إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التشكيل الإماراتي..بصمة المكان الجمالية..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التشكيل الإماراتي..بصمة المكان الجمالية..

    البيئة ذاكرة الطفولة وخزان التراث الأزرق والأصفر والأخضر ألوان الكثير من اللوحات
    التشكيل الإماراتي..بصمة المكان الجمالية











    الشارقة - غيث خوري:
    تمثل البيئة الاجتماعية والجغرافية، الوسط الإنساني والطبيعي الذي يتحرك في إطاره جميع الأفراد، ومن خلالها تتشكل رؤاهم وطريقة عيشهم وإنتاجهم المادي والفكري والفني والثقافي. وهذا ما يراه عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم بقوله: «في كل منا يوجد كائنان لا يمكن الفصل بينهما إلا على نحو تجريدي، أحدهما نتاج لكل الحالات الذهنية الخاصة بنا وبحياتنا الشخصية وهو ما نطلق عليه الكائن الفردي، أما الكائن الآخر فهو نظام من الأفكار والمشاعر والعادات التي لا تعبر عن شخصيتنا، بل عن شخصية الجماعة والمجتمع الذي ننتمي إليه كالعقائد الدينية والممارسات الأخلاقية والتقاليد القومية والمشاعر الجمعية من أي نوع، وهي تشكل في مجموعها الكائن الاجتماعي الآخر».
    بالتالي فإن أي تجربة فنية، تخضع للتأثير المباشر للظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وطبيعة المناخ، والتقاليد والعادات السائدة، وكل فنان تشكيلي تتكون آراؤه ومعطياته الجمالية في الفن حسب نشأته في البلد أو الموطن الذي يعيش فيه.

    شكلت البيئة مرجعاً أساسياً للفنان التشكيلي الإماراتي الذي استلهم طبيعة الإمارات، بثرائها الاجتماعي والثقافي، مقدما أعمالا فنية ناطقة تعبر عن انجذابه إلى سحر هذه البيئة وعمقها وأصالتها وتراثها الحضاري الخاص.
    هنا تبرز تجربة الفنان عبيد سرور، الذي استند في أعماله إلى الواقعية التعبيرية ليطرح نماذج الحياة التراثية الشعبية في الإمارات، عبر تكوينات من المعمار الإماراتي القديم المتمثل في الحصون، وصورة الأقواس، والزخرفات، إضافة إلى العناصر الطبيعية والتراثية كأشجار النخيل والألعاب الشعبية، محاولاً عبر المنفذ التعبيري الخروج من الواقعية الصامتة إلى مساحات مشبعة بالألوان.
    لم تقتصر أعمال سرور على نقل التشكيل المعماري والطبيعي، بل امتدت لتشمل تفاصيل الحياة الاجتماعية من خلال البحث الموضوعي في منظومة العادات والتقاليد وتصوير مشاهد راسخة من الحياة اليومية كما في لوحة «الحطابات» و«امرأة».


    دأب سرور على استخدام وتجريب ما تتيحه البيئة من مواد، كأصداف اللؤلؤ في محاولة لإضفاء ملمح تاريخي واقتصادي يشير إلى ما كانت عليه الحال قديماً والتغييرات التي حدثت بعد ذلك، وفي هذا السياق يقول سرور: «أشعر بمسؤولية الحفاظ على البيئة القائمة، وذلك يعني عدم إضافة ألوان تشوه اللون الأصلي، الذي ينطوي على ثراء تشكيلي باذخ، فالمناظر المتاحة جميلة بترابها وخرابها، وبمسحة الزمن المرتسمة فوق ملامحها، وأيضاً هي غنية بالتبدلات التي تطرأ عليها مع تغير أحوال المناخ، واختلاف الوقت».
    كما يرصد الفنان إبراهيم العوضي في عدة مراحل من تجربته الفنية، حياة البحارة والغوص للحصول على اللؤلؤ، والبراجيل كونها مفردة معمارية محلية، إضافة إلى البيوت القديمة والمعالم التاريخية، فالطبيعة منطلق أساسي في رؤيته الفنية وتجربته، وذاكرة الطفولة تختزن عوالم راسخة من حياة البحر والناس وتفاعلهما في إطار من الألفة والصراع.
    من أعمال العوضي المستوحاة من واقع بيئته المحلية، نجد لوحة تصور متحف عجمان وتبدو فيها الأبواب والأسوار مرسومة باستخدام السكين على الكا نفاس، وفي لوحة «الصراع» يصور المعاناة التي كان البحارة يعايشونها، حيث نرى السفينة تجنح جراء العاصفة، فيما البحّار يقبض على الدفة ويتشبث بالحياة، كما تُظهر لوحة «مربعة عجمان» ملامح من البيئة الإماراتية كالبراجيل والبيوت القديمة والنقوش.
    وتكشف أعمال الفنانة نجاة مكي عن هوية خاصة في استلهام البيئة الإماراتية، تقدم فيها مساحات لونية بصرية واسعة، وتكوينات قليلة، بتجريدية لونية يمتزج فيها أزرق البحر بأصفر الرمل، بأخضر الشجر، وتنويعات يعكسها وهج البحر المتشكل لونيا وحركيا على إيقاع المد والجزر، والمتهادي والمتلاطم تبعا لتبدلات الليل والنهار.
    حيث تستند مكي في ذهابها إلى هذه المناطق اللونية على ذاكرتها الشخصية، كونها المساحة الخصبة والمهيئة لترك البصمة الروحية المميزة التي تشرح علاقة الفنان بعوالم الطفولة والمخزون الزمني المتراكم فيه، وتقدمه للآخر بشكل مجرد ومليء بالأحاسيس الغامضة، في محاولة لحفظ الذاكرة الجمعية من الاندثار.
    وللفنان عبد القادر الريس نهجه الفني، الذي يركز بواقعية واضحة على الإنسان والوطن، ويستلهم التراث، ويجعل الماضي حياً وحاضراً في لوحاته. واستطاع الريس أن يؤسس لنفسه على مدى السنوات مكانة خاصة بين الفنانين الإماراتيين عبر اشتغاله على موضوع البيئة الإماراتية، فتبدت في لوحاته الصحراء والبيوت القديمة بجماليات عالية، وافتتن بتكوينات الشجر المنتصب في الصحراء والنباتات والأزهار البرية، كما صارت البراجيل، والأقواس، والنوافذ، والنخيل، والأبواب تشكل مفردات ثابتة في لوحاته، كما وظف شجرة الغاف في صحراء الإمارات والتي تعتبر شجرة وطنية، كاشفا عن جمالياتها ودورها في حياة أبناء الصحراء، باعتبارها رمزاً للصمود ومقاومة العطش، ورمزاً للظل والفيء يستظل فيها العابرون.
    وتبرز تجربة الفنان عبد الرحيم سالم في تناوله للتراث بنظرات متجددة، حيث بدأت المرحلة الأولى بإنتاج أعمال انطباعية وأخرى واقعية تحاكي البيئة والمجتمع، لينجز بعدها أعمالا ذات خصوصية، تختلف عن أعمال الآخرين مع الإبقاء على ثيمة التراث حاضرة بقوة، ولكن هذه المرة من خلال المعالجة اللونية والتكوينية للعناصر، واستخدام الخطوط التي تمثل أزمنة مفترضة، وتجلى ذلك في معرض «قلم رصاص» الذي استضافته جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1993، من ثم انتقل سالم إلى موضوعه الأكثر شهرة «مهيرة» حيث نقل البيئة التراثية بمنظور جديد ومختلف، عبر هذه المرأة التي مثلت وعبرت عن الكثير من قضايا المجتمع قديمة كانت أم آنية.
    عموما، الفنان الإماراتي امتزج بطبيعته وبيئته المحيطة، واستطاع مع الزمن وعبر التجريب أن يخلق أعمالا فنية استلهمت التراث والبيئة برؤية خلاقة متجددة، فلم يقع أسير الانطباعية والنقل والتقليد، بل حاول على الدوام أن يطور من مفاهيمه وأساليبه وتقنياته.







يعمل...
X