إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إدارة الصراع والعشوائية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إدارة الصراع والعشوائية




    إدارة الصراع والعشوائية
    إبراهيم مرعي
    المصدر : جريدة الخليج

    منذ انطلاق المشروع الصهيوني في أواخر القرن التاسع عشر إلى حين ترجمته على أرض الواقع على أرض فلسطين العام ،1948 وحتى يومنا هذا، كان العرب يفتقدون المشروع المضاد، أي الاستراتيجية الواضحة والمحددة التي تمكنهم من مواجهته، في حين كان الصهاينة يعملون على الدوام وفق خطة واضحة وينتقلون في تنفيذها من مرحلة إلى أخرى .

    الصهاينة، ومن معهم من دول غربية، عملوا بدأب منذ اللحظة الأولى على تكريس وتثبيت دعائم الكيام الصهيوني، ووفروا له كل الإمكانات المادية والاقتصادية والعسكرية كي يكون قوياً ومتفوقاً في بيئة جغرافية وثقافية وتاريخية وعقائدية معادية ورافضة لوجوده، باعتباره يشكل رأس حربة للمشروع الاستعماري الذي يستهدف السيطرة على المنطقة ومقدراتها وثرواتها وموقعها الاستراتيجي، في مزاوجة غير مسبوقة بين الفكر الصهيوني والاستعماري الغربي .

    كل ذلك كان يتم وفق رؤية واضحة واستراتيجية محددة تعمل الحكومات “الإسرائيلية” المتتالية على تنفيذها .

    في المقابل اتسم العمل العربي بالعشوائية وعدم التخطيط، ولم يحاول العرب لمرة واحدة التخطيط لمواجهة المشروع الصهيوني، من خلال وضع استراتيجية طويلة المدى تستخدم فيها كل الامكانات والقدرات الاقتصادية والمادية والسياسية والاعلامية والعسكرية .

    نعرف أن الصراع طويل المدى وربما يحتاج إلى أجيال نظراً لطبيعة مشروع العدو وأهدافه ومكامن قوته، وأن المواجهات والمعارك معه تتخذ أشكالاً مختلفة، عسكرية ودبلوماسية وثقافية واعلامية، لكن العرب لم يقدموا مشروعاً مقابلاً، واقتصرت أعمالهم على ردود الفعل فقط .

    إن إدارة الصراع تتم وفق خطط وتشرف عليها مؤسسات تعرف ماذا تريد وماذا ترفض، وكيف تدير المواجهة سلماً أو حرباً، وترصد العدو وتعرف ماذا يخطط، ومكامن ضعفه وقوته .

    في وضعنا العربي، انهارت كل سدود الصد والممانعة بعد كامب ديفيد، لم يعد هناك مجلس دفاع عربي مشترك، ولا اتفاقية دفاع مشترك ولا مقاطعة اقتصادية، كل دولة فتحت على حسابها، واختارت الوسيلة التي تناسبها للانفتاح على العدو، حتى “مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها قمة بيروت العام 2002 كانت عاجزة ومهيضة الجناح لأنها تفتقد الآليات والمتابعة، وتفتقد قوة التنفيذ .

    وعلى مدى سنوات الصراع تم طرح الكثير من الافكار والخطط والمبادرات، بعضها يقوم على قاعدة “خذ وطالب”، وبعضها يدعو إلى دولة واحدة ثنائية القومية، وبعضها يؤكد كل الحق الفلسطيني من البحر إلى النهر، وبعضها الآخر يقبل بحدود العام 1967 ويطوي صفحة الصراع .

    إن أياً من هذه الأفكار والمبادرات والحلول لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار استراتيجية يتم وضعها والعمل عليها وفق مخطط علمي واضح ومدروس يستخدم كل مستلزمات نجاحها، وتشارك فيها كل الدول العربية، ومعها كل القوى الحية في المجتمعات العربية القادرة على الانخراط في المواجهة .

    إن العدو الصهيوني هو عدو استثنائي، إنه ليس استعماراً عادياً تقاتله فيرحل، إنما هو عدو احتلالي استيطاني عنصري توسعي يستند في وجوده إلى أباطيل تعتبر فلسطين “أرض الميعاد” وترفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني أو أي شعب آخر باعتباره من “الأغيار” يتوجب استباحته، وهذه من فرائض الدين اليهودي .

    يوم إعلان قيام “إسرائيل” قبل 62 عاماً خطب ديفيد بن غوريون قائلاً: “ليست هذه نهاية كفاحنا، بل إننا اليوم قد بدأنا، وعلينا أن نمضي لتحقيق قيام الدولة التي جاهدنا في سبيلها من النيل إلى الفرات . . إن “إسرائيل” لا تشكل هدفاً في حد ذاته، وليست تجسيداً كاملاً للرؤية الصهيونية، إن الدولة وسيلة إلى هدف، والهدف هو الصهيونية” .

    عندما نعيد قراءة بن غوريون وغيره من القادة الصهاينة، وننظر إلى وضعنا الراهن، ندرك معنى أن يتم التخطيط للوصول إلى الهدف، كما ندرك معنى التخبط والعشوائية وحالنا الذي نحن فيه.
يعمل...
X