ما من شك في أن الوضع العربي الراهن بكل تجلياته قد ألقى بظلاله على الإنتاج الثقافي فمال إلى السلبية والقناعة ، واضمحلت بذلك أسئلة الذات والهوية في غياهب الروح الاستسلامية والفتور الذي طال مفاصل الحراك الاجتماعي وأعاق النشاط الإبداعي فنزع إلى الاستهلاك ، والتسليم للوافد والمنتَج الخارجي ، ومن يستطيع الوقوف أمام هذه المضخات الإعلامية الكبرى ، والوسائل الاتصالية التي تغمر الكوكب ، تتلاعب بالعقول وتصنع الآراء والأذواق ؟ من الذي يقف محافظا على هيئته وملامحه وثوبه الثقافي ؟ إنه ذلك الذي يستمد شرايينه من الأرض التي يقف عليها وتتصل همته بالسماء ، ممتلئ الكيان بمعناه وأشواقه وأحلامه ، فيتمسك بحقه في الوجود وأخذ الكلمة وإبداع الرأي ، باعتباره كائنا له مميزاته وفرادته وكونه الذي لايمكن إلغاؤه أو اقتلاعه ، وله أسئلة كثيرة واحتجاجات صاخبة على عالم تختل فيه الموازين وتضطرب فيه القيم والمعايير، ذلك الإنسان العربي المطالَبُ بالتحدي والعنفوان مازال بحاجة ماسة إلى رياح الحرية ودروب الحركة والإنطلاق ، أي أن إبداع الذات لايكون إلا في ظلال الحرية وتنفيذ العشق لايتم إلا في فضاء الانعتاق من القيود والأغلال . في غياب ذلك تنكفئ الكلمات وتنطوي على نفسها وتلجأ إلى الهمس أو المصانعة والنفاق ، أو الإنفعال والحماس ، فتسقط في كل الحالات في فعل مرتبك متوتر، يخاتل الواقع والسائد متوجسا من الرقابات، قلِقا كأن الريح تحته .
هذا ما ينطبق تقريبا على حالتنا الأدبية الراهنة إذ تقلص فيها حضور الإبداع الحق وتراجعت مكانة القراءة والكتاب لأسباب متنوعة أبرزها انهيار الثقة بالأفكار والقيم في عصر يحتكم إلى القوة المادية ، إلى جانب اتساع الهوة بين “النخبة ” والناس إذ تضخم السلوك ” الديبلوماسي” لدى عدد من “المثقفين” على حساب الحقيقة ، فتراجع العديد منهم عن الإنتصار لسلطة المعرفة وانخرط في معرفة السلطة بما توفره من راحة وظلال وعيش رغيد ، وانساق آخرون في النهج “الإنتهازي ” باقتناص “الندوات “و”الملتقيات ” هنا وهناك للإرتزاق وربط العلاقات المصلحية ـ وهذه الحالة تشمل “المبدعين” وعددا من النقاد على حد سواء ـ ،أما الإنتاج الثقافي فإن القارئ لايجد فيه ما يسدّ جَوعته إلى المعنى والصدق والأمل الحقيقي ، كل ذلك إلى جانب اكتساح الصورة و”الكليب” للمجال السمعي والبصري بفعل تكريس ثقافة الترفيه والتسلية والترويح ، وغمط الأصوات الجادة ، فساهم ذلك في تحييد النصوص الإبداعية الحقيقية ، وفسح المجال “للموضة” أو “الومضة” إلى الحد الذي يتعجب فيه السامع أو القارئ من الكثير من نصوص الأغاني و”الكليبات” التي لامعنى لها أصلا والتي تُصب على الناس صباح مساء ، كُرها وكُرها . إن العزوف عن النص نابع من زلزال الثقة في النص أصلا وفي مدى جدوى كلمات بلا معنى وبلا رسالة ،.. يضاف إلى ذلك فقدان شريحة من رموز الإبداع لمصداقيتهم الفكرية وتراجعهم عن الوقوف مع قضايا الناس والأرض والهوية ، لقد فقد الكثير منهم حتى مصداقيتهم الأخلاقية وانغمس في زجاجة اتخذ من عنقها قلما وألما وعالما فريدا…هنا ” نتفهّم” موقف القارئ السلبي من كثير من الشعر الحديث ، لأنه لا يفهمه ولا يجد فيه ذاته ولا قضاياه ، بل إنه لا يجد فيه معنى أو وموقفا ، كما يعسر عليه تذوقه والصبر عليه .. وإذا استثنينا العوامل الموضوعية المتعلقة بالمجتمع العربي والتي أشرنا إليها في البداية ، فإن المسؤولية تقع مباشرة على عاتق المبدع أو الشاعر في حالتنا هذه ، لأنه تخلى عن أن يكون صوت ذاته وبريد أمته أو شعبه إلى العالم ، وتخلى عن دوره كمثقف مناضل في سبيل قيم الحق والعدل والحرية ، ولم يجتهد في إبداع تجربة تليق بلغته ومكانته التاريخية من حيث النضج والعمق ، على نحو تعود فيه اللغة إلى نبض الشارع ، وتنفتح على عوالم جديدة وآفاق رحبة .
هذا ما ينطبق تقريبا على حالتنا الأدبية الراهنة إذ تقلص فيها حضور الإبداع الحق وتراجعت مكانة القراءة والكتاب لأسباب متنوعة أبرزها انهيار الثقة بالأفكار والقيم في عصر يحتكم إلى القوة المادية ، إلى جانب اتساع الهوة بين “النخبة ” والناس إذ تضخم السلوك ” الديبلوماسي” لدى عدد من “المثقفين” على حساب الحقيقة ، فتراجع العديد منهم عن الإنتصار لسلطة المعرفة وانخرط في معرفة السلطة بما توفره من راحة وظلال وعيش رغيد ، وانساق آخرون في النهج “الإنتهازي ” باقتناص “الندوات “و”الملتقيات ” هنا وهناك للإرتزاق وربط العلاقات المصلحية ـ وهذه الحالة تشمل “المبدعين” وعددا من النقاد على حد سواء ـ ،أما الإنتاج الثقافي فإن القارئ لايجد فيه ما يسدّ جَوعته إلى المعنى والصدق والأمل الحقيقي ، كل ذلك إلى جانب اكتساح الصورة و”الكليب” للمجال السمعي والبصري بفعل تكريس ثقافة الترفيه والتسلية والترويح ، وغمط الأصوات الجادة ، فساهم ذلك في تحييد النصوص الإبداعية الحقيقية ، وفسح المجال “للموضة” أو “الومضة” إلى الحد الذي يتعجب فيه السامع أو القارئ من الكثير من نصوص الأغاني و”الكليبات” التي لامعنى لها أصلا والتي تُصب على الناس صباح مساء ، كُرها وكُرها . إن العزوف عن النص نابع من زلزال الثقة في النص أصلا وفي مدى جدوى كلمات بلا معنى وبلا رسالة ،.. يضاف إلى ذلك فقدان شريحة من رموز الإبداع لمصداقيتهم الفكرية وتراجعهم عن الوقوف مع قضايا الناس والأرض والهوية ، لقد فقد الكثير منهم حتى مصداقيتهم الأخلاقية وانغمس في زجاجة اتخذ من عنقها قلما وألما وعالما فريدا…هنا ” نتفهّم” موقف القارئ السلبي من كثير من الشعر الحديث ، لأنه لا يفهمه ولا يجد فيه ذاته ولا قضاياه ، بل إنه لا يجد فيه معنى أو وموقفا ، كما يعسر عليه تذوقه والصبر عليه .. وإذا استثنينا العوامل الموضوعية المتعلقة بالمجتمع العربي والتي أشرنا إليها في البداية ، فإن المسؤولية تقع مباشرة على عاتق المبدع أو الشاعر في حالتنا هذه ، لأنه تخلى عن أن يكون صوت ذاته وبريد أمته أو شعبه إلى العالم ، وتخلى عن دوره كمثقف مناضل في سبيل قيم الحق والعدل والحرية ، ولم يجتهد في إبداع تجربة تليق بلغته ومكانته التاريخية من حيث النضج والعمق ، على نحو تعود فيه اللغة إلى نبض الشارع ، وتنفتح على عوالم جديدة وآفاق رحبة .
تعليق