إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الناقد غالب هلسا (1932-1989) أديب وفاص وروائي ومترجم أردني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناقد غالب هلسا (1932-1989) أديب وفاص وروائي ومترجم أردني

    غالب هلسا (1932-1989)
    ولد غالب هلسا في قرية ماعين/مأدبا سنة 1932م. فرض عليه نبوغه المبكر في الدراسة أن يكون دائماً أصغر طالب، مما جعله يتعرض لاضطهاد الكبار. وقد أشار غالب في أكثر من حديث له إلى هذه المرحلة القاسية من حياته الأولى.
    في الرابعة عشرة من عمره شارك في مسابقة للقصة القصيرة في الأردن وفلسطين، ففاز بالجائزة الأولى. وفي الثانية عشرة التحق بالحزب الشيوعي الأردني عام 1951.
    أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة المطران بعمان، مما أتاح له إتقان اللغة الإنجليزية، والانتقال لإكمال دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت، غير أن الظروف لم تتح له إكمال دراسته هناك، فانتقل إلى بغداد حيث انخرط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي (1951-1953)، إلاّ أنه اضطر إلى مغادرة العراق إلى مصر في أعقاب هبة تشرين الثاني 1952، حيث استقر به المطاف لمدة 25 عاماً متواصلة.
    أبعد غالب من مصر إثر مشاركته في الاحتجاج على زيارة السادات إلى إسرائيل عام 1977، فالتجأ إلى العراق، ومنها إلى بيروت حيث انخرط في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان من أبرز المثقفين العرب الذين جندوا أرواحهم وأقلامهم للدفاع عن الثورة خلال حصار بيروت عام 1982.
    ظل غالب هلسا في خنادق القتال المتقدمة، يلتقي بالمقاتلين ويحاورهم، ويجري اللقاءات الإذاعية لتبثها إذاعة الثورة من بيروت.
    بعد بيروت، انتقل غالب إلى اليمن مع المقاتلين، ومنها إلى دمشق حيث بقي فيها إلى أن توفي عشية الميلاد 1989. ونقل جثمانه إلى عمّان بعد غياب استمر أكثر من ثلث قرن.
    مـــؤلـفـاتــه
    * الرواية:
    1. الخماسين، ط1، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1975، ط2، دار ابن رشد، بيروت، 1978
    2. الضحك/ دار العودة، ط1، بيروت، 1970. ط2، دار العودة، بيروت، 1979.
    3. السؤال، دار ابن رشد، بيروت، 1979.
    4. زنوج وبدو وفلاحين، ط1، دار المصير، بيروت، 1976. ط2، دار المصير، بيروت، 1980.
    5. ثلاثة وجوه لبغداد، ط1، آفاق للدراسات والنشر، نيقوسيا، 1984. ط2، دار النجمة، الرباط، 1982.
    6. سلطانة، دار الحقائق، بيروت، 1988.
    7. الروائيون، دار الحقائق، بيروت، 1988.
    8. الحارس في حقل الشوفان، د.ن.، بيروت، د.ت.
    9. البكاء على الأطلال، دار ابن خلدون، بيروت، 1980.
    * القصص:
    1. وديع والقدّيسة ميلادة وآخرون، منشورات صلاح الدين، القدس، 1969.
    * الترجمة:
    1. وليم فوكنر، بقلم كايكل ملجيت، المؤسسة العربية، بيروت، 1976.
    2. باشلار، جماليات المكان، دار الجاحظ، بغداد، 1980، وصدر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1984.
    * النقد:
    1. العالم مادّة وحركة، دراسات، دار الكلمة/ بيروت، 1980.
    2. قراءات في أعمال: يوسف الصايغ، يوسف إدريس، جبرا إبراهيم جبرا، حنّا مينه، دار ابن خلدون، بيروت، 1981.
    3. المكان في الرواية العربية، دار ابن رشد، بيروت، 1981.
    4. الجهل في معركة الحضارة، دار الحداثة، بيروت، 1982.
    5. فصول في النقد، دار الحداثة، بيروت، 1984.
    6. نقد الأدب الصهيوني، دار التنوير العلمي، عمّان، 1995.
    7. اختيار النهاية الحزينة، جمع وتحقيقك ناصر حتّر، دار المحروسة، عمّان، 1996.
    8. أدباء علّموني.. أدباء عرفتهم. جمع وتحقيق: ناصر حتّر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1996.
    9. برناردشو، د.ن.، بيروت، د.ت.
    10. الهاربون من الحرية، جمع وإعداد وتحرير: ناصر حتّر، د.ن.، عمّان/ د.ت.
    * من مراجع ترجمته:
    1. الذهبي (خيري) الروائي أم الروائيون محاولة للتقرب من عالم غالب هلسا الكتابي، مجلة الكاتب الفلسطيني، دمشق، 1989.
    2. المصلح (أحمد)، مرجعية الخطاب القصصي لدى غالب هلسا، المجلة الثقافية، عمّان، 8/1990.
    3. عبيدات (صالح)، غالب هلسا كان كاتباً وشخصية روائية، جريدة العرب، لندن، 26/1/1993.
    4. أبو نضال (نزيه)، غالب هلسا، الفارس، المتوحد والمنفي، مجلة الأفق، العدد الخامس عشر، 12-18 آب 1992.
    5. رضوان (عبد الله): بالاشتراك مع محمد المشايخ، انطولوجيا عمّان الأدبية، منشورات أمانة عمّان الكبرى، 1999.
    ليلى في رحلة العودة
    هذا الإحساس الغريب بالعالم يأتيها في مثل هذه الساعة –ساعة الغروب والإجهاد الجسدي- عندما يعذّبها هذا الهواء المحمّل بالتراب والدخان ويؤذي عينيها، يرافقه صداع وطعم حريف في حلقها كبقايا القيء؛ في تلك الساعة ينسحب المعنى من العالم كما ينسحب اللون من الوجه، فيبدو مضحكاً. هكذا تراءت لها الكباري المعلّقة فوقها مفتقدة الرسوخ والوظيفة، وسائق التروللي الذي يجلس على كرسيّه المرتفع يمسك بالمقود عابس الوجه جادّا للغاية بدا لها أيضاً مضحكاً، وفائضاً عن الحاجة كأنّه يؤدّي طقساً.
    ورعبها من الملامسة، من اقتحام حصانة الجسد، كان حاضراً على شكل رفض لتحويلها إلى طفلة، على شكل خوف من تعرٍّ مفاجئ... وهو يصبح في هذه الساعة اشمئزازاً من الجسد، من أن تلمس جسدها.
    قالت لنفسها: "أنا قوية".
    ردّدتها لنفسها، ولكنّها تطفو فوق هذا المذاق المر المضجر للأشياء. وبالتدريج أخذت هذه العبارة ترسخ، مخترقة سطح السأم، مجاورة له. وأخذت تتشكّل بهذا الاقتناع. ترى نفسها من الخارج: كيان متماسك، شامخ العنق، محسوب الحركة، والقوّة، كانت تحسّ بها كمجال ملزم لمن حولها، كقدرة فذّة وبارعة في الساعدين الساكنين، في الأصابع. ومن خلال تلك الرؤية الودودة جداً، والتي تزعم الحياد. كانت تتحدّد.
    قالت لنفسها: "أنا قويّة".
    وكان ذلك يعني أيضاً السيطرة على تلك السيولة التي تشكلّها وفق رغبة الآخرين. وكان ذلك أيضاً يعني قسوة على الذات، وقتل الرغبات والخوف: الامتناع عن الانحناء لرؤية وجه ذلك المتسكّع الذي لا يبدو منه إلا جزؤه الأسفل حتّى وإن كان –كما تصوّرت- إنساناً تعرفه، إسكات تأنيب الضمير فهذا الذي كانت تسير بجواره كان يثير أعصابها ولكنّها الآن تشعر بتأنيب.
    على موقف ميدان التحرير التق عيناها بعيني أحد الواقفين على المحطّة. كان يحدجها بنظرة ثابتة، وقحة، مدينة، ساخرة. تولاّها الخوف –خوف ترجوه، خوف مريح- كانت عينان نافذتان، تتخلّلانها وتشعرانها بأنّ هنالك خطأ ما عليها أن تصلحه. ساءلت نفسها:
    لماذا هو غاضب؟
    سار التروللي وهبط عليها ركود ثقيل. ودّت لو تموت. (انفتح باب الشقّة. خلفه ذلك الوجه الصامت، المغلّف بالعنف، المنذر-وجه الأب حاولت جاهدة أن تبعد تلك الصورة).
    وسط زحام التروللي كانت تعرف ماذا تريد: عتمة حجرتها وملمس اللحاف يحيطها من كل جانب. في ذلك الخَدَر يفقد الآخرون سطوة حضورهم المحلّلة، فتستطيع أن تطيل مداعبة جرحها، ممارسة الرثاء للذات دون رقيب أو خوف.
    توقف التروللي ففقدت ذلك الاهتزاز الرتيب الذي كان يتخللها مهدهداً، ويوجّه انفعالاتها. هبطت وهي تصارع زحام الهابطين والطالعين. كانت غاضبة، غضب خيبة الرجاء. أعادت خصلة نافرة من شعرها إلى موضعها، لمست جبينها بأصابعها فأكّدت لزوجة الملمس إحساسها بالاشمئزاز من الجسد. أتى الغضب عاصفاً، يمدّ جذوره في اليأس يبحث عن موضوع. أتى الموضوع مع إيقاع الخطو السريع.
    الفتاة اللعوب ذات المظهر البريء –هذه مهم للغاية المظهر البريء- تختطف الحبيب. هنا تتوقّف. تطلب إلى الشارع العريض، والمارّة، والحلاّق الذي يقف بباب الدكّان، وغالب الذي ولد عندها الصداع (وماذا تريد من الوجودية، والسوريالية، والشيوعية، و...؟)، والخوف الذي ينتظرها حتى تستمتع بمداعبة جرحها الغائر.
    تتقدم نحوه مبتسمة ولكنّه عابس، مستغرق في قراءة كتاب، متظاهر أنه لا يراها. هنا يتحطّم التسلسل التاريخي للأحداث، تحاول أن تعود من البداية، ولكنّ ذلك التسلسل ينفلت منها زاخراً صاخباً... يهينها أمام الجميع، إذ تأتي الأخرى –ذات المظهر البريء- فينهض واقفاً. تقترب ليلى لتمسك بيده، فينتزع يده بعنف. ها هما يسيران، كتفاهما متلاصقان، ويدعانها وحيدة، وجميع العيون تنظر إليها.
    ثم...
    تدقّ الجرس، دقة خائفة، وتنتظر. إنّها تعلم أنّه في الداخل. تضغط ضغطة طويلة قويّة. تسمع خطوه مسرعاً، صوته يقول: "أيوه" يفتح الباب ويراها. تتّسع عيناه. يقف صامتاً فتدخل بثقة وتغلق الباب خلفها. يقف أمامها سادّاً عليها الطريق، ولكنّها هي أيضاً لا ترغب في الدخول. كلمة واحدة سوف تقولها وتمضي.
    -لا ترغب في الدخول. كلمة واحدة سوف تقولها وتمضي.
    -لماذا لم تستعملي التيلفون؟
    -بالطبع لأنّ النمرة مشغولة على طول ظننته معطّلاً.
    يقول أنّه يعرف أنها تكذب. تقول إنّها تعرف أنّ الأخرى في الداخل، وهي لا ترغب في الدخول. تودّ أن تقول كلمة وتمضي. وجهه منتظر.
    فلتقل كلمتها وتمضي. ولكنّها ليست على جل لتتجرّع الإهانة حتّى النهاية لتبرّر العقاب المقبل. يقول إنّها فيما يبدو فاضية ويدعوها للخروج بحسم وغضب... لا، لا، ليس هكذا. صوت الأخرى يأتي من الداخل:
    "مين"
    يضطرب ويدفعها إلى الباب...لا، لا، إنّ هذا لن يتيح لها أن تقول كلمتها بالبرود والثقة اللازمين... إنّها تقف شامخة، معتدة. يحاول أن يمنعها من التقدم، ولكنّها لا تتقدّم، فتبدو محاولاته مضحكة. تقول:
    سوف تندم!
    وتنصرف
    ثم...
    إنها سوف تصبح نجمة، ممثّلة، مخرجة، كاتبة، المهم أنّها مشهورة وهنالك على الدوام أناس يتجمّعون أمام بابها، يحاولون الدخول، ودائماً هنالك من يمنعهم. وذلك الباب ليس باب بيتها ولكنّه مكان العمل –أضواء صفراء في ممرّات طويلة، وصخب، وعمّال، وموظّفون يروحون ويجيئون بحيويّة واستغراق.
    أما هو...
    فيجد الأخرى متلبّسة. خدعته براءتها... وها هو الآن يبدو في الشوارع منادياً باسم ليلى التي لم يصدقها، ولم يعرفها على حقيقتها... ها هو بملابس رثّة يهيم نادباً غفلته. إنّه يعزف عن الطعام...
    وهي تزداد لمعاناً. وكان ذلك يعني: فريجيدير ضخم للغاية، فوتيلات مريحة، أضواء غير مباشرة، شبابيك مطلّة على النيل. طلبات تلبّى دون أن يكون لأي شخص تلك الحضور اللحوح. يأتون وينصرفون وكأنّهم بلا قوام.
    يرهقها حلم اليقظة، ويملؤها بالملل.
    دخلت باب العمارة وفكّرت أنّها نهاية اليوم. وفي أعماقها ترقب ذلك الخوف الذي ينتظرها عندما تغادر المصعد. قالت لنفسها إنّها نهاية الحياة. الأرض مرشوشة بالرمل. خطواتها فوقه تحدث صراخاً مكتوماً كعظام تتهشّم.
    تتوقف أمام باب المصعد منتظرة هبوطه. تراه صاعداً، مشبوحاً، كأنّ مؤخرته تحاول اللحاق بأعلاه. ترقبه وهو يتمطّى في ذلك السرداب المظلم يحاول الانفلات من السير باستقامته.. كأنّما يتأهب للانطلاق إلى رحابة عالم بلا قضبان.
    تراه يعود مطلقاً دائرة معتمة من الضوء في ظلام السرداب. يتوقّف أمامها أمش مرتعش الضوء، مهدّداً بالهبوط في ظلمة راكدة. يرتجّ تحت أقدامها، يبدأ في الصعود مطلقاً عويلاً مختنقاً، تتخلّل ذبذباته المرتعشة جسدها، وخلال ذلك تعيش خطواتها داخل البيت.
    وترى العيون: العيون العجوز التي تشبه كرة من الماء العكر، العيون الساخرة، العيون الفتيّة التي تطالع الحياة بجديّة مبالغ فيها، العيون التي تتصنّع الدهشة، العيون المستنكرة، العيون البقرية الواسعة في وجوه خائفة ورعة، العيون السوداء الحادّة النظرة في وجه تلهبه حمرة الخجل، العيون النافذة الآمرة، عيون الأطفال الوديعة... كلّها تنظر باستقامة وورع، حاملة الإدانة المستبقة، تشعرك أنّ هنالك خطأ ما يجب أن تبادر إلى إصلاحه. عيون تحدد مساراً مستقيماً: المدرسة، ثم الجامعة، ثم الوظيفة، الزواج والأطفال وحسن السيرة... تقول إنّك كل يوم سوف تزدادين غنى واحتراماً، وسمنة، وفي آخر الطريق سوف يراك الجميع في قمّة مجدك، سمينة، محترمة للغاية، بلهاء، متأهبة للسقوط في هوّة العدم. عيون تقول: لماذا تأخرت حتّى الآن؟ لماذا لم تتفوقّي في الدراسة؟
    هل تكلّمين الصبيان؟
    خطو واحدة، ثم أخرى، وسوف تقف وحيدة، مرتعشة في وجه ذلك السيل الكاسح من الورع
يعمل...
X