معنى متميز تشعرها بحرارة الحب


    وفي كل مرة تحمل لها الهدايا.


    لم تدري لماذا كانت تلك الهدايا غالية عليها بشكل غير عادي، أصبحت جزءاً من كيانها من طفولتها


    كنزها الذي لا تفرط به.تغمض عينيها يرفرف قلبها تضطرب مشاعرها،تشتم رائحة حب وأمومة


    تخشى أن تفتح عينيها، أو تقرأ التعويذة،فتختفي الجنية ،تصمت وتسترق النظر،مندهشة بجمالها


    وعذوبة صوتها.


    كم تمنت أن تكون أمها أو صديقتها،تعانقها،وتأخذها بين ذراعيها،تنظر في عينيها،تشم رائحة عطرها


    تلامس قبعتها أو تستعيرها لبعض الوقت،ربما ساعدها ذلك على اكتشاف سر الجنية.


    تكرر قدوم الجنية ،وأصبح ضرورة ملحة لفاطمة كالماء واللعب والهواء وغيره.فقد كان الوقت


    يضيق بين المغرب والمساء للانتظار، وأعمالها الأخرى،حين ينسدل ستار الليل،ويقترب الموعد


    تضطرب فاطمة ،تسرع ضربات قلبها الصغير ،وتنتابها مشاعر وأحاسيس ،جميلة ومشوشة،


    فيها الفرح ،والخوف فيها الشوق والقلق،عجزت عن تفسيرها.كانت حياتها عادية قبل ذلك


    تسرع فاطمة لتلقي تحية المساء على جدّيها،وخالتها،وتستلقي على سريرها متصنعة النوم


    فكرت مراتٍ ومرات أن تطلب منها أن تحملها ولو للحظات،إلى أمها،وإن لم تستطع


    فلتبحث لها عن والديها،تبلغهما أشواقها، وحبها ،وتقبلهما في عيد الأم كباقي الأطفال


    وفي كل مرة تتراجع وتقول:أخشى أن وقتها لا يتسع .


    سألت خالتها يوماً، أن تفسّر لها ما يحدث معها حين تأوي إلى فراشها،وهل ما تراه حلماً


    أم أن هذه الصور والأحداث من خيالها؟


    أجابتها الخالة قائلةً:اسمعي يا عزيزتي…هذه الجنية الجميلة هي صديقة الأطفال المهذبين المجدين


    تحبهم وتزورهم في أوقاتٍ مختلفة،تقدم لهم الهدايا،ولكن إياك أن تخبري أحداً عنها أو عن زيارتها


    حتى لا تغضب وتقطع زيارتها وبالتالي تختفي نهائياً،هل يرضيك هذا..؟ !


    ردت فاطمة بذعرٍ:لا ..لا والله لن أحكي إلى أحدٍ عنها أو عن زيارتها.وأعدك أن سرها سيبقى


    في صدري ،طالما قلبي في صدري.


    فرحت فاطمة ،فهي تملك كنزاً كبيراً وثميناً،تملك سر الجنية،خبأته حرصاً على صداقتها.


    كبرت الطفلة وكبر معها حب الوطن،والعزم على محاربة الغول الأسود.وتحول حلمها إلى قضية


    كبرى،والليل إلى فسحة أوسع للتفكير والأمل.حين أدركت أن تلك الجنية هي أمها التي نذرت


    نفسها للوطن والقضية،تزورها ليلاً،بعيداً عن عيون المخبرين والخونة.


    كما أدركت أن طريق المجد ،هو التفوق والنجاح.واعتادت في كل مناسبة أن تحمل باقتين


    من الأزهار البرية،وتضعهما على صخرتين متجاورتين،وأقسمت بتلك الجنية ذات القبعة الحمراء


    وحبيبها الذي سبقها إلى المجد والخلود،أن تسير على خطاهما بكل فخرٍ،واعتزاز.


    زهرة السوسن

    كانت تنتحب حزينةً بجانب النهر،تزرف الدمع كقطرات الندى .شجرة المشمش المنتصبة


    شموخاً على ضفة النهر (الذي ترقبه من سنواتٍ،وهو ينساب بهدوء بمياهه المترقرقة الصافية كصفحة السماء،


    ليمنح الحب والحياة للحقول المجاورة له)تناهى إلى سمعها صوت بكاءٍ حزينٍ ،دون أن ترى أحداً.


    استاءت من صوت النحيب،نظرت حولها كي تتعرف على مصدر الصوت، كان الحدث محيراً


    تسمع بكاءً ،ولا ترى أحداً .!


    تساءلت بصوتٍ عالٍ:من يبكي في هذا الوقت الجميل؟! يا عجباً !،الجميع فرحون ،سعداء،


    لقد تفتح الحب والأمل في قلوبهم مع تتفتح أزهار الربيع.


    رأت العصافير تغرد فرحة ،مبتهجة ،فوق الأغصان،وكأنها تتبادل أرق الكلمات ،وأعذب الأحاديث


    بعضها مشغول بتجهيز عش الزوجية،واستقبال وافدين جدد،والبعض الآخر يبحث عن أصدقاء .


    أما الفراشات فكانت بجميع الألوان،تطير بخفةٍ ودلالٍ ،وكأنها تُحمل على جناح نسيماتٍ عليلة


    شفافة.دُهشت الشجرة ،وتساءلت ثانية:إذاً من الذي يبكي وينتحب ؟! أيضاً لم تسمع جواباً.


    نظرت نحو الأسفل إلى الأرض ،وكم كانت دهشتها كبيرة ،وأسفها أكبر..حين رأت زهرة


    السوسن الجميلة الناعمة تنتحب حزينة،وكأنها فقدت لتوها أعز أحبابها.


    أسفت الشجرة لبكائها،وسألتها:مالك تنتحبين أيتها الجميلة المغناجة ؟!


    أطرقت الزهرة بحياء ولم تجب،مع أن صوت حزنها لا يزال يُسمع…!


    كررت الشجرة السؤال،هل آذاك أحد؟أم أصابك مكروه لا سمح الله ..؟!


    تنهدت الزهرة بعمق وقالت: أجل أوشكت أن تَحُلّ بي مصيبة.


    قالت الشجرة :خير إن شاء الله، وكفانا شر الآتي، والآن هيا اخبريني ما هي؟أم أنك تستبقين الحدث؟


    ردت الزهرة الحزينة :ألا ترين أن الربيع يلملم متاعه ويستعد للرحيل ؟!


    سألت الشجرة بامتعاضٍ :وما الضير في ذلك ؟


    أجابت الزهرة :آهٍ…آهٍ ..كيف أشرح لك ؟حقيقة أنني خجلة مما أقول ،ورغم ذلك سأخبرك.


    صمتت الشجرة ،وأصغت لها باهتمام،فتابعت الزهرة أنت تعرفين إني ناعمة ومدللة،عمري بعمر الربيع ،


    لذا أخشى أن تداهمني شمس الصيف الحارقة،وتيبّس أوراقي وتختفي نضارتي،وعذوبتي،


    ولا يمكنني الاختباء منها.


    زفرت الشجرة وقالت:ألم تعيشي كملكةٍ تتبختر مزهوةً، متألقة بين أقرانك ؟!ألم تستيقظي مع


    خيوط فجر الربيع،وترفلي بأجمل ثوبٍ حبتك به الطبيعة،رافعة رأسك بغنجٍ ودلالٍ،تعطرك قطرات


    الندى الصباحية، فتبدين كعروسٍ جميلةٍ؟!.


    قالت الزهرة :بلى ،لكن حياتي قصيرة جداً،أما أنت فلا تخافين..جذورك عميقة،راسخة في الأرض


    وساقك قوية صلبة،تقاوم الريح،والعواصف،وفروعك تمتد في كل الجهات،فتشكلين بأوراقك


    مخبأً ومظلةً للمحتاجين والضعفاء أمثالي.


    ردت الشجرة :على رسلك يا عزيزتي..أجل أنا كبيرة،وقوية،وتزورني آلاف الطيور،والفراشات


    مع نسيمات الصباح العليلة،فأُطرب لشدوها،وأعيش الربيع شباباً متجدداً ،حيث تتفتح براعمي


    أزهاراً بيضاء،تعلوها حمرة خجلٍ،فأبدو في أجمل حلةٍ وهبتها لي الطبيعة،لكني بحاجة إلى شمس


    الصيف كي تنضج ثماري..!خذي مثلاً الخريف يعريني من أوراقي التي تضفي علي البهجة والجمال


    وتجعل مني ملاذاً للعشاق في ليالي السمر،ولكني لا أغضب منه أبداً،وقبل رحيله تكون طلائع الشتاء


    قد هلّت بشائرها،الريح،البرد، الثلج،الصقيع،والعواصف،فتبدو أغصاني كأخوة دبّ الخلاف بينهم


    وأحياناً أبدو مثل شجرة يابسة لا تصلح إلا لمدفأة فلاح فقير،ورغم ذلك أحب الخريف والشتاء.


    كانت الزهرة الرقيقة تستمع إلى حديث الشجرة بحزنٍ ويأسٍ ،


    ثم ردت بصوت يغلب عليه الشجون والقلق،:آهٍ..كم أتمنى أن يمتد الربيع على مدار السنة.!


    كاد صبر الشجرة أن ينفذ فوبختها قائلةً:ويحك أيتها الأنانية ..لن تموتي ،ستحتضن الأرض بذورك


    تدفئها وتصونها،لتعيد لها الحياة في الربيع القادم ،إننا بحاجة إلى جميع الفصول لتكتمل دورة الحياة


    كل منها يكمل الآخر ،وتتعانق فيها البداية مع النهاية،فلكل فصل جماله وفائدته.


    خجلت الزهرة من نفسها وأطرقت.


    أصغت الطبيعة إلى الحوار ،وقررت أن تهب الزهرة دورة حياة جديدة،تستمر طيلة فصول السنة.


    جاء الصيف بحرّه الملتهب،ونهاره الطويل،فحمدت الخالق أنها تعيش في ظل شجرة وارفة.


    ومع إطلالة الخريف دبّ فيها الذعر وراحت ترتجف مع هبوب الريح،حتى كادت أن تلتصق


    بالأرض،فهي لم تخلق للمواجهة،بل لتكون هديةً للعاشقين.


    وعندما حلّ الشتاء بأمطاره وثلوجه،بهت لونها تلاشى أريجها ،وذبلت أوراقها،


    وقبل أن تسقط متلاشية تحت ركام الثلج صرخت مستنجدةً:أرجوك يا أمنا الطبيعة أبقيني كما كنت .


    الشجرة المباركة

    اقترب الفلاح ذو الوجه الأسمر الذي لوّحته شمس الريف ،والساعدين القويين،(الذي عُرف بحبه


    للأرض والشجر والنبات بشكل عام.)ذات يومٍ من الشجرة الكبيرة المعمرة،وتفحصها من كل جوانبها،


    متأملاً كل غصنٍ على حدة،وإمارات الإعجاب والأسف بادية على وجهه.


    ارتاعت الشجرة وتراقصت أغصانها خوفاً،وسرى همس في أرجاء المكان،بين الشجرة وأوراقها


    وأغصانها،وحتى البراعم منها ،كانت أقرب إلى النحيب الصامت .إذا خُرق الصمت ،كان على


    شكل أسئلة مشوّشة،مضطربة…ماذا سيفعل بنا؟! هل قرر أن يقص الأغصان فقط ؟أم اقتلاع


    جذوري أيضاً ؟ ! قالت الشجرة،ويتركني مجرد ساقٍ عاريةٍ،عاجزة عن الدفاع عن نفسها،


    ضد الحر والبرد،ويحرمني من استقبال أعز ضيوفي،من الطيور،( التي تطلب الحماية،ضد أعدائها ).


    وكذلك من أعز صديقاتي الفراشات الملونة الجميلة،والعشاق الذين يستريحون في ظلي.


    زاد خوف الشجرة،وتكورت حول نفسها ،إذ تداخلت أغصانها وتشابكت ،وكأنها تتحفز


    لخوض معركةٍ مقبلةٍ لا بد منها،وتحولت إلى مظلةٍ خضراء يحملها عجوز قارب التقاعد من الحياة،


    حينما امتنع الفلاح عن الإفصاح عما يريد.


    تركها الفلاح،وجلس عند طرف الحقل،يجيل النظر في أرجائه،يتفحص كل شبرٍ فيه ،فقد أحبه


    كولدٍ من أولاده .


    جلس يدخن سيجارته ،(التي كثيراً ما رجته زوجته كي يقلع عنها،حفاظاً على صحته،وسلامته)


    كانت الأغصان الخائفة تسترق النظر بين الفينة والأخرى ،لترقب ما سيقدم عليه صديقها وراعيها


    هل ينتظرها شر ؟ أم ماذا سيحل بها؟وتكرر السؤال الذي ضاع جوابه في بئر الخوف والهلع .


    قالت الأغصان الكبيرة:هل يعقل أن يجعل منا وقوداً لتنور زوجته ،كي تنضج الأرغفة السمراء،


    وتصبح طعاماً شهياً لأولاده ؟.


    تدخلت البراعم الخائفة قائلةً:كيف ذلك وهو الذي تعهدنا بالرعاية والحنان؟كم كانت يداه


    حنونتين،خيّرتين..عندما يلامس أحدنا كأنه يلامس وجه طفلٍ صغيرٍ لا يزال يحبو .


    عقّبت الشجرة الأم:نعم كان من خيرة الفلاحين،فقد أهتم بنا منذ كنت وزميلاتي بذوراً صغيرةً


    في رحم الأرض،وكرّس جلّ وقته للرعاية والعناية بنا ،فكثيرة هي الليالي التي قضاها ساهراً في الحقل


    حتى تصلنا مياه النبع فنرتوي ونزداد نمواً .وكذلك كان يفاجئنا باكراً وقبل أن تفرد الشمس


    جدائلها الذهبية على الكون ،يحمل لنا أكياس السماد الطبيعي على ظهر حماره العجوز،بعد أن


    تكون زوجته النشيطة قد جمعته من خم الدجاج وزريبة الماعز والغنم.


    عشرات الأسئلة راودت الشجرة وأغصانها،لكن دون إجابة.


    مضى اليوم الأول ،والشجرة تعيش حالة الخوف،المشوب بالحزن والقلق،حتى أنها لم تتمكن من


    استقبال أي من أصدقائها،العصافير،الفراشات،وبدت كأنها عادت لتوها من دفن الفرح والسعادة في صحراء الربع الخالي.


    في اليوم الثاني وصل الفلاح باكراً، لم يقترب من الشجرة،


    وقف على بعد أمتارٍ منها وراح يقيس بنظره المسافة بين مكان وقوفه والشجرة، ث


    م انحنى ورسم مربعاً منتظماً،فظنّت أنه غيّر مهنة الزراعة إلى الهندسة، فزاد عجبها .


    بدأ صاحب الحقل يحفر الأرض وفق الرسم،الطول ،العرض،الارتفاع،والأغصان الخائفة المضطربة


    تختلس النظر إليه وتتساءل:ماذا يفعل يا ترى..؟هل سندفن في تلك الحفرة ..؟أم سيجعلها مصيدةً


    لأصدقائنا الطيور والحيوانات الصغيرة ..؟أم سيخبأ فيها شيئاً ما لا يريد لأحدٍ أن يعرفه ؟!.


    كان القلق يكبر والخوف يسيطر مع مرور الوقت،حتى أنها لم تشعر بغروب الشمس،حينما


    مرّت فوقها،على غير العادة،هي لم تسلّم عليها،أو تلوّح لها،وترد التحية.كادت أوراقها تذبل


    رغم أنها رُويت أمس الأول.


    انتهى الفلاح من الحفرة ،وكوّم التراب على حوافها،وتأكد من دقة قياساتها..انشرح صدره،


    وعاد إلى البيت باكراً،بعد أن ترك الحفرة عرضةً للشمس والهواء.


    بقيت الشجرة وأغصانها حزينةً ،مشغولة البال،فقد هرب النوم منها ،وطال ليلها،وحتى القمر


    تقاعس في النهوض،وكأنه مضرب عن إنارة الكون.


    أيضاً شعرت أن الشمس نسيت أن تشرق في اليوم التالي،وحتى أنها لم تسمع صوت الديك


    الذي يبيت على الحائط عند طرف الحقل،حين صاح بأعلى صوته عند الفجر كي يوقظ الجميع.


    وصل الفلاح الحقل مع فلول جيش الظلام ،وتسرّب خيوط الفجر الحمراء ،وقبل أن تتداخل


    مع جدائل الشمس الذهبية،واتجه نحو الشجرة الكبيرة بهمةٍ،وسعادةٍ،بينما شعرت أن الحياة توقفت


    في أوصالها.حيّاها قائلاً:صباح الخير يا مباركة،يا معطاءة،تنفست الشجرة بعمقٍ وشعرت أن الحياة


    عادت إليها من جديد،وهي بين مصدقٍ وخائفٍ،ثم مدّ يده بالمقص وقال:


    سامحيني يا غاليتي…إن جرحتك،ألف سلامةٍ لك،من أي كدرٍ،وألم،ولكني مضطر لأخذ أحد


    أغصانك كي أزرعه في تلك الحفرة القريبة،لتبقى سلالتك حيةً في هذا الحقل،ويأكل أحفادي


    من ثمارك اللذيذة.


    سمعت الشجرة ما قاله صديقها ،تنهدت بعمقٍ ،واسترخت ،وراحت الأغصان تهتز وتتراقص


    بلطفٍ،فحركت نسمات الصبح المنعشة،التي ندّت وجه الفلاح النشيط،الحنون،وكأنها تشكره


    على معروفه ،ثم حمل الغصن وزرعه في الحفرة،بيدين حنونتين،ورواه بالماء،ورصّ التراب فوقه


    وكأنه يهدهد له ويقول:بوركت يا ابن المباركة ،وطابت ثمارك .


    كانت الشجرة بين الفينة والأخرى تهتز،فيهتز الغصن معها بتناغمٍ،ودبت الحياة في الحقل


    وعادت تستقبل أصدقاءها القدامى،وتمنح الخير للجميع.
يعمل...
X