إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بعد الثمانين من عمرك..مقتطفات من مقال ماريا بوبوفا - اوليفر ساكس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بعد الثمانين من عمرك..مقتطفات من مقال ماريا بوبوفا - اوليفر ساكس

    بوابة الأخبار: عندما تبلغ الثمانين من عمرك.. «الامتنان» لأوليفر ساكس


    «عليك أنْ تفهم الحياة إجمالًا على أنها فنٌّ من الفنونِ»! هكذا كُتب عن كتاب في فنِّ الحياة نُشِر عام 1924. أنْ يكون واحدٌ من أعظم علماء عصرنا هو نفسه أحدُ أعظم معلمينا في هذا الفنِّ، نعمةٌ يجب أنْ نكون ممتنِّين لها؛ إنه أوليفر ساكس (1933- 2015) كوبرنيكوس العقل، ودانتي الطبِّ الذي حوَّل دراسة الحالة إلى قالبٍ شِعريٍّ، وأصبحَت شاغله الشاغل على مدار حياته المديدة والمليئة بالإثارة.
    كشفَ الدكتور ساكس في شهور حياته الأخيرة عن مغامرته الوجودية الفريدة، ورقصته الشجاعة مع الموت في سلسلة مقالات شاعرية في صحيفة نيويورك تايمز، نُشِرت بعد وفاته في كتاب صغير الحجم، ولكنه آسِر بعمق، هو "الامتنان"؛ حرَّره كيت إدغار، صديقه ومساعده على مدى ثلاثين عامًا، وشريكه المصور بيل هايز.
    حمَل المقال الأول عنوان "الزئبق"، تتبَّع فيه خُطى هنري ميلر الذي كان يرى قبل ثلاثة عقود أنَّ الحياة السعيدة تبدأ في الثمانين"، كتب الدكتور ساكس:
    "في الليلة الماضية حلمتُ بالزئبق، كريات فضية متلألئة تتقافز. الزئبق هو العنصرُ رقم ثمانون، وهذا الحلم كان تذكيرًا بأنَّني سوف أبدأ سِنَّ الثمانين يوم الثلاثاء. منذ طفولتي، والعناصر تتشابك مع أعياد ميلادي؛ عندما تعلمتُ الأعداد الذرية، أستطيع أنْ أقول وأنا ابنُ الحادية عشرة، بأنني "الصوديوم" (العنصر 11)، والآن وأنا في التاسعة والسابعين، فأنا الذهب... ثمانون! ما أصعب تصديق ذلك! كثيرًا ما كنتُ أشعر بأنَّ الحياة على وشك أنْ تبدأ، حتى أدركتُ أنها على وشك الانتهاء".
    بعد أنْ كاد يموت وهو في الحادية والأربعين بسبب ثور أبيض، شَعُر الدكتور ساكس بالنعمة العظيمة لبلوغه هذه السِنَّ المتقدمة:
    "عند الاقتراب من الثمانين، وتكاثُر المشكلات الطبية والجراحية، التي لا مفرَّ منها، أشعر بالسعادة بأنني لا أزال على قيد الحياة! "سعيدٌ لأنني لم أمُت" أحيانًا أنطق هذه الكلمات بلا شعور، عندما يكون الطقس جميلًا.. أنا ممتنٌّ لأنني جرَّبْتُ أشياء كثيرة -البعض منها رائع، والآخر رهيب- لذا استطعتُ كتابة عشرات الكتب، واستلام رسائل كثيرة من الأصدقاء والزملاء والقراء، والاستمتاع بشيء يسميه ناثانيال هاوثورن -روائيٌّ وكاتب قصص- "الارتباط مع العالم"، لقد ندمتُ على إهدار الكثير من الوقت «وما زلت»... يؤسفني أنني أشعر بالخجل المؤلم وأنا ابنُ الثمانين مثلما كنتُ وأنا في العشرين؛ أسفتُ أنني لم أتعلم لغة أخرى، ولم أسافر، أو أشهد ثقافاتٍ شعوب آخرين بشكل أوسع كما يجب عليَّ".
    ولكن ظهور وعي الذات الحزين هي روح الدكتور ساكس المبتهجة؛ يعكس أفكار جورج إليوت عن دورة حياة السعادة، وثورو عن هدية تقدُّم العمر العظيمة، كتب:
    "كثيرًا ما قال والدي، بعد أنْ عاش إلى الرابعة والتسعين: إنَّ عمر الثمانين هو من أمتع سنوات العمر! لقد شعُرَ، كما بدأتُ أشعُر، بأنَّ الحياة العقلية والنظرة تتَّسع ولا تنكمش. مَن في الثمانين له خبرة طويلة في الحياة، لا تشمل حياته فحسب، بل حياة الآخرين أيضًا؛ فقد شهد الحياة بكل وجوهها.. الانتصاراتِ والمآسي، الازدهار والكساد، الثورات والحروب، الإنجازات الكبيرة والغموض العميق أيضًا، وكان شاهدًا على نظرياتٍ كبيرة انتشرت، ثم ما لبثت أنْ أطاحت بها الحقائقُ القاسية، سنُّ الثمانين هو الأكثر وعيًا وربما الأكثر جمالًا ولكنه سريع الرحيل، يمكن للمرء في الثمانين، أنْ يلقي نظرة طويلة حية، مليئة بالحسِّ على التاريخ، لا تتاح في سِنٍّ مبكرة. يمكنني أنْ أتصوَّر، وأشعر ذلك في عظامي، ما يعني قرنًا من الزمن، الأمر الذي لا يسعني معرفته في الأربعين أو الستين. أنا لا أفكر في العمر الكبير على أنه وقت مؤلم، يجب أنْ أتحمله بطريقة أو بأخرى، والقيام بأفضل ما أستطيعه، بل كوقت من المتعة والحرية؛ فأنا الآنَ حرٌّ من التزامات الأيام الماضية المُلحَّة، حرٌّ لاستكشاف كل ما أتمنى، وربط الأفكار ومشاعر العمر معًا".
    في مقال آخر حمَل عنوان "حياتي الخاصة"، كتبه الدكتور ساكس بعد وقت قصير منْ علمه بإصابته بمرض السرطان وهو في عمر يناهز الواحدة والثمانين؛ نجده لا يزال يؤمن بإمكانيات الحياة التي تقطن في الوقت المتبقي على رحيله:
    "الأمر متروك لي الآن لأختار كيف أعيش الأشهر الباقية من حياتي! اعتدتُ العيش بطريقة غنية، زاخرة بالعطاء قدْرَ ما استطعتُ؛ وأستلهم هنا قول أحد فلاسفتي المفضلين، ديفيد هيوم، الذي - عندما أخبره الأطباء بمرضه القاتل وهو في سِنِّ الخامسة والستين - كتب سيرة ذاتية قصيرة في أحد أيام شهر أبريل 1776 تحت عنوان "حياتي" جاء فيها:
    "أحسبُ أنني الآنَ على وشك الرحيل، الغريب أنني عانيتُ ألمًا قليلًا جدًّا بسبب مرضي، والأكثر غرابة، على الرغم من ذبول جسدي، أنَّ روحي لم تخْبُ؛ فلا زلت أتمتع بنفس الحماس في التعلم، وبهجة رفقة الأصحاب ذاتها".
    وبنظرة منطقية إلى كلمات هيوم المؤثرة "من الصعب أنْ تبتعد أكثر عن الحياة مما أنا عليه الآن"؛ يرى الدكتور ساكس بطريقة متناقضة أنَّ الابتعاد قد يصبح أداة للوجود:
    "خلال الأيام القليلة الماضية، كنتُ قادرًا على رؤية حياتي من ارتفاع كبير، كأنها منظر طبيعيٌّ، وبإحساس عميق بارتباط جميع أجزائه؛ هذا لا يعني أنني انتهيتُ من الحياة.
    على العكس من ذلك، أشعر بالحياة بشكل مكثف، وأريد وآمل في وقتي المتبقي، أنْ أعمِّق صداقاتي، لأقول وداعًا لمن أُحِب، لأكتب أكثر، لأسافر إذا كنت أستطيع، لأصل لمستويات جديدة من الفهم والحكمة".
    بعد مرور عقود على ما ألهمته به خالته الحبيبة "ليني" عن الموت بكرامة وشجاعة، قدَّم الدكتور ساكس هذا الدرس عن حياته؛ كان حقيقة ساحرة في كتبه، عكس في نصوصه المتألقة ما في داخله، ثم إلى خارج هذا العالم، في رثاء مثير لنفسه:
    "لا أستطيع أنْ أنكر شعوري بالخوف، ولكنَّ شعوري الغالب الآن هو الامتنان؛ لقد أحببتُ وكنتُ محبوبًا. أَعطيْتُ الكثير وأُعطيتُ الكثير. قرأتُ وسافرتُ وفكرتُ وكتبتُ. لقد كنتُ مرتبطًا مع العالم بأسره، ولاسيما الكتاب والقراء. وفوق كل شيء، لقد كنتُ مدركًا للوجود، على هذا الكوكب الجميل، وهذا في حد ذاته كان شرفًا ومغامرة كبيرة".
    مقتطفات من مقال ماريا بوبوفا

    اوليفر ساكس
يعمل...
X