إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وردة الصباح - صحبة الشاعر الكردي الكبير حامد بدرخان - Ali A. Kanaan

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وردة الصباح - صحبة الشاعر الكردي الكبير حامد بدرخان - Ali A. Kanaan

    تمت مشاركة ‏منشور‏ ‏‎Ali A. Kanaan‎‏ من قبل ‏‎Mohammad Alfahed‎‏.


    Ali A. Kanaan

    وردة الصباح
    من الذكريات الغالية خلال الثلث الأخير من القرن الماضي، صحبة الشاعر الكردي الكبير حامد بدرخان، وهو اسم مستعار آثر الاقتران به هربا من حكم الإعدام الذي صدر بحقه في تركيا، نظرا لعلاقته الحميمة بالشاعر التركي ناظم حكمت. كنا من عشاق التجوال في شوارع دمشق ليلا قبل أن نأوي إلى البيت الصغير المطل على حديقة السبكي في حي الشعلان. وأجمل لقاءات الشعر واستعراض أحداث العالم كانت في عقد السبعينات، وكانت حرب التحرير في فيتنام بقيادة الجنرال جياب ما زالت في عز سيرورتها المظفرة. بعد انتهاء العمل في جريدة "الثورة"، كنا نتجه سيرا إلى تلك الحديقة الصغيرة، المطلة على جامع الروضة، في آخر شارع الجلاء المعروف شعبيا بـ"أبو رمانة"، لنأخذ مجلسنا بالقرب من تمثال (حكيم المعرة) الذي أبدعه الفنان المتألق فتحي محمد، قبل رحيله المبكر...
    كان أبو العلاء ينظر من موقعه المشرف على الشارع الجميل بأبنيته الأنيقة المترفة، ويمتد بنظره إلى ما وراء الأفق، وكان الفنان بعبقريته المدهشة قد جعل الحكيم بعين مبصرة تجوب أرجاء الكون، وعين مطفأة تنظر إلى الداخل استجابة لنداء سقراط "اعرف نفسك". وكان الشاعر حامد يشاركني الرأي في أن أبا العلاء لو كان في أمة، غير العرب، لما كان طاغور أو شكسبير أو غوته أهم منه وأشهر. ولا يمكن أن أنسى مقولة بدرخان في كل حديث عن الاحتلال والمقاومة والتحرير، إذ كان يؤكد "فلسطين أولا" وبعد ذلك من حقي أن أفكر بكردستان، وعلى كل مناضل أن يكون ضد الاستعمار بشتى أشكاله القديمة والحديثة، وإلا.. فلا مبرر لوجودنا.
    وحامد بدرخان كان ينام تحت الجسور، كغيره من المناضلين من عسف الدرك التركي، ويوم لجأ إلى باريس بدعوى متابعة دراسته العليا، عاش في صحبة الشاعر الفرنسي لويس أراغون الذي كان يقول له: آه، يا حامد، كم أتمنى لو أعرف شعرك بلغتك الأم!.. وحامد كتب الشعر في العربية، إضافة إلى شعره باللغة الكردية.. كما كان يتقن التركية ويشعر بالأسف الشديد من أدعياء الترجمة لشعر ناظم حكمت، لأنهم لا يعرفون من التركية إلا النزر اليسير.
    ومن أجمل حكايات السفر وقصص النضال الفاجعة التي حدثني عنها أنه كان في القطار المتجه ليلا من إيطاليا إلى فرنسا، وفي الطريق أخذ رجل هندي من المسافرين يغني بصوت حزين مؤثر. وحين انتهى من أغنيته، دار حديث بينه وبين حامد حول الأغنية، وكانت الخلاصة: أن كوكبة من قادة الحزب الشيوعي كانت متجهة إلى شمال البلاد سرا من أجل عقد مؤتمر، ومن بينهم صبية جميلة، هي ابنة رئيس الوزراء.. وكانت من أعضاء ذلك الحزب الحريص على النضال السري وكتمان أسماء أعضائه... وفي الطريق علم قادة الحزب أن أمرهم انكشف وأنهم معرضون للاعتقال.. وأخذوا ينظرون بريبة واتهام إلى رفيقتهم الجميلة، فلم تجد وسيلة لتبرهن لهم على براءتها، إلا أن تلقي بنفسها من القطار لتمهر وثيقة براءتها بالدم...
    رحل حامد بدرخان، وأنا بعيد على حافة آسيا. إن هذا الشاعر الكردي العالمي والطفل الكبير، ينام في قرية شيخ الحديد في منطقة عفرين بالشمال السوري. كان محبا للموسيقى الكلاسيكية، يضع أسطوانة لتشايكوفسكي أو كورساكوف أو غيرهما.. ويبدأ السير في أرض الغرفة، والسيجارة في فمه.. وأطياف قصيدة جديدة تداعب خياله.. وكانت زوجته الفلاحة الطيبة تتأمله بإشفاق وتهمس مهمومة متعاطفة: "آخ، يا ربي.. حامد جن!". لكن قصائد الشاعر في ديوانه "على دروب آسيا" ما زالت وردة المكتبة العربية، وإن اختلف إبقاع العصر واضمحل الاهتمام بلغة القلب وأناشيد الكفاح الإنساني على امتداد الكوكب.. وكان البديل طغيان الزبد عبر بحار اللغة الرقمية.
يعمل...
X