إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ميلان كونديرالكاتب الكبيرايتحدث عن كونديرا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ميلان كونديرالكاتب الكبيرايتحدث عن كونديرا

    كونديرا يتحدث عن كونديرا





    كونديرا: أوروبا أفلست في أن تعرف كيف تفكر في الرواية
    حسونة المصباحي
    انطلاقا من عام 1985، قرّر الكاتب الكبير ميلان كونديرا المقيم في فرنسا منذ السبعينات من القرن الماضي، عدم إجراء أيّ مقابلة مع الصّحافييّن. وحتى عندما اتّهم عام 2009 بالتّعاون مع أجهزة الاستخبارات الشيوعية في ما كان يسمى بتشيكوسلوفاكيا، خلال سنوات شبابه، فإنه ظلّ ملتزما بقراره، مفضّلا أن يعرض على قرّائه الذين يعدّون بالملايين، أفكاره وآراءه من خلال ما يكتبه من روايات، أو من خلال كتبه النّظريّة مثل «فنّ الرواية»، أو «الوصايا المغدورة».
    في خريف عام 1993 طلبت جريدة «لوموند» الفرنسيّة إجراء حوار مع ميلان كونديرا صاحب كتاب «الضّحك والبكاء» وذلك عقب صدور كتابه «الوصايا المغدورة» الذي كتبه بلغة موليير، غير أنه رفض الطلب مفضلا نشر نصّ نظري فيه استعرض أفكاره، وآراءه حول أعماله الروائيّة.
    وفي بداية هذا النصّ كتب يقول: «ليس هناك في مسيرتي الروائية أية قطيعة بين ما كتبته في بوهيميا الشيوعيّة، وبين ما كتبته من روايات في فرنسا انطلاقا من «الخلود»، والتي تدور أحداثها في فرنسا. والاعتقاد بأنّ هناك قطيعة، خصوصا تلك التي تكون محتومة ولا مفرّ منها يخضع إلى شكل جماليّ يجعل الرواية محلّ سؤال.
    والبعض يحاولون أن يجدوا في ذلك شهادة عن بلد أو عن مجتمع، مثال ذلك: روايتي «الحياة في مكان آخر» التي تروي قصّة شاعر شابّ في الحقبة الستالينيّة (نسبة إلى ستالين) الأشدّ قسوة واحتدادا. لكن عليّ أن أقول بأنّني لم أزعم من خلالها التفكير في أن أساعد القرّاء على اكتشاف الستالينيّة.
    ففي عام 1969 بعد أن انتهيت من كتابة الرواية، كان ذلك الأمر قد أصبح من البديهيّات، غير أن موضوع الرواية كان وجوديّا يتمثل في الشّعر، الشّعر الثوريّ في حقبة الإرهاب «الشيوعي»، والذي ألقى بضوئه غير المنتظر على الميل الغنائيّ الأزليّ للإنسان.
    وفي رواية «الخلود» لم يكن الموضوع «مجتمع المشهد» في الغرب راهنا، ذلك أن الإنسان كان لا يزال ميّالا إلى مثل هذا المجتمع الاستعراضي. وكان لا يزال يحمل في نفسه بذرة هذا المجتمع، الذي هو في حقيقة الأمر انعكاس على مستويات اجتماعيّة موسّعة للمشكل الوجودي الدائم، مشكل صورة الإنسان في عيون الآخرين، وهو مشكل يشغلني منذ كتابي الأوّل.
    أمّا الأمر الثّاني فهو الاعتقاد بأنّ العالمين، الشّيوعي والدّيمقراطي، في تناقض مطلق. من النّاحية الاقتصاديّة والسياسيّة يمكن أن يكون الأمر هلى هذه الصّورة، أمّا بالنسبة إلى الروائي، فإنّ نقطة الانطلاق هي الحياة الموضوعيّة للفرد.
    ومن هذه النّاحية هناك تشابه يدهشنا بين العالمين، عندما رأيت في تشيكوسلوفاكيا العمارات السكنية الشعبية المتشابهة، اعتقدت أنني أشاهد السّمة التي يتميّز بها الرّعب الشيوعي، وفي بربريّة الأبواق التي تطلق عاليا، وفي كلّ الأمكنة موسيقى رديئة، كنت أتحسس الرّغبة الجامحة في تحويل الأفراد إلى مجموعة من الحمقى والمغفّلين الذين يوحّد بينهم نفس الصّخب المفروض عليهم. فقط في ما بعد، فهمت أن الشيوعيّة تكشف لي بطريقة كاريكاتوريّة ومبالغ فيها، الملامح المشتركة للعالم الحديث ونفس البيروقراطيّة للسّلطة والكلية الوجود، وفيها يعوّض صراع الطبقات بغطرسة المؤسّسات تجاه المستعمل لها، وانحطاط المهارة المهنيّة وتفاهة شباب الخطاب الرسميّ والعطل التي تنظّم للقطعان البشريّة وبشاعة الريف التي تختفي منه يد المزارع.
    وبين كلّ هذه القواسم المشتركة، هناك الأسوأ المتمثّل في عدم احترام الحياة الشّخصيّة للفرد، وهو شيء يتمّ تبريره بالإعلاء من شأن الحقّ المقدّس بالتّبليغ عن ذلك (…). من هذه النّاحية، تبدو لي تجربة الشيوعيّة وكأنّها مدخل للعالم الحديث بصفة عامّة، وقد جعلتني أشدّ حساسيّة أمام الظّواهر العبثيّة التي نجد أنفسنا جاهزين لتحسّسها في الغرب الرأسمالي كما لو أنها مبتذلة ابتـذالا بريئا، أو كما لو أنها سمة أساسيّة للديمقراطيّة المقدّسة.
    وفي تحليله للمكانة المتميّزة التي تحتلّها الرواية في تاريخ أوروبا الثقافي والفلسفي، طلب ميلان كونديرا يقول: «لقد أفلست أوروبا في أنها لم تعرف أبدا كيف تفكر في الرواية، الفنّ الأكثر أوروبية. افتحوا أيّ كتاب أو أيّة أنطولوجيا، وسوف تجدون أن الأدب الكوني يعرّف كما لو أنه مجموع الآداب القومية، وكتاريخ للآداب جميعها.
    مع ذلك، ولكي نظلّ في مجال الرواية، كان شتارن قد تأثّر برابليه وديدرو بشتارن وغوته بديدرو. فمنذ البداية كان منطق التطوّر متجاوزا للحدود الوطنيّة والقوميّة. وقد أكّد ذلك غوته في العديد من المرّات وبإلحاح، إنّ زمن الآداب القوميّة قد ولّى ليجيء زمن الأدب العالمي، وهذه الفكرة هي جزء من وصيّة غوته وهي وصيّة تمّ الغدر بها مثل وصايا أخرى، والسبب في ذلك هو أن النقد وتاريخ الأدب لا يعرفان كيف يخرجان من اختصاصهما الجغرافي.
    إنّ تحليل رواية مَا في سياقها الوطنيّ هو بالتّأكيد شيء جيّد ومفيد لكي نفهم الدّور الذي لعبته في تاريخ شعب من الشعوب، غير أن هذا لن يكون كافيا إذا ما نحن تناولنا هذه الرواية كعمل فنّيّ، لذلك فإنّ السّياق الأوروبي في مثل هذا الجانب مهمّ وأساسيّ، وهذا السّياق هو الذي يقول لنا ما الذي قدّمته الرواية للشعب وما قدّمته للفنّ الروائيّ بصفة عامّة، وما هي المظاهر غير المستكشفة للوجود التي تمكّنت من أن تضيئها وما هي الأشكال الجديدة التي ابتكرتها. وهذا هو معنى فكرة غوته: «وحده السّياق العالمي الذي ينتهك حرمة الحدود القوميّة المرسومة هو الذي يكشف القيمة الجماليّة للعمل الفنّي».
    ومتحدّثا عن نفسه وعن تجربته يقول كونديرا: «من خلال تجاربي وأذواقي، أنا أنتمي إلى وسط أوروبا، وقد تأثّرت في فترة التّكوين بكافكا وموزيل أكثر ممّا تأثّرت بدوبيسّي وبروست. لكن في الحلقة الوسطى من عمري هاجرت بصحبة زوجتي إلى فرنسا. وهذا الحدث هو الأهمّ في حياتي كلّها وهو مفتـــاح وجــــودي كما هو مفتاح عملي».
يعمل...
X